المنشور

“الاستعمار” باقٍ إلى حين



في
ضوء استمرار وجود 16 منطقة مازالت تحت السيطرة الاستعمارية الأمريكية
والبريطانية والفرنسية . لم تكن الأمم المتحدة بتركيبتها الحالية جادة بما
يكفي للتعامل مع مشكلة القضاء على الاستعمار وآثاره، مثلما أنها لم تبذل ما
يكفي من جهد للخروج بتعريف دولي متفق عليه حول الإرهاب .


فمن
الغرابة بمكان أن الأمم المتحدة التي تسرف في حديثها عن استمرار وقوع 16
منطقة في العالم -وهي بالمناسبة جزر صغيرة متناثرة لا يتجاوز إجمالي عدد
سكانها جميعاً المليوني نسمة – لا تأتيِ في تقاريرها تلك على الفضيحة
الأكبر وهي الاستعمار الصهيوني لأرض فلسطين وشعبها الذي يناهز سبعة ملايين
نسمة موزعين بين مناطق الشتات والمناطق المحتلة .


والذي
لا ريب فيه أن الأمم المتحدة الواقعة تحت سطوة الولايات المتحدة والبلدان
الحليفة لها في أوروبا الغربية، قد اختارت التعامل مع قضية الاستعمار
“الإسرائيلي” للأراضي الفلسطينية والعربية، باعتبارها حالة خاصة “Special case”،
هي من اختصاص الولايات المتحدة حصرياً، التي لا تسمح، كما هو معروف لأي
دولة أو منظمة بالاقتراب منها إلا لو كانت مقتضيات العلاقات العامة وإضفاء
طابع الإجماع الدولي الشكلي على خطوات أو إجراءات  تنوي اتخاذها في إطار تأمين ظهر الحليف “الإسرائيلي” التابع  تقتضي ذلك .


ولما
كانت الولايات المتحدة وحليفاتها بلدان أوروبا الغربية، قوى استعمارية
تقليدية سابقة، هي التي أنشأت الكيان الصهيوني وأمدته، ومازالت، بأسباب
القوة والحياة . فهذا يعني أن العقلية الاستعمارية وسياساتها المستنبطة،
مازالت حية وفاعلة لدى دهاقنة الطبقات السياسة المتبادلة لكراسي الحكم في
الغرب الرأسمالي .


وهناك
أمثلة عديدة على استمرار عمل قادة الدول الكولونيالية بنفس عقلياتها
ومناهجها السياسية المتصلة بعلاقاتها الدولية . تابع ودقق مثلاً كيف تتتبع
محطة هيئة الإذاعة البريطانية – إحدى أذرع السياسة الخارجية البريطانية
-الأحداث وتطورات وقائعها في الدول غير المرضي عنها من مستعمراتها السابقة،
وكيف تغطيها بشكل كيدي وتأليبي يروم أبلسة حكامها، مثلما هو حادث، على
سبيل المثال، مع زيمبابوي (روديسيا الجنوبية قبل الاستقلال) المستعمرة
البريطانية السابقة (1888-1980)، وذلك في انحياز مكشوف إلى القوى المناوئة
للنظام  القائم هناك على أمل تمكينها من إطاحته وتسلمها زمام السلطة وإعادة علاقات التبعية مع لندن .


ومن
جنوب القارة السمراء إلى شمالها، إلى مصر، حيث شهدت الأيام القليلة
الماضية تكالباً دبلوماسياً مكوكياً، رابَطَ في القاهرة خلالها طاقم من
الاتحاد الأوروبي بقيادة كاثرين أشتون، بالتوازي مع تواجد “ثقيل” لمبعوثين
أمريكيين على رأسهم وليم بيرنز نائب وزير الخارجية وجون ماكين صقر
الجمهوريين المعروف بعلاقاته المريبة مع من يُسَمّون بالجهاديين وزعيم
الجناح المؤيد بقوة لتمكين الإخوان من الصعود إلى سدة الحكم في العالم
العربي . لقد حضر كل هؤلاء إلى القاهرة ومارسوا عليها في الكواليس ضغوطات
من أجل التوصل إلى صفقة تسمح بإعادة الإخوان إلى واجهة الحكم .


العقلية
ذاتها للطبقة السياسية المهيمنة هي التي حملت الرئيس الأمريكي الأسبق بيل
كلينتون إلى القارة السمراء أواخر شهر يونيو/حزيران الماضي، زار خلالها
عدداً من بلدانها مثل تنزانيا والسنغال للترويج “لصندوق كلينتون وتشيلسي”
(صندوق يحمل اسمه واسم ابنته أنشأه كما قال لتنفيذ برامج إنمائية (بنية
أساسية) في إفريقيا ومكافحة مرض الإيدز في القارة، بينما يصب هذا الجهد في
إطار سياسة قضم النفوذ، خصوصاً بعد أن تمكنت الصين من تثبيت أقدامها بقوة
في القارة، وهو ما اعترف به كلينتون نفسه أواخر شهر يونيو/حزيران الماضي في
مقابلة مع ال “بي بي سي” حين قال بالحرف “نحن نلعب لعبة الاصطياد مع
الصين” .


ومع
ذلك هنالك فرق بين ما يقوم به الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون في سياق
جهود الطبقة الأمريكية الحاكمة، لتعظيم مصالح ونفوذ بلاده في القارة
السمراء، وبين ما قام به النظام السياسي الأمريكي ومن خلفه الدول الأوروبية
الحليفة، من ممارسة ضغوط هائلة على مصر لتقرير شكل ونوع تركيبة نظامها
السياسي . فالأول يندرج في إطار العمل “الدعوي” السياسي والبروباغندا
والتنافس الذي لا تعترض عليه الإطر الشرعية ومنظوماتها القانونية، اللهم
إلا من النواحي الأخلاقية ربما، في حين أن الهجمة “الناعمة” المشار إليها
في الحالة المصرية، تندرج بالضرورة في إطار الممارسة الفعلية لعقلية
الوصاية الاستعمارية التي مازالت تستند إلى المبدأ الفلسفي ل “فريدريك
نيتشه” وأضرابه “الحق صنو القوة”، وعلى مغانم النظام الذي أشادته بعد
انتصارها في الحرب العالمية الثانية على ألمانيا النازية .


الصين
وروسيا راحتا هما أيضاً تجاريان نزعة النفوذ والهيمنة الغربية في القارة
السمراء . وقد نجحتا، لاسيما الصين، في خلق مواطئ أقدام اقتصادية ثابتة
لهما في عديد بلدانها . ولكنهما يفتقدان إلى الخبرة التاريخية ومواقع
النفوذ الكولونيالية التي مازال يتمتع بها الغرب الأمريكي والأوروبي .
فضلاً عن تفوقه عليهما في مجالات الميديا ولغة التخاطب وسلاح حقوق الإنسان
المرتبط بالجانب “البروباغاندي” للآلة الإعلامية “الفتاكة” .
اقرأ المزيد

هل من برنامج للمصالحة في حوار التوافق الوطني ؟!



تقديم :

تؤكد أحداث 14 أغسطس بما عرف بحركة ( تمرد ) صحة ما سبق وأن أكدت عليه الكثير من الفعاليات الوطنية بأن خطابا مثل خطاب هذه الحركة بكافة التيارات التي ينتمي إليه هو خطاب يتجاوزه واقع مجتمع البحرين ومكوناته وميزان القوى و لا توجد في البحرين تربة خصبة لمثله، فهو يتجاوز قوى المعارضة المطالبة بالإصلاح ، ولن تحقق أهدافه حرق الإطارات والوسائل العنيفة الأخرى المرفوضة من مكونات الشعب ومن القوى الوطنية وشخصياتها التي تطالب بضرورة الخروج من الأزمة السياسية من خلال الحوار الجاد نحو أصلاح سياسي واقتصادي ينقل البحرين نحو تحول ديمقراطي حقيقي . ( انظر مقالنا المنشور على موقع التقدمي قراءة في واقع البحرين السياسي ) .

أن الظروف الموضوعية والذاتية من حيث مكونات المجتمع البحريني ومحيطه الإقليمي ومن حيث ميزان القوى ودرجة استعداد قوى المعارضة الناشدة للإصلاح ومستوى وحدتها وثبات موقفها تؤكد بأنه لا سبيل للخروج من الأزمة السياسية إلا بالحوار مع الحكم ، الحوار الجاد الشاخص نحو الخروج من الأزمة السياسية .

غير أن على الحكم أن يدرك كذلك ، أن الخيار الأمني بما رافقه من اعتقالات واسعة ومداهمات لحرمة المنازل في معظمها جاءت خارج القانون ، وما صاحبه من تضيق لمساحة الحريات النسبية التي تحققت ليس خيارا ناجعا للخروج من الأزمة السياسية التي تعصف بالبحرين ، هذا الخيار الذي كلف ميزانية الدولة الكثير من الأموال على حساب التنمية بنواحيها المختلفة ، كما على الحكم أن يدرك بأن توصيات المجلس الوطني بما تمخض عنها من تعديلات على قانون حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية بتشديد للعقاب لن يساهم في مكافحة ما سمي بالإرهاب بل يزيده.
أن الخيار الوحيد للخروج من حالات العنف والعنف المضاد يكمن فقط في تحقيق المزيد من العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد المالي والإداري وتعزيز أسس التحول الديمقراطي الحقيقي.

في هذا الإطار فأن على القوى السياسية بكافة تلاوينها وكافة الشخصيات الوطنية التي تنشد الإصلاح أن تشخص أبصارهم نحو الحوار الوطني المزمع استئنافه بتاريخ (28 أغسطس/ آب 2013)، بحيث تتم معالجة ما شابه من تعثر ومن سلبيات مر بها خلال المرحلة المنصرمة ، وأن تدرك هذه القوى بأن الجدل الذي أستمر طويلا في جلسات حوار التوافق الوطني حول تمثيل الحكم في هذا الحوار، على الرغم من أهمية هذا التمثيل ، فأن استمرار الجدل حوله دون الدخول في مناقشة جوهر وأساس الأزمة السياسية التي عصفت في البحرين ومعالجتها ، جعل من هذا الحوار فاقدا للأهمية يدور حول نفسه ، وعلى الرغم من رؤيتنا للصعوبات التي ستواجه هذا الحوار في التوافق على الأسباب الجوهرية للازمة السياسية وطريقة معالجتها غير أن ذلك لا يعدم أمكانية التوصل لمثل هذا التوافق متى ما توافرت الإرادة الصادقة والجادة للخروج من الأزمة ، غير أنه يتعين التأكيد على انه ليس بضرورة أن القضايا التي لا يتم التوافق عليها ليست لها أهمية في معالجة الأزمة ، ونحسب من المهم للغاية أن يسجل الحوار إلى جانب القضايا المتوافق عليها تلك القضايا الكبرى التي لا يتم التوافق عليه ، فالغاية من الحوار هو طرح وتحديد ومناقشة القضايا التي حددت أزمة البحرين السياسية ووضع الحلول لمعالجتها وآلية تنفيذها .

في مقابل ذلك فإن على الحكم أن لا يأتي لهذا الحوار المستأنف بعقلية المنتصر أمنيا أو بتوصيات المجلس الوطني المطعون في عدم دستوريتها ، وأن لا يستقوي بالقوى السياسية المساندة له داخل الحوار، بل عليه أن أراد للحوار النجاح الوقوف على مسافة واحدة من القوى السياسية وأن يقدم برنامجا للحوار ينقذه من العقم يجمع أطرافه صوب القواسم المشتركة ، ونحسب أن الحكم هو المعني وهو القادر على وضع الحلول الأولية للخروج ليس من أزمة الحوار فحسب ، بل الخروج من أزمة البحرين السياسية .

ولعل في التوصية المسكوت عنها رقم ١٧٢٥/ ب من توصيات لجنة تقصى الحقائق ما يؤكد هذا الاستحقاق والتي تقضي ) وبصفة عامة، توصي اللجنة حكومة البحرين بضرورة إعداد برنامج للمصالحة الوطنية يتناول مظالم المجموعات التي تعتقد أنها تعاني من الحرمان من المساواة في الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بغية أن تعم الفائدة منها على كافة طوائف الشعب البحريني.)

فهل يبادر الحكم طبقا لهذه التوصية وكافة توصيات تقرير بسيوني بوضع وأعداد هذا البرنامج بحيث يضع أسس المصالحة الوطنية وآلياتها ليكون هو محور الحوار في حوار التوافق الوطني ؟

لكن السؤال الأهم هو ما هي الأسس وآليات التي يجب أن يشتمل عليها برنامج المصالحة الوطنية ؟؟

بالطبع لن نناقش هنا ما يجب أن يشتمل عليه برنامج المصالحة أو ما يجب أن يشتمل عليه جدول أعمال الحوار الوطني بالنسبة للمساواة في الحقوق الاجتماعية والاقتصادية ، بل سنناقش ذلك فيما يتعلق بالحقوق السياسية طالما أن الحوار كما حسب ما هو معلن عنه جاء لاستكمال الحوار في المحور السياسي الذي تم في ظل حوار التوافق الوطني الذي انعقد في يوليو 2011 ، وهذا يعني أن ما تم التوصل إليه في حوار التوافق الأول كان ناقصا لم يخرج البحرين من أزمتها السياسية ، وانه للخروج من هذه الأزمة يتعين على المتحاورين في هذا الحوار مناقشة نواقص وعيوب ما تم التوصل إليه في حوار التوافق الوطني الأول ، ونحسب أن أهم محور يتعين وضعه على جدول أعمال الحوار هو التشريع ووسائل الرقابة السياسية على أعمال الحكومة و نرى أن مناقشة ومعالجة هذا المحور من المفترض أن تكون كما يلي :



1- إدراك جوهر الأزمة السياسية :

لا تنحصر ولا تختزل أزمة البحرين السياسية في التشريع ووسائل الرقابة السياسية على أعمال الحكومة ، لكن هذه المحور ( التشريع والرقابة ) يعد أحد الأسس الجوهرية التي حددت الأزمة وما خلفته من تداعيات ، وأن معالجته معالجة صائبة سيساهم إلى حد كبير للخروج من الأزمة، ونري أن على المتحاورين في حوار التوافق الوطني، أعضاء الحكومة، والجمعيات السياسية على اختلاف توجهاتها، وأعضاء المجلسين، أن يدركوا ونحسب أنهم يدركون وهم بكامل الأهلية بأن ما أشتمل عليه دستور 2002 من اختصاص تشريعي لمجلس الشورى خلافا لمبادئ ميثاق العمل الوطني، ومن وسائل رقابية لمجلس النواب على أعمال الحكومة جاءت ناقصة ومعيبة كان سببا رئيسا للانقسام في مجتمع البحرين بعد صدور دستور 2002 ووجود أزمته السياسية وحالة الاحتقان التي مر ومازال يمر بها، وما أفرزه حراك 14 فبراير 2011 من تداعيات نالت من النسيج الوطني ومكوناته .
وإذا ما توصل المشاركون في الحوار إلى هذا الإدراك فأن عليهم أن يبحثوا في السبل الناجعة لمعالجة الاختصاص التشريعي لمجلس الشورى ومعالجة العيوب والنواقص في رقابة مجلس النواب على أعمال الحكومة. بحيث يفضي الحوار إلى التوافق على ضرورة وجو د مجلس منتخب له كامل الصلاحيات التشريعية والرقابية
.



