المنشور

أجندات سياسية ضد البحرين

يبدو أن البعض قد عجز تماماً عن الدفاع عن الإجراءات والقرارات التي
تتخذها السلطة بحق القوى الديمقراطية المطالبة بالإصلاح، وخصوصاً بعد أن
لقيت مثل هذه الإجراءات رفضاً دولياً حاسماً، فراح يدعو الآن إلى تجاهل
جميع الإدانات التي تصدر من المنظمات الدولية، بل ذهب إلى أبعد من ذلك
كثيراً بالدعوة إلى عدم التعاون مع هذه المنظمات، وحتى منعها من دخول
البحرين، بحجة أن جميع المنظمات الدولية بما في ذلك الأمم المتحدة، لا
يمكنها أن تتخذ أي خطوات عقابية فعلية.

لقد وصل الأمر الآن لحالة من
إنكار الآخرين، بعد أن عجزت جميع ماكينات الدعاية المحلية منها والأجنبية
رغم ما خصص لها من إمكانات مادية ضخمة عن إقناع العالم بأن ما يجري في
البحرين هو نتيجة التدخلات الخارجية وأن الاحتجاجات الشعبية ما هي إلا من
مجموعة صغيرة في المجتمع تعمل من أجل تطبيق «ولاية الفقيه» في البحرين.

خلال
يومين فقط أضيف للقائمة الطويلة من المنظمات والدول المطالبة باحترام حقوق
الإنسان في البحرين منظمتان جديدتان، هما منظمة العمل الدولية، والاتحاد
البرلماني الدولي، بعد أن قررت حكومة البحرين عدم التوقيع على الاتفاقية
الثلاثية بين وزارة العمل والاتحاد العام لنقابات عمال البحرين وغرفة تجارة
وصناعة البحرين لإنهاء ملف المفصولين من العمل بسبب الأحداث.

منظمة
العمل الدولية التي بعثت بوفد رفيع المستوى إلى البحرين لحضور توقيع
الاتفاقية التي كانت ستنهي القضية المرفوعة على البحرين من قبل 12 منظمة
عالمية، لن تشطب الدعوى الآن، ومن المتوقع أن يتم بحثها خلال الاجتماعات
المقبلة، وبالتأكيد فإن هناك إجراءات ستتخذ من قبلها.

شكوى أخرى تم
بحثها أمس الأول في الدورة الـ129 لاجتماعات الاتحاد البرلماني الدولي، هذه
الشكوى خاصة بسحب جنسية النائب السابق جواد فيروز وتعرضه مع زميله النائب
السابق مطر مطر للتعذيب.

وبالطبع فإن تقرير لجنة حقوق الإنسان في
الاتحاد البرلماني الدولي لم يعجب الوفد البرلماني البحريني المشارك في
الاجتماع، فما كان من رئيس الوفد إلا اتهام أعضاء اللجنة وخاصة نائبة
الرئيس بالعمل ضد مصالح البحرين ودعم قوى المعارضة السياسية، وقال إن
«نائبة رئيس اللجنة لها مواقف معلنة ضد البحرين ما ينفي عنها صفة الحياد،
الذي يجب أن يتوافر في عضو هذه اللجنة»، وصرح بعد ذلك بأن البحرين لن
تتعاون مستقبلاً مع هذه اللجنة.

يبدو أن المسئولين لدينا ليس لديهم
أي دفاع منطقي عن العديد من القرارات التي تتخذ بشكل انتقامي، ولذلك فهم
يكررون الاسطوانة المشروخة نفسها من أن «هذه المنظمات لا تتمتع بالحيادية
ولها أجندات سياسية ضد البحرين».

اقرأ المزيد

إلى الضائعين في دروب الوطن- يعقوب سيادي


ضائع في دروب الوطن، كل من تسمى بغير المواطن، يلطمه ذاك الجدار من ذا الزقاق، الذي بناه الرعيل الأوائل من مواطني البحرين، أو يلفظه شاطئ البحر الذي ارتاده واستخرج غلاته ولؤلؤه الأجداد، أو تلك النخلة التي ارتوت من عين عذاري من بعيد، أو بعزق «السخين» بيد ذاك المزارع الذي روى الأرض عرقه وجهده، فاستنكر الوطن ضياع ذاك التائه في داره وبين أهله، فليس للقبيلة ولا العرق وليس للدين ولا المذهب، من وطن، فما الأوطان إلا دارًٌ للمواطن، الذي تجتمع فيه كل هذه الإنتسابات، وتتوحد في صفة المواطن وحسب، ليتساوى مع غيره من المواطنين، في اقتسام الثروة الوطنية والقرار السيادي الذي يحمي الوطن ضد الأغراب والتغريب.

غريب في وطنه ذاك المواطن، الذي تسمى بمذهبه، أو قبيلته، وغريب ذاك المواطن، الذي ما أن رأى مظلوماً في وطنه، يرفع الصوت في طلب حقٍ، حتى رماه بالخيانة والجحود، فكأنما الوطن، شيخ أعطى أو وهب، وجاء بسعي لتقبيل «الخشم» وبما سعى ذهب، بمال إستحوذه من المواطنين والوطن، وأعطى منه من تَعَبَّـد للشيخ وارتعب، فخائن لدى ذاك وغريب الدار، كل من لم يُقبِّل «خشم» الشيخ كما فعل.

وكأني بمن يُخَوِّن أهل الدار والوطن، ويعايرهم بمدرسة وجامعة ارتادوها، أو بعملٍ ثمرة جهدهم وكدهم ومثابرتهم، ينسى أنه نفسه من اختار أن يدفع بدل ذلك جهله وعبوديته التي تستصرخ لديه صوت الظلم لغيره، بأنهم لم يبيعوا أنفسهم كما باعها بأبخس الأثمان، بل جهدوا واجتهدوا برفعةٍ، في خدمة الوطن، وأتوه بما تقاسموه وإياه، من خير ويُسرٍ، فينادي أنه حرٌ في القول والفعل، مستنداً على متنفذٍ اليوم، في إفلاته من العقاب، ويستزيد مطمئناً لأنه في غده سيكون كما أمسه ويومه، عبداً لمن تقوى وانتشر.

