المنشور

يـــــوم الـشـهـيــديـــن…!


نظمت جمعيتا المنبر الديمقراطي التقدمي والعمل الوطني ” وعد ” مساء الأحد الموافق 8 ديسمبر 2013 حفل إحياء الذكرى 37 لاستشهاد الرفيقين محمد غلوم والشاعر سعيد العويناتي بمقر التقدمي، وسط حضور كبير من أعضاء الجمعيتين والشخصيات الوطنية والسياسية.


وقد ألقى الرفيق الشاعر عبدالصمد الليث قصيدة للشهيدين هذا نصها:  



  
  
   








يـــــوم الـشـهـيــديـــن…! 





يومُ الشهيديــنِ جرحٌ ظـلَّ مُلتـهـبـا
              ما زالَ يستيقظُ الأجيــالَ والنـُجَبــا
ما زال يسقي ظماءَ النخلِ مبتدراً
              ما زالَ يجري كنبعِ الحُبِّ ما نَضَبـا
ما زالَ يُـذكي فتـيـلَ المورياتِ لنا
              ما زالَ يَهدي سراةَ الليلِ والحُـقَبــا
مُـنـوَّرٌ دربـنـٌا بـالـفـرقـديـنِ فـمِـن 
              شعـاعِ وجـهيهـِما نستـلهمُ السَبَـبـا
كانا رفـيـقـيـن في حـلٍ و في سفـرٍ
              فالموطنُ المُبتلى ليس الذي طُلِــبـا
أمّا الرحيـلَ فـفي شـهـرٍ تـلـوذُ بـِهِ
              طامــورةٌ بالردى والعودُ قـد نُـصِبا
زَينا شبابِ اوالَ الـمـجـدِ قد قَضَيا
              و فارسُ العمرِ في ذاتِ الهزيعِ كـَبا



و من نضالِـهـمـا كم عِبرةٍ حفرت
              بالـمـوتِ آثارَها تشكو لـنا الـعَـتـبـا
تقـولُ أيـنـكمُ مِن بعضِـمـا رسمت
              دمـاؤنـا مِن طـريـقٍ سالـكٍ رَطِـبـــا
أيـن الـذمامُ.. وأيـن العهـدُ إخوتـَنا
              وأيـنَ أيـنَ رفـاقٌ بـأسُـهـم غَــرُبــا
على مدى العامِ.. والأيـامُ شـاهـدةٌ
              شــتّى قـلـوبُـكمُ صَــفـّاً




ومـُنـقَـلبـــا
لـكنكـم في عــشـيّــــــاتٍ مـلـونــةٍ
              بـذكرياتِ الأسـى تـأتـونـنـا نِــوَبــا
فـتـحـتـفـونَ بـنـا في ساعة ٍ و لهـا
              وقـــعٌ كـقابسِ نـارٍ كان مُضطــرِبـا
أهــكـذا مـوردُ العـطـشى أحـبـتـَنـا
              أهـكـذا نـقـصـدُ الـنــاطورَ والعِنــَبا
أهـكـذا عَـلـم الأسـلافُ قــادتُـنــــا
              أهـكـذا نحـفـظُ الـميراثَ و الكُـتـُبــا
عودوا الى الرُشدِ فوراً حيث ملحمةٍ
              تـوحِّـد ُالجــهـدَ والآفـاقَ والشُهُـبـا
لتستـعـيـدوا بهـا ما كان مِن زَخَـمٍ
              بـه تُـذلّـونَ مَن قـد بـانَ و الـرُقَبــا
“وعدٌ” و “مدٌ” كلانا صنـوُ مأثرةٍ
              مِن الـنـضـالِ و مِن آثــارِهِ عَـجَـبـا
“محـمدٌ” و “سعـيدٌ” رمز وحدتـنا
              غصنانِ مِن سدرةٍ أعطت لمن وَهَبا
تـوحّـدوا..و دعـوا أعـذارَ فرقـتِكم
              فـمجـمعُ الخـيـرِ والإيلافِ قد وجَبَـا
يا قـادةَ الـشأنِ هُـبّـوا مِن ذواتـِكُـمُ
              و أعلنوها على أسماعـِـنـا صَخَبــا
ها نحنُ بالعشقِ في قلبٍ و بوتـقـةٍ
              نعيـدُ لـلـوطـنِ المحـبـوبِ ما رَغِبـا
نطوي صحائفَ ما تـبـدو مناكـفـة
              و نحفـظُ اليومَ تـأريخـاً بـنـا كـُتـِبـا
فيا رفاقَ الحِجى يا خيرَ من عُرِفوا
              و يـا ثِـقاتَ طريــقٍ دامَ مُـنـتـَجــَبا
هبّوا فقد أزفَ الحينُ الذي خَبَرَت
              به المروءةُ ما يُـبدى و ما حُـجبـــا
و احلولَكَ الليلُ حتّى باتَ ذو دنفٍ
              على الـقـتادِ و امســى زادُه رَهَــبا
وأُمطرت مِن ظُلاماتِ الأسى حِمَمٌ
              منها تعاني جماعاتُ الرؤى نَصَبـا
مِن عسفِ غائلةٍ..مِن هولِ نـازلـةٍ
              مِن غـولِ ماثـلةٍ صارت لنا رَجَـبـا
كَم غادرَ الرَكْبَ والبلوى الى دعةٍ
              بعضُ الذي كان في أوساطِنا كَـذِبا
قد عافَ لُجّـتـَه..إذ صانَ مُهْـجَـتـَه 
              وقالَ حُجـَّتـَــه كـي يـبـلـغَ الإرَبـــا
و زاغَ مَن زاغَ عن عهدٍ و موجدةٍ
              وراغَ مَن راغَ عن جهرٍ به انقلبـا
و حاطبُ الليلِ مَن يَقـلي مـبـادئَـنـا
              غـداً يـكـونُ لإطـماعِ الأنـــا حَطـَبا
و يسـتـدرُ الـعـطـايـا مِن مـواردِها
              كـيما يفـوز بدنيـا تـغـتـني نـَشـَبـا
نستذكرُ العمرَ مَن ضحّوا ومَن وَهَبوا
              نفوسَهم و وتـينـاً بـالـدمـا شَـخَبـا
بالأمس غادرنا “نـجـمٌ “بأغـنـيــةٍ
              واليوم لـوَّحَ”مـانديلا” بما كَـسَـبا
و يستضيءُ بنجمِ العشقِ مُخـلِصُهُ
              يَـفـدي بما ملـكـت أيـمانـُه وصَبـا
بكم تعيش لنا “البحـريـنُ” شامخةٌ
              و يستحـيلُ”عـذاري” ماؤها عَذِبا
 
