المنشور

المنظِّر المتمركس – عبدالنبي العكري

اعتدل المنظر المتمركس في جلسته، وتناول قدحاً من شرابه المعتق والمفضل،
فلكل زمان مشروبه، واستغرق في التنظير للمتناقضات الكيفية والكمية.

كان
عليه وهو الماركسي السابق المؤمن بالنظرية المادية وعلم الديالكتيك
والحتمية التاريخية، التي تنظر إلى مقولة انتصار الطبقة العاملة النهائي
على البرجوازية الرأسمالية وتكنس النظام الرأسمالي الذي كنس بدوره النظام
الإقطاعي، ليقيم الاشتراكية حيث تسود الطبقة العاملة وحزبها الشيوعي،
استطاع أن يشقلب هذه النظرية، للتنظير إلى أفضلية النظام القبلي الطائفي
الرأسمالي المشوّه على البديل المدني الديمقراطي… فكيف السبيل إلى ذلك؟

أخذ
رشفةً أخرى من شرابه، وقلَّب الأفكار. وجد الحل بوصم النضال المدني
الديمقراطي بالقفز على المراحل والمغامرة، ووصم المعارضة الوطنية بالطائفية
والظلامية، وأنها مغامرة لا تستوعب التحولات الإصلاحية الكمية التي تقود
إلى تحولات كيفية، تحدث تغييراً شاملاً في بنية المجتمع والدولة باتجاه
المملكة الدستورية الديمقراطية كمرحلة متوسطة نحو الديمقراطية الشعبية التي
بدورها تمهد الطريق نحو النظام الشيوعي حيث تسود الطبقة العاملة!

وبموجب
القوانين العلمية، فإن طليعة الطبقة العاملة في حزبها الشيوعي يجب أن
تستوعب المراحل المختلفة وتقيم التحالفات مع المتنورين في النظام الإقطاعي
القبلي، لتصفية القاعدة الاقتصادية الاجتماعية للاقطاع، والتحول نحو
الرأسمالية والتي تحفر قبرها بنفسها في إنتاجها للطبقة العاملة، التي لا
تحرّر نفسها فقط بل تحرّر جميع الطبقات.

إذاً الأولوية هي شن حرب لا
هوادة فيها ضد من يدعون للثورة الآن قبل أوانها، وتعريتهم وفضح مغامراتهم
فهم يحرقون المراحل ولا يدركون قوانين الثورة العلمية التي تمرحل التحولات
بحيث تنضج كل مرحلة قبل الانتقال إلى مرحلة أخرى.

وهكذا تحول المنظر
الماركسي والمتقاعد الشيوعي إلى منظّر بائس للأنظمة الاستبدادية وخصماً
عنيداً لرفاقه الماركسيين واليساريين المتمسكين بمبادئهم والقابضين على
الجمر في زمن الأنظمة الرأسمالية، حيث اغتالت الثروة النفطية الثورة
الشعبية، ولكن وحسب قانون الماركسية، فإن القاعدة المادية هي التي تنتج
الأفكار الفوقية!

لقد انحاز صاحبنا للقاعدة المادية الذهبية، قاعدة
المصالح النفطية، وهو قد تعود على حياة النفقة والهبات والمكرمات، وملذات
حياة البرجوازية التي لا تُقاوم، فقد تحوّلت أفكاره بالطبع، وكتاباته
وتنظيراته، وهو شيء طبيعي. هؤلاء الرعاع بنظره لا يفهمون قوانين الثورة
والتحوّلات، فالثورة تحتاج إلى تحولات طبقية عميقة تحدثها التحولات
الاقتصادية المديدة، والتي بدورها تنتج أفكاراً قومية تقدمية، هي ضرورية
لإقامة النظام السياسي الجديد.

هؤلاء الرعاع يستلهمون نموذجهم من
مصلحين مثل النبي محمد (ص) وثوار إسلاميين مثل الإمام الحسين (ع)،
ويستلهمون العدل من الخليفة الفاروق، والنزاهة من الإمام علي (ع). هؤلاء
يستحضرون ثورة القرامطة والزنج العفويتين، ويستذكرون مناضلين شعبويين مثل
الباكر والشملان، ويستغرقون في الأوهام الدينية والعبادات التقليدية.

كيف
سيحررون المرأة ونساؤهم تلبسن السواد؟ كيف سيحرّرون الطبقة العاملة
المتديّنة؟ كيف ستقودهم نخب لا تعرف الراح بل «الشربت» و«الشاهي»؟ مطلوب
منه أن يسفّه اليسار المناضل والإسلام المكافح، وأن يبجّل اليسار المستأنس
ووعاظ السلاطين. كيف؟ بوصم الأوائل بالرجعية والتخلف، ونعت الثاني
بالعقلانية والموضوعية.

صاحبنا قطع كل خيوطه مع الرفاق السابقين، مع
الفكر الذي تربي عليه، عن الطبقات الشعبية التي خاطبها، عن العمال الذين
وصل إلى الزعامة باسمهم إلى الحزب الذي قاد صفوفه، وعمل على تجنيد الشباب
المتفتح إلى صفوفه. قطع صلاته بالآلاف الذين صدّقوه ووثقوا به وناضلوا
مضحّين بأرواحهم من أجل أن ينتصر الشعب والوطن، وترتفع الراية الحمراء
المرصّعة بالنجمة والمنجل، واستبدلها براية السيف والخنجر.

ما العيب
في ذلك؟ إنها المراجعة. نعم، المراجعة لكل شيء… للمبادئ والقيم والعقيدة،
فنحن في زمن الردة، «حيث الواحد يحمل في الداخل ضده» كما قال مظفر النواب،
في أفضل توصيف لما قاله المرحوم الشاعر أحمد فؤاد نجم: يتمركس بعض الأيام
ويتمسلم بعض الأيام ويصاحب كل الحكام». فما دامت هذه أيام الإسلام النفطي،
فلم لا حسب مقولة «إذا هبت رياحك فاغتنمها»، وأنت لا تعيش الحياة مرتين.
فلتعش حياتك حتى الثمالة.

عبدالنبي العكري

اقرأ المزيد

جدلية الثورات والأحزاب الثورية

لا أعرف إن كان شباب ثورات وحراكات الربيع العربي يعون بما فيه الكفاية
والحذر ما يخططه لهم بعض الكتاب والمتحدثين العرب من إقحامهم في مناقشات
عبثية حول هذه الإيديولوجية أو ذلك الحزب، ومن تحميلهم مسئولية انفلات
الأمن في هذا القطر أو تراجع الاقتصاد السياحي في ذاك القطر الآخر.

