المنشور

اللجنة الوطنية للمتقاعدين تنتظر الدّعم

إنّ تأسيس لجنة وطنية للمتقاعدين بادرة تستحق الشكر من القائمين عليها من المتقاعدين القدماء. وهي خطوة رائعة حتى ان جاءت متأخرة. بيد أنّ السؤال الذي يتبادر الى الذهن هو لماذا لجنة وطنية للمتقاعدين؟ الاجابة: لاكثر من سبب اهمها الاهتمام بقضاياهم والدفاع عن حقوقهم والاستفادة من تجارب الكثيرين منهم ونقل خبراتهم لاخوانهم الموظفين أولاً والدفاع عن مكاسب مصالح المتقاعدين في الدرجة الثانية الذين بقوا يعانون الاجحاف. 


ثمة تصوّر بأنّ حياة المتقاعد هي نهاية الحياة وهو تصور خاطئ ولابدّ من اعادة مفهومه بما ينسجم مع الواقع. ذلك انّه من الضرورة دخول المتقاعدين في آفاق ارحب تعزز من عطائهم وبذلهم المستمر. التقاعد هو بداية لحياة جديدة وفرصة لاكتشاف الذات. وانّ العمل والابداع ليس محصوراً بسن محددة وهناك من استطاع اجتراح أجمل الابداعات بعد نهاية الخدمة. أي بعد الستين من العمر كالفنان العالمي مايكل انجلو الذّي ابدع أجمل اعماله الفنية الخالدة وهو في الثمانين. وهناك معمر تجاوز التسعين من العمر تمكن من تسلق قمة افرست ومعمرة فرنسية ناهزت المئة عام ولم تزل تمارس ركوب الدراجة الهوائية. أمّا الرئيس الاميركي ابراهم لنكولن فانه اصبح رئيساً للولايات المتحدة بعد ان تجاوز سن التقاعد بثمانية اعوام… انّ سنوات الخبرة لهذه الشريحة على مدى عقود ثلاثة اكسبتهم تجارب وخبرات متعددة وكان يجب ان تستثمر بما يحقق للشخص للفرد أولا وللمجتمع ثانياً. هكذا كانت تتعامل دول الشرق والغرب مع هذه الطاقات الخلاقة. 


والتجربة اليابانية يمكن الاستشهاد بها كنموذج جدير بالاحتفاء. اذ انّ هذه الدّولة اعدّت الخطط لاعادة توظيف ذوي الخبرات كمستشارين في الادارات الحكومية مع منحهم امتيازات تناسب سن التقاعد. واعتقد أنّ هذا ينسجم مع طموح اليابانيين في العمل المتواصل والانتاج حتى آخر يوم في حياتهم. 


ونتيجة لما يعانيه المتقاعدون لدينا من اوضاع بائسة من تهميش واهمال وفراغ نفسي وعوز وحرمان فانّ الدعوة الى تاسيس كيان كاللجنة الوطنية المشار اليها تحتضنهم يصبح اكثر من ضرورة لا مناص منها وبالاخص في هذه السن. 


نود الاشارة الى انّ تاسيس لجنة وطنية للمتقاعدين ليست فكرة طارئة بل هي مترسخة في عدة بلدان عربية كمصر والسودان والجزائر والمغرب والاردن وفلسطين وتطورت الجهود الى انشاء اتحاد للمتقاعدين العرب. 


لا يخامرنا ادنى شك أنّ قيام نقابة للمتقاعدين البحرينيين ستكون موضع احتفاء من جميع المتقاعدين لسبب بسيط وهو أنهم كانوا بعد عقود طويلة من العطاء بلا مظلة تحميهم وتسعى لرعايتهم وتحسين شروط الحياة النفسية والمعيشية. ما يتطلع اليه المتقاعدون بعد ان تخرج اللجنة الى الوجود هو ليس فقط تحسين الاوضاع المادية لهم بل الاهمّ هو رعاية شؤونهم الصحية والامل ان تسعى لجنة المتقاعدين لتأسيس ناد صحيّ يمارسون فيه الرياضات بمختلفها ذلك انّ الاندية الخاصة تفوق طاقات الاغلبية منهم على الالتحاق بها. 