 
                   
  عبد الصمد الليث
   8/12/2013م


اقرأ المزيد

رفض المبادرات والحلول

ما أن أعلنت الجمعيات الديمقراطية المعارضة عن طرح مبادرة جديدة للخروج
من الأزمة التي تمر بها البلاد منذ ما يقارب ثلاث سنوات حتى سارعت جمعيات
ائتلاف الفاتح بإصدار بيان مضاد يرفض جميع ما جاء في المبادرة جملة
وتفصيلاً، حيث وجدت جمعيات الفاتح أن «ما ورد في البيان (المبادرة) يمثل
انقلاباً واضحاً على النظام المستقر لمملكة البحرين والذي أجمع عليه شعب
البحرين في تصويته على ميثاق العمل الوطني عام 2001… وإن صدور هذا البيان
في هذا الوقت وقبل الجلسة المقبلة للحوار الوطني يعني بلاشك محاولة
الجمعيات الخمس لنسف الحوار من أساسه وتعطيل مسيرة العمل الوطني الهادفة
لدفع العملية السياسية وتطوير الحالة الديمقراطية والمشروع الإصلاحي
وانتشال الوطن من أزمته الحالية».

ومع أن جمعيات الفاتح لم تطرح منذ
بداية الأزمة وحتى الآن أي مبادرة أو حتى نقاط عامة حول إمكانية حل المشكلة
البحرينية، إلا أنها أول من ترفض جميع المبادرات والوساطات، ولا تقبل بأي
تقارب بين الأطراف المختلفة، كما أنها ترفض رفضاً قاطعاً اللقاء أو الجلوس
مع الجمعيات المعارضة.

إن الاكتفاء بدور المعرقل للحل والقبول بذلك
لن يفيد صاحبه بقدر ما يجعل منه مجرد حجر عثرة يمكن استبعادها من طريق
المفاوضات أو الحوار في حال رغبة السلطة الحقيقية في إنهاء الأزمة، ولذلك
ما أن يشاع وجود مبادرة للحل حتى ترتفع حالة الصراخ والإحباط لدى البعض من
أن الحكومة قد «باعت الموالين لها» بعد أن وقفوا بجانبها في جميع المواقف.

من
المؤكد تماماً أن الحل سيأتي في يوم ما حتى وإن تأخر هذا اليوم، فلا يوجد
بلد في العالم لم يمر باضطرابات وقلاقل، ولكن في نهاية الأمر تغلب المصلحة
العامة وتخلق توافقات ترضي الأطراف المعنية، وما لم تتخذ جمعيات الفاتح
موقفاً إيجابياً، من خلال لعب دور فاعل ومؤثر، فإنها سترى نفسها خارج أي
توافق أو حل.

ليس المطلوب من جمعيات الفاتح أن تتوافق تماماً مع
القوى المعارضة، كما ليس المطلوب منها أن تكون مجرد ظل للسلطة، وإنما أن
تفرض موقفها وتطرح رؤاها، وأن تبادر لا أن تكون مجرد تابع، ذلك ما هو في
مصلحة الجميع.

جميل المحاري

اقرأ المزيد

في حُبّ الديره و نلتم….!




 



نظمت جمعيتا المنبر الديمقراطي التقدمي والعمل الوطني ” وعد ” مساء الأحد الموافق 8 ديسمبر 2013 حفل إحياء الذكرى 37 لاستشهاد الرفيقين محمد غلوم والشاعر سعيد العويناتي بمقر التقدمي، وسط حضور كبير من أعضاء الجمعيتين ورموز المجتمع. وقد ألقى الرفيق الشاعر عبدالصمد الليث قصيدة باللهجة العامية هذا نصها:



 
 



 



في حُبّ الديره و نلتم….!

 
 
يا ناس إشڴد سال الدم؟
دم ورورد..
و دمع خدود..
يطوف حدود..
و غيم احزان و يمطر هَم..
يمطر هَم..
هَم.. هَم..
ڇم طاير مجروح جناحه..
و غنوة آه..
و صبر الدنيا بطعم السَم..
يا ناس إشڴد سال الدم..
خلّونا نوحّد كلمتنا..
و صفّ اخوتنا..
ولد الخال و إبن العم..
تاريخ الخمسين انعيده..
في حُبّ الديره و نلتم..
في حُبّ الديره ونلتم..
في حُبّ الديره و نلتم
 
  8/12/2013م





اقرأ المزيد

التعليم… بين إنجازات وهمية وتراجعات حقيقية!

من ينظر لحال التعليم بعين وطنية واعية بعيدة عن كل المؤثرات النفسية
السلبية، يجد وزارة التربية والتعليم تظهر التعليم في الإعلام والمؤتمرات
والمحافل التربوية الإقليمية والعربية والدولية في أحسن حال من الرقي
والتطوير والإنجازات التربوية والتعليمية والإدارية، ويجده في الواقع
الميداني سيئاً في مختلف مفاصله التربوية والتعليمية، وأنه يعاني – التعليم
– من تراجعات مخيفة في مستوى التحصيل الأكاديمي بسبب أساليب الوزارة غير
التربوية في التوظيف كالأسلوب الذي اتبعته في توظيف ثلاثة آلاف متطوع من
غير أن تخضعهم لأبسط المعايير المهنية المعتبرة، وبسبب آلياتها الخاطئة في
جلب المعلمين من خارج البلاد، وبسبب تجاهلها المتعمد لمئات العاطلين
الجامعيين البحرينيين المؤهلين والمجتازين لكل متطلبات المهنة منذ زمن
بعيد، وبسبب قراراتها وإجراءاتها التعسفية التي مارستها ضد شريحة كبيرة من
التربويين والطلبة، وبسبب النقص في الكوادر التعليمية المؤهلة في الكثير
من المدارس، وبسبب عدم توافر البيئة التعليمية المناسبة لتنفيذ المناهج
الدراسية، وبسبب كثرة المشاريع التربوية غير المدروسة، وبسبب عدم وجود
استراتيجية واضحة للتعليم، وبسبب انعدام الشفافية في التعيين والتوظيف
والترقيات والحوافز والمكافآت والبعثات الدراسية وتلبية رغبات الطلبة
المتفوقين، وبسبب تشكيل لجان التحقيق غير القانونية التي أصدرت القرارات
التأديبية الظالمة ضد مئات التربويين منذ بداية الأزمة السياسية 14 فبراير/
شباط 2011، والتي قامت بتسييس التعليم وفصل وتوقيف نسبة كبيرة من
التربويين عن العمل والاستقطاع من رواتبهم، وبسبب استهدافها المذهبي لموظفي
معهد البحرين للتدريب ولطلبة كلية البحرين للمعلمين، وبسبب تعاطيها
المتباين مع القضايا الطلابية، وبسبب عدم قدرتها على جعل التعليم رافداً
حقيقياً لسوق العمل، وبسبب تخبطها في اتخاذ القرارات والإجراءات التربوية،
وبسبب علاقتها غير الإنسانية مع جل منتسيبيها الذين ينتمون إلى مكون واحد،
وبسبب عدم إشراكها للكوادر الوطنية من التربويين في وضع الإستراتيجية
التعليمية، وبسبب عدم تمكنها من الاتزان في نزعاتها الطائفية والمذهبية عند
تعاملها مع التربويين، وبسبب فشلها الكبير في تحقيق الجودة في التعليم
التي تلبي طموحات الوطن.