فيخرج علينا من يعتمر عباءة الطائفية المذهبية، بأن الآخر خطير عليه، إلا بقمعه وتهميشه، وكأن الوطن مالٌ ورثه من أبيه، لا يطال النفع فيه غيره، فارتضى أن يحالف من ينصره في ذلك، ظلماً لأخيه المواطن الآخر، معتداً بما تملكه السلطات القائمة، الناصرة له ضد الآخر، بتمييزه، متناسياً أن الزمن دوّار، وما من مظلومٍ بتقيّحات التهميش والتطاول، إلا صبر وصبر، ثم ثار وانفجر، وحينها لا ينفع الظالم، لا مالٌ ولا تمييز، فالنهر سيجري في مجراه الطبيعي، مهما بعثر الطاغي في طريقه من حجر.

فتعال أيها التائه في الوطن، إلى كلمةٍ سواء بيننا، قد تستنفع بعطاء غير حقك بالزيادة، ولكن هل تستنفع بنزع لقمة العيش من الآخر؟ فحتى الحيوان المفترس، يأكل من فريسته ما يشبعه، ويترك للآخرين من بني جنسه بقاياها، ولا تنسى أن الوطن هو دارك ودار جارك المواطن الآخر، فكيف تطرب لخلو الدار إلا من شخصك، دون أخيك المواطن الآخر، وتقبل غريباً ينازعك رزقك، أفليس «أنت وأخوك وابن عمك على الغريب»؟ أم أن الغريب أخوك، وأخوك في الوطن غريبٌ، لتتقوى بالغريب على أخيك المواطن.

وأيها التائه في الوطن، حين تتجنى على أخيك في الوطن، بأنه صفوي الهوى، نصرةً كاذبةً لعروبتك، ألم تر بأن من تنقاد لهم باتوا يصافحون ويتقاربون مع محتلي فلسطين العربية، يستنصرونهم على عروبتك وعروبة أخيك المواطن الآخر، الذي حين كان له الخيار، اختار عروبة البحرين، وأعطاك صكّ عروبتك، في وطنٍ جامعٍ لك وله، أم أنك حينها، كنت العروبي دونه؟

ومذهبك وطائفتك، أيها التائه في الوطن، هل كانا وما يزالان، معياراً لعروبتك ومواطنتك، لتنفي عروبة ومواطنة أخيك المواطن الآخر، تعييراً باختلاف المذهب والطائفة، والتقائه بمذهب وطائفة مواطني دولة أخرى، لتنسبه إلى مواطنيها، لتخوينه في مواطنته، التي هي بقدر مواطنتك أو ربما هي أكثر تجذراً منها، والتجني عليه، فتقبل شراكة ذاك المكتسب مواطنتك، وتقبل لمن تقتاد، صداقة أعداء عروبتك، ودينك ومذهبك من الصهاينة، وتصفق إعجاباً، بأنهم حماة حماك، الذي تراه بقصر نظر، فيما سبغوا عليك من تمييز مؤقت، يزول وتأتيك الطامة الكبرى بأكثر مما نال نصفك الآخر من المواطنين، في لحظةٍ يقل مالك ويضيق عيشك، لترى أنك تعيش في وطن، ثرواته ينهل منها الغريب دون حساب، وترى نفسك في آخر الصف من بعدهم، وبعد تكاليف إرضاء أعداء عروبتك.

فلا يفدي الوطن، ويبذل الروح والغالي والنفيس له، إلا من سال عرقه وروى تراب الوطن، وصبر وجاهد نصرةً لك في حقك كما هو حقه، وليس هو غريبٌ جيء به، لينصرك على نصفك الآخر، شريكك الحق في الوطن، يرى تعبك تعبه، وعبئك عبئه، وما ينال من حق مدني وسياسي وإنساني، إلا كان نصيبك فيه بمثل نصيبه.

أفلا تستدل دروبك أيها التائه عن الوطن!

الكاتب: يعقوب سيادي
اقرأ المزيد

«أفكار استراتيجية» لا تحقق أمناً لأيِّ منطقة في العالم

يوم أمس (8 أكتوبر/ تشرين الأول 2013) اختتم المعهد الدولي للدراسات
الاستراتيجية مؤتمراً «مغلقاً» جمع فيه خبراء من الغرب والشرق والشمال
والجنوب للتوصل إلى أفكار حول كيفية تخصيص الإنفاق العسكري مع ازدياد الضغط
على الموازنات المالية في كل مكان.

فرع البحرين لهذا المعهد افتتح
في مايو/ أيار 2010، وذلك لتكثيف حضوره بعد أن نظم المؤتمر الأمني السنوي
«حوار المنامة» منذ 2004، ولكن معظم الاجتماعات مغلقة، وليس معلوماً مدى
استفادة البحرين منها، ولاسيما أن البحرينيين محرومون منها، وكانت هناك
شكوى دائماً من «التعامل الفوقي» الذي يتسم به المعهد في البحرين.

المؤتمر
المغلق الذي استمر يومين ونصف واختتم أمس أعرب عن قلقه من أن الإجهاد
المالي من المرجح أن يؤدي إلى كبح قدرة الدولة في حماية أمنها الإستراتيجي،
مشيراً إلى زيادة النفقات العسكرية الصينية وآثارها على الأمن الإقليمي في
آسيا، هذا إضافة إلى الضغط المالي في الولايات المتحدة، والأزمة السياسية
الحالية بين الرئيس باراك أوباما والكونغرس حول الموازنة الفيدرالية، وأن
كل ذلك سيلقي آثاره على الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط وشرق آسيا.

المشاركون في اجتماعهم المغلق قالوا إن النظام الدولي لا يزال يعتمد على القدرة الاستراتيجية للولايات المتحدة وحلفائها وشركائها.

على
أن الإنفاق العسكري في منطقة الشرق الأوسط، من ناحية النسبة المئوية، أعلى
بعدة مرات ما هو في أيِّ مكان في العالم، وتتكدس جميع أنواع الأسلحة التي
تلتهم موازنات دول المنطقة، ومع ذلك فإن الأمن لايزال مفقوداً، ونرى كيف أن
مكالمة هاتفية جرت بين الرئيس الأميركي باراك أوباما والرئيس الإيراني حسن
روحاني جعلت هذه النظريات تهتز من كل جانب.