انّ انشاء لجنة للمتقاعدين يمثل حلما للمتقاعدين طال انتظاره لانتشالهم من حالة السأم المدمرة. وستكون بديلاً للبعض منهم ممن يقضون جُلّ أوقاتهم في المجمعات التجارية التي تحولت الى ملاذٍ آمن لهم يجدون فيها الراحة والمتعة مما لا توفره أماكن أخرى. 


من بين طموحات المتقاعد أن تحقق اللجنة المنتظر قيامها في القريب هو تجسيد الضمان الصحيّ نظرا لكون المتقاعدين في هذه السنّ عُرضةً للامراض وعلاجها مما تفوق قدراتهم المحدودة. 


واليوم يقع على عاتق الدّولة اعداد الخطط للاستفادة من خبرات المتقاعدين في مختلف التخصصات المهنية والادارية.
اقرأ المزيد

ما بين الطائفة والمواطنة في الدولة المدنية الحديثة – يعقوب سيادي

المواطنة هي الطائفة الأعم والأكبر، والجامعة التي تجمع مواطني
الدولة، وتتفرع منها طوائف وجماعات أخرى تصغر وتكبر، في أغلبية وأقلية، هذه
الطوائف والجماعات لا تنسلخ عن الأصل في المواطنة، وهي الأساس، وإنما
تجمعها انتماءات فرعية متعددة، قد تكون دينية أو مذهبية أو سياسية أو
فكرية، لذلك فعدالة الدساتير والقوانين، وسواسية المواطنين
وكرامتهم، أمامها، تخضع للتصنيف الأساسي للمجتمع في المواطنة.

الطائفة أو الجماعة، سواء كانت إثنية، دينية، مذهبية، قبلية أو عائلية،
سياسية، مهنية أو علمية تخصصية، هي واقع اجتماعي، لا غبار عليه، وترى بعض
الطوائف والجماعات الصغيرة تندمج بالتقارب في طائفة أو جماعة أكبر، ولكن
أكبر الطوائف هي الطوائف الدينية، بين الإسلامية والمسيحية مثلاً، ومثل
الطوائف المذهبية، بين الطائفة الشيعية والسنية، وكلتا الطائفتين، تجتمع
تحت عباءتهما، طوائف وجماعات أصغر منها من اختلافات فقهية دينية، ومثلها
الجماعات السياسية، التي تجمع بين أفراد من هذه الطوائف الدينية والمذهبية،
لتتطيّف حول رؤية سياسية مشتركة، فلا يعيب أحد غيره إن انتمى الى طائفة
غير طائفة الآخر، وإن فعل فإنما أعاب غيره بما في نفسه.

المجتمع منذ أمد التاريخ وفي الحداثة، تأسس على أساس الطوائف والجماعات،
التي بدأت من الأسرة ثم العائلة، في شد أزر أفرادها لبعضهم البعض، وكذلك
في القبيلة، إلا أن المرحلة التاريخية الاجتماعية، حكمت العلاقات بين أفراد
هذه الطوائف والجماعات، وتوالدت لعلاقاتها أعراف بمثابة القوانين، التي
فرضها التطور الفكري الاجتماعي عبر مراحل التطور.

ولن نطلق العنان للسباحة الى ظلام التاريخ، فما انقضى منه قد انقضى، وما
عاد منه إلا أنه عتبات اندثرت إلا أنها قادت المجتمعات، وأرّقتْ البشرية
الى الدولة الحديثة، في علاقات الطوائف والجماعات ببعضها، وتراكم الخبرات
البشرية الاجتماعية والسياسية، التي أوجدت القوانين الحديثة، تلك القوانين
المحلية والإقليمية، التي عابها بعض القصور، في فترات سيادة الطائفة أو
الفرقة الأقوى، من حيث استحواذها على مصادر ووسائل الثروة والقرار، وتمكنها
من الهيمنة العنيفة أو التهديد بها، ضد باقي طوائف وجماعات المجتمع، ما
صغر منها وما كبر، ما جعل الآخر الواقع عليه الظلم الاجتماعي، يبدأ في
التململ، وإطلاق الصوت نداءً لحقوقه.

بدأت المجتمعات في التكوين البشري لها، بالهجرة من بقاع مختلفة، تنقصها
سبل العيش الأساسية، الى تلك البقاع الأيسر عيشاً، سواء عن طريق الهجرة
الفردية والعائلية، أو عبر الهجرات القبلية، وسواء كانت تلك الهجرة سلمية
في مهاجريها وفي مستقبليهم، أو كانت عنيفة عبر حروب الاستيلاء، التي قادتها
الاكتشافات الجغرافية للبقاع البعيدة، ما جعل إجمالي الكرة الأرضية،
مسرحاً للهجرة منها وإليها.