ما أردنا قوله إذا لم تتعامل الوزارة
بواقعية مع التعليم، سيكون المستقبل التعليمي للجيل الحاضر في خطر، لابد من
إشراك الكفاءات والخبرات التربوية والتعليمية الوطنية المتميزة في وضع
رؤية إستراتيجية للتعليم، وليس التخلص منهم تارة، أو التضييق عليهم ودفعهم
إلى ترك المهنة التي عشقوها مجبرين تارة أخرى، فيجب وطنياً ومهنياً
وحقوقياً إعطاء كل تربوي حقه المهني والمادي حسب مؤهله وكفاءته وخبرته
ونتاجه التربوي والتعليمي، والاستفادة من جميع الكوادر الوطنية التربوية
والتعليمية ذات الكفاءات والخبرات العالية أصبح ضرورة وطنية ملحة.

وإن
التلاعب بمصير التربويين المهنية والمادية، من خلال منعهم من نيل حقوقهم
المهنية، والتعامل معهم بعيداً عن القانون، وبعيداً عن أخلاقيات وأدبيات
مهنة التعليم، وبعيداً عن تطبيق المفهوم الحقيقي للمواطنة في تعاملها معهم،
والتحدث معهم بلغة طائفية بغيضة في لجان التحقيق، واتخاذ إجراءات ضدهم
خارج القانون، لا تؤدي إلا إلى المزيد من التراجع التعليمي.

وباستطلاع
بسيط لرأي التربويين عن ممارسات وزارة التربية والتعليم الخاطئة، نجد أن
الغالبية الساحقة منهم يشعرون بالغبن الشديد من ممارساتها وانتهاكاتها
لحقوقهم الإنسانية والمهنية التي كفلها لهم القانون، فقد أثبتت الدراسات
التربوية أن تقييد حرياتهم ومنعهم من ممارسة حقهم في التعبير عن آرائهم
والتضييق عليهم مهنياًَ وفكرياً وثقافياً واجتماعياً ونفسياً ومعنوياً،
وإسقاط هيبتهم في عيون طلبتهم، واستبدال الكوادر المؤهلة تربوياً بكوادر
غير مؤهلة يضر بالتعليم، فالتقرير السنوي لهيئة ضمان الجودة في التعليم،
يثبت أن حجم التدني الكبير الذي أصاب التعليم في العمق كان بسبب ضعف
الإدارات التعليمية وفقدانها للرؤية الوطنية للتعليم وافتقارها
للإستراتيجية التعليمية المحكمة، الواقع التربوي والتعليمي الحالي في
البلاد يتطلب تحركاً سريعاً لتغييره جذرياًَ ليتمكن من استيعاب جميع
الكوادر الوطنية الخلاقة التي بإمكانها إحداث طفرة نوعية في التعليم.

سلمان سالم

اقرأ المزيد

مانديلا المُلهم يترجل


ترجل الملهم العظيم، نيلسون مانديلا، لكي يدخل ملكوت الخلود، حياً في ذاكرة البشرية جمعاء، ما بقيت هذه البشرية .





من أقصى القارة الإفريقية، من المنطقة المشتعلة منها التي ظلت حتى عهد قصير مضى معقل التمييز العنصري، شقَ هذا القائد النادر طريقه، ومعه شعب جنوب إفريقيا، إلى المجد عبر رحلة عذاب طويلة، قادته إلى السجن المرير المديد ليصبح أهم وأشهر سجين سياسي في القرن العشرين، إذ رفض كل أشكال المساومة على المبدأ وتمسك بثوابت النضال الوطني الإفريقي، دافعاً ضريبة ذلك من حياته وحريته، وكان هذا التمسك بالذات من أهم العوامل التي ألهبت حماسة الشعب بقيادة المؤتمر الوطني الإفريقي وقادته نحو النصر المؤزر .


وبعد أن استطاع العبور ببلاده من جحيم التمييز العنصري ومخاطر الحرب الأهلية المدمرة إلى أفق التسوية التاريخية من خلال حلٍ شجاع وعادل، أضفى على مسيرته الجليلة أروع اللمسات وأرقها، حين قدّم الدرس الأعظم في التسامح والغفران والحوار .


عهد إلى القس المناضل ضد العنصرية “ديزموند توتو” رئاسة “لجنة المصالحة والحقيقة” للتحقيق العادل والعلني مع المتهمين في جرائم القمع والقتل خارج القانون، على أن تكون لهذه اللجنة مهمة الصفح عن هؤلاء مقابل اعتذارهم لضحاياهم .


ورغم ما عاناه شعبه من مرارات من قبل نظام الفصل العنصري البغيض، وما عاناه هو شخصياً من قساوة السجن المؤبد، قال قولته الشهيرة: “نغفر ولكننا لن ننسى” . وهو في هذا يعني النسيان الفتاك، حين يُصبح المطلوب تغييب الذاكرة الجمعية للناس، وسلخهم من تاريخهم وحملهم على نسيانه .


بعد خروجه من السجن أًصبح أول رئيس لجنوب إفريقيا الجديدة، الحرة، لينجز الفصل الأخير من مسيرة تحرير بلاده من عار العنصرية، بإجماع شعبي قلّ نظيره ولكنه عند انتهاء الأمد الدستوري لولايته أصر على ألا يترشح ثانية، مع أنه كان يملك من التفويض الشعبي ما يجعل منه رئيساً لبلاده مدى الحياة، فهو بالنسبة لشعب جنوب إفريقيا ليس مجرد زعيم، إنما رمز لملحمة النضال العنيد من أجل الحرية .