2- قراءة مخرجات الحوار الوطني الأول

لاشك أن القراءة لمخرجات حوار التوافق الوطني الأول في المحور السياسي بما توصل إليه في هذا الشأن من عموميات مثل ( تطوير آلية تضمن الإسراع في إصدار التشريع، أو نقل رئاسة المجلس الوطني لرئيس مجلس النواب، أو وضع معايير لاختيار أعضاء مجلس الشورى، أو عدم ازدواجية جنسية النائب ومرور (5) سنوات على حصوله على الجنسية، أو زيادة الصلاحيات التشريعية والرقابية لمجلس النواب، أو صلاحية طرح المواضيع العامة في الجلسة، أو إلزام الوزراء بحضور جلسات مجلس النواب لمناقشة مواضيع وزاراتهم، أو عقد الاستجوابات في جلسة مجلس النواب وليس اللجان، أو عرض برنامج الحكومة على مجلس النواب لنيل الثقة بضوابط تمنع المحاصصة والتعطيل والفصل بين السلطات)، رغم إيجابياتها لم تجعل من مجلس النواب المنتخب وحده المختص بالتشريع ولم تمس حتى من تكوين مجلس الشورى . وظلت أدوات مجلس النواب الرقابية ناقصة معيبة.



3- وضع انعكس على التعديلات الدستورية :

لان مرئيات حوار التوافق الوطني الأول كانت ناقصة لم تعالج أزمة البحرين السياسية معالجة كافية فقد انعكس هذا الوضع على التعديلات الدستورية الصادرة في مايو 2012 إذ لم تمس هذه التعديلات الاختصاص التشريعي لمجلس الشورى ولم تغير من تشكيله بحجة كما تفسر المذكرة التفسيرية للتعديلات الدستورية بأن نظام المجلسين ( يعتبر من أهم الثوابت التي أقرها الميثاق بحيث لا يجوز للدستور إعادة النظر فيها وإعادة نظام المجلس الواحد، وإلا كان ذلك مخالفا لصريح ما ورد في الفصل الخامس من الميثاق الخاص بالحياة النيابية. …… اشترط الفكر الدستوري العالمي لقيام نظام المجلسين أن يشترك المجلسان في التشريع على الأقل من حيث حقهما في اقتراح مشروعات القوانين وإقرارها أو عدم إقرارها، وليس معنى ذلك ضرورة التساوي المطلق بينهما في الرقابة السياسية. ولكن إذا اقتصر اختصاص أحد المجلسين على مجرد إبداء رأي استشاري، فإن الدستور يكون قد أخذ بنظام المجلس النيابي الواحد وإن بدت صورة نظام المجلسين من الناحية الشكلية.) وجاءت التعديلات الدستورية على وسائل الرقابة البرلمانية لمجلس النواب رغم إيجابياتها الواسعة هي الأخرى ناقصة وتعتريها عيوب عدة، ويمكن أن نتناول ذلك بالتفصيل الأتي :

أولاً: في التشريع

نسارع إلى القول تعليقا على ما أوردته المذكرة التفسيرية للتعديلات الدستورية ، بأنه ليس في ثوابت ميثاق العمل الوطني ولا في الفكر الدستوري العالمي ما يجعل من نظام المجلسين أن يشترك المجلسان في التشريع.



1- في ميثاق العمل الوطني
على الرغم أن البحرين ليست من الدولة الاتحادية ذات الأقاليم المتعددة بل هي من الدول البسيطة ذات مساحة صغيرة، وعدد سكان قليل، وان نظام المجلس الواحد كان أفضل لها ، فأن علينا أن نحترم أرادة الشعب الذي صوت على وجود نظام المجلسين وأصبح من ثوابت ميثاق العمل الوطني كما تقول بحق المذكرة التفسيرية للتعديلات الدستورية الجديدة ، غير أنه لا صحة على الإطلاق ما جاء في هذه المذكرة التفسيرية من قول بأن نظام المجلسين ( يعتبر من أهم الثوابت التي أقرها الميثاق بحيث لا يجوز للدستور إعادة النظر فيها وإعادة نظام المجلس الواحد وإلا كان ذلك مخالفا لصريح ما ورد في الفصل الخامس من الميثاق الخاص بالحياة النيابية.)

إذ ليس هناك في شعب البحرين ومكوناته من يدعو أو يطالب بإعادة المجلس الواحد طالما أصبح وجود نظام المجلسين ثابتا من الثوابت الرئيسة لميثاق العمل الوطني ، غير أن هذا الميثاق ليس فيه ما يخالف أعادة النظر في اختصاص مجلس الشورى وفي طريقة تكوينه ، وليس في ذلك ما ينال من وجود نظام المجلسين ، بل أن عدم أعادة النظر في هذا الاختصاص يخالف وضوح ما نص عليه الميثاق في الفصل الخامس منه الخاص بالحياة النيابية إذ جاء فيه ( بات من صالح دولة البحرين أن تتكون السلطة التشريعية من مجلسين ، مجلس منتخب انتخابا حراً مباشراً يتولى المهام التشريعية إلى جانب مجلس معيّن يضم أصحاب الخبرة والاختصاص للاستعانة بآرائهم فيما تتطلبه الشورى من علم وتجربة. )

والنص هنا جاء واضحا وضوح الشمس الضاحية بأن من يتولى المهام التشريعية هو المجلس المنتخب انتخابا حراً مباشراً ، وان المجلس المعين هو للاستعانة بآراء أعضاءه ، ولو أراد الميثاق أن يجعل لمجلس الشورى مهمة تشريعية لنص على ذلك صراحة .
وأن إي تفسير أخر لهذا النص سيأتي حتما خارج سياقه، ويتجاوز الإرادة الشعبية التي انصرفت عند التصويت على الميثاق على أن المجلس المعين هو للمشورة وإبداء الرأي فحسب وأن المجلس المنتخب هو الذي يتولى المهام التشريعية. فلا يحتاج هذا النص إلى معجم دستوري كي نفسره .



2- في الفكر الدستوري العالمي :
الواقع أن الفكر الدستوري العالمي لا يشاطر ما فسرته المذكرة التفسيرية من تفسير بأن هذا الفكر (يشترط لقيام نظام المجلسين أن يشترك المجلسان في التشريع على الأقل من حيث حقهما في اقتراح مشروعات القوانين وإقرارها أو عدم إقراره ، ولكن إذا اقتصر اختصاص أحد المجلسين على مجرد إبداء رأي استشاري، فإن الدستور يكون قد أخذ بنظام المجلس النيابي الواحد وإن بدت صورة نظام المجلسين من الناحية الشكلية.) إذ لا يتوافق هذا التفسير مع التطور الديمقراطي الحديث في كثير من دول العالم التي أخذت بنظام المجلسين بحيث يمكن القول أن الفكر الدستوري العالمي يؤكد على ظهور اتجاه حديث يدعو إلى إلغاء نظام المجلسين وظهور تناقص ملحوظ في دور وأهمية المجلس التشريعي الثاني مع مرور الزمن في كل من الدول الاتحادية والبسيطة، بسبب المد الديمقراطي الذي بدأ يعم معظم دول العالم:
فالنرويج والدانمارك والسويد وفنلندا ألغت نظام المجلسين وأخذت بالمجلس النيابي الواحد .وفي بريطانيا تم التقليل من أهمية مجلس اللوردات بموجب قانون البرلمان الصادر عام 1911 تراجعت سلطته لصالح سلطة مجلس العموم ، الذي أخذ بالصعود وأصبح المعبر الفعلي عن دور البرلمان البريطاني ، أما مجلس اللوردات فقد أصبح دوره مقيدا ، فتراجع دوره في المسائل التشريعية والمالية، ولم يعد يملك إلا سلطة الاعتراض المؤقت على القوانين، وتمكّنه هذه السلطة من تأخير القوانين التي يوافق عليها مجلس العموم والتي تتضمن اعتمادات مالية، والتي يوافق لفترة لا تتجاوزستين يوما أما القوانين الأخرى فإن فترة الاعتراض عليها لا تتجاو سنة ولكن إذا أعاد مجلس العموم موافقته عليها مرة ثانية فإّنها تصبح سارية المفعول وغالباً ما يصيب مجلس اللوردات التردد قبل استخدام حق الاعتراض كي لا يثير الرأي العام ضده . كما تم تحويله إلى هيئة ديمقراطية أو أغلبية ديمقراطية ، كما هو الوضع في كل من فرنسا وبلجيكا وهولندا . ففي فرنسا مثلا أعطى دستور 1958 مجلس النواب الحق في مناقشة مشروعات القوانين التي يرفضها مجلس الشيوخ والموافقة عليها دون حاجة إلى موافقة مجلس الشيوخ عليه. والجدير بالذكر أن نشوء مجلس الشيوخ في فرنسا كان وليد ظروفها الخاصة السياسية والاجتماعية، وأن كل اقتراحات لتعديل اختصاصاته كانت تأتي في ظروف غير ملائمة، يكون فيها الشعب ومجلس الشيوخ في جانب واحد ضد تجاوزات السلطة.




وتجربة الدول العربية
التي أخذت بنظام المجلسين تكشف عن اختلاف جوهري ما بين تجربة مملكة البحرين والدول العربية من حيث التكوين والاختصاص ، بحيث يمكن القول أن تجربة مملكة البحرين ليس لها مثيل في هذه الدول .
فمجلس الشورى في مصر من حيث التكوين بحسب نص المادة (196) من دستور 1971 ينتخب ثلثا أعضاءه بالاقتراع المباشر السري العام على أن يكون نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين.ويعين رئيس الجمهورية الثلث الباقي. ومن حيث الاختصاص ليس له اختصاص تشريعي ، ويقتصر دوره حسب المادة ( 194) بدراسة واقتراح ما يراه كفيلا بالحفاظ على مبادئ ثورتي 23 يوليو سنة1952، 15 مايو سنة 1971 ودعم الوحدة الوطنية، والسلام الاجتماعي، وحماية تحالف قوى الشعب العاملة والمكاسب الاشتراكية، والمقومات الأساسية للمجتمع وقيمه العليا والحقوق والحريات والواجبات العامة، وتعميق النظام الاشتراكي الديمقراطي وتوسيع مجالاته. ويؤخذ رأيه حسب المادة ( 195) في الاقتراحات الخاصة بتعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور، مشروعات القوانين المكملة للدستور ، مشروع الخطة العامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، معاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التي يترتب عليها تعديل في أراضى الدولة أو التي تتعلق بحقوق السيادة، مشروعات القوانين التي يحيلها إليه رئيس الجمهورية وما يحيله رئيس الجمهورية إلى المجلس من موضوعات تتصل بالسياسة العامة للدولة أو بسياستها في الشئون العربية أو الخارجية، ويبلغ المجلس رأيه في هذه الأمور إلى رئيس الجمهورية ومجلس الشعب.
وفي الدستور المصري الجديد ظل تكوين مجلس الشورى كما هو حسب نص المادة ( 128 ) من هذا الدستور يتم انتخاب أعضاءه بالاقتراع العام السري المباشر. ويجوز لرئيس الجمهورية أن يعين عددا لا يزيد على عُشر عدد الأعضاء المنتخبين وعلى الرغم أن الدستور المصري الجديد قد أعطى مجلس الشورى صلاحيات تشريعية حسب المادة (102) التي نصت على انه ( لا يجوز لأي من مجلسي النواب والشورى إقرار مشروع قانون إلا بعد أخذ الرأي عليه ولكل مجلس حق التعديل والتجزئة في المواد، وفيما يعرض من التعديلات وكل مشروع قانون يقره أحد المجلسين يبعث به إلى المجلس الآخر، ولا يجوز له أن يؤخره عن ستين يومًا، لا تدخل فيها العطلة التشريعية ولا يكون قانونًا إلا إذا أقره المجلسان ) ، غير ان هذا الدستور قد نص على انه في حالة وجود خلاف تشريعي بين المجلسين فأن الكلمة النهائية لمجلس النواب وذلك حسب المادة (103) التي نصت على انه (إذا قام خلاف تشريعي بين المجلسين، تشكل لجنة مشتركة من عشرين عضوا يختار كل مجلس نصفهم من بين أعضائه بناء على ترشيح لجنته العامة؛ وذلك لاقتراح نصوص للمواد محل الخلاف وتعرض هذه المقترحات على كل من المجلسين؛ فإذا لم يوافق أحدهما عليها، يعرض الأمر على مجلس النواب ويؤخذ بما ينتهي إليه من قرار يصدره بأغلبية ثلثي أعضائه ) .ويتجه الحكم الانتقالي الحالي في مصر نحو تعديلات دستورية جديدة تلغي مجلس الشورى .

وإذا كان الدستور الأردني بتعديلاته التي تمت عليه عام 2011 ، قد نص في المادة ( 91 ) على اشتراك مجلس الأعيان مع مجلس النواب في التشريع بحيث لا يصدر قانون إلا إذا اقره هذان المجلسان وصدق عليه الملك. فأن مجلس الأعيان لا يشارك مجلس النواب من حيث التكوين فهو يتألف حسب نص المادة (63) من الدستور الأردني بما فيه الرئيس من عدد لا يتجاوز نصف عدد مجلس النواب.

وفي المغرب حسب دستور 2011 يتكون البرلمان من مجلسين ، مجلس النواب ومجلس المستشارين ، وعلى الرغم ان هذا البرلمان بمجلسيه يمارس السلطة التشريعية. ويصوت على القوانين، ويراقب عمل الحكومة، ويقيم السياسات العمومية. غير أن أعضاء مجلس المستشارين ينتخبون بالاقتراع العام غير المباشر، حسب التركيبة التي نص عليها الدستور .

مما تقدم يتضح أنه ليس في الفكر الدستوري العالمي ما يمنع أو ينال من نظام المجلسين حين يكون اختصاص مجلس الشورى أبداء الرأي والمشورة ، وبهذا الاختصاص لا يكون الدستور قد أخذ بنظام المجلس النيابي الواحد ، وانه على افتراض صحة ما فسرته المذكرة التفسيرية وهو غير صحيح بأن ( الفكر الدستوري العالمي يشترط لقيام نظام المجلسين أن يشترك المجلسان في التشريع ) فأن دساتير بعض الدول التي أخذت بنظام المجلسين وأن كانت تنص على اختصاص تشريعي للمجلس الثاني فأن اختصاصه هذا يقتصر على اعتراض توقيفي للتشريع وانه في حالة الخلاف بينه وبين مجلس النواب فأن الكلمة النهائية لهذا المجلس الأخير وهذا يعني أن مجلس الشورى لا يكون متساويا في التشريع مع مجلس النواب ، فضلا عن ذلك فأن تكوين المجلس الثاني في معظم الدول التي أخذت بنظام المجلسين يتكون عن طريق الانتخاب المباشر أو غير المباشر على النحو الذي أشرنا إليه في تجارب هذه الدولة .