الاجتماعات تبقى مغلقة؛
لأن إطار تفكيرها منغلق على فهم ضيق لموضوع الأمن المعتمد على تكثير
الإنفاق العسكري، وعلى زيادة الهوس حول أية خطوة غير تقليدية، أو أيِّ حدث
غير متوقع، كما نشاهد حالياً منذ اندلاع اضطرابات الربيع العربي.

نلاحظ
حالياً كيف اضطربت الردود على احتمال التقارب الأميركي – الإيراني، والذي
سيؤثر على العلاقات والمصالح المشتركة مع دول في المنطقة تلعب دور الصديق
مع الولايات المتحدة بصفتها حليفاً لا يُقهر.

وقد جاءت تصريحات رئيس
الوزراء الإسرائيلي الأخيرة التي أدلى بها إلى الصحافة الغربية لتعكس
الصورة الأخرى من هذا القلق الذي شجع على اتخاذ خطوات نحو التقارب
الإسرائيلي – الخليجي، وذلك بحسب ما صرحت به وسائل الإعلام الإسرائيلية
المختلفة ضمن سلسلة أخبار وتقارير حللت هذا التقارب ووصفته بـ «تحالف مرتقب
ضد إيران».

الأخطر في نظريات الأمن، أنها جميعها تقريباً تعتمد على
ضرورة زيادة الإنفاق على المعدات العسكرية والأمنية، وأن المصدر المفضّل هو
الدول التي تشتكي حالياً من انعدام الأمن في منطقتنا.

ويوم أمس نقلت
وكالة «يو بي آي» ما كشفته صحيفة «ديلي ميرور» البريطانية، أن الحكومة
الائتلافية البريطانية الحالية «صادقت على رخص لتصدير أسلحة تحتوي على مواد
ومركبات نووية وبنادق وأجزاء قنابل وغازات مسيلة للدموع إلى أنظمة قمعية».

وقالت
الصحيفة، إن الحكومة الائتلافية البريطانية منحت 5000 ترخيص لمنتجات خاضعة
للرقابة منذ العام 2010. وأشارت إلى أن مركّبات الديوتيريوم، المستخدمة في
الأسلحة النووية، كانت بين منتجات خطرة صادقت الحكومة الائتلافية
البريطانية على تصديرها إلى جانب قنابل غاز وأخرى مسيلة للدموع. وأضافت أن
معدات خاضعة للرقابة، من بينها مكونات للطائرات من دون طيار وقنابل وأجزاء
الصواريخ، تمت الموافقة على تصديرها إلى دول يتم انتقادها من الغرب بسبب
تشديد الخناق ضد احتجاجات مواطنيها، فيما وردت أسماء دول أخرى متهمة
بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان على لائحة التصدير.

ونسبت الصحيفة
إلى متحدثة باسم الحملة ضد تجارة الأسلحة، قولها بأنه حان الوقت لوقف بيع
الأسلحة للأنظمة القمعية، لكن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قام
بجولة في منطقة الشرق الأوسط ليتضرع إلى حكامها لشراء الأسلحة البريطانية
على الرغم من أنهم يقمعون ناشطي الديمقراطية.

وطالبت لجنة برلمانية
بريطانية حكومة بلادها الشهر الماضي بتوضيح أسباب منح تراخيص معدات عسكرية
قيمتها نحو 80 مليون جنيه استرليني خلال الأشهر الـ3 الأولى من العام
الجاري، من بينها بنادق قنص وقنابل غاز، إلى دول اعتبرت أن لديها سجلاً
مريباً في مجال حقوق الإنسان.

الحديث في الأروقة المغلقة لم يعد
يجدي، ولا يوفر حلولاً أكل الزمان عليها وشرب، وما يجري في عالمنا اليوم من
اضطرابات لا تنتهي سببه «الأفكار الاستراتيجية» التي لا تحقق أمناً لأيِّ
منطقة أو بلد في العالم.

اقرأ المزيد

حين يدمِّر المجتمع نفسه

ليس من الوارد رجوع الجمعيات الديمقراطية المعارضة إلى طاولة الحوار ما
لم تطرح مبادرة جادة، تؤسس لحوار حقيقي هدفه النهائي إخراج البلد من حالة
الاحتقان التي نعيشها منذ فبراير/ شباط 2011.

من المهم قبل استئناف
الحوار، أن تكون هناك نية صادقة لدى الجميع لإجراء مصالحة وطنية بين مكونات
الشعب، تبدأ بوقف الحملات التحريضية على المعارضين، والاتفاق على توصيف
دقيق وغير متحيز لما تمر به الساحة البحرينية من حراك، وإيجاد حالة من
الثقة بين الجميع، فمن دون ذلك لا يمكن أن يؤسس لحوار منتج يرضي جميع
الأطراف.

ومن المهم أيضاً أن تكون هناك قناعة تامة بأن الحل الأمني
لا يمكن أن يكون مخرجاَ، وأن تشديد العقوبات، والحكم بالسجن على المزيد من
المعارضين، لن يزيد الوضع إلا اشتعالاً، وستكون كلفته أكبر بكثير مما
سيحققه طرف من الأطراف على حساب الآخر.

وفي مقابل ذلك، يجب الاعتراف
بأن ممارسة العنف المضاد من قبل بعض الأطراف المعارضة، والغير داخلة أساساً
في عملية الحوار، لا يمكن أن تجبر السلطة على تقديم التنازلات، ولذلك يجب
على الجميع أن يتخذ قرارات شجاعة، وأن يضع مصلحة البحرين والشعب البحريني
بأسره فوق أي اعتبار آخر.

أظن أن الجميع بحاجة لحالة من المصارحة،
قبل المصالحة، كما أن الجميع مطالب بالرجوع لطريق الحق والصدق، والحب
لأبناء شعبه، والابتعاد عن حالة العصبية والطائفية، لكي نستطيع أن نبني
وطناً آمناً لأبنائنا، كما أظن أن الوقت قد حان لكي يراجع كل طرف موقفه
وتحالفاته وحتى قناعاته، وأن يكون صادقاً مع نفسه قبل أن يكون صادقاً مع
الآخرين.