الهدف
من كل ذلك هو إشغال شباب العرب ومناصريهم من الجماهير عن مهمتهم الأصلية:
الاستمرار في تفجير وإنضاج مسيرة الثورة العربية تمهيداً لإيصالها إلى أبعد
درجات التحقق. ولعله يجب التذكير بأن الثورة، سواء في السياسة أو الاقتصاد
أو التكنولوجيا، تعني تحوّلاً جذرياً وأساسياً يهدف إلى زوال أفكار وبنى
اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو ثقافية سابقة لتحل محلها أفكار وبنى
جديدة تتطلبها مرحلة تاريخية جديدة.

وما كان مبرّراً الحديث عن
الحاجة لمسيرة ثورية تهدف إلى إحداث تغييرات عميقة كبرى في بنى المجتمع
العربي لو لم يثبت عبر التاريخ الطويل فشل النخب العربية والمؤسسات
العسكرية والدينية الطائفية والبيروقراطية الحكومية في قيادة المجتمعات
العربية نحو التغييرات الحضارية المطلوبة. بل ولم تفشل تلك الجهات في
القيام بذلك التغيير فقط وإنما ساهمت بأشكال مختلفة في إيصال الأمة إلى
مراحل الضعف والتخلف والتجزئة والمهانة والسقوط المذل تحت إملاءات قوى
الخارج.

ذاك الوضع العاجز هو الذي هيّأ الجماهير العربية للتوجه نحو تغييرات كبرى يعبر عنها في علوم السياسة بالتغييرات الثورية.

ولأن
المؤسسات القديمة فشلت في الماضي، وتثبت الأحداث يومياً أنها غير قادرة
على إحداث تلك التغييرات الجذرية في الحاضر، فإن المنطق يقتضي خلق قوى
مؤسسية جديدة لتقوم بتلك المهمة النهضوية.

لكن قبل الحديث عن نوع
القوى التي ستقود المجتمعات العربية نحو تلك التغييرات، دعنا ننتبه إلى أن
جماهيراً، غالبها أميّ، وعيها السياسي محدود، غالبيتها الساحقة منشغلة
بحاجاتها المعيشية اليومية، فهمها لمعاني الثورة وما تتطلبه سطحي وشعوري
آني، قدراتها على النفس الطويل والصبر على السير في الطريق النضالي الطويل
محدودة… هكذا جماهير لا يعوّل عليها لقيادة ثورات. لكن من المؤكد، كما
أثبتت أحداث السنوات الثلاث الماضية من الربيع العربي، أن تلك الجماهير
تمثّل سنداً قوياً وكنز تضحيات هائلة إذا وُجد من سيحمل المسئولية ويقود
الثورات.

هنا يعيننا تاريخ الثورات الإنسانية الكبرى الذي أكّد المرة
تلو المرة، بأنه من دون وجود أحزاب ثورية تحمل المسئولية، تتعثر الثورات
وتنتكس إن عاجلاً أو آجلاً.

بغض النظر عن الأخطاء أو التجاوزات أو
حتى الانتهازية التي رافقت بعض التنظيمات القيادية للثورات العالمية، فإن
مؤرّخي الثورات يؤكّدون الدور المهم الذي لعبه تنظيم اليعاقبة في الثورة
الفرنسية، وتنظيم المستقلين في الثورة الإنكليزية، والحزب الشيوعي في
الثورة البلشفية، وتنظيم لجان المراسلة في الثورة الأميركية.

إن
ساحات «التويتر» و»الفيس بوك» وغيرهما من ساحات الأنترنت، تساهم في خلق
ثورة ولكنها لا تقود ثورة. وكذا الأمر بالنسبة للمظاهرات الصاخبة التي تجول
في الشوارع والميادين، وكذا الأمر بالنسبة للظهور الدائم على شاشات
التلفزيون. كل ذلك يجب أن يصب في إسناد تنظيم مؤسسي سياسي ديمقراطي ثوري.
وصفة الثورية هنا لا تعني ممارسة العنف والقهر والإقصاء. إنها تعني في
الأساس عدم التفريط بعمق وشمولية وجذرية التغيرات الحضارية والإنسانية
المطلوبة.

لذا فإن شعار إسقاط هذا النظام أو إزاحة ذاك الحكم، دون أن
يرافقه الحديث عن نوع التغيرات الجذرية المطلوبة، في صورة أفكار وبرامج
وأساليب وساحات نضال، ليس شعاراً ثورياً وإنما شعاراً تصادمياً مؤقتاً سواء
فشل أو نجح. ما لم يعِ شباب الثورات، بعمق وحماس شديد، هذه المتطلبات التي
أظهر التاريخ ضرورتها لنجاح أية ثورة، وما لم يقاوموا إغراءات الدخول في
مماحكات دونكشوتية عبثية مع هذه الجهة العابثة أو تلك الجهة المتحذلقة، وما
لم يتفرّغوا لبناء الأداة السياسية الأساسية لقيادة الثورات التي فجّروها،
ما لم يفعلوا ذلك فإن آلام وأحزان ثورات وحراكات الربيع العربي ستطول،
وستدخل جماهيرهم في ظلام اليأس والاستكانة من جديد.

علي محمد فخرو

اقرأ المزيد

للأسف أنت ناجح يا منافق! – مريم الشروقي

سأل مدير ثلاثة موظّفين في العمل: هل 2+2=5؟ فأجاب الأوّل: نعم يا سيدي =
5، وأجاب الثاني: نعم يا سيدي =5 إذا أضفنا لها 1، أما الثالث فقال: لا يا
سيدي خطأ فهي=4! وفي اليوم الثاني لم يجد الموظّفون زميلهم الثالث في
العمل، وبعد السؤال عنه علموا أنه تمّ الاستغناء عن خدماته!

فتعجّب
نائب المدير وقال لمديره: يا سيدي لماذا تمّ الاستغناء عن الثالث، فردّ
قائلاً: أما الأوّل فهو كذّاب ويعلم أنه كذّاب (وهذا النوع مطلوب)، وأما
الثاني فهو ذكي ويعلم أنه ذكي (وهذا النوع مطلوب)، أما الثالث فهو صادق
ويعلم أنّه صادق (وهذا النوع متعب ويصعب التعامل معه)! فسأل المدير نائبه
هل 2+2=5؟ فأجابه: سمعت قولك يا سيدي وعجزت عن تفسيره، فمثلي لا يستطيعون
تفسير قول عالم! فردّ المدير في نفسه قائلاً: وذلك منافق (وهذا النوع
محبوب)!