وهكذا استقرت الشعوب، كل في مساحة من الأرض بما فيها من مصادر طبيعية،
وما حولها من بحار بثرواتها الأحيائية، بغض النظر عن قاطنيها الأصليين
والوافدين اليها، وتطور النظام الاجتماعي لكل من هذه الشعوب، تفاعلاً
بداخلها وتأثراً بغيرها من أنظمة الشعوب الأخرى، الأمر الذي أوجد الحاجة
الاجتماعية والسياسية، لترسيم الحدود، وبدء الانتماء الحدودي (الوطني) لهذه
الشعوب، الذي خلق علاقات التعاون في بعضها والتضاد في بعضها الآخر، ما نشأ
على إثرها مفهوم الدولة، المحدد في عناصرها الثلاثة، الأرض والشعب وسلطات
إدارة الدولة، وتطورت في الدولة، العلاقة بين الشعب والسلطات، من الاحتكار
الى الشراكة في الدولة المدنية الحديثة، ثم الى سيادة الشعوب على سلطاتها
ومصدريتها، لترتقي العلاقة بين الأفراد وفي تشكيل السلطات، على أساس
المواطنة المتساوية الحقوق والواجبات.

ومن حيث طبيعة الإنسان كما باقي الخلق، في ميله الى الالفة والاجتماع،
بقيت الطوائف، وستظل الى الأبد، ما أوجد في الدولة المدنية الحديثة آليات
ومعايير جديدة لخلق الطوائف وعلاقاتها ببعضها، في مؤسسات المجتمع المدني،
التي توسعت بالإضافة الى الطائفة الدينية والمذهبية، الى الجماعات السياسية
والمهنية والتخصصية، والعمرية والجندرية، وتطورت أسس قوانين العلاقات الى
مبدأ المواطنة، في استنان الدستور الذي يؤسس لتشريعات القوانين المختلفة،
في علاقة فردية ما بين جميع المواطنين في الدولة، بأسس ثلاثة، الكرامة
الإنسانية والعدل والمساواة.

فالمواطنة هي الطائفة الأعم والأكبر، والجامعة التي تجمع مواطني الدولة،
وتتفرع منها طوائف وجماعات أخرى تصغر وتكبر، في أغلبية وأقلية، هذه
الطوائف والجماعات لا تنسلخ عن الأصل في المواطنة، وهي الأساس، وإنما
تجمعها انتماءات فرعية متعددة، قد تكون دينية أو مذهبية أو سياسية أو
فكرية، لذلك فعدالة الدساتير والقوانين، وسواسية المواطنين وكرامتهم،
أمامها، تخضع للتصنيف الأساسي للمجتمع في المواطنة، وما للتفرعات الطائفية
والجماعية الأخرى إلا النزوع الى حماية حقوق أفرادها الخاصة، التي تندرج
تحت الحقوق العامة للمواطن، دون تمييز ولا مس لأفراد طائفة بعينها على حساب
الطوائف الأخرى في المجتمع.

فللطوائف والجماعات حق في توفير الدولة لها الاحتياجات الفرعية، وعلى
القدر نفسه بحسب احتياجات الطوائف والجماعات الأخرى، في تقسيم الموارد
المخصصة لهذه الاحتياجات لكل طائفة وجماعة تكافلاً، في – مثلاً – بناء
المساجد والكنائس للطوائف الدينية، والمساجد والمآتم والمضائف، للطوائف
المذهبية، والمقار والدعم المالي للطوائف والجماعات السياسية والمهنية
وغيرها من طوائف وجماعات الدولة المدنية الحديثة، أما الحقوق العامة
للمواطنين، من السكن والعمل والرعاية الصحية والتعليمية، والحقوق المدنية
والسياسية الخ، وكذلك الواجبات والمحاسبات العامة، فهي متساوية لجميع
المواطنين، وواجب على الدولة، أن تحفظ لكل طائفة أو جماعة، كيانها،
وحمايتها من التطاول والمس بها من قبل الطوائف والجماعات الأخرى.