ليس من السهل أن تراقب مجتمعك وهو يدمر نفسه بنفسه، ومن
الصعب أن تقبل بواقع يساق فيه المئات يومياً إلى السجون، وليس من المفترض
أن ترى نظرات الحقد والشك والريبة في عيون شركائك في الوطن، وليس من
الطبيعي أن يتسابق البعض في كيل جميع الاتهامات والتخوين للآخرين، بدلاً من
إظهار المشاعر الأخوية والإنسانية، كما لا يمكن القبول بزرع الكراهية في
نفوس أبنائنا بدلاً من المحبة، لقد أوصى الإمام علي بن أبي طالب (ع) عندما
ولَّى مالك بن الحارث الأشتر مصر أن يكون رحيماً بالناس، ومحباً لهم، وكتب
له «… وأشعِر قلبك الرحمة للرعية، والمحبّة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن
عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنّهم صنفان، إمّا أخ لك في الدين، أو
نظير لك في الخلق».

كم كان جميلاً موقف أبناء البحرين في خمسينات
القرن الماضي، عندما أُريد لهم أن يعيشوا الفتنة الطائفية، فاتحدوا بدل أن
يفترقوا… وكم هو مخزٍ موقف البعض الآن.

اقرأ المزيد

الليبرالية الاجتماعية والرأسمالية… “عميا تمشّط مجنونة”! – د.فواز فرحان

بقلم: د.فواز فرحان


عندما
ثارت الشعوب الأوروبية وتحديداً في فرنسا على الإقطاع الممثل بالنظام
الملكي المتحالف مع الكنيسة تحت شعار (دعه يمر.. دعه يعمل..) كانت
البرجوازية في ذلك الوقت هي الطليعة الاجتماعية والسياسية الواعية التي
قادت تلك الثورة وبالتأكيد كانت هذه الطليعة (تقدمية) في ذلك الوقت بناءً
على موقفها السياسي الاقتصادي الاجتماعي من الإقطاع والنظام الملكي المطلق
عموماً، كان منطلق هذه الثورة منطلقاً طبقياً متمثلاً بتعارض مصالح هذه
البرجوازية التي تريد للناس والسلع أن تنتقل بين أسواق الإقطاعيات
والملكيات بحرية وبين مصالح الطبقة الإقطاعية التي كانت تمنع هذا التنقل
أحياناً وتفرض عليه شروطاً مرهقة وتعجيزية أحياناً أخرى، ولم يكن منطلق هذه
الثورة تنويرياً كما يروّج العقلانيون الجدد في هذه الأيام رغم أن حملات
التنوير الفردية والمتفرقة كانت تنتشر في أوروبا منذ قرون سبقت هذه الثورة
وبالتأكيد كان لها أثر على نضوج الطليعة الواعية ولكن هذا لم يرقى لكونه
المحرك الأول لها أو المنطلق لثورة الشعوب. 


تحول شعار (دعه يمر.. دعه يعمل..) إلى
منطلق اقتصادي للنظام الرأسمالي الذي ساد بعد نهاية النظام الإقطاعي وتحولت
معه البرجوازية إلى طبقة تعتمد على هذا النظام الجديد لتثبيت سيطرتها على
المجتمع والدولة بهدف زيادة الربح ولا شيء سوى الربح، ومن غير شك أن هذا
النظام الرأسمالي تطورت في ظله الديمقراطية وتبلورت معه مفاهيم الحريات
الشخصية والفردية وخصوصاً حرية السوق، ولكن هذا النظام تحول شيئاً فشيئاً
إلى نظام (مجنون) تزداد معه الفوارق الطبقية ويزداد الأثرياء ثراءً
والفقراء فقراً بسبب طبيعة هذا النظام الاستغلالية مهمشاً شيئاً فشيئاً
مباديء العدالة الاجتماعية، وظهرت الليبرالية مع ظهور هذا النظام؛ فهي
ابنته المباشرة ونتيجته الطبيعية التي اكتسبت مبادئها ومنطلقاتها من مبدئه
ومنطلقه الاقتصادي المتمثل بحرية السوق، فالليبرالية هي المذهب السياسي
الذي ينطلق من الحرية الفردية ويتمحور حولها ويعتمد النظام الرأسمالي كنظام
اقتصادي انطلاقاً من هذه الحرية متناسياً مبدأ العدالة الاجتماعية الذي
ضيعه تقديس الحرية الفردية وبالأخص حرية السوق بشكلٍ مفرط، والليبرالية
ليست هي التحررية كما يحاول أن يرسّخ ذلك الليبراليون العرب ومن ضمنهم
التنويريون والعقلانيون الجدد الذين لا يضعون للتطور التاريخي الذي نشأت به
الليبرالية أي اهتمام واقعي أو اعتبار علمي.


بسبب هذا النظام الرأسمالي والخلل
البنيوي فيه والمتمثل بعشوائية السوق التي تؤدي إلى فائض في الانتاج وضعف
في الطلب وبالتالي المزيد من التضخم والبطالة والفقر حدث (الكساد الكبير)
أو ما تسمى بالأزمة الاقتصادية الكبرى في عام ١٩٢٩ والتي خلفت الكثير من
المآسي البشرية، وطرح في ذلك الوقت المفكر الاقتصادي الإنجليزي (كينز)
حلولاً كان يعتقد بأنها ناجحة وناجعة للتغلب على مشاكل النظام الرأسمالي
مثل دعم الطبقات العاملة والفقيرة والمهمشة وتدخّل الدولة لصالح ذلك حتى لا
يزيد استغلال البرحوازية لهذه الطبقات فيزداد الفقر والعوز فنشأت
(الكينزية) أو ما تم الاصطلاح عليه بالليبرالية الاجتماعية والتي تنطلق من
نفس منطلقات الليبرالية الكلاسيكية التي سبقت (الكساد الكبير) ولكنها
مُطعّمة ببعض الأفكار الاجتماعية أو الاشتراكية مثل تدخل الدولة في
الاقتصاد، فالليبرالية الاجتماعية هي تعديل طفيف على الليبرالية الكلاسيكية
للتخفيف من مشاكل النظام الرأسمالي ولكنها لا تعالج خلله البنيوي وتناقضه
الرئيسي اللذين هما أساس هذه المشاكل.