ما رأيكم في هذه القصّة العجيبة؟ هل ترونها واقعاً فعلياً في
المجتمع؟ هل بتنا في عالم ينافق ويكذب ويلف ويدور في الإجابة خوفاً على
لقمة العيش؟ فالصراحة أصبحت مرفوضة، وسياسة (أنتَ من ونحن من) نعيشها
ونستشعرها في كل حين!

أصبح المخادع والمتمصلح هو الرئيس في العمل،
وأصبح الصادق المنتج المعطي هو المنبوذ في العمل، فكم صادق وجدناه قابعاً
في درجته لا يتحرّك، وكم أفّاق وجدناه يعتلي المناصب في لمح البصر! الدنيا
أصبحت بالمقلوب، فالشريف هو السارق والمنافق والمتمصلح والمفسد، والخائن هو
الصريح والصادق والأمين والمحافظ على الأموال والأملاك!

ومن لا يعرف
كيف يتحايل لا يعرف كيف يصل، والشواهد على ذلك كثيرة، فكم حر يفترش الأرض،
وكم حر رصيده في المصرف ملاليم، وكم حر يعاني الأمرّين بسبب مبادئه
وكرامته، وكم عبد يفترش الحرير ورصيده بالملايين، وتسهل له الأرض ومن
عليها، لا لشيء إلاّ بسبب كذبه ونفاقه وتستّره على المال الحرام!

هل
تتقدّم دولة ما في ظل الفساد المستشري؟ وهل يكفي الوقوف ضد الفساد
والمفسدين بالصوت فقط؟ وهل الخوف على لقمة العيش أقوى من الخوف على قول
كلمة الحق؟ ملفّات كثيرة في الفساد جلّ ما يستطيعه البعض حيالها نشر سخرية
أو نكتة في موقع أو عن طريق شبكات التواصل، ويخاف خوف ربّه من أن يعلم أحد
بأنّه مصدرها، وهناك من لا يخاف ولا يخشى أحداً، فتراه يكشف عن الفساد
والمفسدين ولا يتستر عليهم قط، فشيم العرب هي الكشف عن الفساد، وعن المفسد
والمتمصلح، وهي دليل على حب البشر لأوطانهم، لا عكس ذلك، ومن يحاول قول ذلك
ما هو إلاّ منافق رضي بالذل والهوان.

للأسف أنت ناجح يا منافق! أنت
على طريق العلا يا متمصلح! أنت «راضين» عنك يا كذّاب! ولكن تذكّروا إخواني
بأنّ طريق الحق صعب مرٌّ، ولا يسلكه إلاّ الأحرار، الذين يحبّون أوطانهم
وينظرون إلى مصلحة شعوبهم، وهم في النهاية منتصرون لا محالة. وجمعة مباركة.

مريم الشروقي

اقرأ المزيد

الهوية أم الانتماء


يرى أمين معلوف أن الهوية هي من اكثر الكلمات المُضلِلة، فهي الأكثر شفافية والأكثر خيانة، وبتقديره أن خيانة الهوية تنشأ حين يستعيض الإنسان في أوقات كثيرة عن الهوية بعنصر واحد من عناصرها، ويعتبر أن هذا العنصر، سواء كان دينياً أو قومياً، يختصر أو يختزل كل الهوية، بينما الهوية مركبة من عدة عناصر.





ما لم يقله معلوف هنا ولكنه قاله بتفصيل كبير في كتابه عن «الهويات القاتلة» إن العالم العربي في لحظته الراهنة يشهد هذا الاختزال المعيب، والمدمر، لا بل والقاتل، إن نحن استعرنا التعبير من عنوان كتابه.


صحيح أن معلوف وضع كتابه من وحي تجربته الشخصية بصفته لبنانياً من واقع صراع وتجاذب الهويات في بلده لبنان، وهو واقع أدخل البلد منذ نحو ثلاثة عقود في حرب أهلية طاحنة ما زالت ارتدادتها مستمرة حتى اللحظة، متفاوتة في القوة والنطاق.


ولم تكن البلدان العربية قد شهدت، بعد، تمزقات موجعة في نسيجها الوطني على نحو ما نرى اليوم في العراق وسوريا واليمن وغيرها، لكن ما شخَّصه معلوف في كتابه يظل صالحا للقياس عليه من واقع ان الهوية حين تصبح خائنة ليس بوسعها إلا أن تكون مدمرة.


وجه الخيانة هنا منحصر في اختزال الهوية المُكَّونة، أو التي يجب أن تتكوَّن من عدة عناصر، في عنصر واحد يتيم، يُغيب عناصرها، أو فلنقل أوجهها الأخرى، خاصة ما هو أكثر أهمية منها، حين يكون هو القاسم المشترك بين أفراد شعب متنوع الانتماءات، ولكن تُوحده الهوية الوطنية الجامعة.


يقترح معلوف في هذا السياق التمييز بين الهوية والانتماء بالجمع، اي الانتماءات، فمقولة الانتماءات من وجهة نظره أدق، لان للفرد، كما للجماعة، انتماءات عديدة، ولكنها ليست كلها على ذات الأهمية، بل ان أهمية انتماء معين قد تتغلب على سواها تبعا للمرحلة التاريخية التي تجتازها الأمة.


وهو يعطي مثلا على ذلك بالحال في بلد مثل العراق، تختلف فيه مشاعر الناس في مرحلة معينة عنها في مرحلة اخرى، ثمة انتماء أخذ اهمية أكبر من سواه في مرحلة الحرب العراقية – الايرانية ربما لم يعد قائما الآن.


ليس المطلوب شطب أي انتماء من انتماءات الفرد أو الشعب، بل لعل المطلوب الاعتراف بها، ولكن الخطر ينشأ حين يختزل الأمر في عنصر واحد، مما يقود إلى الخراب.


فالمتابع اليقظ للتطورات الراهنة في غير بلد عربي، سيلاحظ هذا السعي المحموم لإطلاق الغرائز المذهبية الكامنة، والموروثة من تاريخ طويل مثقل بالصراعات التي لبست اللبوس الطائفي أو المذهبي أو العرقي والإثني، وتعمل على تحفيز هذه العصبيات ودفع أصحاب الملل للصراع فيما بينهم قوى داخلية من مصلحتها استمرار وتأبيد الوضع الراهن، وقوى خارجية من صناع قرار ومراكز أبحاث وسلالات «استشراقية» مغرضة، تنوي إغراق هذه المنطقة في الفوضى والاقتتال الداخلي.


فالهويات يجري ترشيدها بالخطاب العقلاني، ويجري دفعها نحو التطرف بخطابات العنف اللفظي وغير اللفظي، فلا يعود بوسعها الإصغاء لصوت العقل الذي يرشدها إلى المهالك التي تجرها عليها الأوهام التي يسوقها من له مصلحة في أن تظل الناس والمجتمعات منقسمة على نفسها.