اقرأ المزيد

إغراق الجيوش العربية



الجيش
العراقي غارق حتى أذنيه في أوحال الحرب الأهلية، الطائفية والمذهبية
والعرقية النزعة، وذلك منذ 9 إبريل/ نيسان عام ،2003 التاريخ الذي شهد سقوط
عاصمة الرشيد تحت الاحتلال الأمريكي، والذي دشّن حقبة الاستعمار الأمريكي
المباشر لأول مرة في تاريخ المنطقة العربية، بإجراءين سريعين وبالغي
الخطورة على الدولة العراقية ومقوماتها كياناً سيادياً متكاملاً ومستقلاً،
وعلى نسيجها المجتمعي المتداخل والمتصاهر، وهما:


1-
إعطاء الضوء الأخصر لأكبر عملية استباحة ونهب في التاريخ المعاصر لرموز
وكنوز أعرق وأعظم الحضارات الكونية، ونقصد بذلك كنوز المتاحف العراقية .


2-
إصدار الأوامر بتسريح وتصفية الجيش العراقي الذي يعد أحد أكبر الجيوش
العربية وأقواها، وذلك بأوامر مباشرة من “بول بريمر” الحاكم العسكري للعراق
الذي عينه – ويا لمهازل التاريخ – الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش
(جورج بوش الابن) في 9 مايو/ أيار 2003 رئيساً للإدراة المدنية المشرفة على
“إعادة إعمار العراق” .


والجيش
العربي السوري هو الآخر غارق منذ أكثر من سنتين في أوحال الحرب الأهلية
التي اتخذت هي الأخرى منحىً طائفياً ومذهبياً وعرقياً، والتي حوّلت القسم
الأعظم من سوريا الوطن إلى مناطق منكوبة بفعل الدمار والخراب الهائل الذي
يُذكّر بمشاهد الحرب العالمية الثانية، والأبشع منه الدمار الذي لحق
بالإنسان السوري نفسه وأحاله إلى حطام .


ومنذ
مطلع عام 2011 تجري محاولات على قدم وساق لجرجرة الجيش المصري للخوض في
مستنقع حرب عصابات على الجماعات الإرهابية المتحصنة في سيناء، والتي راحت
تشن هجمات يومية منظمة على منشآت ورجال القوات المسلحة المصرية منذ الضربة
التي تلقّاها الإخوان المسلمون بعزل الرئيس محمد مرسي عن سدة الحكم .


وفي
اليمن وجد الجيش اليمني نفسه فجأة وهو يخوض غمار حرب ضارية على عناصر
ميليشيات تنظيم القاعدة التي راحت تشن، بأسلوب حرب العصابات، هجمات منسقة
على قيادات الجيش والقيادات الأمنية اليمنية، على غرار حرب العصابات التي
يشنها فرع التنظيم في مصر على الجيش المصري .


ومازالت
فرص توريط الجيش اللبناني في الحرب الباردة المندلعة بين المكونات
السياسية اللبنانية وما يتخللها من حوادث أمنية، والزج به في حروب مناطقية
متنقلة، قائمة بقوة . وما التهدئة الظاهرة التي أعقبت معركة “عبرا” بمدينة
صيدا الجنوبية التي خاضها الجيش اللبناني مع جماعة أحمد الأسير “الجهادية”،
سوى هدنة غطاها سياسياً فرقاء الصراع الساخن على الأرض اللبنانية .


وهناك
الحرب الأهلية التي ما انفك الجيش السوداني يغوص في أوحالها، حتى بعد رضوخ
السودان للضغوط الأمريكية والأوروبية الهائلة وموافقته على التخلي عن
أراضيه الجنوبية لمتمردي جنوب السودان .


في
القراءة الأولية السريعة سوف يبدو لنا الأمر وكأنه إفراز طبيعي للتمظهرات
المتجاسرة والمستفزة ل “لاهوت” الاستبداد، المقفلة أمامه، تقريباً، كل
منافذ تنفيس السخط الناجم عنه . إنما مع إعادة كَرّة قراءة أمر هذا التطور
النوعي الخطر، لمرتين أو ثلاث، سوف نجد أنفسنا، على الأقل، أمام تساؤل
أوّلي ومنطقي، هل هي المصادفة التاريخية التي أملتها شروط التطور السياسي
والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والنفسي التي حكمت دورة الركود التطوري
الطويلة نسبياً في معظم البلاد العربية والتي جعلت من الجيوش العربية الحصن
الضامن لعدم انفلات الأمور وخروجها عن 