والليبرالية الاجتماعية ليست كما يروّج
أتباعها -إما جهلاً أو تدليساً- على أنها الخط الثالث الوسطي بين
الرأسمالية والاشتراكية بل هي تطور تاريخي للليبرالية الكلاسيكية،
والليبرالية الاجتماعية كذلك ليست هي الاشتراكية الديمقراطية كما يتوّهم
بعض من يدعي التنظير السياسي والفكري لأن الأولى منطلقها الحرية الفردية
والثانية منطلقها العدالة الاجتماعية وإن تشابهت برامجمها على أرض الواقع
أو اندمجت بعض الأحزاب التي تمثلهما في بعض الدول الأوروبية، والدليل
التاريخي الملموس على عدم جدوى هذه الليبرالية الاجتماعية في إيجاد حل جذري
لمشاكل الرأسمالية أن أكبر الدول التي كانت تتبناها مثل أميركا وبريطانيا
انتقلت بعد ما يقارب الستين عاماً على تبنيها إلى (الليبرالية الجديدة)
والتي تعتبر كذلك تطوراً تاريخياً لليبرالية الاجتماعية في بعض الدول التي
انتعشت اقتصادياً وتوهمت أن الطبقات العاملة وصلت إلى مرحلة لم يعد ممكناً
بعدها أن تعاني من مشاكل التضخم والبطالة والفقر ولكن التاريخ أثبت عكس
ذلك، فالأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم في عام ٢٠٠٨ مازالت تغرس أظفارها
في لحوم الشعوب والبطالة والفقر يأكلان مجتمعات أوروبية وأميركية شمالية
وجنوبية ومجتمعات أخرى في العالم.


باختصار؛ الرأسمالية نظام مجنون تستخدمه
الطبقة البرجوازية لاستغلال الطبقة العاملة لجني المزيد من الأرباح،
والليبرالية الاجتماعية تعتقد بأنها تعالج مشاكل الرأسمالية من خلال بعض
التعديلات على النظام الاقتصادي غير ملاحِظة للخلل البنيوي للرأسمالية
وتناقضها الرئيسي، ولا ينطبق على الليبرالية الاجتماعية والرأسمالية إلا
المثل الشعبي الذي يقول: عميا تمشّط مجنونة!


————————————–
*عضو التيار التقدمي الكويتي.
اقرأ المزيد

في «عيد المعلم»… ولكن أين العيد يا هذا؟! – مريم الشروقي

عيد المعلم يصادف الخامس من أكتوبر/ تشرين الاول 2013، ولكن أين العيد يا هذا؟

عيد
المعلم اليوم ناقص مع سبق الإصرار والترصد، فالمعلم مهزوزة شخصيته أمام
ولي الأمر والعالم، وإن كان من تلك الفئة فإن سمعته منتهية لا محالة، وإن
كان من المغضوب عليهم فإنه في خبر كان!

عيد المعلم بلا بهجة ولا طلة
في عديد من المدارس، فأكثر ما تستطيعه المدرسة في هذا اليوم هو الاحتفال به
لمدة لا تزيد عن نصف ساعة، يُعطى ورقة (شهادة) غير مفعلة ولا مفيدة، ومن
ثم يُعطى هدية، «عاد» والهدية إما أن تكون قلماً لا يزيد سعره عن دينارين،
أو كأساً لشرب القهوة والشاي لا يزيد سعره عن الدينار والنصف، أو 3 دنانير
لدى الادارات الممتازة، أو قد تكون هناك إدارة لديها فائض في الموازنة
فتعطي أكثر بقليل من ذلك. ولكن ماذا صنعت وزارة التربية والتعليم من أجل
الاحتفال بالمعلم؟ وما هي الفرحة من أجل يومه ليكون عيداً كالأعياد الأخرى؟

ففي
عيد الأم تحتفل الأسرة وتبتهج، وفي عيد الفطر والأضحى يفرح الناس جميعاً
ويغردون ويخرجون، أما عيد المعلم فلقد بات باهتاً سخيفاً وكان من الأولى
شطبه!

لابد من عملية التغيير في داخل صرح التربية والتعليم، ولابد أن
يكون الوزير مدرساً سابقاً قبل كل شيء، حتى يلتفت إلى تحسين وضع المعلم،
ولكي يعدل كادره الفقير، وحتى يرسم الخطط التربوية، وكي يضع دورات تدريبية
وورش عمل تناسب قدر المعلم ومستوى عطائه، لا ورشاً تزيد من إحباطه في
التربية والتعليم، تكون ورشاً مثل باقي الوزارات، ذات جودة عالية ومستوى
راقٍ في الأداء وباحترافية.

نعم، كثرت مشاريع الوزارة في التحسين
وغيرها، ووصلت اليوم إلى مستوى عالٍ جداً على الورق، ولكن المدرس وهو
العنصر الرئيسي الأول في تعليم أبنائنا «كحيان» في كل شيء، إذ انك كنت تدخل
المدارس من قبل وتعرف أن هذا مدرس، أما اليوم فليس هناك فرق بينه وبين
العامل، لا في الشكل ولا في المخبر ولا في الطاولة ولا الكرسي! فهناك بعض
المعلمين ليس لديهم كراسي ولا طاولات، وينتظرون صدقة الوزارة على أمل
حصولهم على ما يريدونه من هذه الاساسيات!

مدارس مستقبل من دون طاولات
ولا كراسي للمدرسين، ومن دون حواسب آلية، ولا طابعات لبعضهم، وفي بعض
المدارس من دون مدرسين أوائل ولا ممرَضين ولا سكرتارية، فكيف يُعقل هذا؟

ننتظر
التغيير ونحن على أحر من الجمر بأن يكون التغيير للأفضل، تغيير هرم
الوزارة التي هرمت وشاخت بسبب عدم وجود المؤهلين والأكاديميين المتخصصين،
ممن يستحقون المناصب من دون محسوبية. هؤلاء هم الذين يكلفون بمناصب هي من
أخطر المناصب في الدولة، فربما تضيع الدول وتتدهور أوضاعها بسبب من يقود
العملية التعليمية والتربوية فيها!