اقرأ المزيد

الأمين العام للحزب الشيوعي المصري لرفيق صلاح عدلي ينعى رفيق رفيق دربه حسين أشرف “وداعا يا رفيق العمر”



   عرفت
“حسين اشرف” هذا المناضل الجميل والصديق الوفي في سجون السادات حين كان
فتى في اوائل العشرينيات متحمسا مقبلاً على الحياة، وذلك منذ أكثر من ثلاثين عاما
وبالتحديد في ينايرعام 1981 أثر حملة قمع امنية واسعة لكوادر الحزب الشيوعي المصري
،وتجاورنا في نفس العنبر في سجن مزرعة طرة حوالي ستة أشهر لم أراه فيها الا انسانا
راقيا متفائلا ومناضلا صلبا مؤمنا بافكاره الماركسية وبأن الاشتراكية هي الطريق
لخلاص الوطن والبشرية رغم أنه لم يعاني في حياته بشكل مادي  بل كان من 
أسرة ثرية ، ولم تكن هذه هي المرة الوحيدة التي عرف فيها حسين السجون
والمعتقلات حيث استمر ضيفاً في سجون مبارك ايضا في العديد من المرات خلال
الثمانينات. 


ومنذ
ذلك الحين وحتى رحيل حسين استمرت صداقتنا العميقة تتوطد وتتعمق،وكل يوم وأنا أكتشف
في هذا الانسان أبعادا رائعة تجسدت في مواقفه السياسية المنحازة للعمال والكادحين
واهتمامه المستمر بالثقافة والادب والفن وتشجيعه الدائم للشباب ،وكم جمعتنا عشرات
من الامسيات الشعرية والغنائية حين كنا نستضيف الثنائي العظيم الراحل “نجم
وامام” وكذلك اعضاء من مؤسسي فرقة اسكندريلا في امسيات خاصة  ،وكان  ايضا صاحب فكرة انشاء نادي سينما افاق الذي لعب
دورا في تثقيف وتوعية الشباب بالفن السينمائي الراقي . 


وكم
دارت بيننا بشكل مستمر العديد من النقاشات العميقة والجادة في المواقف والظروف
العصيبة التي مرت بها بلادنا . كنا نتفق عادة ونختلف احيانا واشهد ان صديقي واخي
العزيز حسين اشرف لم يفقد البوصلة الصحيحة التي كنا نتفق حولها في نهاية الامر ولم
يحدث لمرة واحدة ان حدث بيننا شقاق او خصام طوال هذه الرحلة الطويلة . 


ولن
انسى مواقف حسين اشرف  حين اتخذنا قرارا
بتأسيس “مركزافاق اشتراكية ” في جلسة رائعة  في “دار الثقافة الجديدة” جمعتنا مع
الرفاق العظام الراحلين “محمود امين العالم ومحمد الجندي وعريان نصيف وبهيج
نصار” وكان معنا ايضا “صلاح السروي وبهيجة حسين واحمد عبد القوي”
ولقد كان حسين متحمساً بشدة لتأسيس المركز وساهم معنا بدعم مادي وعيني ملموس
وتشجيع سياسي وفكري كبير كما ساهم كذلك في تأسيس مكتبة المركز واصدار مجلة “افاق
اشتراكية” وحضور ندواتها والمساهمة في الكتابة فيها ولم يبخل حسين دوما بأي
جهد أو دعم وكان يقول دائما أن هذا حق الرفاق عليه وأن هذا واجبه وكان يرفض اي
كلمة شكر أو ثناء من اصدقائه ورفاقه على هذا الجهد والدعم الكبير. 


كما
أشهد ايضا أن حسين اشرف كان من أكثر أبناء جيلنا وفاء للحركة الشيوعية ولجيل
الاربعينيات والخمسينيات . كان حريصا على التعلم منهم والتواصل معهم حتى أخر
ايامهم وكان دائما يتصل بي لكي يذكرني بمواعيد احياء ذكراهم ويصر على ضرورة زيارتهم
اثناء مرضهم واتذكر أننا زرنا منذ اشهر قليلة الرفيق الراحل عريان نصيف قبل وفاته
بايام معدودة في منزله بطنطا وكان هذا بمبادرة من الرفيق الجميل حسين اشرف،وكان
الى جانب اهتمامه بجيل الشيوعيين القدامى حريصا على تشجيع الشباب والحوار معهم
بتواضع ودون تعال، وكان يؤكد لي باستمرار على ضرورة تجديد دماء الحركة حتى نكمل
المسيرة التاريخية التي بدأها الشيوعيون منذ أكثر من مئة عام. 


 وكان الى جانب علاقتنا الرفاقية صديقا حميما
يواسيني حين كنت اشكو له من تصرفات بعض الاصدقاء ومن تعقد وصعوبة الظروف، والحقيقة
أنني كنت اخرج اكثر تفاؤلا حين كنت أراه واتحدث معه. 


ولا
يسعني الا أن أتقدم بالتعازي
الى أسرته وأبنائه ورفاق دربه في حزب التجمع والحزب الشيوعي وكل أصدقائه في الحركة
الاشتراكية.  


وداعاً
أيها الرفيق والصديق والاخ الغالي ولن ننسى أبدا مواقفك معنا، ولتبقى ذكراك مضيئة
دوما بسبب مواقفك الشجاعة دفاعا عن شعبك ورفاقك وأصدقائك ودفاعاً عن افكارك
النبيلة التي ظللت مخلصا لها حتى النفس الأخير . 
  


صلاح
عدلي 

  
 
اقرأ المزيد

نشطاء الخليج… وثورة ثقافية مقبلة

ليس من السهل التطرق إلى موضوع الموروثات الموجودة في المجتمعات العربية
التي غلفت بغطاء ديني حتى لا يتم تغييرها أو تبديلها وذلك لأكثر من مبرر
وسبب. ولعل أكثر هذه المورثات تعقيداً عندما يأتي الحديث عن حقوق المرأة
لأن ذلك يعد تعدياً على النظام الأبوي الذي نشأت عليه المجتمعات العربية
وتحديداً في الخليج.

ففي منطقة الخليج يختلف الأمر في هذا الجانب مع
درجة الوعي والتطور الذي صاحب النظام السياسي والاقتصادي، وهما بدورهما
أحدثا طفرة في العقلية والوعي الثقافي والسياسي والحقوقي، حتى أصبح مصدر
قلق لبعض دول الخليج، وأخرى شكّل عبئاً لها في تحسين الصورة الخارجية فيما
يتعلق بموقع وحقوق المرأة التي يجب أن تساق بصورة تخدم النظام السياسي ضمن
حزمة من الإصلاحات الشكلية وليست الجوهرية.