لكنه في مسألة العلاقة مع السلطة أعطى القدوة الرائعة ذاتها التي أعطاها بسنوات سجنه الطويلة، حين غادر منصبه بإرادته الحرة، ليظل ضميراً ليس لشعبه فقط، إنما لكل المناضلين من أجل الحرية والتواقين إليها في العالم كله .


مانديلا لم يرحل . لقد بدأ رحلة خلوده الأبدي .


اقرأ المزيد

الفوضى الحالية وحرجها الديمقراطي

أمام مشهد الصوملة المريع الذي تهادت إليه المدن والأقاليم الليبية، حيث تتحكم الميليشيات في كافة أنحاء البلاد والعباد، وتنتشر قطعانها مدججة بكافة أنواع الأسلحة المستولى عليها من مخازن الجيش الليبي، في أحياء وشوارع مدنها بما فيها العاصمة طرابلس، لتنشر الرعب في نفوس السكان وتملي عليهم بمنطق الغاب إرادتها ومشيئتها أمام هذا المشهد، لا بد أن تكون الصدمة قد عقدت لسان الكثيرين الذين انبهروا بالبريق المشع والوهّاج ل”الربيع العربي”، خصوصاً في حال شاهدوا مناظر اقتحام مسلحي مدينة مصراته الساحلية بكامل عدتهم وعتادهم العسكري العاصمة طرابلس وقيامهم على مدى يومي الجمعة والسبت 15 و16 نوفمبر/تشرين الثاني 2013 بتوجيه نيران أسلحتهم لسكان العاصمة المحتجين على وجود الميليشيات المسلحة في مدينتهم وقتل 46 شخصاً وإصابة العشرات قبل أن تنسحب الاثنين 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2013 وتعيد تموضعها ليس بعيداً عن العاصمة .


حتى إذا ما استدعت هذه المشاهد الفوضوية تلك الصدمة، فإنها سوف تستدعي، بحسابات المنطق المجردة، إعادة طرح الإشكالية المتعلقة بمدى قدرة الوعي الجمعي العربي على استيعاب فلسفة المقاربة الديمقراطية كأداة تسيير كلية مجتمعية، وآليات عملها المؤسسية .


وحسبنا أن إعادة طرح هذه الإشكالية ليس مبعثه على الإطلاق ترف فكري وتأملي سياسي، بقدر ما هي محاولة تحفيز لإطلاق عملية عصف ذهني وفكري حول هذه القضية المحورية التي مازالت مخاضاتها مستمرة إلى اليوم، كما نزعم، ومازالت هذه المخاضات العسيرة تتشاكل وخيارات البناء التنموي الآمنة والمستدامة وقد هدَّ التعب مجتمعاتنا من مصادر عدم استقرارها المستدام، فلكأن “هبات الربيع العربي” قد شاء لها القدر أن تمتحن فينا غرائزنا وقيمنا ومستقر ثقافتنا المتعصرنة مع هبات التمدين والتحديث العالمية المتمرحلة تباعاً والكاسحة بتياراتها التقدمية المختلفة . فإذا بنا كمجتمعات نُفاجأ بهذا الامتحان الذي خلناه بسيطاً وسهلاً على الاستيعاب والهضم، وبالتبعية الضرورية، عملية تمثله زاداً سلوكياً حضارياً معتاداً، بالقياس إلى الثقة (التي تبين أنها خادعة) في جاهزيتنا واستعدادنا المبنيين على رصيد تمدننا التراكمي فإذا به في غاية العسر والتعقيد .


وبعودة لمطالعة ما دوّنه عبدالرحمن ابن خلدون (1332-1406) في مؤلَّفه (مقدمة ابن خلدون)، وهو الذي سبق عصره في علم الاجتماع كمؤرخ تاريخي اجتماعي عُرف بدقة ملاحظته في تشخيص طبائع وشمائل وخصائص مجتمعات العرب، سواء في مراحل بداوتها أو تحضرها، بالعودة إليه، سنلاحظ، بدورنا، في ضوء إشاراته البالغة الدلالة، لطبيعة الشخصية العربية، صعوبة توفيقها وتساوقها مع تيارات الأنسنة التكاملية والاندماجية الكوكبية المتواترة، رغم مغالبتها الشديدة من جانب نزعات الأنا الماضوية المتوحشة .


يقول ابن خلدون: “العرب أمة تستحكمها عوائد التوحش وأسبابه منهم، فصار لهم خلقاً وجبلة، وكان عندهم ملذوذاً لما فيه من الخروج عن ربقة الحكم وعدم الانقياد للسياسة . وهذه الطبيعة منافية للعمران ومناقضة له” (الفصل السادس والعشرون – ص 149 – مقدمة ابن خلدون) .


وفي مكان آخر يقول: “انهم – يقصد العرب – لِخُلِقِ التوحش الذي فيهم، فإنهم أصعب الأمم انقياداً بعضهم لبعض، للغلظة والأنفة وبعد الهمة والمنافسة في الرئاسة، فقلما تجتمع أهواؤهم” (الفصل السابع والعشرون، ص،151 نفس المصدر) .


فهل نحن اليوم، وبعد مرور أكثر من ستمئة سنة على وفاة هذا المؤرخ التونسي وتأليفه “مقدمته” وإصدارها في عام ،1377 مازلنا نحمل نفس الخصائص والطباع التي كنا نتصف بها حتى أواخر القرن الرابع عشر ومطالع القرن الخامس عشر، والتي تقصاها ورصدها وكشفها لنا ابن خلدون في مقدمته؟ 
اقرأ المزيد

إعلان توظيف طائفي

ليس غريبا أن يتم نشر إعلان توظيف لإحدى الشركات الخاصة يشترط أن يكون
المتقدمون للوظيفة بحرينيي الجنسية ومن طائفة محددة، فما حدث مجرد خطأ فني
يمكن تجاوزه، مادامت أغلب مؤسسات الدولة تمارس مثل هذا التوظيف، ولكن بشكل
مبطن.

قبل يومين نشرت إحدى الشركات إعلانا تطلب فيه مواطنين بحرينيين
لشغل وظائف سواق وحراس أمن بشرط أن يكونوا من الطائفة السنية، ما يعد
مخالفة لجميع القوانين والأعراف في المجتمع، وتمييزا طائفيا فاضحا.