 



3- التعديلات الدستورية الممكنة على نظام المجلسين
أمام هذه القراءة فأنه يمكن أن يتصدى المتحاورون في حوار التوافق الوطني لمسألة التشريع بإجراء تعديلات دستورية على اختصاص مجلس الشورى التشريعي وعلى تكوينه أو أجراء أي تعديل أخر على الدستور يعزز من دور مجلس النواب التشريعي والرقابي ويجعل من مبدأ الفصل بين السلطات الثلاثة مع تعاونها حقيقة واقعة ، لا مجرد حروف جوفاء ميتة .
لكن السؤال المهم في حوار التوافق الوطني ، هو ما هي الصيغ أو النصوص الدستورية التي يتعين الأخذ بها لتعديل الدستور لجعل التشريع فعالا ؟

رغم قناعتنا القانونية والسياسية بأن المجلس المنتخب من المقترض أن يكون وحده المختص بالتشريع حسب ما نص عليه الميثاق غير أن القراءة الواقعية للأحداث في البحرين في ظل تعدد الأراء الدستورية والقانونية والسياسية في المجتمع و عند المتحاورين في حوار التوافق الوطني فأنه من المتعذر الوصول إلى توافق على إلغاء الاختصاص التشريعي لمجلس الشورى كليا ، لكنه يمكن التوافق على تعديل هذا الاختصاص بحيث تكون الكلمة النهائية في التشريع لمجلس النواب المنتخب .ويمكن التوافق على تكوينه بحيث يتم تقليص عدد أعضاء مجلس الشورى وزيادة عدد أعضاء مجلس النواب .

يتبع ثانياً: وسائل الرقابة السياسية على أعمال الحكومة
 

اقرأ المزيد

استئناف جلسات الحوار وتغليب صوت العقل

تُستأنف بعد غدٍ (الخميس) جلسات حوار التوافق الوطني بعد أن جُمدت لأكثر
من شهر ونصف بناء على طلب الجانب الرسمي وجمعيات تجمع الفاتح، وبعد أن
أدرك السواد الأعظم من الناس أن الحل لن يكون من داخل طاولة الحوار، إلا
إذا جاءت تعليمات عليا تدفع بهذا الاتجاه.

حتى الآن وبعد مرور أكثر
من ستة أشهر على بدء الحوار في شهر فبراير/ شباط الماضي لم تتقدم المباحثات
ولو بوصة واحدة، ومازال المتحاورون يبحثون بعد 26 جلسة محور (المبادئ
والثوابت والقيم) ولم يصلوا لبحث جدول الأعمال بعدُ.

ومن المتوقع أن
تثار مشكلة التمثيل المتكافئ مرة أخرى على الطاولة بعد أن لم يتم حسمها في
الجلسات الأخيرة، ويمكن القول بأن أيّاً من النقاط المهمة لم يتم حسمها،
كما لن يتم التوافق على أيِّ بند تطرحه الجمعيات المعارضة ويصب في صالحها.

موضوع
التمثيل المتكافئ وطلب الجمعيات السياسية المعارضة استبدال من يُسمّون
بالمستقلين يمثل نقطة مفصلية، وخصوصاً بعد أن تم الدفع بكل قوة ليتم تمرير
قضية تمثيل الحكم في الحوار تحت عنوان «غير متوافق عليه».

هناك من
يرى أن عرقلة أو رفض طلب التمثيل المتكافئ يمكن أن يؤدي إلى فشل الحوار، أو
موته من خلال انسحاب القوى المعارضة من طاولة الحوار، وهي خطوة باتت قاب
قوسين أو أدنى؛ إذ يجد أعضاء تحالف المعارضة أنفسهم محاصرين من جميع
الجوانب بخصوم على رأي واحد حتى ولو اختلفت توجهاتهم، وبالتالي فإن
المستقلين ما هم إلا الضلع المكمل لمثلث السلطة والجمعيات الموالية لها.

كما
يرى البعض أنه من غير الجائز أبداً أن يتم إشراك عناصر وجهات تتضارب
مصالحها مع أيِّ حلٍّ قد يقود في نهاية المطاف إلى خسارتها لموقعها الحالي،
فمن المؤكد أن تتخذ هذه الأطراف موقفاً يدافع عن مصالحها هي وليس مصالح
المجتمع، ولذلك نرى أن موقف من يُسمَّون بالمستقلين كان أكثر تصلباً في
كثير من الأحيان من موقف الحكومة أو الجمعيات الموالية.

إن ما يتم
طرحه من جانب المعارضة بأهمية إدخال عناصر مستقلة مهم جداً في هذه المرحلة،
مع التأكيد على مفهوم الاستقلالية، وشروطها، ذلك ما يمكن أن يخلق توازناً
بين الأطراف، كما يمكن أن يلعب دوراً مهماً في تقريب وجهات النظر، أو طرح
بدائل وأفكار مختلفة.

ولكي ننقذ الحوار، ولكي لا تكون هناك حاجة إلى
عقد حوار وطني للمرة الثالثة بصورة أخرى وبشخوص وظروف وشروط أخرى، فإن ذلك
لن يتم إلا عند تغليب صوت العقل وليس صوت المصلحة.

اقرأ المزيد

دور الطلائع السياسية الواعية في الكويت – د.فواز فرحان

الجماهير
هي العامل الحاسم في تطوّر التاريخ، وبشكل أدق الطبقات الشعبية هي المحرك
الرئيسي بسبب موقعها الأساسي في عملية الانتاج، وجراء اتساق مصالحها مع
التحرر والتطور… إذ لا يتطور التاريخ إلا إذا استوعبت هذه الجماهير بأن
القواعد والشروط الحالية المفروضة عليها من الطبقة المسيطرة تتعارض مع
مصالحها وتعيق تحررها وتعرقل تطور المجتمع ونهوضه وتقدمه.

ولقد ذكرت في مقالي السابق أن حركة الجماهير تمر بمرحلتين: مرحلة
احتجاجية تتسم بردود الأفعال تجاه ممارسات وأوضاع معينة، ثم مرحلة منظمة
واعية تسعى بالوسائل المتاحة لإحداث الإصلاح والتغيير المنشودين، وتحول
الحركة من احتجاجية إلى منظمة يحتاج إلى جهد مبذول من قبل الطلائع السياسية
الواعية لرفع الوعي السياسي عند الجماهير من خلال وسائل النضال الجماهيري
المختلفة مثل: الانتقاد والتذمر والكتابة والحلقات النقاشية والندوات ورفع
العرائض وتشكيل اللجان الشعبية الضاغطة والاعتصامات والإضرابات المحدودة
والشاملة والمسيرات والمظاهرات والعصيان المدني.

وفي الكويت مر الحراك الشعبي بالمرحلة الاحتجاجية ممثلة بالمسيرات
المنددة بمرسوم الصوت الواحد والاعتصامات المطالبة برحيل رئيس الوزراء
السابق ناصر المحمد وحركة (نبيها خمس) المطالبة بتغيير قانون الانتخاب
وحركة دواوين الإثنين التي حاولت التصدي للإنقلاب الثاني على الدستور في
نهاية ثمانينات القرن العشرين، وغيرها من الحركات المتفرقة منذ استقلال
الكويت في عام ١٩٦١، ويجب أن نقر أن هذه المرحلة الاحتجاجية للحراك الشعبي
رفعت سقف المطالب الشعبية وساهمت في الحفاظ على الهامش الديمقراطي الذي
منحنا إياه (دستور الحد الأدنى) الحالي، وكذلك يجب أن نؤكد بأن خطابات بعض
نواب الأمة السابقين رفعت سقف الخطاب السياسي في الكويت إلى مستوى لم يصل
له أكثر رموز العمل الوطني شهرةً وصيتاً، وأن بعض مقالات الكتاب ونضالات
الشباب ساهمت برفع الوعي السياسي عند الجماهير إلى درجة غير مسبوقة، ولكن
يجب أن نعترف أيضاً بأن هذا الحراك الاحتجاجي -بسبب طبيعته- به من المثالب
والعيوب والممارسات الخاطئة ما يكفي ومع ذلك لا نستطيع إلغاء أهميته
التاريخية بسبب وجودها، وقد تطرقت (رؤية التيار التقدمي الكويتي للإصلاح
الديمقراطي) لهذه العيوب بالتفصيل ليس للبحث عنها أو لجلد الذات ولكن
لتأكيد أهمية انتقال الحراك إلى مرحلته الثانية ذات الطبيعة المنظّمة
الحاملة لمشروع سياسي واضح.

من خلال الحراك الشعبي الاحتجاجي تلمّست الجماهير الشعبية في الكويت
مكمن الخلل في وضعنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمتمثل في وجود نظام
دستوري قاصر ديمقراطياً واستخدام السلطة لهذا القصور لعرقلة التطور
الديمقراطي ولتنفيذ مشروعها الخاص بالتحالف مع القوى البرجوازية الكبيرة
للاستحواذ على خيرات بلدنا وثروات شعبنا، وبات مستحقاً أن تتبنى الطلائع
السياسية الواعية مشاريعاً نهضوية واضحة لانتشال البلد مما هي فيه من خلال
رفع الوعي السياسي للجماهير، وعندما أقول واعية فأنا أقصد وعيها تجاه
الصراع الرئيسي في البلد وتجاه مكمن الخلل.

ومن هنا فعلى الطلائع السياسية الواعية في الكويت أن تتبنى مشروعاً يسعى
لاستكمال النظام البرلماني الديمقراطي من خلال المطالبة بإصلاحات سياسية
عميقة تتمثل في: إشهار الأحزاب السياسية على أساس ديمقراطي وطني، وإقرار
نظام انتخابي ديمقراطي عادل قائم على التمثيل النسبي للقوائم الانتخابية
ضمن دوائر كبيرة، وإلغاء القوانين المقيدة للحريات، وإطلاق سراح المعتقلين
وسنّ قانون للعفو العام عن قضايا الرأي المعروضة أمام جهات التحقيق
والمحاكم حالياً، وذلك من دون أي شروط أو تعهدات، وكذلك من خلال مطالبة
بإصلاح دستوري عميق يؤدي إلى دستور ديمقراطي من خلال: تنقيح المادة 80 من
الدستور لقصر عضوية مجلس الأمة على النواب المنتخبين، وتنقيح المادة 98
بحيث تتقدم كل وزارة فور تشكيلها ببرنامجها إلى مجلس الأمة لتنال الثقة
النيابية على أساسه، وتنقيح المادتين 101 و102 بحيث يمكن طرح الثقة في
الوزراء ورئيس مجلس الوزراء من دون الحاجة إلى المرور بآلية الاستجواب،
وتنقيح المادة 116 من الدستور، أو تعديل اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، بما
يؤدي إلى تأكيد صحة انعقاد جلسات مجلس الأمة من دون اشتراط حضور الحكومة.

من خلال تبني الطلائع السياسية الواعية في الكويت لمشروع سياسي مشابه أو
قريب مما ذكرته تستطيع التحرك لرفع وعي الجماهير سياسياً وتشكيل رأي عام
مؤيد لهذا المشروع وبالتالي تغيير موازين القوى في البلد لصالح التطور
الديمقراطي.

——————————
*عضو التيار التقدمي.
اقرأ المزيد

التلاعب بمؤشرات الأداء




في
أعقاب زيارة نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الصين في أغسطس/ آب من
العام الماضي لطمأنة الصينيين على سلامة استثماراتهم في الولايات المتحدة
في ضوء جبل مديونيتها (تعادل تقريباً إجمالي ناتجها المحلي (أكثر من 16
تريليون دولار)، نشر وانج تيالونغ عضو خزان الأفكار الصيني

Think Tank
“مركز التبادل الاقتصادي الدولي”  
Center for International Economic Exchange 
مقالاً
أكد فيه أن الولايات المتحدة تتجه على ما يبدو لمصير الإعسار المالي أي
الفشل في سداد ديونها، وأنها تقوم بتزوير أرقام مؤشرات قياس أدائها
الاقتصادي، وأن السلطات الأمريكية لا تملك على المدى القصير ما يكفي من
الطاقات الاقتصادية (المالية) لخفض عجوزاتها لأنها تفتقد إلى النظام
السياسي الذي يمكن أن يضمن عدم وقوعها في حالة العجز عن السداد، وأن السبيل
الوحيد المتاح أمام الصين وروسيا وألمانيا هو القول كفى لذاك النموذج
الاقتصادي (الأمريكي)، والاستعاضة عن الدولار بعملة مسنودة بالذهب وأصول
أخرى .




وكنا
قد عرضنا في المقال السابق “رقم البطالة الحقيقي” النسب المخيفة للبطالة
في الدول الأوروبية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهي أرقام تتحدث عن
نفسها، علماً بأنها أرقام رسمية حتى وإن شابها بعض التدليس . . ومع ذلك فإن
هذه الأرقام المخيفة، لا تحظى بالاهتمام والمساءلة، الاختصاصية والإعلامية
على حد سواء . وذلك ناجم عن كونها نتيجة لسياسة متبعة بصورة ممنهجة على
امتداد الإدارات الأمريكية المتعاقبة . والأمر لا يقتصر على معدل البطالة
وإنما يشمل بقية أبرز مؤشرات قياس الأداء الكلي .




خلال
إدارة الرئيس الراحل ريتشارد نيكسون، على سبيل المثال، اخترع رئيس مجلس
الاحتياطي الفدرالي الأمريكي آرثر بيرنز مفهوماً جديداً للتضخم أسماه “لب
التضخم” 

Core inflation
،
وهي تخريجة أراد بواسطتها استبعاد بعض السلع من حساب التضخم، وهي الطعام
والطاقة، بدعوى تقلبات أسعار هذه السلع صعوداً وهبوطاً، فلابد والحال هذه
من استبعادها، مع أن الإنفاق على الطعام والطاقة يستحوذ على جزء مهم وكبير
من النفقات العائلية . وعلى ذلك فإن هذه المقاربة المحاسبية الذكية للتضخم
التي اعتمدت منذ عام ،1982 لا تلتفت إلى النسب العالية لارتفاع أسعار
الجازولين التي قفزت عالياً ولا أسعار المواد الغذائية المستوردة .




وفي
عهد الرئيس الراحل رونالد ريغان قرر طاقمه الاستشاري للشؤون الاقتصادية
إدراج أفراد القوات المسلحة في حساب إجمالي قوة العمل بهدف خفض معدل
البطالة حسابياً .




بدوره
قرر الرئيس الأسبق جورج هيربرت بوش (جورج بوش الأب) ومجلس مستشاريه
الاقتصاديين “إعادة النظرة الحسابية” لإحصاءات التضخم بهدف إعطاء وزن أفضل
لقطاعات الخدمات والتجزئة، وذلك بهدف خفض معدل التضخم الرسمي .