تذكير لوزير الداخلية: هل قمتم
باستجواب سعادة النائب عبدالحكيم الشمري بشأن المعلومات التي صرح بها لدى
الرأي العام عن تورط الضباط أم لا؟

تذكير لشريف بسيوني: متى ومن سيُحاسب الوزراء على لجان التحقيق؟

تذكير
لجمعيات ائتلاف الفاتح: متى تطالبون بقطع العلاقات مع أميركا وغلق القاعدة
الأميركية العدوة وطرد السفير الأميركي؟ وما هي الـ80 في المئة من المطالب
التي اتفقتم عليها مع المعارضة؟

تذكير لسعادة النواب: هل تم تحويل
ملفات الفساد إلى النيابة العامة كما طالبتم بذلك؟ أم إلى الآن لم تجتمع
اللجنة لتحويل الملفات، وانشغلتم بمحاربة «الارهاب» وسحب الجنسيات من
المواطنين؟

تذكير للمحامين الشرفاء: أين ذهبت الأموال «أموال النفط» (على قولة المعاودة)، ونحبه على «خشمه» إذا حل اللغز؟

وأخيراً تذكير لوزير الاسكان: هل نحتاج لتذكيرك بتطبيق المعايير الجديدة «قريباً» بعد سنة من اليوم أم ماذا؟

اقرأ المزيد

حل الخلافات عبر التفاوض

بين كل الأخبار المنتكسة في عالمنا العربي كان هناك أمس خبر التوصل إلى
«خريطة طريق» في تونس بين المعارضة التونسية وحركة النهضة الإسلامية التي
تقود الائتلاف الثلاثي الحاكم… ولعلَّ تونس التي بدأت فيها انتفاضات
الربيع العربي في 2011 تفتح صفحة جديدة قائمة على التفاوض والتنازل من أجل
حياة سياسية أفضل.

بإمكان حركة النهضة أن تسير على النهج الذي سارت
عليه جماعة الإخوان المسلمين في مصر؛ ما سيحشد القوى ضدهم، ولربما تدخل
الجيش لصالح طرف ضد آخر، كما حدث في مصر، ولكن «الحكمة التونسية» تغلبت في
هذه الفترة على الأقل، وتم التوقيع على الخريطة التي قدمتها النقابات، وعلى
أساس ذلك فإنه يتعين أن تقدم الحكومة الحالية (التي يرأسها القيادي في
حركة النهضة علي العريض) استقالتها في أجَل أقصاه ثلاثة أسابيع من تاريخ
الجلسة الأولى للحوار. وبعد استقالة حكومة علي العريض ستحل مكانها «حكومة
كفاءات» ترأسها شخصية وطنية مستقلة لا يترشح أعضاؤها للانتخابات القادمة.

وتلزم
خريطة الطريق المجلس التأسيسي بإنهاء اختيار أعضاء الهيئة العليا المستقلة
للانتخابات وتأليفها بعد أسبوع واحد من انطلاق أول جلسة مفاوضات مباشرة
بين المعارضة وأحزاب الائتلاف الحاكم. كما تتحدث خطة العمل عن إصدار قانون
انتخابي خلال أسبوعين من بدء المفاوضات، وتحدد مواعيد للانتخابات والمصادقة
على الدستور.

ما نحتاجه في خضم الكوارث والهزات والأخبار السيئة
التي نمُرُّ بها أن ننظر إلى تجارب ناجحة في حل الخلافات عبر التفاوض
ونتعلم كيفية تقريب وجهات النظر وإنقاذ الأوطان من الانقسامات التي تبدو
مناسبة في وقت ما، ولكن سرعان ما يكتشف الجميع الخطأ الفادح من التمترس
خلفها.

اقرأ المزيد

حقوق المواطن… حقوق العامل الوافد في الخليج

موضوع حقوق الإنسان يطرح اليوم بصورة أقوى مما كان عليه في الفترات
الماضية، والسبب يعود في ذلك إلى أن الحراك أصبح جزءاً من حركة توعوية،
عالمية، تدعو وتنشر هذه المبادئ لحفظ كرامة الإنسان في أي بلد من بلدان
العالم. ولهذا لا يمكن إغفال هذه المبادئ التي دائماً جاء ذكرها في المحافل
الدولية التي تتحدث عن عالمية الحقوق وأن على الجميع احترامها وتفعيلها من
أجل تحقيق العدالة.

ورغم ما يُنشر يومياً من تقارير تناهض وتكشف عن
حجم الآلاف من انتهاكات حقوق الإنسان حول العالم إلا أن البلدان العربية
مازالت من الأنظمة السياسية التي لا تأبى، أو لا تستجيب كما ينبغي، لمثل
هذه التقارير الفاضحة لأنواع الانتهاكات التي ترتكبها بحق المواطن وأيضاً
بحق العامل الوافد وخاصة في الدول التي تشهد طفرات اقتصادية كبيرة.

وفي
الآونة الأخيرة ازدادت السياسات التي تنتهك حقوق الإنسان، وتقمع الحريات
العامة، وتقيد الرأي السياسي أو الانتقاد لأسلوب الحاكم، وتصادر حريات
المواطنين، وأيضاً حقوق العمال الوافدين.

المواطن والعامل الوافد
أصبحا مهدَّدَين بعقوبات من شتى الأنواع، بل إن بعضها يسعى إلى إلغاء
المرء من الوجود – بمعنى آخر – تتم المعاقبة للمواطن بسحب جنسيته والنفي
القسري، أما العامل الوافد فعليه أن يعمل في أية ظروف ومن دون أية حقوق،
دون أن يتكلم. ببساطة إن المطلوب من المواطن أو العامل الأجنبي أن يكون
«عبداً بلا حقوق»… ولذا فإننا نسمع الكثير عن الانتحار في أوساط الأجانب،
ربما بسبب تراكم الديون عليهم، أو لأسباب غير إنسانية أخرى. وهذا يكشف أن
التعدي على الحقوق لا ينحصر في مجال مُعيَّن، ولا يطال المواطن فقط.

للأسف
هذه الممارسات مازالت مستمرة، ولكن ماهو متغير في زماننا هو قدرة المجتمع
الدولي والصحافة العالمية على توثيق حالات الانتهاكات، بينما كانت الحقب
الماضية تفتقر إلى مثل هذه القدرات.

وعليه، فإن ذكر بلداننا في
العالم أصبح يقترن بتوافر الثروة الوطنية، وبنقص الحريات العامة، وباضطهاد
العمال الأجانب، وهذا يحد من قدراتنا لمنافسة الآخرين في المجالات
الحضارية. وحالياً نجد أن هناك حملة صحافية في أوروبا على قطر، إذ تزداد
القصص والتقارير عن أوضاع العمال الأجانب، وهذه الحملات ستزداد أكثر كلّما
اقترب موعد انعقاد دورة العالم لكرة القدم في الدوحة العام 2022.