قبل
سنين، أي قبل 2011 بكثير، أخبرني أحد المعارف بأنه يبحث عن صحافي للعمل في
إحدى المؤسسات التعليمية الحكومية، حيث ان رئيس هذه المؤسسة طلب منه ذلك
بشرط أن يكون هذا الصحافي من طائفة محددة، شخص آخر ذهب لتقديم طلب للتوظيف
في إحدى الوزارات «المغلقة» وحين قدم أوراقه للموظف المختص باستلام الأوراق
لاحظ أنه يقسم أوراق المتقدمين إلى فئتين وعندما سأله عن ذلك أخبره بأن
الأوراق المقدمة من طائفة معينة هي من سيتم النظر في طلباتها في حين أن
الطلبات الأخرى سيتم التخلص منها.

الغريب أن البعض ينفي وجود التمييز
في التوظيف مع أن الواقع يقول عكس ذلك تماما، والجميع يعرف أن هناك وزارات
معينة ومؤسسات حكومية محددة، لا يمكن الحصول على وظيفة فيها إن كنت من
طائفة معينة حتى وإن كان المتقدم لهذه الوظيفة يمتلك أعلى الشهادات
الجامعية ومن أسرة عريقة وذات نفوذ في المجتمع حتى وإن كانت قريبة من
السلطة.

هذا ما كان قبل أحداث فبراير/ شباط ومارس/ آذار من العام
2011، أما الآن فيبدو أن العدوى أصابت المؤسسات والشركات الكبرى الخاصة
والبنوك، فما عادت هناك فرص توظيف لائقة لفئة من الشعب البحريني، وكل ما هو
متاح من وظائف هو في مجال حراس أمن «سيكورتي» وسائق وعامل في محطة للتزود
بالوقود وما شابه، وأعرف شخصيا الكثير من الخريجين الجامعيين ممن يعملون في
هذه الوظائف في الوقت الراهن يتقاضون رواتب لا تزيد على 250 دينارا.

جميل المحاري

اقرأ المزيد

عندما تبيع الحكومة دم الشعب

تخيلنا الكثير من أنواع الفساد، تخيلنا ملفات لا حصر لها ولا عد في
قضايا سرقات المال العام، والفساد الإداري. تخيلنا خروقات وتجاوزات تعج بها
ملفات الأجهزة الرسمية. تخيلنا صفحات بالمئات من تقارير يعدها ديوان
الرقابة المالية كل عام، ولكن لم نتخيّل أبداً أن يصل بالحكومة ووزارة
الصحة من فساد أن تبيع دماء الشعب.

ديوان الرقابة المالية في تقريره
للعام 2012 كشف عن «فساد» من نوع جديد، فقد أقدمت الحكومة على بيع دماء
الشعب المتبرع به لمساعدة المرضى المحتاجين إليها. فقد لاحظ تقرير ديوان
الرقابة المالية عدم وجود سند قانوني لبعض إيرادات الوزارة، والتي منها
رسوم مبيعات الدم، إذ كشف بأن الوزارة باعت دماً من خلال بنك الدم بمجمع
السلمانية للمستشفيات الخاصة دون وجود سند قانوني معتمد يحدد أساس احتساب
رسوم بيع الدم أو الضوابط والمعايير التي تنظم عملية البيع، إذ بلغت مبيعات
الدم في الفترة من يناير 2011 حتى 31 أغسطس 2012 (68.469 ديناراً
بحرينياً).

الشعب البحريني والمقيمون وغيرهم من المتبرعين إنسانياً
لمرضى محتاجين للدم، والحكومة تتربح من وراء ذلك، فقد سجلت الحكومة أكثر من
680 ألف دينار في 20 شهراً فقط.

ديوان الرقابة المالية وهو يتحدث عن
ذلك لم يكن يقصد أو يعترض على بيع الدماء المتبرع بها، بل جل اعتراضه على
عدم وجود تفاصيل لعمليات البيع، مثل الكمية المباعة وسعر الوحدة، والتي تتم
مباشرةً عن طريق بنك الدم، فيما عدا الفواتير التي يصدرها القسم بإجمالي
قيمة البيع.

ديوان الرقابة المالية أوصى بإصدار السند القانوني الذي
يجيز فرض الرسوم المترتبة بالتنسيق مع الجهات المختصة، ومن ثم إصدار
القرارات اللازمة المنظمة لها وضرورة قيام قسم الإيرادات بإدارة الموارد
المالية بوزارة الصحة بالتنسيق مع بنك الدم بمجمع السلمانية، للحصول على
تفاصيل عمليات بيع الدم.

وزارة الصحة سارعت لتأييد التوصيات، وأعلنت
عن توافقها معها، ووعدت بوضع آلية بين إدارة الموارد المالية وبنك الدم
للحصول على تفاصيل عمليات بيع الدم والاحتفاظ بسجل خاص يبين تفاصيل عملية
بيع دماء الشعب المتبرع بها.

من حقنا نحن شعب البحرين، أن نسأل ديوان
الرقابة المالية، ووزارة الصحة عن السند القانوني الذي يجيز لها بيع دماء
تبرع بها شعب البحرين من أجل مساعدة أخوة مرضى هم في أمسّ الحاجة لهذه
الدماء. ومن حقنا أن نفهم لماذا تقوم الحكومة ممثلة بوزارة الصحة وبنك
الدم، ببيع هذه الدماء التي تحصلت عليها بالمجان من قبل المواطنين؟

من
حقنا أن نطالب السلطة ووزارة الصحة، بإرجاع الأموال التي تحصلت عليها من
غير وجه حق، إلى الشعب، فهل بلغ بنا الحال أن تبيع الحكومة دماء الشعب؟

في
خضم مناقشاتي مع أحد الزملاء عن هذا الموضوع، خمن لي بأن الموضوع، في ظل
كونه متعلقاً ببيع الدماء على المستشفيات الخاصة، فإنه قد يتعلق بالتكلفة
المترتبة على جمع الدماء، وبالتالي فإن الوزارة لا تصرف على المستشفيات
الخاصة، ويجب على هذه المستشفيات أن تساهم في قيمة تكلفة جمع الدماء، وهذا
واجب يجب القيام به، وفرضه. ولكن، كم هي تكلفة كيس دم واحد؟ وبكم تبيع
وزارة الصحة كيس الدم على المستشفيات الخاصة؟ وبكم تبيع المستشفيات الخاصة
الدماء على المرضى من مواطنين ومقيمين ممن هم في أمسّ الحاجة إليه؟

من
الوهلة الأولى، وفي ظل عدم وضوح الصورة، أعلن ديوان الرقابة المالية عن
عجزه في الوقوف على حقيقة سعر كيس الدم، والكميات المباعة منه. والواضح أنه
لا يوجد تشريع قانوني لذلك، ومع غياب السند القانوني، فليس من حق الوزارة
أن تبيع الدماء المتبرع بها، والتربح من ورائها، وليس من حقّ المستشفيات
الخاصة تسعير أكياس الدماء بـ «مزاجها» دون رقيب أو حسيب.