السيطرة،
إلى انهيار الدول بعد ارتفاع منسوب السيل الجارف للسخط المتراكم؟ نقول هل
إن شروط التطور المشوه تلك قد جعلت بالفعل من الجيوش العربية إحدى ضحايا
التصدعات التي بدأت معالمها ترتسم وبسرعة على قسمات حالة ال”ستيتوس كوا”
الهاجعة في “ملكوتها” لأكثر من خمسة عقود؟


نعم
قد يكون الأمر كذلك، ولكن، برغم ذلك تبقى الجيوش العربية، في ظل فسيفساء
الأسقام المتعددة والمعقدة المتوطنة، تقريبا، في كل مناحي الحياة السياسية
والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمعات العربية، هي الضامن الوحيد
لصون وحدة التراب الوطني وتماسك الجبهة الداخلية، وهذا ينطبق على نحو خاص
على البلدان العربية المركزية، لاسيما منها ما تسمى بدول الطوق المحاذية
ل”إسرائيل”، من حيث إن تحديات الجبهة الداخلية المشار إليها بالإشارة إلى
فسيفساء الأسقام إياها، وإنما تتصل بتحديات خارجية حقيقية تفوق في الواقع
خطورة التحديات الداخلية، وذلك برسم وقائع الصراع العربي – “الإسرائيلي”
ومنها الحروب العدوانية الصهيونية والتهديدات المتواصلة بشنها .


بهذا
المعنى فإنه لا جدال في أن حالة عدم الانضباط التنموي وعشوائيته المرتجلة
الناشئة عن تقيّحات ممارسات دولة الشرق الاستبدادية، قد وضعت الجيوش
العربية في الموضع “الدفاعي” الذي وجدت نفسها فيه . إنما هذا جانب واحد من
جوانب فرضية الاحتمالات، المرجحة على أية حال . فهناك جانب آخر وإن بقي
مستفيداً من الغموض الذي مازال يلفه رغم وجود بعض المؤشرات الحسية وغير
الحسية التي تُرجح امكانية حدوثه . الفرضية تتعلق بهدف استراتيجي وآخر
مرحلي . أما المرحلي فيتمثل في إشغال واستنزاف جيوش الدول العربية المركزية
واستهلاكها، لاسيما منها ما تُسمى بدول الطوق . وأما الاستراتيجي فيتمثل
في تحويل بلدانها إلى دول شبه فاشلة من الناحية العملية حتى من دون
الاضطرار “لتتويجها بهذا اللقب” “بفضل” الفوضى العارمة التي “ترفل” بها .
اقرأ المزيد

لو طبقت التوصيات لما وصلنا لهذا الوضع

مهما حاول البعض التقليل من شأن التقارير التي تصدرها المنظمات العالمية والحقوقية، واتهام هذه التقارير بالانحياز لطرف على حساب آخر، ومهما حاولت السلطة التنصل من تنفيذ توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، التي تعهدت بتنفيذها، كما تعهدت بعد ذلك لجميع دول العالم أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة بتنفيذ 176 توصية، فإن ذلك لن يغير من الواقع المعاش شيئاً، ولن يقنع المواطنين بتحسين أوضاعهم الحقوقية والسياسية، ولن يثنيهم عن متابعة المطالبة بتحقيق مطالب مشروعة قدمت من أجلها العديد من التضحيات.

ورغم أن السلطة تقول إنها نفذت جميع التوصيات التي تقدم بها بسيوني، إلا أن الواقع يثبت عكس ذلك، فحتى الآن لم يتخذ أي إجراء لتنفيذ التوصية الثانية الخاصة بـ «وضع آلية مستقلة ومحايدة لمساءلة المسئولين الحكوميين الذين ارتكبوا أعمالاً مخالفة للقانون أو تسببوا بإهمالهم في حالات القتل والتعذيب وسوء معاملة المدنيين، وذلك بقصد اتخاذ إجراءات قانونية وتأديبية ضد هؤلاء الأشخاص بمن فيهم ذوو المناصب القيادية، مدنيين كانوا أم عسكريين، الذين يثبت انطباق مبدأ «مسئولية القيادة» عليهم وفقاً للمعايير الدولية» حسب بسيوني.

كما لم يتم حتى الآن تنفيذ التوصية الثالثة عشرة والتي تنص على «تعويض عائلات الضحايا المتوفين بما يتلاءم مع جسامة الضرر وتعويض كل ضحايا التعذيب وسوء المعاملة والحبس الانفرادي».