ولم
يتأخر الديمقراطيون عن المشاركة في “حملة العصف الذهني” التي تتفتق عنها
أفكار “ذكية” للتحايل على مؤشرات قياس الأداء . فاخترعت إدارة الرئيس
الأسبق بيل كلينتون، التي كانت جد نشطة على هذا الصعيد، ما أسمته بالمنتج
(بفتح التاء) البديل 

Product Substitution
، و”التعديل المبني على أساس تحسين نوعية السلعة” 
Hedonic Quality Adjustment
، والوزن الهندسي
Geometric Weighting
في “المنتج البديل” يمكن للمستهلك أن يستعيض، على سبيل المثال، الهامبيرجر بالستيك إذا ما ارتفعت الكلفة – وبالتالي سعر   الستيك،
بما يخرج “الستيك” من السلة الغذائية لقياس مؤشر المستهلك . وفي “التعديل
المبني على أساس تحسن نوعية السلعة” فإن أي تحسين في نوعية السلع والخدمات
لابد أن يُترجم خفضاً فاعلاً في تكاليفها . وفي “الوزن الهندسي” يتم
استبعاد السلع التي ترتفع تكاليفها باستمرار بما يجعلها بعيداً عن متناول
ملايين الناس . والهدف من هذا كله هو خفض المعدل الفعلي للتضخم .




وإلى
ما تقدم يضاف أيضاً النمو الانفجاري لعدد نزلاء السجون الأمريكية، حيث قفز
عددهم على مدى الثلاثين سنة الأخيرة ووصل في عام 2011 إلى 3 .2 مليون نزيل
مقارنة بإجمالي قوة العمل الأمريكية البالغ 155 مليوناً .




ظلت
الرأسمالية الأمريكية تفاخر بتميزها بدقة بياناتها وإحصاءاتها القياسية
لمؤشرات الأداء الاقتصادي العام للبلاد . وكانت تسخر إبان الحرب الباردة من
التدليس والتلاعب الذي كان يشوب البيانات والإحصاءات الاقتصادية
السوفييتية إبان عهد الرئيس السوفييتي الراحل جوزيف ستالين . أما اليوم فقد
انقلبت الصورة، إذ أصحبت البيانات والإحصاءات الاقتصادية الأمريكية مشوبة
بالعيب والفساد . وهي تعكس بحسب بعض المستشارين الذين عملوا في المجالس
الاقتصادية الاستشارية للإدارات الأمريكية المتعاقبة، الأزمة المتنامية
للنموذج الاقتصادي الأمريكي، والتي صارت تستشعرها الدوائر الرسمية وشبه
الرسمية .

اقرأ المزيد

رؤية التيار التقدمي الكويتي للإصلاح الديمقراطي




مقدمة:




بعد أن استطاعت السلطة فرض
نظامها الانتخابي عبر مرسوم قانون الصوت الواحد الذي يمكّنها من السيطرة
شبه الكاملة على العملية الانتخابية ومخرجاتها ويجعلها قادرة على التحكّم
في مفاصل العمل البرلماني على نحو أصبحت فيه الانتخابات مجرد “لعبة كراسي”
غير ذات معنى؛ ويغدو فيه مجلس الأمة واجهة شكلية خاضعة لإرادة الممسكين
بزمام السلطة الفعلية في البلاد، فإنّه من الوهم استمرار التعويل على
المشاركة في الانتخابات النيابية والمؤسسة البرلمانية القاصرة في إمكانية
تحقيق أي إصلاح جدي أو إحداث أي تغيير إيجابي نوعي لصالح الشعب الكويتي. 


هذا ناهيك عن ما كشفته التجربة
التاريخية بالملموس طوال نصف قرن من انسداد أفق الإصلاح والتغيير في ظل
سطوة النهج غير الديمقراطي للسلطة والانفراد بالقرار، ناهيك عن قصور دستور
1962 بوصفه دستوراً للحد الأدنى وما تعانيه المنظومتان السياسية والدستورية
من نواقص وعيوب بنيوية رئيسية. 


ولئن سجّل التاريخ للشعب
الكويتي نضاله المتواصل طوال نصف قرن في الدفاع عن الهامش المحدود المتاح
له من الحقوق والحريات إزاء محاولات السلطة لتقليصها والانقضاض عليها،
ودوره في إحباط الانقلابات المباشرة للسلطة على الدستور ومنعها من تنقيح
مواده نحو الأسوأ في الفترة بين 1976 إلى 1992، بالإضافة إلى التحرك الشعبي
لإصلاح النظام الانتخابي في العام 2006، وفضح بعض ممارسات الفساد السياسي
وإطاحة بعض شخوصه عبر إسقاط رئيس الوزراء السابق ناصر المحمد والحلّ الأول
لمجلس 2009 الذي توّرط عدد من أعضائه في فضائح الفساد، وهي بالتأكيد نضالات
مشهودة للشعب الكويتي من أجل الديمقراطية، ولا يمكن بحال من الأحوال
الاستهانة بها أو التقليل من أهميتها السياسية والتاريخية، وهي تنطوي على
خبرات وتجارب لابد من دراستها والاستفادة منها والبناء عليها… إلا أنّه في
المقابل، فإنّ الشعب الكويتي طوال نصف قرن من هذا النضال المتواصل حماية
لحقوقه وذوداً عن حرياته كان في موقع الدفاع، ولم يتمكن من تحقيق مكاسب
ديمقراطية رئيسية بالانتقال نحو النظام البرلماني الكامل، حيث لا نزال
نراوح في مكاننا في المربع الأول من دون تقدم منذ العام 1962، بل لقد تراجع
الهامش الديمقراطي النسبي المحدود عما كان عليه وذلك بفعل ضغط السلطة. 


ومن جانب آخر فإنّ الحراك
الشعبي الأخير الذي تعود بداياته إلى العام 2006 أخذ في التنامي والاتساع
على نحو ملحوظ منذ أواخر العام 2009 إلى بداية العام الحالي 2013، أصبح
اليوم يواجه تحديات لا يمكن تجاهلها، إن لم نقل إنّه يواجه أزمة علينا
الاعتراف بها والعمل على تجاوزها. 


ومن هنا فإنّ هناك حاجة إلى
تداول صريح ونقاش حيّ وبحث معمّق بروح نقدية شجاعة وبعزيمة نضالية لواقع
الحراك الشعبي في المعركة من أجل الديمقراطية وصولاً إلى بلورة خارطة طريق
للنضال من أجل تحقيق الإصلاح الديمقراطي المنشود. 


وهذا ما يتطلع التيار التقدمي
الكويتي إلى البدء فيه عبر هذه الورقة التي تمثّل محاولة لإجراء مراجعة
تحليلية نقدية لمسار الحراك الشعبي؛ ولتشخيص الأزمة السياسية في البلاد،
بحيث يتم استخلاص الاستنتاجات ورسم ملامح طريق الكويت نحو الإصلاح
الديمقراطي. 



القسم الأول


المراجعة التحليلية النقدية للحراك الشعبي




أساس الأزمة:




إنّ الأزمة السياسية التي
تشهدها الكويت ليست وليدة اللحظة، وإنما هي أزمة قائمة تكمن حيناً وتتفاقم
حيناً آخر منذ السنوات الأولى للاستقلال، ويعود السبب الرئيسي لهذه الأزمة
إلى الطبيعة الرجعية للسلطة ونزعتها غير الديمقراطية والطابع الطفيلي
لمصالح قوى الحلف الطبقي المسيطر، والتناقض الواضح بين عقلية المشيخة
ومتطلبات بناء الدولة الكويتية الحديثة التي يفترض أن تكون دولة ديمقراطية
ودولة مؤسسات. 


إنّ التاريخ الكويتي منذ 1962
خير شاهد على ذلك، وبالتأكيد فإنّ معالجة الأزمة وحلّها لن يتحققا بتغيير
عدد الدوائر الانتخابية، أو عبر زيادة عدد أصوات الناخبين أو تقليصها، أو
من خلال تبديل أشخاص بعض المسؤولين أو الوزراء، وإنما يمكن فقط أن تتحقق
مثل هذه المعالجة والحلّ عبر تغيير نهج هذه السلطة وتغيير العقلية التي
تدار بها البلاد بها، وذلك عبر إحداث تبدّل في ميزان القوى لصالح القوى
الشعبية يدفع السلطة إلى الرضوخ للقبول بمثل هذا التغيير. 


وفي مقابل ذلك فقد تنامي الوعي
الشعبي، وأدركت قطاعات واسعة من المواطنين، وفي مقدمته الشباب، أنّ هناك
ضرورة ملحة لتحقيق الإصلاح السياسي كمدخل لأي أصلاح في مجال آخر من مجالات
الحياة، وانطلق في العام 2006 حراك شعبي واسع يطالب بإصلاح النظام
الانتخابي بعدما أصبح واضحاً مدى سوء نظام الدوائر الانتخابية الخمس
والعشرين الذي فرضته السلطة منفردة في العام 1980، وهذا ما تمثّل في حركة
“نبيها خمس”، ولكن المؤسف أنّ التحرك من أجل إصلاح النظام الانتخابي على
النحو الذي جرى فيه لم يكن جزءاً من حركة أوسع للإصلاح الديمقراطي الشامل،
وفي الوقت نفسه لم يكن نظام الدوائر الخمس بالأصوات الأربعة الذي جرى تبنيه
هو البديل الأفضل… وفي العام 2009 انطلق حراك جديد تحت شعار “إرحل… نستحق
الأفضل” بعدما برزت على السطح فضيحة “شيكات النواب” التي تورط فيها رئيس
الوزراء السابق ناصر المحمد واتضح معها للعيان مدى عجزه وسوء إدارته لشؤون
الدولة، وكانت نقطة الضعف الرئيسية في ذلك الحراك انحصارها في شخص رئيس
مجلس الوزراء السابق، وكأنّ استبداله بآخر أفضل منه هو الحلّ… وفي المقابل
فقد سعت السلطة جاهدة لتعطيل مساءلة رئيس مجلس الوزراء أمام مجلس الأمة،
وانتهكت مبدأ الحصانة البرلمانية الموضوعية لأعضاء مجلس الأمة عندما عمدت
إلى رفع الحصانة عن النائب السابق الدكتور فيصل المسلم وذلك للتحقيق معه في
تهمة إفشائه أسراراً مصرفية لعرضه داخل إحدى جلسات المجلس صورة شيك قدمه
رئيس الوزراء السابق إلى أحد النواب السابقين، وعملت السلطة على التضييق
على حرية الاجتماعات وقمعت بالقوة التجمع أمام ديوان النائب السابق الدكتور
جمعان الحربش، ما أشعل فتيل الغضب الشعبي وأدى إلى اتساع الحراك في نهاية
العام 2010 و بداية العام 2011 وتبلّور لاحقاً شعار “رئيس جديد بنهج جديد
وحكومة جديدة” الذي يمثّل تقدماً قياساً بشعار “إرحل… نستحق الأفضل” إلا
أنّه مع ذلك لم يتم وضع تصوّر واضح للمقصود بالنهج الجديد… وشيئاً فشيئاً
فاحت الروائح العفنة للعديد من فضائح الفساد السياسي من إيداعات مليونية
وتحويلات خارجية ما استفز أقساماً واسعة من المواطنين واستثار غضبهم وقاد
إلى اتساع الحراك الشعبي على نحو غير مسبوق في تجمع 28 نوفمبر 2011 بحيث
اضطرت السلطة إلى تغيير رئيس مجلس الوزراء وحلّ مجلس 2009 وإجراء انتخابات
جديدة في فبراير 2012 قادت إلى نجاح غالبية نيابية ليست على هوى السلطة…
وعلى الرغم من الأخطاء والسلبيات ونقاط الضعف والقصور الذي تميّز به أداء
نواب الغالبية في ذلك المجلس، وعدم إنجازهم أي خطوات تشريعية للإصلاح
الديمقراطي وانشغالهم في تشريعات مثيرة للخلاف ومتعارضة مع الطابع المدني
للدولة من شاكلة تنقيح المادة 79 من الدستور في شأن توافق القوانين مع
الشريعة الإسلامية وفرض الزي المحتشم وغير ذلك، إلا أنّ السلطة أدركت عجزها
عن التعامل مع تلك الغالبية المعارضة، في الوقت الذي كان واضحاً فيه أنّ
الحراك الشعبي قد فرض على السلطة واقعاً جديداً مختلفاً عما كان عليه الحال
قبل ذلك من أساليب التعامل السلطوي، إذ لم تعد السلطة قادرة على الانقلاب
المباشر على الدستور كما فعلت في عامي 1976 و 1986, بل لم يعد مجدياً لها
استخدام أساليب من شاكلة ضخ المال السياسي في الانتخابات، أو إفساد النواب،
وملاحقة المعارضين، وبذلك فقد لجأت السلطة إلى أسلوب مختلف يمكّنها من
استعادة زمام المبادرة وفرض سطوتها وتكريس انفرادها بالقرار، وذلك عبر
تغيير آلية الانتخاب، وهذا ما أتيح لها بعد إبطال مرسوم حل مجلس 2009 لخطأ
إجرائي وإبطال انتخابات فبراير 2012، حيث حاولت أول الأمر أن تطعن أمام
المحكمة الدستورية في قانون الدوائر الانتخابية، وعندما لم تستجب المحكمة
لها، بادرت السلطة إلى فرض آليتها الانتخابية عبر حلّ مجلس 2009 مرة أخرى
وإصدار مرسوم بقانون لتخفيض عدد الأصوات التي يدلي بها الناخب من أربعة
أصوات إلى صوت واحد فقط، بحيث يسهل عليها التحكّم في مخرجات العملية
الانتخابية وإضعاف إمكانية تشكّل غالبية نيابية غير موالية لها، في الوقت
الذي كشّرت فيه السلطة عن وجهها القبيح ولجأت إلى أساليب بوليسية غير
مسبوقة في قمع الحراك الشعبي وملاحقة الناشطين واعتقالهم وتوجيه اتهامات
معلّبة ضدهم… وهذا ما أدى إلى استفزاز قطاعات واسعة من المواطنين الذين
شاركوا بعشرات الآلاف في التجمعات الحاشدة والمظاهرات الشعبية المناهضة
لذلك العبث السلطوي في النظام الانتخابي، خصوصاً في مسيرات “كرامة وطن”
الأربع الأولى السابقة لإجراء انتخابات ديسمبر 2012، بالإضافة إلى حملة
المقاطعة السياسية والشعبية لتلك الانتخابات. 



محاولة لتقييم الحراك الشعبي وقوى المعارضة:




يمكننا أن نوجز أهم المكاسب والانجازات التي حققها الحراك منذ 2006 في النقاط التالية: 


– نجاح الحراك بتحقيق بعض
مطالبه كإقرار الدوائر الخمس في عام 2006، والانجاز الأكبر المتمثل في
إزاحة رئيس وزراء من أبناء الأسرة الحاكمة عبر الشارع ليكون أول رئيس وزراء
سابق. 