الدماء
متبرع بها، أي أنها «وقف» بالمجان من قبل المواطنين للمحتاجين لها، وبيعها
مخالفة قانونية، ومخالفة أخلاقية، لأنها تعد ضمن خانة السرقة العلنية
وخيانة الأمانة، فالمواطن هدف من تبرعه بدمه أن يوصل هذا الدم للمحتاجين
إليه وبالمجان، وليس للمستشفيات الخاصة.

أحد المواطنين أخبرني بأنه
دفع لمستشفى «حكومي» مبلغاً وقدره 66 ديناراً لكيسي دم من مستشفى
السلمانية! لنتخيل أن هذا المواطن هو من تبرّع بكيسي الدم، وهو من احتاج
لهما لاحقاً، وأنه بعدما تبرع بهما لبنك الدم مجاناً، عاد ليشتريهما بـ66
ديناراً عندما احتاجهما. فهل هناك فضيحة أكبر من ذلك؟

وبما أن الدم
الذي يحصده بنك الدم من قبل المواطنين والمقيمين، وبما أن الدم وتحصيله
عملية لها تكلفة مالية، وبما أن الحكومة ملزمة بتوفير العلاج بالمجان
للمواطنين، وبما أن المستشفيات الخاصة لا غنى لها عن استخدام هذه الدماء
والاستفادة منها في عمليات العلاج، فإنه لابد من وضع تسعيرة واضحة لكيس
الدم على المستشفيات الخاصة، بما لا يتجاوز قيمة تكلفة استحصاله، بحيث تلزم
جميع المستشفيات بهذه التسعيرة، وعدم التربح من خلالها، لأنها دماء متبرع
بها، دماء شعب مطحون يحب الخير للناس ومساعدتهم.

نعم، آن الأوان، لأن نقول كفى سرقة لأموال الشعب، بل بلغ الحال لبيع دماء الشعب والتربّح من ورائها، ثم يقولون لنا… «لا تبالغوا»!

هاني الفردان

اقرأ المزيد

عندما تتحول الخصومة السياسية إلى عداوة

الحقيقة التي لا تقبل جدالاً، هي أن كل التنازعات مهما اشتدت حدتها، وكل
الأزمات مهما طال أمدها، لابد أن تنتهي بالحل السياسي. والمؤكد إن كل
أطراف هذه النزاعات تدرك ماذا يعنيه الحل السياسي وما ينطوي عليه من
التزامات وشروط، وما يتطلبه من تنازلات متبادلة لتوفير فرصة «الحل الوسط»
التي تسمح بالوصول إلى تسوية سياسية بين الأطراف المتصارعة.

ولا أحسب
أن هناك من يرى أو يعتقد أن أزمة البحرين يمكن أن تكون استثناء عن هذه
القاعدة، لذلك يبرز تساؤل مشروع وهو: أين هي نقطة «الحل الوسط» التي يمكن
أن تلتقي عندها الأطراف المتنازعة في ظل المواقف المتضاربة والمتعارضة
واتساع هوة الخلاف بينها؟

إحدى النقاط الجوهرية في هذا السياق تكمن
في معرفة «مفهوم» أو وجهة نظر كل طرف حول ما نسميه «فرصة الحل الوسط»،
وبالتالي معرفة نوايا كل طرف ومدى مصداقيته ورغبته في الدفع في اتجاه
الوصول إلى الفرصة الملائمة للحل السياسي.

وأمامنا هنا مسلكان للتحقق
من هذه الصدقية، الأول: هو سلوك هذه القوى السياسية وطريقة تعاطيها مع
الأزمة وإفرازاتها المختلفة، الثاني: خطابها السياسي والإعلامي الذي يرسم
سقوفها السياسية. هذان المسلكان يكشفان بوضوح مدى التباين الموجود في رؤى
هذه القوى في تشخيص أسباب تفجر الأزمة وطرق معالجتها.

بداية يجب أن
تقر جميع الأطراف بوجود علل سياسية واجتماعية تفتك بالمجتمع البحريني، وتعد
هي الأسباب المحركة للأزمة، وفي مقدمة هذه العلل الاستبداد والفساد
والاعتداء على الحريات والتنكر لحقوق الإنسان وغياب مبدأ المواطنة
المتساوية ونهب الثروات وهدرها بعيداً عن مصلحة الوطن والمواطن.

هذه
العلل هي المسئولة عن الأوضاع المتفاقمة والمضطربة سياسياً واجتماعياً،
وعليه فإن من يريد مقاربة هذه الأزمة بصورة جدية والبحث عن حلول عملية لها،
عليه أن يتحلى بقدر من الواقعية والعقلانية، ويتمتع بعقل سياسي وطني متزن،
لا عقل أمني صرف، أو عقل طائفي متهور، بمعنى أن يكون لديه عقل منفتح على
تسوية وطنية، وقادراً في ذات الوقت على تقديم رؤى شاملة تعمل في اتجاهين،
الأول: تحديد خطوات الحل السياسي من خلال تبني خارطة طريق تتضمن استحقاقات
دستورية وحقوقية كانت وراء خروج الناس إلى الشارع للمطالبة بها، والتي
بتحقيقها فقط يمكن معالجة العلل التي أشرنا إليها أعلاه؛ والثاني: محاصرة
الانفلات في الغرائز البدائية مثل الأحقاد والكراهية الطائفية، التي تمثل
أحد أسوأ وأخطر إفرازات الأزمة والتي تهدد بتدمير البلد على رؤوس كل من
فيه.

إذاً نحن بحاجةٍ إلى تفكير موضوعي وعقلاني، وإلى تحرك وطني صادق
يدفع في اتجاه البحث عن حل عادل، وهذا يجب أن يبدأ بفضح وتعرية الأطراف
التي تصر على تأزيم الوضع بشكل دائم، والأخذ به إلى أجواء العداء والكراهية
بين المواطنين، لأنها لا ترى لنفسها وجوداً إلا من خلال هذه الأجواء
المضطربة. ومن المؤسف القول أن البلد اليوم واقعٌ تحت رحمة هذه القوى التي
تتغذى على بعض الدعم المادي والسياسي والإعلامي الذي تتلقاه من الدولة.