ويأتي مثلاً موضوع قيادة
المرأة السعودية للسيارة على قائمة ما تنادي به المرأة في بلد ما زال لا
يعترف بذلك الحق، بل ويُعتبر البلد الوحيد في العالم الذي يحرّم هذا الحق
في مقابل البحرين مثلاً، وهو بلد جار قريب جداً من السعودية تقود فيه
المرأة البحرينية كافة أنواع المركبات دون حظر، وهو نقيض ما هو موجود
ويُروج تحت عذر الخصوصية والموروثات الكثيرة.

هذه الأعذار انتقدت في
فيلم «وجدة» المرشح حالياً لجائزة الأوسكار للمخرجة السعودية هيفاء
المنصور، القادمة من بلد لا توجد به حتى صالات عرض سينمائية.

طرحت
فكرة هذا الأمر بطريقة جريئة وذكية لا تخلو من الثورية باتجاه تلك
الموروثات التي تحتاج إلى تغيير جذري، وهو أمر قد يتحقق مع المرأة السعودية
التواقة للتغيير. ويكفي أن نرى على مدى ثلاثة أشهر متواصلة استمرار حملة
قيادة المرأة للسيارة في شبكات التواصل الاجتماعي بشتى أنواعها، وهو دليل
حي على أن المرأة في السعودية بإمكانها أن تحدث التغيير من خلال ثورة
ثقافية عارمة لن تجد من يوقفها ولا حتى جماعات القتل المجاني التي تموّل من
أجل استمرار الإرهاب الفكري والجندري والمذهبي.

ما زالت الناشطات
والنشطاء الداعمين لهذه الحملة يتعرضون لشتى أنواع القذف والتهديد لمجرد أن
المرأة طالبت بهذا الحق، والأمر لا يتوقف عند موضوع قيادة المرأة للسيارة
في السعودية، ولكن المطالب المتمثلة في الحقوق السياسية والمدنية، التي
ينادي بها نشطاء الخليج حتى تحولوا إلى مصدر إزعاج للحكومات.

وهي
نتيجة طبيعية أفرزتها تلك المتغيرات السياسية والاقتصادية من عالم اليوم
الذي تحول إلى قرية كونية صغيرة تتناقل المعلومة بالصوت والصورة بكل سهولة.

وفي
خبر نشرته وكالة الأنباء الفرنسية (16 ديسمبر/ كانون الأول 2013) ناشد
ناشطون من أجل الديمقراطية في الكويت بمنتدى منظمات مدنية، دول الخليج إلى
ضرورة إجراء إصلاحات سياسية واسعة لتبني دساتير وإنشاء برلمانات منتخبة
تتمتع بسلطات فعلية وإجازة الأحزاب السياسية.

بيان المنتدى، الذي
شارك فيه ناشطون ليبراليون وجامعيون ومدافعون عن حقوق الإنسان من دول
الخليج، أكدوا أهمية تشريع الأحزاب السياسية وإنهاء سياسة الاحتكار
بالمناصب في الوزارات السيادية والعمل على تعزيز حرية التعبير.

هذا
جانب آخر من تطور الحراك المجتمعي في دول الخليج، وهو أمر طبيعي للتطورات
التي صاحبت هذه المجتمعات منذ الطفرة النفطية وتأسيس الدولة الحديثة.

وما
يحدث اليوم ما هو إلا جزء من تلك المتغيرات، ولا يمكن التصدي لذلك لفترة
طويلة تماماً، نفس الأمر على موضوع قيادة المرأة السعودية للسيارة، كون أن
السياسيات القديمة أصبحت غير مناسبة.

اقرأ المزيد

مبادرة «من أجل البحرين»… لماذا؟ وإلى أين؟

في مطلع شهر ديسمبر الجاري، أقدمت القوى الوطنية المعارضة على خطوة
إيجابية جديدة بغرض إحداث اختراق في الجمود السياسي الراهن وفتح آفاق أمام
الحل السياسي. تجسدت هذه الخطوة في إطلاقها «مبادرة سياسية» حملت اسم «من
أجل البحرين»، وهو عنوانٌ لا يخلو من دلالات وطنية وسياسية، ومن خلال هذه
المبادرة أبدت استعدادها «للدخول في حوار جاد يقود إلى توافق وطني يرتكز
على احترام حقوق الإنسان والحرية والعدالة والمواطنة المتساوية، سعياً إلى
إنتاج نظام سياسي عادل يربح فيه الوطن والمواطنون بجميع مكوّناتهم السياسية
والاجتماعية»، كما أكدت «جهوزيتها للدخول في حل سياسي وطني خالص، يجنب
بلدنا كل المؤثرات الخارجية، ويعالج كل القضايا العالقة والتداعيات التي
خلفتها الأزمة الراهنة».

وفي ختام هذه المبادرة «أعربت وبصورة لا
تحتمل اللبس أو الغموض، عن انفتاحها على مناقشة بنود هذه المبادرة مع كافة
الأطراف المعنية لتطويرها وتفعليها وإنجاحها».

وليس من قبيل الصدفة
طبعاً اختيار ذلك اليوم (2 ديسمبر 2013) موعداً لإطلاق المبادرة، إنّما
تعمّدت أن يكون قبل بدء جلسة الحوار في الرابع من ديسمبر 2013 «دون مشاركة
المعارضة»، وهو اليوم الذي تم تحديده من جانب الأطراف الأخرى «كمهلة زمنية
نهائية» على حدّ وصفهم ليكون عامل ضغط على قوى المعارضة من أجل العودة عن
قرارها في تعليق مشاركتها في جلسات الحوار، وعلى ما يبدو أن الأخوة
استمرأوا لعبة «المهل الزمنية» وحوّلوها إلى ما يشبه المسلسل، ما أن تنتهي
مهلة، حتى يقوموا بتجديد مهلة أخرى، وها نحن على موعد مع مهلة أخرى يفترض
إنها تنتهي في 24 ديسمبر الجاري.

لسنا بصدد الاجتهاد أو محاولة تفسير
أسباب الغضب العارم والهجوم الشرس على المبادرة، وعلى قوى المعارضة من
جانب السلطة وقوى الموالاة، ولما تمضي على إعلانها سوى ساعات قليلة، فقد
تابع الجميع كيف توالت ردود الأفعال المتشنجة، وكيف تبارى المسئولون في
الدولة على كيل الاتهامات المجحفة للمعارضة، بعضهم قال: «إن المعارضة لا
تملك الإرادة السياسية للدخول في حوار جاد، وإنها تريد فرض نفسها دولة داخل
دولة، وإنها تريد فرض رؤيتها على الأطراف الأخرى»، وقالت عن المبادرة
بأنها «شروط تعجيزية مرفوضة»، والبعض الآخر قال: «إن هذه المبادرة قد
تجاوزها الزمن». وقد رافق هذه التصريحات النارية تهديد ووعيد وتخيير
للمعارضة بين أمرين لا ثالث لهما، أما الإعلان عن الالتحاق بالحوار، أو
الإعلان عن الانسحاب.