لقد
كانت دول الخليج تعتقد أن بإمكانها إبعاد الضغط القادم من المجتمع الدولي
من خلال الامتناع عن التوقيع على «الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع
العمال المهاجرين وأفراد أسرهم»، ولكن ما يجري حالياً بالنسبة إلى التغطيات
الإعلامية المتواصلة لأوضاع العمالة الأجنبية في قطر مثل ما نشرته صحيفة
«الغارديان» البريطانية في تقرير لها عن العمالة النيبالية في سبتمبر/
أيلول الماضي إضافة إلى ما تم نشره في اليومين الماضيين بالصحيفة نفسها
وغيرها يوضح أن الضغط لا يتوقع بمجرد عدم التوقيع على مثل هذه الاتفاقيات.

وبحسب
منظمة العفو الدولية فإن معظم الأشخاص الذين يهاجرون لا يتخذون قرار
مغادرة بلدهم الأصلي بسهولة. ولكن الفقر وعدم القدرة على الكسب أو الإنتاج
بما يكفي لكي يعيل الشخص نفسه أو يعيل أسرة من الأسر هما من الأسباب
الرئيسية لانتقال الباحثين عن عمل من دولة إلى أخرى. ولكن توجد أسباب أخرى
تفسّر لماذا يذهب الناس إلى الخارج بحثاً عن عمل. فالحروب، أو الصراعات
الأهلية، أو عدم الأمن الاقتصادي أو الاضطهاد الناجمين عن التمييز بسبب
العرق أو الأصل الإثني أو اللون أو الدين أو اللغة أو الآراء السياسية هي
جميعاً عوامل تسهم في تدفق العمالة الوافدة.

إن العالم يتجه حالياً
نحو اعتماد مقياس واحد لاحترام الدول، وهذا المقياس يتمثل في مدى احترام أي
دولة في العالم لحقوق مواطنيها وحقوق العمال الأجانب، وأن أفضل حل ليس في
الاعتماد على شركات العلاقات العامة وفي اعتماد المزيد من إجراءات التقييد،
وإنما في الانفتاح على هذا العصر بكل متطلباتها الأساسية، والتي من أهمها
احترام حقوق الإنسان، وكل إنسان من دون تفريق أو تمييز سواء كان مواطناً أم
عاملاً وافداً. وهو أمر لا ينطبق على بلد دون آخر بما فيها دول الخليج؛
لأن تفعيل معاييرحقوق الإنسان يجب أن تكون شاملة ومنصفة لجميع المجتمعات.

اقرأ المزيد

المحافظون الجدد وأفكار توماس هوبز



نهل
فكر المحافظين الجدد، من مصادر زمانية ومكانية متباينة (ما قبل الميلاد
لدى سفسطائيي أثينا القرن الرابع قبل الميلاد، ولدى نيكولو ميكافيللي في
القرنين الخامس عشر والسادس عشر، ولدى الاقتصادي وعالم السكان الانجليزي
ثوماس مالتوس في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ولدى فريدريك نيتشه في
ألمانيا في القرن التاسع عشر . وليس ليو شتراوس المصدر الحداثي، الفلسفي
السياسي، الوحيد الذي نهل منه التيار الجديد المحافظ في الولايات المتحدة
التي تعد مركز انطلاق هذا التيار وانتشاره وتبنيه وتطبيقه على نطاقات
مختلفة من قبل عديد الأنظمة السياسية في العالم، من دون الاضطرار للاعلان
عنه فصاحةً أو توريةً .


ثوماس
هوبز (1588-1679) الفيلسوف الانجليزي الذي عاصر مرحلة نوعية حافلة
بالأحداث والتحولات في القارة الأوروبية، هي المرحلة الواقعة بين أواخر
القرن السادس عشر التي تمثل بداية الانهيار العملي لنظام القنانة (الإقطاع)
بوصفه نظاماً اقتصادياً-اجتماعياً شبه عبودي (من حيث تبعية الفلاح وأسرته
شبه التامة للاقطاعي مالك الأرض، بفضل الحلف المقدس المعقود آنذاك بين
الحكم المطلق والكنيسة)، وامتداد القرن السابع عشر الذي آذن بقرب انتصار
رأسمالية المانيفاكتورة – وبعدها الرأسمالية الصناعية البدائية – نظاماً
اقتصادياً اجتماعياً جديداً حرر الفلاح من تبعيته للاقطاع وألحقه بالمعمل،
ثوماس هوبز هو أحد أبرز ملهمي الفلسفة السياسية في العالم الغربي . فلقد
عمل على تأصيل الممارسة السياسية، انطلاقاً من نظرية العقد الاجتماعي (Social Contract Theory) . وتبرز
في هذا الصدد دعوته التي ذهبت شعارا وقاعدةً أساسية لطرائق الحكم ومنها
التوظيف “المثالي” للسياسة أداة تطويع وإدارة مجتمعية، وهو “الحكم المطلق
من أجل السيادة” ومعناها، من وجهة نظر هوبز، أن الفردية، ونزعة الأنا،
وتحقيق الذات الأنانية، بحاجة الى تمركز مطلق للقوة في أي دولة تسود على
المجتمع الذي يقع ضمن نطاق حدودها الجغرافية .


لقد
سطّر هوبز رؤيته هذه لمقاربة الادارة الكلية للمجتمعات في مؤلفه الشهير
“ليفي أثان”، وهو معنى رمزي ذو دلالة خاصة بالنسبة للمقاصد الفلسفية التي
بنى عليها هوبز نظريته السياسية . فالكلمة تعني، تجرداً، شيئاً عظيماً من
قبيل السفينة الضخمة أو حيوان بحري عظيم ورد ذِكره في الكتاب المقدس . وهو
خلع على هذا “الشيء العظيم” (ليفي أثان) مسمى الكومنولث أو الدولة
(باللاتينية) التي لا تعدو أن تكون – بحسب منظور هوبز: “الحكم المطلق من
أجل السيادة” – إنساناً اصطناعياً وإن كان ذا قوام وبنية وقوة أعظم من
الانسان العادي، وهو ما يضعه هوبز ضمن مستلزمات الحماية والدفاع، وفي كل
هذا تتجسد السيادة روحاً اصطناعية تعطي الحياة والحركة لكامل جسدها
(الدولة) .