وهذا
ما يجعل أحد المهمات الوطنية العاجلة لقوى المعارضة الديمقراطية ولكل
الرموز الوطنية والمواطنين الغيورين على مستقبل بلدهم، تعرية هذه القوى من
ألبستها الطائفية والانتهازية، لأن مثل هذه القوى لم تقدم الدليل على كل
إدعاءاتها حول إيمانها بالديمقراطية، ولم تثبت إنها معنية بخيار الحل
السياسي والمساهمة في توفير فرص النجاح له، لأن مثل هذا الخيار يهدد
مصالحها الفئوية بل يهدد وجودها، لذلك هي دائماً مهمومة فقط بالبحث عن
الطريقة التي تحفظ بها المغانم التي استحوذت عليها دون وجه حق، والسكوت أو
تبرير المظالم التي وقعت على إخوانهم وشركائهم في الوطن، وهذا ما يحفزها
دائماً على العمل بكل إمكانياتها المتاحة (المعلن منها والخفي) على تحويل
الخلافات السياسية إلى عداوات وأحقاد، واعتماد خطابات طائفية وسياسية
متطرفة ومأزومة، مشدودة في مجملها إلى النظر لقوى المعارضة باعتبارها طرفاً
يتبع الخارج، وتغطية سلوكها هذا بشعار من الوطنية الزائفة والمخادعة، كما
يغلب على خطاباتها لغة الشتم والسباب لكل من يعارض أو يرفض سلوكها
الاستبدادي والعنصري، وصب اللعنات على كل من يحاول فضح سياستها المتطرفة.
لذلك هي لا تتوقف عن التحريض، ولا تنفك عن شحن النفوس بالضغائن ضد المعارضة
باعتبارها عدواً وليس خصماً سياسياً.

وكما هو حاصل اليوم فلم تعد
دعوات التحريض والكراهية مجرد همسات تتردد في غرف مغلقة، بل صارت صاخبة
ومعلنة في وسائل الإعلام المختلفة، تعبيراً عن مدى حنق وهياج مشاعر بعض
العناصر الموتورة ضد كل ما له صلة بالمعارضة الوطنية الديمقراطية ورموزها
السياسية، والوقوف عقبة في وجه التوصل إلى حل سياسي للأزمة التي تستنزف
مقدرات البلد. والنتيجة المنطقية المترتبة على هذه الوضعية، أن هناك طرفاً
لم يعد يقبل بأقل من القضاء على هذا «العدو السياسي» وعلى كل القوى والفئات
الاجتماعية الداعمة له، ولا يرى سوى الخيار الأمني حلاً وحيداً لإنهاء
النزاع، والذي يجب أن يبدأ بحصار المعارضة وينتهي بالقضاء عليها.

وهذا
يلقي على المعارضة الوطنية مهمة وطنية أخرى وهي إعادة تأسيس السياسة في
البلاد على أساس التعددية واختلاف الأفكار وتصارعها من أجل مصلحة الوطن، لا
على أساس الكراهية، والنهج الذى جرى اعتماده في أعقاب تفجر الحراك السلمي
قبل أكثر من عامين، وهو (النهج) المسئول عن حالة الانقسام التي باتت سمة
واضحة في المجتمع البحريني، وهو انقسام مقلق وخطير لأنه تجاوز ما كنا
نعتبره يوماً خطوطاً حمراء، تربت عليها الأجيال السابقة، بينما اليوم أصبح
الحديث عن «وحدة الشعب» و»الوحدة الوطنية» أو «تماسك المجتمع» مجرد أوهام
تتقاذفها وقائع الحياة اليومية التي يعاني منها فئة من المواطنين دون
غيرهم. ومهما جرى من محاولات للتعمية على هذه الحقائق ببعض الشعارات
الفارغة من كل معنى، فإن السياسات القائمة وما يعجّ به الإعلام الرسمي وما
يصدر عن بعض العناصر الموالية من مواقف وكتابات، كفيلٌ بكشف الكثير من
المستور، فالدولة التي تتعامل مع معارضيها بنوع من «الحقد» وتنظر لهم بأنهم
«خونة» و»عملاء»، فلا شيء ينتظرهم غير السجن والاعتقال والحرمان من أبسط
حقوق المواطنة.

أمام هذه الحالة هل يمكن لأحد أن يتصور أو يثق بأن
مثل هذه القوى تؤمن بالديمقراطية وبتحقيق العدالة السياسية والاجتماعية
للجميع كأهداف لتغيير الواقع السيء والنهوض بالبلد؟

من هنا فإن القوى
السياسية المعارضة تواجه إضافة إلى مشاكلها مع الدولة لأنها تطالب
بالتغيير والإصلاح، تواجه مشاكل أكثر حدة مع هذه العناصر الموالية، والتي
يطلب من المعارضة أن تدخل معها في حوار للتوصل إلى اتفاق لإعادة بناء مسار
الديمقراطية في البلاد، بينما هي تتصرف وكأنها الطرف المنتصر، في مقابل طرف
مهزوم، وليس عليه سوى الإذعان لشروطهم وإملاءاتهم! مثل هذه النظرة
المتعالية والمتعجرفة تحول دون شك من رؤية الوقائع كما هي، وتقود إلى الشطط
والغلو وانعدام التوازن، وبالتالي غلبة النظرة العدائية ورفض كل ما هو
صادر من المعارضة لأنه مشبوه في عرفهم، وآخر مثال على ما نقول موقفهم
المتسرع ورد فعلهم المتشنج على المبادرة التي طرحتها المبادرة أمس الأول.

وعليه
فإن الاقتراب من نقطة «الوسط للحل السياسي»، تفترض عقلية مغايرة تماماً،
تؤمن بوجود بعض المشتركات، التي يمكن البناء عليها، مثل أن البلد بحاجة
قصوى إلى إصلاحات عاجلة وشاملة، تضعنا على أعتاب الديمقراطية، وكذلك اعتماد
مبدأ المواطنة الذي يجرم التمييز أو الإقصاء لدوافع سياسية أو طائفية.
فهذه خيارات ضرورية لأي تحرك جاد يرمى إلى خروج البلد من الواقع الراهن إلى
واقع أكثر عدلاً وإنصافاً. ولابد أن يشعر المواطن بأن أي تغيير لابد أن
يحقّق قيمته الإنسانية والذاتية، دون النظر إلى انتمائه السياسي أو العرقي
أو المذهبي. كما تفترض مقاربة الحل الوسط حاجة البلد إلى عدالة اجتماعية،
لا تنحاز إلى طرف أو فئة على حساب الأخرى، وكذلك إلى حرية حقيقية لا شكلية
من أجل أن يشعر المواطن بأن إرادته ومشاركته في صنع القرار متحققة، بصيغة
أو بأخرى، فليس هناك أية قيمة لديمقراطية لا يجد فيها المواطن أي تحسن في
حياته وظروفه السياسية والاجتماعية والمعاشية.