والأهم من كل ذلك، انه ليس هناك حتى الآن نية حقيقية وجادة لتنفيذ أهم توصية خرجت بها لجنة تقصي الحقائق وهي «ضرورة إعداد برنامج للمصالحة الوطنية يتناول مظالم المجموعات التي، حتى لو كانت تعتقد أنها، تعاني من الحرمان من المساواة في الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وأن تعم الفائدة منها على كافة طوائف الشعب البحريني».

قبل أيام قليلة أصدرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» تقريراً انتقدت فيه التوصيات التي خرج بها المجلس الوطني خلال جلسته الاستثنائية في 28 يوليو/ تموز الماضي، إذ أكدت المنظمة أن «فرض سلسلة من إجراءات الطوارئ سيؤدي إلى تقييد شديد للحقوق الأساسية، وأن من شأن الإجراء المقترح منح الحكومة سلطات مفرطة لتقييد حقوق من قبيل حرية التجمع والتعبير».

وأشار البيان إلى أن التوصيات الـ22 الصادرة عن البرلمان، تفرض قيوداً جديدة على حرية التعبير، وحظراً غير محدد المدة على التجمعات العامة كافة في العاصمة المنامة، كما تدعو السلطات إلى إسقاط الجنسية عن البحرينيين المدانين بجرائم الإرهاب، وتقترح إعلان «حالة السلامة الوطنية» بغرض «فرض الأمن والسلم الأهلي».

إن التضييق على الحريات العامة وفرض قيود على المواطنين لن ينهي المشكلة، بل سيزيدها عمقاً وتعقيداً، وما كان لنا أن نصل إلى هذه الحالة من الاحتقان، لو كانت هناك نية حقيقية لتحقيق مطالب الناس، والتي نذكّر بها مجدداً، حكومة تستمد شرعيتها من رغبة الناس، دوائر انتخابية عادلة، فتح ملف التجنيس السياسي، القضاء على التمييز بين المواطنين، محاربة الفساد المالي والإداري، استقلال القضاء… هل هذه المطالب مستحيلة التحقيق؟

اقرأ المزيد

من التالي بعد بلعيد والبراهمي؟



في
السادس من فبراير/شباط ،2013 اغتيل الزعيم اليساري التونسي، المعارض
العنيد، شكري بالعيد برصاص الغدر الإرهابي الأسود أمام منزله . وقد علقنا
يومها على هذه الجريمة في مقال نشر على هذه الصفحة عَنونّاه “شكري بلعيد
ليس الأخير” . 


وهاهي
يد الغدر تمتد مرة أخرى لتغتال الزعيم الوطني والقومي الناصري التونسي
البارز محمد البراهمي، أيضاً أمام منزله، لكي يكون للجريمة وقع صادم أكبر
على أفراد أسرته وعلى التيار الوطني الذي يمثله وعلى أبناء الشعب التونسي
الذين يرون في البراهمي أحد الأعمدة الصلبة التي يتكئون عليها ذودا عن
مصالحهم .


وسيكون
ضرباً من الوهم والسذاجة بمكان الاعتقاد أن قائمة اغتيال الرموز والقيادات
والشخصيات الوطنية البارزة تقتصر فقط على اسمي الشهيدين بلعيد والبراهمي .
فالثابت من وقائع الأمور الجارية على الساحة التونسية على مدى العامين
الأخيرين، ومن تسلسلها، ومن البيئة، الرسمية وغير الرسمية، الحاضنة للظاهرة
الارهابية، إن لم تكن راعية لها، ولمجاميعها المتدثرة بأردية مختلفة، أن
هنالك أجندة خفية لهذه الجماعات التكفيرية التي تحتفظ بعلاقة مريبة مع
أحزاب الاخوان المسلمين الحاكمة في تونس وغيرها من البلدان التي ضربتها
أعاصير “الربيع العربي” .


غنيٌ
عن القول إن تونس من الدول العربية القليلة جدا التي قطع فيها مسار
التمدين التراكمي على طريق بناء الدولة المستجيبة لشروط الحداثة والحضارة
المعاصرة، شوطاً كبيراً . . وهي التحولات التي أنتجت، طبيعياً، رموزاً
ومعالم للدولة التونسية المدنية الحديثة .