– فرض واقع جديد على السلطة يتمثّل في إمكانية خروج الشعب إلى الشارع واحتجاجه ومطالبته بحقوقه. 


– تطور خطاب القوى السياسية
المعارضة، فبعد أن كان الحراك موجهاً نحو مطلب واحد ذي طابع “ترقيعي” مثل
تقليص عدد الدوائر، أو تغيير “شخص” رئيس الوزراء فقد تطورت المطالب
المطروحة لتدعو إلى “نهج جديد بحكومة جديدة” ثم المطالبة بإشهار الأحزاب
السياسية و”الحكومة المنتخبة” والنظام البرلماني. 


– اكتساب الجماهير خبرات
نضالية وميدانية كبيرة عبر المشاركة في المسيرات والاعتصامات، ومن دون
تجاهل للنواقص وأوجه القصور وأنّ كثيراً من الخبرات تمّ اكتسابها عن طريق
التجربة والخطأ، فقد شهدت المسيرات أشكالاً غير مسبوقة من التنظيم وأساليب
المناورة في اختيار مواقع المسيرات والمواقع البديلة، أو من خلال وجود
الطواقم الطبية وغيرها. 


– الاستعداد الكبير للتضحية وروح التضامن اللذان أبداهما الشعب الكويتي. 


– الافتضاح التدريجي للنهج غير الديمقراطي للسلطة وزوال الكثير من الأوهام حول طبيعتها. 



ولكن رغم هذه المكاسب والانجازات والايجابيات فقد كان هناك نواقص وسلبيات وإخفاقات لعلّ أهمها:




– عدم وجود أجندة واضحة لمطالب الإصلاح الديمقراطي الشامل بعد حركة “نبيها خمس” في العام 2006. 


– عفوية التحرك واستمراره في
إطار ردود الأفعال سواءً في 2009 للمطالبة بإسقاط ناصر المحمد، أو في
مواجهة فضيحة الشيكات ومن بعدها قمع ديوانية الحربش، وذلك من دون أن يكون
هناك توافق على مطالب واضحة للإصلاح الديمقراطي، حيث انحصرت المطالب برحيل
ناصر المحمد وحلّ مجلس 2009، وهذا ما استغلته السلطة لترتيب أوضاعها خصوصاً
مع هدوء الشارع وتشتت القوى السياسية والانشغال بالانتخابات، وبذلك ضاعت
فرصة تاريخية، فيما أتيح المجال أمام أصحاب المصالح الشخصية والأجندات
الانتخابية للدخول على الحراك. 


– التناقضات التي انطوى عليها
تكوين كتلة الأغلبية في مجلس 2012 التي كانت تضم لفيفاً من نواب أفراد أو
ينتمون إلى كتل وذلك من خلفيات مختلفة ويحمل بعضهم أجندات متعارضة, لذلك
فشلت كتلة أغلبية مجلس 2012 في إقرار قوانين الإصلاح السياسي، التي وعدت
بإقرارها، وألهت بعض عناصرها الشارع في صراعات حول بعض الاقتراحات
والأطروحات الفئوية والطائفية التي طرحتها ومشروعها لأسلمة الدولة. 


– وبعد إبطال مجلس فبراير
2012 بات واضحاً أن هناك أطرافاً في الكتلة الأغلبية لديها أولويات مختلفة
عن أولوية الإصلاح الديمقراطي، بل متناقضة معها. 


– الاصطفاف الطائفي والفئوي
الذي ألقى بظلاله السلبية على مقاطعة انتخابات ديسمبر 2012، ناهيك عن
التصرفات الاستفزازية لبعض عناصر المعارضة. 


– ضعف قوى التيار الوطني
الديمقراطي ونأي بعضها بنفسها عن الحراك الجماهيري, وقيام بعض أطرافها
بتنظيم اعتصام معزول عن حركة الجماهير لتسجيل موقف. 


– رفض المجاميع الشبابية التعاون مع القوى السياسية المنظمة والاستفادة من خبراتها السياسية. 



أما أبرز الملاحظات حول صيغ التحالفات السياسية التي تشكّلت والمجاميع الشبابية التي نشطت فيمكن أن نحددها في النقاط التالية:





  • ·
    الجبهة الوطنية لحماية الدستور وتحقيق الإصلاحات السياسية:




تأسست الجبهة في 9 سبتمبر 2012,
حيث شارك في تأسيسها شخصيات عامه وسياسية ينتمون إلى تيارات سياسية وكتل
نيابية ومجاميع شبابية ومكونات اجتماعية مختلفة, ولكنهم قاموا بذلك بصفاتهم
الشخصية وليسوا كممثلين بصورة رسمية عن تياراتهم ومكوناتهم التي ينتمون
لها, وذلك تحت ضغط ظرف سياسي محدد كان يتطلب الإسراع في تشكيل الجبهة
للتصدي لمخطط السلطة في الانفراد بتغيير النظام الانتخابي قبل أن يصدر
مرسوم قانون الصوت الواحد, بل قبل أن يصدر حكم المحكمة الدستورية برفض
الطعن الحكومي في إعادة تحديد الدوائر الانتخابية, وقد أسهمت الجبهة بعد
تأسيسها بدورها في التصدي لمخطط السلطة بالتعاون مع القوى السياسية و
الشعبية والمجاميع الشبابية المعارضة لهذا المخطط ضمن ظروف سياسية سريعة
التبدل وأحداث متلاحقة ومنعطفات متتالية, حيث أصدرت البيانات السياسية و
المواد التعبوية, وشاركت في التجمعات الشعبية الحاشدة, وأعدّت مذكرة
قانونية بالغة الأهمية خاطبت فيها رئيسي مجلس القضاء الأعلى ومجلس الوزراء,
كما أسست الجبهة “اللجنة الشعبية لمقاطعة الانتخابات” التي قامت بدورها في
تعبئة الناخبين لعدم التصويت, ونجحت في تقليص عدد المشاركين في الانتخابات
إلى 27% (حسب إحصائيات اللجنة الشعبية لمقاطعة الانتخابات), ولكن كان
واضحاً أنّ الواقع السياسي الذي تشكل في البلاد بعد إجراء انتخابات مجلس
الصوت الواحد في الأول من ديسمبر قد تبدّل عما كان عليه قبلها. 


وقد واجهت “الجبهة الوطنية
لحماية الدستور و تحقيق الإصلاحات السياسية” تحديات الواقع الجديد بعد
انتهاء الجولة الأولى من معركة التصدي لمرسوم الصوت الواحد, وهذا ما كان
يتطلب إعادة تحديد أهداف الجبهة, مع أنه كانت هناك ضمن الأهداف المدرجة في
إعلان مبادئ الجبهة أهداف أخرى أبعد من التصدي لمخطط العبث السلطوي بالنظام
الانتخابي, ولكن الأولوية والاهتمام إلى ما قبل الانتخابات كانا منصرفين
بالأساس نحو التصدي لذلك المخطط, بالإضافة إلى بروز سلبيات ناجمة عن كونها
جبهة مشكّلة من شخصيات وناشطين وليس من تيارات وكتل ومجاميع … ومع أنه جرت
مبادرة لمحاولة إعادة تحديد أهداف الجبهة و إعادة الهيكلة إلا أنّ تلك
المحاولات لم تستكمل، بل أنها لم تنل استجابة مناسبة من بعض الأطراف
الفاعلة بالجبهة, ما أدى إلى توقف عمل الجبهة, و إن لم يتم الإعلان عن ذلك. 


إنّ التقييم الموضوعي لتجربة
“الجبهة الوطنية” يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الظروف الموضوعية والذاتية
والتعقيدات والملابسات التي أحاطت بتشكيلها وعملها وفي الوقت نفسه يجب أن
يتناول هذا التقييم الموضوعي ما استطاعت أن تحققه من إنجاز مهما كان
محدوداً, وأن يتناول النواقص والسلبيات، والأهم من ذلك أن يتم استخلاص
الاستنتاجات والخبرات.

  • ائتلاف المعارضة:


بعد الجولة الأولى لمعركة
التصدي لمخطط السلطة في الانفراد بتغيير النظام الانتخابي ومقاطعة انتخابات
مجلس الصوت الواحد توجّه العديد من أطراف قوى المعارضة في فبراير 2013
لبناء ائتلاف جديد يجمعها, وبالطبع فقد كانت هناك حاجة موضوعية ملحة لتنظيم
صفوف قوى المعارضة وتوحيد جهودها وتنسيق مواقفها في مواجهة النهج السلطوي؛
وكذلك من أجل تحقيق التغيير الديمقراطي… فالمعركة طويلة والخصم عنيد
ويمتلك إمكانات لا يستهان بها, وبالطبع فإنّ أي كتلة من النواب السابقين
وحدها أو حركة سياسية منفردة أو مجموعة شبابية واحده لا تستطيع الادعاء
بقدرتها على قيادة النضال الديمقراطي بمعزل عن مشاركة الأطراف السياسية
والشعبية والشبابية الأخرى, وهذا ما يفرض ضرورة قيام ائتلاف يجمع سائر قوى
المعارضة حول أهداف واضحه متفق عليها وضمن إطار فاعل, ولكن كان من المهم
تحديد الأهداف المرحلية وبلورة صيغة مناسبة للعمل المشترك, وكانت الصيغة
المناسبة والواقعية تتمثل في اتفاق التيارات السياسية والكتل النيابة
والمجاميع الشبابية على تأسيس ائتلاف للمعارضة على أساس التكافؤ, وأن يتم
اتخاذ القرارات السياسية بالتوافق بين الأطراف المشكلة للائتلاف, إذ لا
يمكن اتخاذ القرارات بين أطراف سياسية مختلفة ضمن ائتلاف واسع وفق قاعدة
الأغلبية كما هو الحال في التنظيم السياسي الواحد أو المتجانس. 


إلا أنّه أثناء تأسيس “ائتلاف
المعارضة” بدا واضحاً أنّ هناك أموراً تستحق الاتفاق عليها، وأنّ هناك
نقاطاً مثيرة للخلاف لابد من تحديد المواقف تجاهها، ولهذا فقد طرح التيار
التقدمي الكويتي على الأطراف المتفقة على تأسيس ائتلاف المعارضة ضرورة بحث
أربعة مسائل رئيسية:


  1. تعريف دقيق لما يعنيه مصطلح التيارات السياسية المشاركة في الائتلاف,
    إذ أن مثل هذا التعريف مستحق حتى لا تشارك تحت هذا المسمى أطراف لا ينطبق
    عليها تعريف محدد, بحيث تنطبق تسمية تيار سياسي على التيار الذي يمتلك
    برنامجاً سياسياً محدداً وله مواقف سياسية معلنة وله كيان تنظيمي معروف.
  2. تحديد واضح لمَنْ هي المجاميع الشبابية المشاركة في الائتلاف, وذلك لتعدد هذه المجاميع وتوقف نشاط بعضها وتشكّل مجاميع جديدة.
  3. حسم أمر الازدواجية في مشاركة أطراف معينة في الائتلاف و ما يسمى
    اللجنة التنسيقية للحراك في آن واحد معاً, لما يترتب على هذه الازدواجية من
    تعقيدات وحساسيات.
  4. مستقبل الائتلاف بعد صدور حكم المحكمة الدستورية… ففي حال صدور حكم
    بإبطال مرسوم قانون الصوت الواحد, فهذا يعني أن هناك استحقاقاً انتخابياً
    قريباً, فما هو دور الائتلاف فيه؟ … و في حال صدور حكم المحكمة بحل مجلس
    الصوت الواحد لخطأ إجرائي, مثلما يتردد وإجراء انتخابات جديدة وفق مرسوم
    الصوت الواحد من دون إبطاله, فما هو موقف أطراف الائتلاف حول المشاركة فيها
    أو مقاطعتها؟… وكذلك ما هو الموقف تجاه مَنْ سيشارك في مثل هذه
    الانتخابات؟


ورأى التيار التقدمي الكويتي أن
القفز على هذه المسائل وعدم إيضاح الموقف حولها مسبقاً من شأنه أن يؤدي
إلى اختلال في بناء الائتلاف وإلى بروز تناقضات في مواقف أطرافه… ولهذا فقد
طالبنا بأن تجري مناقشة مستفيضة وبحث مناسب لهذه المسائل الأربع, وذلك قبل
تشكيل المكتب السياسي للائتلاف, إلا أنّ اعتراض بعض الأطرف على ما طرحناه
من نقاط وتفهّم أطراف أخرى لما طرحناه وطلبها منا تأجيل المناقشة لحين
تشكيل المكتب السياسي دفع التيار التقدمي الكويتي إلى الاكتفاء بأن يكون
ممثلاً في الجمعية العمومية للائتلاف حرصاً على وجود حد أدنى من التنسيق
والعمل المشترك بين أطراف المعارضة على اختلاف مكوناتها وتوجهاتها، والمؤسف
أنّه لم تنعقد هذه الجمعية العمومية ولم تتم دعوتنا إلى حضور أي من
اجتماعاتها. 


ولهذا فمن الطبيعي أن يفشل
الائتلاف ويضعف ويتراجع دوره، خصوصاً في ظل عدم وضوح تعامل الأطراف الأخرى
المؤسسة للائتلاف مع بعض المسائل الملتبسة وما تعانيه من قصور سياسي وعجز
ذاتي وما برز في صفوفها من تناقضات. فيما أثبتت الأيام وبالملموس صحة وجهة
نظر التيار التقدمي الكويتي في هذا الشأن.

  • “كرامة وطن” والمجاميع الشبابية الأخرى:


لقد أبرز الحراك الدور الايجابي
للمجاميع الشبابية كقوى ضاغطة لها تأثير قوي في توجيه الحراك وقوى
المعارضة من خلال فرض مطالب الإصلاح الديمقراطي على بعض المترددين من القوى
السياسية أو الشخصيات البرلمانية، وقد تجلت قوة هذه المجاميع في تجربة
“مسيرات كرامة وطن” التي دعا لها ونظمها مجموعة من الشباب، ورغم النجاح
الباهر الذي لاقته مسيرات كرامة وطن، خصوصاً المسيرة الأولى في أكتوبر 2012
التي كانت أكبر مسيرة احتجاجية شهدتها الكويت في تاريخها على الرغم من قمع
السلطة، إلا أن التجربة لم تستطع أن تحتفظ بالقوة ذاتها والزخم السابق
نفسه، ووقعت مجموعة “كرامة وطن” في أخطاء وسوء تقدير للموقف وكيفية
التعامل، وذلك لعدة أسباب أهمها: عدم التنسيق بينها وبين بقية المجاميع
الشبابية أو القوى السياسية المعارضة، كما أن سرية حساب “كرامة وطن” على
تويتر وعدم معرفة مَنْ يقف وراءه قد أدى بطريقة أو بأخرى إلى الطعن في
مصداقية الحساب، رغم أن مثل تلك التدابير الاحترازية قد تكون مفيدة للحفاظ
على المجموعة الناشطة وعدم اعتقالها. 