هذا عن الجانب الرسمي، أما ما صدر عن القوى
السياسية الموالية، فله قصة أخرى، لأنه كشف بوضوح تام وقدم الدليل القاطع
على طبيعة العقل السياسي المنغلق والملتبس عند هذه الجمعيات، بإصرارها على
أن تجعل من نفسها مجرد آلات تابعة وصمّاء لا تفكر إلا بما تفكر به الدولة،
ولا تقول إلا ما تقوله، رافضةً إعطاء نفسها هامشاً من الاستقلالية ولو كان
محدوداً. لذلك ركبت موجة السلطة وأخذت تطلق التصريحات وتوزّعها يميناً
وشمالاً دون تبصر أو عقلانية، حتى سمعنا بعض التصريحات التي تقارب «الهزل
السياسي»، أو الأصح «الهبل السياسي» إن شئنا الدقة في الوصف.

أحدهم
قال عن المبادرة «إنها أشبه بالانقلاب الناعم»، لذلك بعد هذه المبادرة سيقع
عليهم عبء تمثيل جمهور المعارضة، وآخر قال: «إن المهلة الزمنية انتهت وأن
جمعياتهم سوف تمثل كافة الأطراف في جلسات الحوار»! واعتبر غياب المعارضة
انسحاباً من الحوار. وثالث قال: «ان الجلسات القادمة سوف تدخل في مناقشات
القضايا السياسية الرئيسية، وأن هذه الجمعيات بصدد تقديم رؤية سياسية تتضمن
كافة تصورات ومطالب مختلف فئات الشعب البحريني».

وبعيداً عن أي سجال
سياسي لا طائل منه، وبدون التوقف مطولاً أمام تلك التصريحات، خصوصاً تلك
التي تتحدّث عن تمثيل هذه الجمعيات لجماهير القوى الوطنية المعارضة، لأنها
تصريحات غير واقعية وتفتقر إلى الجدية، بل هي أقرب إلى الأوهام و»الشطحات
السياسية» التي لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالسياسة أو بالخطاب السياسي
الموزون، إنما ما يهمنا هنا ويستوقفنا تلك النقطة التي حملت وعود هذه
الجمعيات بتقديم «رؤيتها السياسية المعبرة عن تطلعات ومطالب كافة فئات شعب
البحرين» .

وقبل مناقشة هذه النقطة نريد أن نوجّه عدداً من التساؤلات
التي تفرض نفسها تلقائياً هنا الأول: هل الدولة عندما وجّهت الدعوة للحوار
كانت تريد أن تحاور نفسها، وتسمع صوتها فقط؟ والثاني: ترى ما هي الإجراءات
أو الخطوات التي قامت بها الدولة لبناء وتعزيز الثقة بين المتحاورين
والمساهمة في إنجاح الحوار؟ والثالث: أين هي الملامح الاشتراطية أو
الاقصائية في مبادرة المعارضة؟ والسؤال الرابع والأهم: ما الذي منع هذه
الجمعيات من تقديم رؤيتها السياسية طوال الشهور العشرة من عمر الحوار، على
الرغم من مطالبات المعارضة المستمرة بذلك؟ وهل هذه الجمعيات تمتلك حقاً
رؤيةً سياسية، وهل تمتلك القدرة والجرأة فعلاً على تضمين هذه الرؤية مطالب
كل شعب البحرين كما تدعي؟

إن مطالب شعب البحرين واضحة ومعلنة منذ ما
يزيد على ألف يوم، أي منذ بدء الحراك الشعبي السلمي في فبراير 2011، وهي
المطالب التي عملت المعارضة الوطنية على التذكير بها في كل المناسبات
الوطنية والفعاليات الجماهيرية التي تنظمها ويتجاوب معها المواطنون الذين
تتجاوز أعدادهم 150 ألف مواطن في أقل الحالات تواضعاً.

أما هذه
المطالب فإنها تتلخص في بناء دولة وطنية مدنية وديمقراطية قادرة على تحقيق
الانصهار والاندماج الوطني الناجح من خلال ترسيخ مبدأ المواطنة المتساوية.
دولة تتضمن التعايش الأخوي بين مختلف أطياف ومكونات المجتمع البحريني دون
إقحام الاختلافات العقائدية والمذهبية في المجالات السياسية، لقطع دابر
الأزمات المتكرّرة والاحتقانات التي تضعف بلدنا وتهز استقرارها. دولة تقوم
فيها بنى سياسية من أحزاب حرة وبرلمان ذي صلاحيات تشريعية ورقابية كاملة
وتشريعات دستورية وقانونية لا تقيم أي فرق أو تمييز بين المواطنين على أساس
الجنس أو العرق أو الطائفة والمذهب. دولة تنهض وتتقدم على أساس عقد
اجتماعي تتحوّل نصوصه وبنوده إلى سلوكيات وتدابير عملية لتعزيز قيم الحرية
والعدالة والمساواة والمواطنة.

وأخيراً دولة تتحوّل فيها كل المؤسسات
إلى معامل صهر لكافة المواطنين وشرائح المجتمع المختلفة من خلال إتاحة
الفرص لكل أبناء الوطن على اختلاف انتماءاتهم السياسية والمذهبية، للتواجد
والتفاعل مع هذه المؤسسات بروح ومنطلقات وطنية خالصة، بعيداً عن أية توجهات
طائفية أو مصالح فئوية وحزبية ضيقة، وأن يكون لهم دور في بناء مستقبل
دولتهم واختيار حكوماتهم ومحاسبتها.

إن أية رؤية سياسية جادة تستهدف
حقاً انتشال البلد من أزماته المستفحلة لا خيار أمامها، ولا سبيل لنجاحها
سوى التوافق على هذه القواسم والمشتركات لبناء الدولة الوطنية الجامعة، ثم
بعد ذلك إضفاء بصمة الشعب على هذه التوافقات عبر استفتاء شعبي كونه مصدر
السلطات جميعاً كقاعدة دستورية لا مناص منها.

عندما تكون الرؤية
الموعودة من جانب الأخوة بهذا المستوى من الطموح الوطني والوعي السياسي،
ستكون حتماً موضع ترحيب الجميع، وستكون المعارضة الوطنية الديمقراطية أول
المرحبين والداعمين لها.