فكان
لابد من تصفية هذا الإرث الحضاري التقدمي لوقوعه على تضاد مع المنظورات
الايديولوجية الماضوية للجماعات التكفيرية التي ازدهرت سوقها تحت أفياء
أنظمة الحكم الإسلامية الجديدة، إذ ترى هذه الجماعات في هذا الإرث “لبوسا”
غريباً على البيئة ونمط الحياة الإسلاميين، وترى في الرموز والشخوض التي
تمثل كل تيارات التحديث والعمران، على حد تعبير عبدالرحمن بن خلدون الحضرمي
(1332-1382)، أهدافا ل”الإزالة” بسبب انحيازها للإنسان ولقيم التسامح
والتقدم .


وبهذا
المعنى، وفي جريمة الاغتيال الجديدة، لا تخدعنك هرولة وزير الداخلية
التونسي لطفي بن جدو، لعقد مؤتمر صحافي خصيصاً للكشف بسرعة البرق عن هوية
منفذ جريمة اغتيال البراهمي، وهو، كما قال، السلفي بوبكر حكيم، المسؤول
نفسه، حسب الرواية الحكومية، عن مقتل الشهيد شكري بلعيد، وباستخدام السلاح
نفسه في عمليتي الاغتيال!


فهل
يُعقل أن يتم التعرف إلى هوية منفذ جريمة اغتيال البراهمي في ظرف أقل من
24 ساعة، بينما بقي التحقيق في جريمة اغتيال بلعيد أسير المراوحة والمراوغة
والتسويف، على الرغم من أن هذا الارهابي الخطير، كان معروفا لدى السلطات،
وهو متورط في أكثر من عمل جرمي، ناهيك عن أنه كان يقيم في منزل يقع على
مقربة من سكن الشهيد شكري بلعيد، وكان قيد المراقبة والتعقب، كما أفصحت عن
ذلك السلطات التونسية . فما الذي منعها من اعتقاله؟!


المثير
والباعث على الارتياب أن نور الدين البحيري الوزير المعتمد لدى رئيس
الحكومة علي العريض وقبل 24 ساعة من اغتيال الرمز الوطني محمد البراهمي، أي
يوم الأربعاء 24 يوليو الماضي، عقد مؤتمراً صحافياً أعلن فيه أن الحكومة
التونسية المؤقتة (التي يهيمن عليها حزب النهضة) تعرّفت إلى “مدبري ومنفذي”
عملية اغتيال المعارض اليساري البارز شكري بلعيد . وكان رئيس الحكومة علي
العريض قد أعلن في 26 فبراير/شباط الماضي، وكان حينها وزيراً للداخلية، عن
اعتقال ثلاثة أشخاص مشتبه فيهم في مقتل بلعيد . لتعود وزارة الداخلية في
إبريل/نيسان الماضي وتعلن أنها تلاحق 5 مشتبهين هاربين بينهم القاتل
المفترض كمال القضقاضي المحسوب على التيار السلفي، علماً بأن كمال القضقاضي
هذا هو رفيق بوبكر حكيم الذي تتهمه الحكومة باغتيال محمد البراهمي!!


ماذا
يعني هذا؟ . .هل هو يعني أن وصول الإخوان إلى الحكم في تونس قد فتح الباب
على مصراعيه لتمكين وتسهيل عمل ونشاط الجماعات التكفيرية بكل حرية وتجاسر؟ .
.سواءً تم ذلك بتواطؤ أو تغاضي من حكامها الجدد؟


من
الواضح أن هذا هو بالضبط ما حدث تماماً، على ذات المنحى الذي سارت عليه
الأحداث في مصر وليبيا واليمن تالياً . الأمر الذي جعل ما كان يُسمع عنه
ويُشاهَد عبر التلفاز في جبال ووديان أفغانستان وباكستان من روايات ومشاهد
طالبانية وقاعدية، بعضها يعود إلى ما قبل التاريخ الميلادي، واقعاً مُعاشاً
في كثير من الأنحاء العربية . حتى غدت الظاهرة الإرهابية العنوان الأبرز
والأهم في قائمة التحديات التي تتهدد المستقبل العربي .