وقد بدا واضحا أنّ المسؤولية
كانت أكبر من أن يتحملها حساب “كرامة وطن” والقائمون عليه لوحدهم، ولكن
المؤسف أنّ ذلك قد تمّ عبر تدخلات غير مسؤولة من بعض الشخصيات لم يستطع
القائمون على الحساب التعامل معها، وعلى سبيل المثال فإنّه على الرغم من
تأكيد مجموعة “كرامة وطن” على أنّ المسيرات حق مطلق لا تحتاج إلى الترخيص
من وزارة الداخلية قام البعض بتقديم طلبات للداخلية لترخيص المسيرة ما تسبب
في عزوف البعض عن المشاركة في المسيرات التي دعا لها حساب “كرامة وطن”. 


كما برز عدم التنسيق وسوء تقدير
الموقف عندما دعت مجموعة “كرامة وطن” للمبيت في “ساحة الإرادة” ثم في ساحة
البنوك ما أدى إلى اعتراض بعض قوى المعارضة ودعت إلى اجتماع آخر في “ساحة
الإرادة” بعد المبيت تحت قيادة تجمع “نهج” لم تتم الاستجابة له. 


لقد كانت تجربة “كرامة وطن”
تجربة مهمة في تلك الفترة، إذ أنّها على الرغم من بعض سلبياتها ونقاط ضعفها
فقد أبرزت دور الشباب وأثبتت بالملموس استعداد الشعب الكويتي للخروج إلى
الشارع من أجل انتزاع حقوقه من دون خوف في مواجهة إرهاب السلطة وقمع القوات
الخاصة. 


إنّ تجربة الشباب بشكل عام هي
تجربة ايجابية، ولكن علينا أن نؤكد على أنّ مجموعات الضغط والمجموعات
الاحتجاجية التي شكّلها الشباب شابها التهور أحياناً، ولا يمكن الاعتماد
عليها وحدها في تحقيق مطالب الإصلاح الديمقراطي، فالإصلاح الديمقراطي يحتاج
بدءاً إلى التحليل السليم للواقع السياسي المتحرك؛ ويتطلب القدرة على
التعامل مع هذا الواقع بكل تناقضاته وتعقيداته وتحدياته، والأهم من ذلك
بلورة مشروع واضح للإصلاح الديمقراطي، والتنسيق بين جميع مكونات المعارضة
سواء الشباب أو القوى السياسية أو الشخصيات المستقلة، وهذه متطلبات تفوق
قدرات المجاميع الشبابية وتتجاوز إمكاناتها، ولكن هذا الإصلاح الديمقراطي
لا يمكن أن يتحقق بمعزل عن دور الشباب ومساهماتهم ومبادراتهم وروحهم
المقدامة وتضحياتهم المشهود لها. 



القسم الثاني





طريق الكويت نحو الإصلاح الديمقراطي




إنّ النضال من أجل تحقيق إصلاح
ديمقراطي يتطلّب بالأساس تشخيص العيوب والنواقص البنيوية التي تعانيها
المنظومتان السياسية والدستورية، كما يتطلب تحديد العوامل التي أدّت إلى
تعطيل عملية الانتقال نحو الديمقراطية، ليمكننا بعد ذلك أن نبلور أجندة
للنضال من أجل تحقيق الإصلاح الديمقراطي المنشود. 



أولاً: تشخيص العيوب
والنواقص البنيوية الرئيسية التي تعانيها المنظومتان السياسية والدستورية،
وهي تتلخص في العيوب والنواقص التالية:





1- عدم اكتمال الطابع التمثيلي لمجلس الأمة،
الذي يفترض أن يكون مؤسسة نيابية منتخبة بالكامل، إذ أنّ الوزراء غير
المنتخبين هم أعضاء بحكم وظائفهم في مجلس الأمة ويشاركون في مختلف الأعمال
البرلمانية، باستثناء أمرين هما: عدم إمكان ترشيحهم إلى عضوية لجان المجلس،
التي يشاركون في انتخاب أعضائها، وعدم مشاركتهم في التصويت على طلبات طرح
الثقة في الوزراء منفردين وعدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء… وهذا يعني
أنّ مجلس الأمة ليس منتخبا بالكامل، وأنّ طابعه التمثيلي النيابي كان ولا
يزال ناقصا. 


2- الضمانات المبالغ فيها، التي تتمتع بها الحكومة،
إذ لا يشترط دستور الحدّ الأدنى حصولها على الثقة النيابية المسبقة، ولا
يمكن طرح الثقة في الحكومة ككل، وإنما يمكن فقط أن يتم طرح الثقة في كل
وزير على حدة وذلك بعد استجوابه، أما رئيس مجلس الوزراء فلا يمكن أن تُطرح
فيه الثقة، بل يمكن فقط تقديم طلب بعدم إمكان التعاون معه، وذلك بعد
استجوابه، وهو طلب محفوف بالمخاطر لأنّه يفتح الباب أمام إمكانية حلّ مجلس
الأمة نفسه. 


3- انعدام وجود آلية مقررة دستوريا لتداول مناصب السلطة التنفيذية، مثلما هي الحال في أي نظام ديمقراطي، ما أدى إلى تثبيت ما يشبه الاحتكار الدائم أو طويل الأمد للعديد من هذه المناصب. 


4- غياب الحياة الحزبية المنظمة،
التي هي أحد أهم مكونات النظام الديمقراطي، ما أدى إلى تكريس الطابع
الفردي للعملية الانتخابية، التي يخوضها المرشحون فرادى، وكذلك الطابع
الفردي للعمل البرلماني. 



5- نجاح السلطة في تعطيل العمل بالدستور وإفراغه من محتواه وتكريس نهج الإنفراد بالسلطة، وذلكإما
بالانقلاب مباشرة على الوضع الدستوري مثلما حدث أول مرة في النصف الثاني
من سبعينيات القرن العشرين ومرة أخرى في النصف الثاني من الثمانينيات حتى
بداية تسعينيات القرن العشرين؛ أو عبر التواطؤ مع الغالبية النيابية
الموالية للسلطة في معظم المجالس النيابية المتعاقبة عندما تمّ تمرير
مجموعة من القوانين المقيدة للحريات الشخصية والعامة والسالبة للحقوق
الديمقراطية المقررة في الدستور، أو باستغلال ضعف المعارضة لتثبيت تدابير
وإجراءات وتقاليد كرّست انفراد السلطة بالقرار. 


6– النظام الانتخابي المعبوث به،
الذي أدى إلى تحكّم السلطة في العملية الانتخابية ومخرجاتها وعرقلة
إمكانية وجود غالية نيابية خارجة عن طوعها، وتكريس الطابع الفردي في خوض
الانتخابات وفي العمل البرلماني. 



ثانياً: تحديد العوامل التي
أدّت إلى تعطيل عملية الانتقال إلى الديمقراطية في الكويت طوال نصف القرن
المنصرم، التي نستطيع أن نلخصها في العوامل الموضوعية التالية:






1– موقف السلطة المعادي
للديمقراطية ومحاولاتها المتواصلة لإعاقة تطورها وتقليص هامش الحريات
وتكريس نهج الانفراد بالقرار، ونجاحها في إفراغ دستور 1962 من العديد من
مضامينه الديمقراطية وفرضها ترسانة من القوانين المقيدة للحريات أو
المناقضة لأسس النظام الديمقراطي، وتحكّمها في النظام الانتخابي، ما أدى
شيئاً فشيئاً إلى انسداد أفق الإصلاح عبر الانتخابات وأساليب العمل
البرلماني. 


2- سطوة الدولة الريعية واستقلال قرارها عن المجتمع. 


3- التأثيرات السلبية لقيم
المجتمع الاستهلاكي، وكذلك التأثيرات السلبية للبُنى الاجتماعية التقليدية
الطائفية والقبلية والعائلية، خصوصاً في ظل محاولات السلطة تمزيق النسيج
الوطني الاجتماعي وتأجيج النزعات الطائفية والقبلية والفئوية والمناطقية. 



أما العوامل الذاتية فتتمثّل في:




1 – عدم إشهار الأحزاب السياسية. 


2- الموقف الدفاعي الذي تشكّل
تاريخياً لحماية دستور 1962 من الانقلاب السلطوي عليه، ما أدى إلى تحييد
المطالبة بإقامة نظام ديمقراطي برلماني كامل. 


3- التعويل المبالغ فيه على الانتخابات والعمل البرلماني على حساب أشكال النضال السياسي الأخرى وبالأساس منها النضال الجماهيري. 


ولئن كان من المهم إدراك العوامل الموضوعية وتأثيراتها، فإنّه يمكن بذل الجهود من أجل تعديل العوامل الذاتية أو العمل على تغييرها. 



ثالثاً: بلورة أجندة النضال من أجل تحقيق الإصلاح الديمقراطي:




حتى يمكننا أن نبلّور أجندة
واضحة من أجل تحقيق الإصلاح الديمقراطي، لابد أولاً من تحديد الهدف المراد
بلوغه بدقة ووضوح، وبعدها لابد من رسم خارطة الطريق من أجل تحقيق هذا
الهدف. 


إنّ تحديد الهدف بدقة أمر
مستحق، ذلك أنّ هناك التباسات تثيرها بعض الدعوات المطروحة للإصلاح
الديمقراطي، فهناك مَنْ يدعو إلى “الإمارة الدستورية”، وهناك آخرون يدعون
إلى “الحكومة الشعبية” أو “رئيس الوزراء الشعبي”، وغيرهم ينادي بما يسميه
“الحكومة البرلمانية”، فيما تنتشر دعوات تطالب بإقامة “الحكومة المنتخبة”،
وهي دعوات لا نرفضها ولكننا نرى ضرورة تدقيقها وإزالة ما يحيط بها من
التباسات وخلط. 


ذلك أنّ “الإمارة الدستورية”
يمكن أن تُفسّر في حدّها الأدنى المتحقق شكلياً الآن بمعنى وجود دستور ينظم
سلطات الأمير، بينما القصد من طرح هذا المطلب يتجاوز ذلك، كما أنّ مطلب
“الحكومة الشعبية” يمكن أن يعني فقط أن يكون رئيس الوزراء والوزراء من
المواطنين وليس من الشيوخ من دون استكمال شروط النظام البرلماني، حيث يتم
توزيرهم كأفراد، ومثلها الدعوة إلى “الحكومة البرلمانية” التي يمكن أن
تُختزل في حكومة تتشكّل في معظمها من أعضاء مجلس الأمة كأفراد… أما مطلب
“الحكومة المنتخبة” فهو لا يمكن أن يتحقق بصورة دقيقة إلا في النظم
الرئاسية، عندما يتم انتخاب الرئيس الذي يعيّن إدارته، بينما الأمر مختلف
تماماً في الأنظمة البرلمانية، التي هي مآل التطور الديمقراطي للأنظمة
الوراثية، إذ لا يتم انتخاب رئيس مجلس الوزراء والوزراء مباشرة، بل يتم
تعيينهم من بين أعضاء كتلة أو حزب الغالبية في البرلمان. 


ومن هنا فإنّ المصطلح الأدق
للهدف الذي نسعى إلى بلوغه من تحقيق الإصلاح الديمقراطي هو إقامة نظام
ديمقراطي برلماني كامل، الذي يقوم على خمسة أركان هي: 



أولاً: وجود أحزاب سياسية. 


ثانياً: تداول ديمقراطي للسلطة. 


ثالثاً: ضرورة نيل الحكومة ثقة البرلمان. 


رابعاً: اختيار رئيس مجلس الوزراء والوزراء من بين أعضاء كتلة أو حزب الغالبية في البرلمان. 


خامساً: أن يكون رئيس الدولة حَكَمَاً بين السلطات لا طرفاً في المنازعات السياسية. 


ويمكن القول إنّ هناك مستويين
مختلفين ولكنهما مترابطان للإصلاح الديمقراطية، المستوى الأول هو مستوى
الإصلاح السياسي الذي يمكن تحقيقه من دون الحاجة إلى تنقيح الدستور،
والمستوى الآخر هو الإصلاح الدستوري الذي يتطلب مثل هذا التنقيح المستحق. 



المستوى الأول هو مستوى الإصلاح السياسي الديمقراطي:




والقصد هنا هو الإصلاح السياسي الذي يمكن تحقيقه من دون الحاجة إلى تنقيح “دستور الحدّ الأدنى”، ويتمثّل في: 


1- انتزاع الحق الديمقراطي في
إشهار الأحزاب السياسية عبر قانون ديمقراطي يعتمد آلية قيام مؤسسي كل حزب
بالإخطار عن تأسيس حزبهم من دون حاجة إلى حصول هؤلاء المؤسسين على الترخيص
الحكومي بذلك، مع ضرورة تأكيد القانون على أن تتشكّل الأحزاب السياسية وفق
أسس وطنية وليس طائفية أو قبلية، وأن تعمل بوسائل سلمية. 


2- إقرار نظام انتخابي ديمقراطي
عادل قائم على التمثيل النسبي للقوائم الانتخابية ضمن دوائر كبيرة، بعد أن
تعذّر وفق حيثيات حكم سابق للمحكمة الدستورية تحقيق مطلب الدائرة
الانتخابية الواحدة ضمن الدستور الحالي، مع تخفيض سن الناخبين إلى 18
عاماً، بمعنى أن يتم إلغاء نظام الانتخاب الأكثري الحالي، وهو نظام غير
عادل، ويقرّ مكانه نظام انتخابي آخر هو نظام التمثيل النسبي، وهو النظام
المعمول به في كثير من بلدان العالم، بحيث تنال القوائم الانتخابية مقاعد
في مجلس الأمة تتناسب على نحو عادل مع نسبة ما حصلت عليه من أصوات
الناخبين. 


3- إلغاء القوانين المقيدة
للحريات وخصوصاً حرية الاجتماع العام وحرية التعبير عن الرأي والحقّ في
تشكيل مؤسسات المجتمع المدني، وكذلك إلغاء القوانين التي تصادر حقّ الأفراد
في التقاضي المباشر أمام المحكمة الدستورية أو تقيّد حقهم في اللجوء إلى
المحكمة الإدارية، إلى جانب التأكيد على حماية الحريات الشخصية للأفراد من
الوصاية والتدخل؛ وعدم المساس بالطابع المدني للدولة. 


4- إطلاق سراح المعتقلين وسنّ
قانون للعفو العام عن قضايا الرأي المعروضة أمام جهات التحقيق والمحاكم
حالياً، وذلك من دون أي شروط أو تعهدات. 


بحيث تمثّل هذه الخطوات والتدابير والآليات الأرضية اللازمة التي يمكن أن يتأسس عليها النظام الديمقراطي البرلماني الكامل. 



المستوى الثاني هو مستوى الإصلاح الدستوري الديمقراطي:




الذي يتطلب بدءاً تصحيح الموقف
الدفاعي عن دستور 1962 الذي تشكّل تاريخياً في مواجهة الانقلابات السلطوية
على الدستور، بحيث يتحوّل إلى موقف الدفاع عن المكتسبات الديمقراطية
المتحققة في دستور الحدّ الأدنى، مع المطالبة بإصلاح دستوري يستكمله ليصبح
دستوراً ديمقراطياً. 
إنّ عنوان الإصلاح الدستوري
المستحق هو الانتقال إلى النظام البرلماني الكامل، وهو ما يتطلّب في حدوده
الدنيا تنقيح عدد من مواد الدستور، وذلك كالتالي: 


– تنقيح المادة 80 من الدستور لقصر عضوية مجلس الأمة على النواب المنتخبين. 