وحتى نوفر الجهد والوقت على هذه الجمعيات
فأننا ندعوها مجدداً إلى إعادة قراءة مبادرة المعارضة «من أجل البحرين»
بعقل منفتح بعيداً عن المناكفات السياسية والمواقف المسبقة، وبعيداً عن كل
الهواجس والأوهام التي لازالت تتحكم في سلوكها وطريقة تعاطيها مع كل ما
يصدر عن المعارضة السياسية، وسوف يجدون كل الأسس والمقومات التي أشرنا
إليها عن الدولة الوطنية الديمقراطية التي يطمح لها أبناء شعب البحرين
موجودةً وكامنةً في المبادرة الأخيرة. فقط المطلوب التحلّي بالشجاعة وتوفر
حسن النوايا وصدق الإرادة السياسية.

وكلمة أخيرة نهمس بها للأخوة
الأعزاء، أن النجاح في العمل السياسي ليس أن تتعامل وتتفق مع من هو أساساً
متفق معك في الرأي والموقف، وإنّما النجاح أن تتحاور وتتفق مع من يختلف
معك وتصل معه إلى توافق مشترك، ولأن المعارضة اختارت طريق النجاح تقدّمت
بهذه المبادرة ودعت إلى الحوار انطلاقاً منها، وسوف تنجح لأن جُلّ شعب
البحرين معها، أما من يريد اختيار طريق الفشل والإخفاق فهذا شأنه وليتحمل
عواقب اختياره.

اقرأ المزيد

أي تعاون هذا يا مجلس التعاون؟!



الاتفاقية الأمنية المعقدة، التي كانت مستعصية على الحل سنوات
طويلة، أوجدتم لها حلاً، ولا نعلم تفاصيلها الحقيقية.. عسى ألا تكون قد
كلفتنا في ما جُبل عليه أهل الكويت من قداسة مفهوم الضيافة للمضطهدين
والمحاربين بسبب آرائهم، وهذا ما كرَّسه دستورنا بشكل حازم لا يقبل النقاش.


لقد كانت الاتفاقية الأمنية مهمة لحماية أنظمة الحُكم القائمة في الخليج،
غير أنها ليست مهمة لنا في الكويت، فنظام الحُكم عندنا ثابت بقوة الدستور
الذي وضعه أهل الكويت، بإجماع تاريخي، مثلته تركيبة المجلس التأسيسي
المنتخب.


نحن في الكويت لا مشكلة لدينا في هذا الموضوع، إنما لدينا مشاكل أخرى يا
أحبابنا في مجلس التعاون، منها حاجتنا الماسة للغاز، مع أن الإخوان في قطر
أبدوا استعدادهم لتزويدنا بالمطلوب، فهم على «حذفة عصا» منا، لكن هل يدرك
الناس سبب عدم قدرتنا على الحصول عليه؟



سبب عجيب


السبب العجيب أن أختنا الكبرى اعترضت على المشروع، لأن الأنبوب المُراد مده
يمر في مياهها الإقليمية، وكأنه إبليس زمانه، يعرقل المشاريع السعودية
الضخمة التي لم نسمع عنها بعد، ويتعذر تنفيذها، بسبب هذا الأنبوب الشيطاني
اللعين، فأصبحنا نذهب شرقاً وغرباً، وحتى إلى الجمهوريات السوفييتية في
آسيا الوسطى من دون جدوى.


الإخوة في العراق يقولون إن العراق مستعد لتزويدنا بالغاز.. فهل هناك عراق
يُعتمد عليه ونحن نرى الصراع الطائفي في أبشع صوره وافتقاد الأمن والأمان
حتى للشعب العراقي نفسه؟! ويبقى هذا خياراً خيالياً في الوقت الحاضر، داعين
المولى، عز وجل، أن يعمّ العراق الأمان والاستقرار، ليصبح عونا لغيره، لا
عبئاً على جيرانه.



فسحة من الأمل


يا مجلس التعاون.. أعطونا فسحة من الأمل بهذا التعاون، الذي خذلنا عندما
زحفت قوات صدام لاحتلال الكويت، ووقفت درع الجزيرة، التي اعتقدنا بأنها
ستحمينا من أي اعتداء، متفرجة وكأن الأمر لا يعنيها. بينما لم يتردد
بالاندفاع للدفاع عن النظام في البحرين، مؤكدا أن درع الجزيرة هي للدفاع عن
الأنظمة، وليس الأوطان وشعوبها. يا مجلس التعاون.. سامحكم الله، لعدم
تعاونكم، والله يهديكم إلى طريق التعاون الحقيقي، لعل وعسى تنتعش آمال من
وثق بكم، لإسعاد المنطقة وشعوبها. 


جريدة الطليعة
اقرأ المزيد

تشريعات خليجية موحدة

في لقاء ضمَّنا منذ أيام قليلة في دولة الكويت مع رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم، دار حديث عن دور السلطات التشريعية في بلدان مجلس التعاون في الدفع بالعمل الخليجي المشترك نحو آفاق أرحب من التعاون والتكامل .
قال الغانم إن إلقاءه كلمة في القمة الخليجية في الكويت بصفته رئيساً لمجلس الأمة في بلاده هي خطوة غير مسبوقة في تاريخ مجلس التعاون، تحمل إشارة رمزية للاعتراف بالدور الذي يمكن للمجالس التمثيلية في بلدان المنطقة أن تؤديه، من موقعها، لجعل التعاون الخليجي ليس مجرد شأن رسمي، وإنما شأن برلماني خليجي، وبصورة أوسع شأن شعبي .


دار الحديث مع الغانم عن مدى واقعية فكرة البرلمان الخليجي المشترك، وطرح بعض الإخوة الإعلاميين ملاحظات على هامشية دور الهيئة الاستشارية لمجلس التعاون الخليجي التي تضم ممثلين عن الدول الأعضاء، حيث لم يسمع أحد عن إنجازات ملموسة لهذه الهيئة .


ولأن الكويت هي صاحبة التجربة البرلمانية الأعرق والأرسخ، التي استطاعت البقاء على مدار عقود، متجاوزة التحديات الكثيرة التي مرت بها، من دون المساس بالسلطات التشريعية والرقابية الفعلية التي يضمنها لها الدستور، فإن ذلك يجعل منها قدوة جديرة بأن تحتذى على مستوى بلدان المنطقة، بحيث يؤسس ذلك لفكرة البرلمان الخليجي الذي يؤمن السند الشعبي لمجلس التعاون، ولتوحيد التشريعات الضرورية اللازمة لمثل هذا التعاون .