إنه
سؤال في غاية الصعوبة، خصوصاً بعد التعقيدات التي أضافها للمشهد، دخول
حركة الإخوان المسلمين على خط أزمة افتكاك عقدة التطور والتحول الانتقالي
السلس للمجتمعات العربية .
اقرأ المزيد

لماذا فشلت التحركات لإعادة اللحمة الوطنية؟

مع اشتداد الأزمة الطائفية في البحرين واتساع الهوة بين مكونات المجتمع،
طرح مجموعة من المخلصين في البلد عدداً من المبادرات الشجاعة لإعادة
اللحمة الوطنية، والتقريب بين مكونات المجتمع بعيداً عن الاستقطابات
السياسية والأيدلوجية، ولكن مع الأسف مع مرور الوقت أيقن هؤلاء أن الجرح
اتسع بأكثر مما يمكن معالجته بالنوايا الصادقة والحب الخالص لهذا الوطن.

في
أواخر شهر يناير/ كانون الثاني 2012 اجتمع ما يقارب من 300 مواطن من
الطائفتين في نادي العروبة ليشكّلوا «الملتقى الوطني»، الذي هدف إلى تعزيز
الروابط والوحدة الاجتماعية، والحفاظ على النسيج الاجتماعي البحريني، كما
أعلن بعد فترة قصيرة عدد من المواطنين في المحافظة الوسطى تشكيلهم لـ
«مجموعة تواصل» حيث أكّدوا في بياناتهم أن الهدف الأساسي من تشكيلهم
للمجموعة هو نبذ الطائفية والانقسام الطائفي في المجتمع والسعي إلى تبني
ونشر وإشاعة ثقافة وقيم التسامح والاعتدال وترسيخ مفهوم المواطنة القائمة
على الإيمان بالوحدة الوطنية.

وفي شهر يوليو/ تموز من العام نفسه
أطلق سهيل غازي القصيبي المؤسسة البحرينية للمصالحة والحوار المدني بمساندة
سمو ولي العهد، حيث تعمل هذه المؤسسة على تنظيم الفعاليات والأنشطة
الاجتماعية والتوعوية وغيرها لتسهيل تبادل الأفكار بين مختلف شرائح المجتمع
بهدف تعزيز المصالحة والحوار المدني، وتعزيز التلاحم الوطني عن طريق
الحوار الهادف.

جميع هذه المبادرات وغيرها، ورغم تأكيدها على أن
نشاطها اجتماعي بالدرجة الأولى، اصطدمت بواقع تجاهلها من قبل البعض وعدم
الجدية في التعامل مع ما تطرحه من مبادرات لإعادة لم الشمل، وفي أحيان
كثيرة تم معاداتها ومحاربتها والتشهير بالقائمين عليها.

وحسب آخر
تقرير للقاء الوطني، فبعد أربعة أشهر من العمل في إيصال فكرته للمجتمع
البحريني، حيث قام بترتيب لقاءات مع الجمعيات السياسية الفاعلة لطرح فكرة
الحوار بين أطياف المجتمع للخروج من الأزمة، «كان رد الجمعيات السياسية
المعارضة إيجابياً في حين اتسم موقف جمعيات ائتلاف الفاتح بعدم المرونة،
كما رفضت الاجتماع بالجمعيات المعارضة، ووضعت شروطاً مسبقةً قبل المشاركة
في أي الحوار، كما أن هذه الجمعيات لم تكتفِ برفض المبادرة، ولكنها لم
تقدّم أو تقترح حلولاً أو بديلاً يخرج البحرين من أزمتها الراهنة».

هذا
ما يخص الجمعيات السياسية وتعاملها مع مبادرات إعادة اللحمة الوطنية، أما
ما يخص الحكومة فإن موقفها لم يكن أفضل من جمعيات ائتلاف الفاتح، فلم تبدِ
الحكومة أي تشجيع أو تبنٍّ أو المشاركة بجدية في مبادرات إعادة اللحمة
الوطنية، وإنما طرحت بدائل هزيلة، لذر الرماد في العيون كمبادرة «وحدة
وحدة» وغيرها من المبادرات التي طرحت للاستهلاك الإعلامي فقط.

وبالطبع
كان للإعلام الرسمي وشبه الرسمي الدور الأكبر في محاربة أي تحرك للمصالحة
الوطنية، من خلال الترويج لثقافة الكره والحقد بين أفراد المجتمع، وبث
الخوف بين الناس، وللأسف استطاع هذا الإعلام أن يجهض جميع المبادرات
المنادية بالوحدة الوطنية وإعادة اللحمة بين أفراد المجتمع الواحد.

اقرأ المزيد