– تنقيح المادة 98 بحيث تتقدم كل وزارة فور تشكيلها ببرنامجها إلى مجلس الأمة لتنال الثقة النيابية على أساسه. 


– تنقيح المادتين 101 و102 بحيث
يمكن طرح الثقة في الوزراء ورئيس مجلس الوزراء من دون الحاجة إلى المرور
بآلية الاستجواب، ومن دون تفريق بين طرح الثقة في الوزراء أو في رئيسهم
واعتباره معتزلاً لمنصبه شأنه شأنهم من تاريخ عدم الثقة به، وعدم اشتراط
تحكيم رئيس الدولة عند طرح الثقة في رئيس مجلس الوزراء لاتخاذ قراره إما
بإعفاء الرئيس أو بحلّ مجلس الأمة، مثلما هي الحال الآن عند تقديم طلب عدم
إمكان التعاون معه. 


– تنقيح المادة 116 من
الدستور، أو تعديل اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، بما يؤدي إلى تأكيد صحة
انعقاد جلسات مجلس الأمة من دون اشتراط حضور الحكومة، حتى لا يؤدي غيابها
إلى تعطيل جلسات المجلس مثلما حدث وتكرر. 



رابعاً: وسائل النضال من أجل تحقيق أجندة الإصلاح الديمقراطي:




مادام أفق تحقيق الإصلاح
الديمقراطي عبر الانتخابات والعملية البرلمانية قد انسدت آفاقه، فإنّ
البديل المتاح هو العمل على تحقيق هذا الإصلاح عبر أساليب النضال الجماهيري
ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر الأساليب التالية: 


– الاحتجاج الجماعي على سياسة أو قانون أو قرار أو إجراء عبر عقد تجمعات جماهيرية وإقامة اعتصامات أو مهرجانات خطابية. 


– تنظيم المسيرات والمظاهرات. 


– النضال الاقتصادي من أجل تحسين شروط العمل أو رفع الأجور وشكله الرئيسي هو الإضراب عن العمل. 


– الإضرابات والاعتصامات الطلابية. 


– جمع التوقيعات على عرائض ومذكرات وبيانات. 


– تشكيل لجان شعبية على مستويات المناطق والمحافظات أو أماكن العمل أو الدراسة أو على أساس المهن. 


– تكوين جماعات ضغط حول قضية محددة أو مطلب معين. 


– تشكيل وفود شعبية لتقوم بجولات على الديوانيات للشرح والتوضيح والتعبئة، أو للالتقاء بالمسؤولين في الدولة أو بوسائل الإعلام. 


– تنظيم حملات التحرك، بما في ذلك حملات التحرك الإلكترونية عبر الهاشتاقات في التويتر. 


– إقامة الندوات والحلقات النقاشية. 


– إصدار البيانات الجماهيرية والمطويات والملصقات وتوزيعها. 



ويتركّز دورنا في تطوير النضال الجماهيري إلى المهام التالية: 




1- رفع مستوى الوعي السياسي
للجماهير، وإزالة ما رسخ في أذهانها من أوهام حول طبيعة السلطة وطريق
الانتقال نحو الديمقراطية، وذلك عبر عمل دءوب من الشرح والتوضيح والإقناع. 


2- تعبئة الجماهير حول مطالب الإصلاح الديمقراطي، وتعزيز ثقتها في قدراتها على إحداث التغيير. 


3- تنظيم حركة الجماهير
والانتقال بها من مستوى النضال العفوي إلى النضال السياسي الواعي والمنظم
عبر أساليبه المختلفة بهدف تغيير ميزان القوى السياسية في البلاد ليصبح
مواتياً لتحقيق مطالب الإصلاح الديمقراطي. 


————————————————— 


أقرها المجلس العام للتيار التقدمي الكويتي في اجتماعه


المنعقد يوم السبت 17 أغسطس 2013


اقرأ المزيد

نكبة فانهيار فنضال طبقي



أحدثت
النكبة في سنة 1948 وما أعقبها من تداعيات تغييرات جذرية في مسيرة الحركة
العمالية الفلسطينية داخل مناطق 1948. فقد أدت إلى تشريد أغلبية العمال
العرب شأنهم شأن أغلبية الشعب الفلسطيني، لا سيما من المدن الكبرى مثل يافا
وحيفا. في الوقت نفسه، لم تبق بعد النكبة مصانع أو مشاغل عربية كثيرة،
وقامت الدولة العبرية بالسيطرة على القليل مما تبقى منها. وكانت الحركة
العمالية الفلسطينية قبل هذه النكبة مؤلفة أساساً من عمال هذه المصانع
والمشاغل، وخصوصاً في المدن الكبرى، ومن العمال في معسكرات الجيش البريطاني
التي انتشرت في فلسطين إبان الحرب العالمية الثانية، ومن العمال في
الأشغال العامة التي كانت قائمة في البلد خلال فترة خضوعها لسلطة الانتداب
البريطاني. وفي موازاة ذلك، أدت النكبة أيضاً إلى انهيار الحركة النقابية
في فلسطين. وكانت هذه الحركة ناشطة جداً منذ عشرينيات القرن العشرين
الفائت، بداية في إطار جمعية العمال العربية الفلسطينية، ومن ثم في إطار
مؤتمر العمال العرب في فلسطين. 


يشير
المؤرخ الدكتور إميل توما إلى أنه عقب قيام إسرائيل استمر مؤتمر العمال
العرب في نشاطه دفاعاً عن الطبقة العاملة العربية بين أوساط المجتمع
الفلسطيني الباقي، والتي تغيّر حالها من النقيض إلى النقيض. وعقد مؤتمره
الرابع في نيسان/ أبريل 1949، واشترك فيه مندوبون عن خمسة آلاف عامل عربي.
ويضيف أنه انطلاقاً من الوعي الذي ميّز القيادة الطبقية الأممية لمؤتمر
العمال العرب هذا، فقد دعا المؤتمر الرابع قيادة اتحاد نقابات العمال
اليهود (الهستدروت) إلى «توحيد الطبقة العاملة اليهودية والعربية في الدولة
الناشئة – إسرائيل». غير أن قيادة الهستدروت رفضت هذه الدعوة جملة
وتفصيلاً. في المقابل، تحالف مؤتمر العمال العرب مع الحزب الشيوعي
الإسرائيلي (راكاح)، الذي كان ممثلوه في الهستدروت يكافحون من أجل توحيد
الحركة النقابية في الدولة على أسس أممية. وفي سنة 1953 عادت قيادة
الهستدروت ووافقت على ضم العمال العرب إلى صفوف النقابات المهنية، وفي إثر
ذلك قرر مؤتمر العمال العرب في ختام أعمال مؤتمره السادس الذي عقد في تموز/
يوليو 1953 أن يحلّ نفسه، وانخرط معظم قادته في صفوف الحزب الشيوعي
الإسرائيلي. منذ ذلك الوقت وحتى الآن، يدور أغلب حراك الحركة العمالية
الفلسطينية في مناطق 1948 حول نشاط الحزب الشيوعي الإسرائيلي داخل
الهستدروت، وفي ما بعد حول نشاط هذا الحزب مع حلفائه في إطار الجبهة
الديموقراطية للسلام والمساواة، كما أنه يتأثر به إلى حدّ بعيد. ويأخذ هذا
النشاط منحيين متصلين يشكلان نفس المنحيين اللذين يميزان نشاط الحزب
الشيوعي عموماً في كل ما يتعلق بحراك الفلسطينيين في الداخل، وهما المنحى
الطبقي والمنحى القومي. ووفقاً لما يؤكده توما، فإن العمال العرب في مناطق
1948 «خاضوا معارك طبقية على جميع الجبهات»، وذلك على الرغم من ظروف
الاضطهاد القومي والتمييز العنصري التي كان الفلسطينيون في هذه المناطق
واقعين تحت وطأتها منذ قيام إسرائيل. وهو يشدّد على أن العمال العرب
انتسبوا بأعداد كبيرة إلى الهستدروت حتى خلال السنوات التي كانت قيادتها
تضع فيها الكثير من العقبات أمامهم، وهذا يدل على أن هؤلاء العمال راغبون
في التنظيم النقابي، وفي عدم فصل نضالهم القومي عن نضالهم الطبقي. 


مع
ذلك، لا بُد من رؤية ما يلي: على مستوى الممارسات الميدانية والنضالات
العمالية والنقابية، عادة ما كان يتم تجيير المنحى القومي لمصلحة المنحى
الطبقي بوحي من الأيديولوجيا التي يتبناها الحزب الشيوعي الإسرائيلي وتوجه
سياساته العامة حتى يومنا هذا. فمثلاً، تجلت أول مظاهر المنحى القومي ضمن
حراك الحركة العمالية في مبادرة الحزب الشيوعي إلى تنظيم «المؤتمر القطري
الأول للعمال العرب» الذي عقد في مدينة حيفا في نيسان/ أبريل 1961. وقرّر
هذا المؤتمر الذي حضره ثلاثمئة عامل عربي من منطقتي الجليل والمثلث ما يلي:
أولاً، مطالبة وزارة العمل الإسرائيلية بتأمين العمل لكل طالبيه، وفتح
أبواب المصانع الكـــــبيرة والدوائــــــر والمؤســــسات الرسمية أمام
العمال العرب والمتعلمين؛ ثانياً، مساواة العمال العرب في الأجور وشروط
العمل وضمان المساواة التنظيمية داخل الهستدروت؛ ثالثاً، إلغاء الحكم
العسكري كلياً (كان مفروضاً على الفلسطينيين في الداخل منذ قيام الدولة
واستمر حتى سنة 1966)، وبخاصة أنظمة التصاريح؛ رابعاً، إيقاف سلب الأراضي
العربية وضرب الزراعة العربية. 


في
الوقت نفسه، حرص المؤتمر على تبديد أي رهان يمكن أن يعوّل على عقد هذا
المؤتمر إلى ناحية تنظيم العمال العرب على أساس قومي، من خلال قرار دعا إلى
توحيد الصفوف وتقوية تنظيم الهستدروت وتشديد نضال العمال العرب واليهود ضد
الغلاء والضرائب. وأيضاً من خلال توجيه المؤتمر نداء إلى القوى
الديموقراطية اليهودية يناشدها تأييد كفاح العمال العرب «كون ذلك يخدم
الطبقة العاملة بأسرها- يهودية وعربية- ويبني صرح الأخوة بين الشعبين
اليهودي والعربي». 


ينبغي
أن نشير هنا إلى أن فكرة تنظيم صفوف الفلسطينيين في الداخل على أساس قومي
بدأت تختمر في أواسط سبعينيات القرن العشرين الفائت، وخصوصاً بعد يوم الأرض
الأول في سنة 1976. وكما أشرنا مراراً في مقالات سابقة، ففي تلك الفترة
برزت مرحلة جديدة من الوعي الوطني فحواها الأساسي ضرورة تنظم الفلسطينيين
في الداخل على أساس قومي للمطالبة بالحقوق القومية إلى جانب الحقوق المدنية
(والتي تطورت في فترة لاحقة إلى مرحلة تحدي فكرة الدولة اليهودية). بيد أن
المبادرات الساعية إلى ترجمة هذا الوعي على مستوى الممارسة أو النشاط
الحزبي والأهلي قفزت عن الحركة العمالية وعن النضالات النقابية. وفي الوقت
الذي ما زال الشيوعيون وحلفاؤهم يولون أهمية كبيرة لانتخابات الهستدروت
التي تشكل فرصة لطرح رؤيتهم العمالية والسياسية المنطلقة من نظرة طبقية،
فإن التيارات المنافسة الرئيسية الأخرى، وخصوصاً القومية والإسلامية، تكاد
تكون غائبة عن حلبة هذه الانتخابات.



أول تجربة نقابية على أساس قومي




كان على الحركة العمالية في الداخل أن تنتظر حتى سنة 2011 التي تمّ فيها
تأسيس «نقابة العمال العرب»، وهي تعرّف نفسها على أنها منظمة عمالية
ديمقراطية غير حزبية، انطلقت كنقابة مستقلة من أجل تنظيم العمال
الفلسطينيين داخل المجتمع الفلسطيني في مناطق 1948. وهي تعتبر أول تجربة
لإقامة تنظيم نقابي لهذا المجتمع على أساس قومي. 


ترى نقابة العمال العرب نفسها بأنها جزء لا يتجزأ من الطبقة العاملة
الفلسطينية، وهي أيضا جزء من سائر الطبقات العمالية في العالم العربي،
وأيضا الحركات النقابية التقدمية في العالم بأسره. وقد سجلت كنقابة رسمية
ومعترف بها محليا ودوليا من أجل تنظيم العمال العرب في أماكن العمل،
والدفاع عن حقوقهم النقابية المسلوبة. وجاءت وليدة مبادرة لعمال وعاطلين عن
العمل من مدينة الناصرة وقراها، لديهم تجربة في العمل النقابي. وتهدف إلى
تنظيم العمال العرب الفلسطينيين في الداخل في إطار نقابي عربي مستقل، وذلك
انطلاقا من إيمانها الراسخ بحرية التنظيم النقابي وفقا لما نصت عليه قوانين
العمل الدولية، وخصوصا ميثاق منظمة العمل الدولية التي أقرت وأكدت حرية
التجمع والتنظيم العمالي النقابي لكل فئة أو مجموعة عمالية مهما يكن دينها
أو توجهاتها ومعتقداتها الدينية والقومية. كما تشدّد النقابة على حقها في
تنظيم نضالات شعبية للعمال من أجل انتزاع حقوقهم في مواقع العمل، وعلى حق
العمال في التنظيم النقابي وإقامة لجانهم العمالية في ظل غياب كامل لنقابة
العمال الإسرائيلية الهستدروت، وتخاذلها مع أرباب العمل. وتؤمن بحقها وحق
جماهير العمال والعاطلين عن العمل في المشاركة والمساهمة في نضالات المجتمع
العربي الفلسطيني في الداخل في مواجهة سياسات التمييز والعنصرية التي
تمارسها المؤسسة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في الداخل، وخصوصا في مجال
التمييز في قبول العمال العرب في مواقع العمل الإسرائيلية بسبب انتمائهم
القومي.