لا يمكن الحديث عن خطط طموحة للتكامل الاقتصادي والبرامج المشتركة في مجالات التنمية بأوجهها المختلفة في ظل تعارض وتناقض التشريعات المعمول بها في بلدان المنطقة، ذلك أن التعاون، كي لا نقول التكامل، يتطلب وجود بنية تشريعية موحدة ومتجانسة، توفر انسيابية تدفق السلع والأنشطة، وتسهم في قيام المؤسسات المشتركة، التي تجعل من المواطن الخليجي، بصرف النظر عن البلد الذي يوجد فيه، قادراً على الإفادة من الميزات التي توفرها له عضوية بلاده في المجلس .


لن يتحقق ذلك ما دام كل بلد خليجي يضع تشريعاته، على الصعيد الوطني، منفرداً من دون الأخذ في الاعتبار أنه ينتسب لمنظومة إقليمية واحدة ترمي إلى التكامل، وتتطلع نحو مشروعات طموحة، تلزمها مثل هذه البنية التشريعية الموحدة .


تحدثنا عن أهمية أن يكون التعاون الخليجي شأناً شعبياً يعني أبناء المنطقة جميعاً إضافة إلى كونه شأناً يعني القادة والحكومات، ودور المجالس المعنية بالتشريع والرقابة دور فاصل في هذا المجال .
اقرأ المزيد

رحل بصمت كما عاش

يوم الجمعة 29 نوفمبر من العام الجاري رحل بصمت وشيع إلى مثواه الأخير وبحضور كبير من الأهل والمعارف سيد موسى عبدالله علي أحد المناضلين ضد السلطات الاستعمارية البريطانية. والذي اعتقل في سنة 1960 ضمن حملة اعتقالات شنتها السلطات الاستعمارية ضد جبهة التحرير الوطني البحرينية شملت، الى جانب سيد موسى، المناضل علي مدان وأخوه حسن وحسين قائد وفريدون زينل ومجيد حبيب.

وقد حكم على مدان وأخيه حسن بخمسة وثلاث سنوات سجن والنفي. أما سيد موسى والآخرون فقد صودرت منهم جوازاتهم وكل الأوراق الثبوتية وتم نفيهم دون محاكمة إلى إيران ، حيث اعتقلوا هناك من قبل جهاز السافاك السيئ الذكر وتعرضوا لمعاملة سيئة وتحقيقات مطولة ودام سجنهم أشهر عديدة. ولولا الحملة التضامنية ووقفة أهاليهم معهم وسفر العديد منهم إلى إيران للتحري والاستفسار عن أبنائهم والمطالبة بالإفراج عنهم، لاستمر احتجازهم ونسيوا في غياهب سجون السافاك. وقد تكللت تلك الجهود بالنجاح وتم الإفراج عنهم، خاصة إن أي من المعتقلين لم يكن له أية صلة بإيران وشئونها.

وقد التقيت وتعرفت لأول مرة على سيد موسى في الدوحة بقطر في بداية سنة 1962،حيث استقر هو ورفيقاه حسين قائد وفريدون زينل بعد خروجهم من إيران وعدم السماح لهم بالعودة إلى البحرين. التقيت به في محله للتصوير(أستوديو) الذي كان في سوق الدوحة قرب فندق «بسم الله». كان قليل الكلام هادئ الطبع حسن المعشر متابع للأخبار الإقليمية والعالمية، يحب القراءة والاطلاع.

كان سيد موسى وبقية الأخوة المنفيين ما زالوا منهمكين بترتيب العمل والاستقرار، والمتزوجون منهم مهمومون بأمور جلب أسرهم إلى الدوحة. وكل ذلك كان مصحوبا بمعاناة نفسية شديدة لأنهم غير مطمئنين في الاستمرار في العمل أو حتى في بقائهم في قطر إضافة إلى حرمانهم من حق العودة إلى الوطن. يضاف إلى ذلك الحزن والأضرار النفسية لأسرهم وأهلهم وأقاربهم بسبب إبعاد أولادهم خارج البحرين. على عكس بقية البحرينيين، الذين كانوا يتنقلون في ذلك الوقت إلى دول الخليج الشقيقة مثل قطر والإمارات والكويت والسعودية للبحث عن عمل ودخل أفضل وشعورهم أن الانتقال مؤقت وان بإمكانهم السفر إلى البحرين في أي وقت. هذا الشعور كان يخفف عليهم صعوبة فراق الأهل والأحبة.

هذا جزء يسير من معاناة السياسي المنفي خارج وطنه وما عاشه وقاساه وتحمله من آلام نفسية وصعوبات عدة في حياة الغربة والشتات.

وللأسف لم تدم علاقتنا في الدوحة طويلا إذ سافرت في صيف العام 1963 للالتحاق بالجامعة. وبعد إعلان استقلال البحرين وانتخاب المجلس الوطني عاد سيد موسى وحسين قائد إلى البحرين واعيد لهما الجواز البحريني.

وقد التقيت سيد موسى مرة أخرى العام 2001 بعد عودتي إلى البحرين على أثر صدور الأمر الأميري بالعفو العام وعودة المنفيين من الخارج. وكان طبعه قبل عقود: قليل الكلام هادئ في الحديث دمث الأخلاق.

سيد موسى، حاله حال المئات من المناضلين الوطنيين في تلك الفترة الصعبة من النصف الثاني من القرن الماضي، لم يبخلوا وضحوا في سبيل الوطن ولمستقبل أفضل لشعبنا، وان كان العديد منهم لم يستمر تنظيميا في النضال ولأسباب مختلفة توقف في مرحلة ما، إلا إنهم لم يدخلوا في مهاترات ومزايدات ليبرروا وطنيتهم ويبالغوا في دورهم النضالي. لأنهم أدوا واجبهم قدر المستطاع بقناعة ومدفوعين بحبهم للوطن وناسه الطيبين وليس بدافع مصلحة شخصية.

إن ما تحقق من منجزات وتحولات – انسحاب المستعمر وإعلان الاستقلال عام 1971 والتحول نحو الحياة البرلمانية والديمقراطية – هو بحق نتيجة تضحيات كل مناضل- امرأة ورجل، مهما كانت مساهماتهم صغيرة أو كبيرة، قصيرة أو طويلة المدى.

وان تاريخ البحرين الحديث لن يكتمل دون تدوين كل هذه المساهمات، وعلينا جميعا حق تدوين ذلك تقديرا واحتراما لكل من ساهم وضحى من أجل حرية واستقلال وتقدم ورفاه شعبنا كل شعبنا. رحم الله سيد موسى والصبر والسلوان لأهله وأحبته

اقرأ المزيد