عدم الاتفاق على مثل
هذه المشتركات أو الإقرار بهذه المبادئ، بين القوى السياسية المتنازعة، هو
المسئول عن حالة الفشل أو عدم الوصول إلى حلول للأزمة رغم مرور كل هذا
الوقت، ورغم كل الخسائر التي طالت كل المستويات، ما يكشف عمق حالة الإرباك
التي تمر بها البلاد. فبينما يجري الحديث كثيراً في الإعلام عن الإنجازات
والمكاسب الديمقراطية، وتكثر الوعود عن الإصلاحات والالتزام بالقانون، فإن
ما يحصل على أرض الواقع أمر مغاير تماماً، حيث الإصرار على بناء الجدران
السميكة والأسوار الشاهقة التي تحول بين البلد وبين الإصلاح والديمقراطية،
وتتزايد الإجراءات والقرارات الاستثنائية التي تصادر الحريات، وتكرس صورة
عودة الدولة الباطشة التي لا همّ لها سوى كسر شوكة المعارضين والمخالفين،
وهو ما يعني أن هناك من ضاق ذرعاً بالإصلاحات المحدودة التي حصلت، ولم يعد
قادراً على تحمل تكاليفها البسيطة، لذلك قرر العودة سريعاً إلى آليات
الدولة السلطوية، وعودة مفاهيم وسلوكيات حسبنا إننا قد غادرناها دون رجعة،
وكأنما كل الفترة التي أعقبت صدور ميثاق العمل الوطني لم تكن سوى هدنة
مؤقتة أو استراحة تسترجع فيها الدولة أنفاسها قبل العودة من جديد للانقضاض
على تلك المكتسبات التي تحققت بفضل تضحيات الناس، هؤلاء الناس الذين كانوا
ينتظرون ويحلمون بالأيام الجميلة التي لم يعيشوها بعد، وفجأة وجدوا أنفسهم
وقد أفاقوا على كابوس مرعب، وهو ما يمثل ذرة الارتداد عن الديمقراطية وقمة
العصف بحريات المواطنين ومصادرة حقوقهم.

«عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم» (الممتحنة، 7).

محمود القصاب

اقرأ المزيد

أحمد فؤاد نجم… ثائر الكلمة أمام ظلم الأنظمة

جاء نبأ وفاة الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم أمس (الثلثاء)، كالصاعقة على
نفس الكثيرين من المصريين وأبناء الميادين والشوارع العربية من الخليج إلى
المحيط. ومن لا يعرف نجم فقد كان واحداً من ابرز شعراء العامية في مصر ممن
تنبأ بسقوط الدكتاتورية في بلده وممن رأى فيه شباب التحرير رمزاً للتحرر من
قبضة الاستبداد في زمن الربيع العربي.

وهو الشاعر الذي تنبأ عبر
تجربته الشعرية الطويلة بإسقاط الدكتاتورية والمطالبة بالعدالة الاجتماعية.
وشارك نجم في ثورة 25 يناير التي أنهت حكم مبارك في مطلع 2011 ثم كان من
أشد المعارضين لحكم الرئيس محمد مرسي المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين
والذي عُزل في الثالث من يوليو/ تموز 2013 بعد احتجاجات حاشدة في عموم
البلاد.

وكان لكلمات نجم الأثر في ثورة الخبز في 18 و19 يناير/ كانون
الثاني 1977 التي سُمِّيَت آنذاك من قبل الرئيس المصري الراحل أنور
السادات بـ «ثورة الحرامية». وكانت هذه الثورة اندلعت عندما شكلت وقود
الانتفاضة الطلابية وقادت أعداداً كبيرة من الشعب المصري في مواجهة السادات
بسبب سياسة الصلح مع «إسرائيل» والانفتاح على الصعيد الاقتصادي.

وقد
شكل نجم مع الشيخ إمام الذي وافته المنية في العام 1996 أهم ثنائي قريب
إلى رجل الشارع البسيط وارتفع رصيد شعبيتهما في حقب مختلفة ولكنه عاد من
جديد مع اندلاع ثورات الربيع العربي في مطلع العام 2011. ولأهمية تأثير نجم
ورفيق دربه الشيخ إمام تم نقل هذه التجربة إلى السينما المصرية بفيلم
«الفاجومي» المقتبس عن أحد ألقاب الشاعر الشعبي نجم وقام بدوره في هذا
الفيلم الفنان المعروف خالد الصاوي في العام 2011.

وفي نهاية أغسطس/
آب الماضي اختارت المجموعة العربية في النداء العالمي من أجل مكافحة الفقر
نجم ليكون ناطقاً في المحافل الدولية باسم فقراء العالم العربي وسفيراً
لفقراء العالم إلى جانب الزعيم الإفريقي نلسون مانديلا. وقال نجم بمناسبة
اختياره بسخريته المعتادة إنه سيشكل حكومة عالمية من وزرائها السيد المسيح
وعلي بن أبي طالب القائل «لو كان الفقر رجلاً لقتلته» وأبو ذر الغفاري
القائل «إذا جاع أحد فلا أمان».

لقد تأثر الشباب المصري بنجم وهو
الذي كان دائم الترديد لكلماته من خلال التظاهرات ولاسيما في ميدان التحرير
إذ وجدوا حقيقة تتكلم عن الواقع الذي لا يريد أي نظام سياسي عربي أن يسمعه
في صورة لا تخلو من السخرية الناقدة للأوضاع.

ونجم الذي توفي أمس عن
عمر ناهز 84 عاماً كان عاشقاً للحرية وناقداً صلباً لا تهزه المواقف.
المصريون تداولوا تغريداته على شبكات التواصل الاجتماعي مع إخوانهم
وأخواتهم العرب من مختلف البلدان في صورة متناغمة وحّدت اللغة والهدف
والهم. أمّا أشعاره فقد كانت موجهة ضد دكتاتوريات الظلم التي انتهكت
ومازالت تنتهك حقوق الإنسان بشتى أنواعها في عالمنا العربي.

ومن
البحرين عرفنا مواقف أحمد فؤاد نجم من خلال نصرته لقضايا حقوق الإنسان
والحرية والعدالة. فقد كان لمواقفه الأثر الجلي في العام 2011 كما كان
لمواقف ابنته الصحافية نوارة نجم باقية حتى اليوم يتذكرها من أحبَّ شعره
وتغريداته من أهل البحرين… من أمثال نجم قلة فقد دفع ثمن إخلاص مواقفه
بسبب كلمة حق ثائرة.

ريم خليفة

اقرأ المزيد