ومع
ذلك فإن اليمين المتطرف الجديد (أو بالأحرى المتجدد) في الغرب، والذي يفضل
– توارياً – مسمى المحافظين الجدد -لا يستطيع الادعاء بأن ثوماس هوبز
محسوب بالكامل على مذهبهم الفكري الشمولي، حتى لو عدّ البعض هوبز مؤسس
توتاليتارية القرن العشرين، اعتباراً بأن دعوته للسيادة المطلقة تنطوي على
تهديد خطير للحريات الفردية، ذلك أن هوبز يعد أيضاً أحد مؤسسي الليبرالية .
ففي ما أسماه ب “دولة الطبيعة”، الناس يخشون الممات ، ويعوزهم شيئان:
الأشياء الضرورية للمعيشة اللائقة، والأمل بالقدرة على الكدح للحصول عليها .
لذا، ولتجنب ذلك، فإن الناس – بحسب هوبز -يجب أن يتوافقوا على “عقد
اجتماعي” وإنشاء مجتمع مدني، على أن يكون المجتمع أدنى من السلطة السيادية
التي يتعين على أفراد مجتمعها أن يتنازلوا عن بعض حقوقهم ثمناً لحمايتهم،
وأن أي استغلال لقوة هذه السلطة يجب أن يُقبل به كونه ثمناً للسلام . وبحسب
هوبز فإن السلطة السيادية يجب أن تسيطر على مراكز القوى المدنية والعسكرية
والقضائية والدينية . 


وبذا
فقد شاء هوبز أن يغاير قليلاً “مهندسي” الحكم المطلق الصارم من مهرطقي
أثينا القرن الرابع قبل الميلاد، وصولاً الى الأب الروحي الراحل لتيار
المحافظين الجدد ليو شتراوس، وذلك بمحاولة مزاوجته بين ما أسماه “سيادة
الدولة المطلقة على المجتمع” ومدونة بعض الحقوق الوازنة للسلم الأهلي،
والموضوعة في إطار ما أسماه العقد الاجتماعي .


ولعل
هذه المقاربة هي التي جعلت من ثوماس هوبز فيلسوفاً سياسياً رائداً
ومقدّراً في أعين المشيخة الفكرية والأيديولوجية للنظام الرأسمالي . ذلك أن
مقاربته لحكم المجتمعات وإدارتها تعد جد مثالية لتحقيق هدف النظام في
الاستدامة، من حيث الإبقاء على تركيز السلطة والثروة في أيدي الصفوة مع ترك
هامش مرن لحركة الناس ضمن الحدود الشكلية والفعلية لمدونات حقوق وواجبات
ما سمّاه هوبز بالعقد الاجتماعي .
اقرأ المزيد

في البدء كان السؤال



قديماً قِيل إن الصياغة الصحيحة للسؤال هي نصف الإجابة، وتنويعاً على هذا نقول إن الوعي بالمشكلة هو نصف حلها، لأنه يشكل المقدمة الضرورية للتفكر ملياً في أمر وضع أجندات للحل الذي وإن أخذ وقتاً، فإن مجرد وجود هذه الأجندات ومتابعة تنفيذها، يخلق ديناميات مفتقدة في حياتنا العربية، أدى غيابها إلى تخثر الدماء في شرايين حياتنا السياسية والفكرية، أفضت إلى ما أفضت إليه من انفجارات وزلازل، لم تكن العدة جاهزة لمواجهة تداعياتها، وتأمين المسارب الآمنة لها .


فما أكثر الندوات والمؤتمرات وورش العمل وحلقات البحث التي أقيمت وتقام في مدننا العربية كل يوم تقريباً، حول قضايا عديدة، ولكن المتمعن في الأمر سيلاحظ أننا ننصرف إلى التفاصيل وننسى الأساس، أو نتحاشاه ونهرب منه .


هل تذهب المناقشات في هذه الأنشطة نحو العمق لتفضي إلى نتائج تستحق الدراسة والتمحيص، وتتحول إلى إرادة عمل لدى الحكومات أو حتى المنظمات غير الحكومية، كل في حقل اختصاصه، فلا يعود المشاركون في هذه الفعاليات يكتفون بسماع صدى أصواتهم بين الجدران الأربعة للقاعات التي ينظمون فيها هذه الورش، ولا تذهب توصياتهم إلى الأدراج والأضابير، فنعود بعد حين لنقول الكلام نفسه، ونصدر توصيات مشابهة، تزيد أو تنقص، لكنها تذهب إلى المصير نفسه .


المجتمعات الحيوية هي التي تزيد فيها الأسئلة على الأجوبة، فذلك دليل صحة وعافية، لأن الإجابة مغلقة ونهائية وحازمة وجازمة، أما السؤال فإنه مفتوح، إنه يشحذ الهمة على التأمل وعلى التفكير وعلى اقتراح الحلول . ما أن نركن إلى الإجابة حتى تنتفي المخيلة، والابتكار . وبمجرد أن نثير السؤال في أمرٍ ألفناه، كعلامة من علامات الشك فيه، نكون قد اقترحنا بداية أخرى للأشياء، كثيراً .


تتشابه الأجوبة في أنشطتنا وأثناء وضعنا في خططنا لأن الأسئلة التي نثيرها هي نفسها الأسئلة المكررة، التي نجترها منذ عقود، ونظل ندور في حلقة التفكير ذاتها، لأن أسئلة مثل هذه غير قابلة لتوليد إجابات أخرى .


الفكرة ليست في بلوغ الإجابة عن أسئلة معتادة، إنما اجتراح أسئلة غير مفكر بها من قبل، أسئلة لم يسبق أن طرحت، فيها استشراف، وبعد نظر، وذكاء، أسئلة الأفق المستقبلي لا أفق الراهن المحدود، الذي يغدو ماضياً بعد حين لن يطول . فيما المطلوب أن تكون الأعين مصوّبة نحو القادم لا نحو الآفل الذي انقضى وطره .
اقرأ المزيد