لا
شك في أن الدفع قدماً نحو تنظيم الحركة العمالية الفلسطينية في الداخل على
أساس قومي، سوف يظل متأثراً إلى درجة كبيرة بمستقبل الحراك العام الساعي
إلى إعادة تنظيم حراك الفلسطينيين في الداخل عموماً على أساس قومي. وهذا
الحراك ما زال يراوح بين قليل من المدّ وكثير من الجزر ارتباطاً بأوضاع
الفلسطينيين في مناطق 48 وهوية قواهم السياسية، وكذلك بالوضع الفلسطيني
عموماً، والأوضاع الإقليمية والدولية. 
[نشر للمرة الأولى في محلق “قلسطين” لجريدة “السفير” ويعاد نشره بموجب إتفاقية تعاون بين “السفير” و”جدلية”.] 
اقرأ المزيد

دكتاتورية الأغلبية النسبية



برنارد
ليو الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي في جنوب المتوسط الذي رافق كاثرين
آشتون ممثلة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي في زيارتها إلى مصر للتوسط
في حل الأزمة السياسية في مصر، لم يقل كامل الحقيقة يوم (الأربعاء 14
أغسطس/ آب 2013) حين ذكر أن الإخوان وافقوا على الحل الذي توسط فيه هو
وآشتون فيما رفضه ممثلو الحكومة المصرية الجديدة برئاسة حازم الببلاوي .
كان عليه أن يكشف أيضاً رفض الإخوان حين كانوا في السلطة لصفقة الحل الوسط
الذي طرحه هو وتوسط فيه على مدار عدة أيام في شهر إبريل/ نيسان الماضي
واشتمل على تشكيل حكومة وحدة وطنية وإقالة النائب العام طلعت عبدالله
وتعديل الدستور مقابل موافقة أكبر ستة أحزاب علمانية على المشاركة في
الانتخابات البرلمانية . حيث أعطى الرئيس المخلوع محمد مرسي موافقته على
الخطة قبل أن ترفضها جماعته بدعوى أن لديها شرعية صندوق الانتخاب وهي غير
مضطرة للمساومة عليه .


كما
قلنا في مقال في قراءة سابقة ل “الربيع العربي” وملابساته، إن أقطاب
الرأسماليات العالمية، الولايات المتحدة والدول الرئيسة في أوروبا الغربية،
قد وقع اختيارهم، بعد دراسة وتمحيص أفضل المقاربات المناسبة لتجديد أنظمة
الأمر الواقع لضمان الحفاظ على استمرار خط إمدادات مصالحها، على جماعة
الإخوان المسلمين في المنطقة العربية، باعتبارها القوة الاجتماعية الأقدر
على الإمساك بزمام الأمور وتأمين تلك المصالح، وتم عقد الصفقة بعد اتصالات
وحوارات امتدت لحوالي سنتين (منذ وصول أوباما لسدة الرئاسة في عام 2008) .


بمعنى
أن أمريكا وحلفاءها الأوروبيين الغربيين لا يحبذون التعامل مع صيغة نظام
حكم قائمة على التعددية، ويفضلون عوضاً عنها صيغة أحادية الحكم تناسب
تعاطيهم المباشر مع جهة واحدة تم التوافق معها مسبقاً على طريقة إدارة
مصالحهما المشتركة .


لاحظ
الآن كيف يتباكى الغرب، حكومات وأجهزة إعلامية على الديمقراطية “المختطفة”
في مصر، وهم الذين ظلوا يقدمون كافة أشكال الدعم والمؤازرة لدكتاتورية
واستبداد وفساد نظام مبارك على مدى أكثر من ثلاثة عقود .


وفي
رهانهم على استمرار التزام الغرب بتلك الصفقة المعقودة، فإن الإخوان في
مصر متمسكون بأصل ما جرى الاتفاق عليه، وهم يراهنون بالتالي على استمرار
وقفة العواصم الغربية مع مطلبهم غير الخاضع للمساومة بالعودة إلى السلطة .


ولذلك
نجد السيناريو ذاته في تونس، حيث يتمسك راشد الغنوشي رئيس حزب النهضة
الإخواني بموقفه المصرّ على استمرار هيمنة حزبه على الحكومة وعلى مؤسسات
الدولة رغم كل الذي حدث في بلاده (اغتيال زعيمين سياسيين معارضين كبيرين
هما شكري بلعيد ومحمد البراهمي) وازدهار الإرهاب وتشكيلاته في كنف سلطة
الإخوان، وبرغم عبرة الدرس المصري، وذلك برفضه في 15 أغسطس/آب مقترح
الاتحاد التونسي للشغل، أقوى قوة اجتماعية في البلاد، بحل الحكومة وتشكيل
حكومة وحدة وطنية .


والحال
أن المشيخة الفكرية التي تقدم النصح والمشورة عبر خزانات أفكارها الشهيرة
للطبقة السياسية الحاكمة في قلب المنظومة الرأسمالية: الولايات المتحدة، قد
اهتدت على ما هو ظاهر، حتى الآن، للعيان، إلى تركيا حزب العدالة والتنمية
الإخواني الحاكم، باعتباره نموذجاً صالحاً للتعميم في بقية الأنحاء العربية
المتقادمة هياكل نظمها السياسية بفعل “عوامل التعرية” الزمانية والمكانية .


ورغم
انقسام أوساط تلك الخزانات الفكرية التي تسهم بفعالية في تقرير وصناعة
السياسات والقرارات بين مؤيد ومعارض ومتحفظ على النموذج السياسي التركي،
إلا أن الغلبة كانت لصالح المراهنين عليه وعلى فرص تعميمه، من حيث توفره
على فرص النجاح المتمثلة في تقليده لنماذج النمور الآسيوية وتحديداً كوريا
الجنوبية وهونغ كونغ وتايوان إلى ما قبل تحولها قبل بضع سنوات، من الشمولية
إلى الديمقراطية . فلقد نجحت هذه الدول الآسيوية الثلاث في مقايضة أنظمتها
الشمولية مقابل الرفاه الاجتماعي لشعوبها التي قبلت في مرحلة من مراحل
تنميتها السياسية بتغييب حقها في انتخاب ممثليها الحكوميين . وبموازاة هذه
المقاربة التي نجحت فيها بلدان النمور الآسيوية في مرحلة ما، فإن تلك
النماذج أمنت لها مكاناً متميزاً في النظام الدولي لتقسيم العمل الإنتاجي
من خلال بناء وتمتين علاقات التحالف الاقتصادي مع المراكز الاقتصادية
الكبرى في الغرب الرأسمالي المتقدم .


وهذا
ما فعله ونجح فيه على مدى السنوات العشر الماضية نموذج حزب العدالة
والتنمية الإخواني في تركيا، كقائد لعملية التحول التنموي المحققة لنسب
معقولة من الرفاه الاجتماعي، والعمل بالتوازي على تأمين ظهر هذا النموذج
بتمتين عرى التحالف مع الغرب على مختلف الصعد .


بيد
أن هذا النموذج التركي قد استنفد مخزونه ووصل إلى نفس ما انتهت إليه أنظمة
النمور بعد أن فاض الكيل بالناس من شدة خنق القبضة الشمولية، وهو ما بكر
بالوصول إليه النموذج التركي بانكشاف الوجه التسلطي الزاحف بسرعة على كافة
مواقع التعددية (الحزبية والإعلامية والقضائية والثقافية) .


هذه
القراءة الموصوفة برسم وقائع الأحداث الجارية، سوف تفضي حكماً إلى تحميل
الولايات المتحدة، ومن خلفها أوروبا الغربية الحليفة، مسؤولية الفوضى
المندلعة في أوطاننا بسبب إصرارها على دعم مقاربة الحكم الأحادي لسهولة
التعامل مع آلياته الإدارية الكلية – حتى ولو كانت شمولية فاقعة – من حيث
تأمينها السلس لمصالحها ولاستمرار بقاء الدولة ال “أرتيفيشال” (المصطنعة)
التي أنشأتها لحماية هذه المصالح . ثم ان التعددية ليست على أية حال مكوناً
صديقاً لنسق الثقافة المسيطرة للطبقة السياسية الحاكمة في الولايات
المتحدة والمهيمنة على آليات عمل النظام السياسي الأمريكي .
اقرأ المزيد

اطلب بعثة طب واحصل على «خزف» – عقيل ميرزا

عندما تخوف أولياء الأمور من المعايير المضافة إلى المعدلات التراكمية،
لتحديد الاستفادة من البعثات كانوا محقين، فقد جاءت نتائج هذا المخاض
العسير على غير ما تشتهي سفن النخبة من المتفوقين والمتفوقات.

لا
يمكن لأحد ولا حتى لولي الأمر نفسه أن يصف حجم الألم والإحباط لدى ابنه أو
ابنته بعد مسيرة طويلة من التحصيل والنجاح، وبعد قهر المستحيل بإرادة
فولاذية، والتفوق بمعدلات تناطح السحاب، وعندما حان وقت الحصاد، وقطف
الثمار، يجد هذا الطالب كل أبواب الأمل أمامه مؤصدة، وكل آفاق المستقبل في
عينه سوداء متلبدة بالسحب الثقال، فأي ظلام دامس يعيشه أبناؤنا المتفوقون
وهم يجدون أنفسهم أقرب إلى النجوم من رغباتهم الأولى.

جلست يوم أمس
مع اثنين من أولياء الأمور كانت ابنتاهما تزينان لوحة الشرف على مستوى
البحرين، ويمكن لكل من يجلس معهما أن يقرأ ما بداخلهما من ألم منذ الوهلة
الأولى للنظر في قسمات وجهيهما، فقد اقترب الموسم الدراسي، وهم لايزالان لا
يعرفان أين ستحط ابنتاهما رحالهما الدراسية.

على رغم أن الطالبتين
من العشرين الأوائل على مستوى البحرين، إلا أن ذلك لم يشفع لهما في الظفر
بالرغبة الأولى، ولا الثانية ولا الثالثة، ولا حتى السابعة، وكأنهما
تستحقان العقاب الشديد على تفوقهما، وإذا لم تشفع النسب القريبة من المئة
لأصحابها في تلبية الرغبة الأولى للدراسة الجامعية، فمن إذاً هم الطلبة
الذين تنتظرهم رغباتهم الأولى بفارغ الصبر؟! نريد أن نعرف ليس إلا!

الطالبتان
اللتان جلست مع والديهما لا ترغبان في دراسة تخصيب اليورانيوم، أو علوم
الفضاء، فقط تطمحان في تعليق سماعة الأطباء على جيديهما، فقد حلمتا بها
طويلاً، وشاهدتاها مرسومة على المقررات الدراسية وهما تمران على مناهجها
حرفاً حرفاً، ونقطة نقطة، وهمزة همزة، إلا أن ذلك الحلم أصبح اليوم صعب
المنال، بل بصعوبة وضع القدم على صخور المريخ.

بعد اليأس من حصول
واحدة منهما على بعثة طب، الاثنتان الآن لا تحلمان بسوى القبول في جامعة
تناسبهما لدراسة الطب، وذووهما مستعدون لدفع دماء القلب لتحقيق رغبتهما
مهما كانت الكلفة، إلا أنه حتى القبول أصبح مستعصياً، فكليات الطب الخليجية
بدأت منذ هذا العام تطلب شهادة عدم ممانعة من وزارة التربية والتعليم،
والحصول على هذه الشهادة يحتاج معجزة أكبر من معجزة التفوق بمعدل يقترب من
المئة؟!

لا أدري إلى ما سيؤول أمر هاتين الطالبتين، وغيرهما من
الطلبة والطالبات الذين رسموا طموحهم وهم يجدون ويجتهدون، حتى وجدوا هذا
الطموح يتكسر على أعتاب التخرج من الدراسة الثانوية، ولا أدري كيف سيكون
حجم شغف التفوق لدى من سيأتون بعدهم من الطلبة، وهم يرون أسلافهم من الصفوة
والنخبة يطلبون بعثة في الطب فيحصلون على بعثة في فن الخزف!

اقرأ المزيد

لا بديل عن الاستماع لنداءات الإصلاح

المجزرة البشعة في سورية التي راح ضحيتها مئات الأشخاص، بينهم أطفال،
قُتلوا بعد غارات جوية وهجوم بأسلحة كيماوية على مناطق واقعة تحت سيطرة
المعارضة قرب دمشق (الغوطة) تهز الضمير الإنساني، وهي اختبار لمختلف القوى
الإقليمية والدولية. وسواء كان السبب هجوم من النظام السوري كما أعلنت
المعارضة، أو أنه استفزاز مخطط له مسبقاً كما قالت روسيا، فإنها ليست المرة
الأولى التي استُخدم فيها هذا السلاح البشع، ولكنها الأخطر والتي تنذر
بتداعيات خطيرة على المستويين الإقليمي والعالمي. القناعة لدى الكثيرين أن
النظام السوري والمعارضة المسلحة لديهما مخزون من هذه الأسلحة، وسورية
أصبحت مرتعاً لانتهاكات صارخة ضد الشعب السوري.

منطقتنا تمر في مخاض
كبير جداً لم تشهده منذ مئة عام، ومن المحتمل أننا لانزال في بداية فترة
طويلة ستطول سنوات، والأحداث المتوترة تطال أكثر البلدان، إذ إن هناك
حراكاً سياسياً، وهناك عنفاً، وهناك إرهاباً، وهناك وحشية، وهناك قمعاً،
وهناك اضطهاداً، وهناك ظلماً، وهناك غضباً، وهناك احتقاناً، وهناك تمترساً
خلف الانتماءات التمزيقية للأمة، وهناك مصالح لن تتنازل عن ما لديها من
امتيازات حتى لو كان ذلك سيؤدي إلى ما نراه أمام أعيننا.

قبل أكثر من
عقد تحدثت الأمم المتحدة في تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2002
عن ضياع الفرص للأجيال القادمة، وقال التقرير إن العالم العربي أمامه ثلاث
عقبات رئيسية وهي «احترام الحريات الإنسانية»، و «تمكين المرأة»، و «اكتساب
المعرفة». أمّا في العام 2004، فقد أوضح تقرير آخر للتنمية الإنسانية
العربية أن العالم العربي متعطش للحرية وللحكم الصالح، وطرح التقرير
معالجات لنقص الحريات والحكم الصالح ودعا للإصلاح في المجال السياسي
والقانوني.

غير أن تلك التقارير التي تحدثت عن أمور نعيشها أمام
أعيننا الآن لم تحظَ باهتمام كافٍ من البلدان العربية، وأدت الضغوط
الديموغرافية، والطفرة الشبابية المصحوبة بفشل واضح في التنمية الاقتصادية
وانعدام العدالة في توزيع الثروات إضافة إلى المشاكل العميقة المتعلقة
بالفساد والمحسوبية، والتحريض والتمييز إلى الاحتشاد في الميادين في 2011.
ما نشهده حالياً يؤكد أن تبعات عدم إجراء الإصلاحات الهيكلية المنصوح بها،
والاستمرار في وضع تنعدم فيه الحرية، أدى إلى المآسي التي تهدد الاستقرار
الإقليمي. إن التعويل على الترتيبات الأمنية والعسكرية لمنع تدهور الأوضاع
له أثر مؤقت ومحدود. إن ما حثت عليه الأمم المتحدة من إصلاحات هيكلية
وجذرية قبل أكثر من قرن مازال هو المطلوب لإنقاذ منطقتنا.

اقرأ المزيد