المنشور

لماذا يقرؤون علي الوردي؟

يروي الدكتور محمد عيسى الخاقاني في كتابه عن علي الوردي أن جهاز الأمن العراقي في عهد الرئيس عبدالسلام عارف استدعى الوردي للتحقيق معه، ولم يعرف عن الوردي انشغاله بالسياسة، حيث كان منصرفاً إلى عمله الأكاديمي والبحثي.


والطريف أن الوردي لم ينزعج من أمر هذا الاستدعاء، لأنه رأى فيه ما رفع أسهمه لدى أبناء الشعب، رغم أن مدير الأمن العام بادره بالاعتذار عن هذا الاستدعاء.


هدف الاستدعاء لم يكن التحقيق مع الوردي عن نشاط أتاه أو قول تفوه به، وإنما لمواجهته بسؤال بدا له غريباً، حين سأله المحقق: هل تدري يا دكتور أن أي سفير بريطاني أو أمريكي يعين في العراق يُلزم بقراءة الترجمة الإنجليزية من كتابك: «في طبيعة المجتمع العراقي»، قبل أن يأتي إلى العراق، وقد تأكدنا من مصادرنا من هذه القضية وظهرت صحيحة؟ أجاب الوردي بأنه لا يعلم بذلك، وأنها المرة الأولى التي يسمع فيها بالأمر، فقال له المحقق: «ماذا وجدوا في كتابك؟» ردَّ الوردي: لأنهم يعرفون وأنتم لا تعرفون، لأنهم يقرأون الفكر وأنتم لا تقرأون، لأنهم يحترمونني ويقرأون كتبي وأنتم تستدعونني للتحقيق.


الحق أن الوردي قال إنه أعيد إلى بيته معززاً مكرماً، ولم يشر إلى أنه عومل بفظاظة، ولكن ما يهمنا في أمر هذه الحكاية هو عناية دوائر صنع القرار في الدول الغربية المعنية بأوضاع ومصائر البلدان العربية بمعرفة تضاريس مجتمعاتنا وتناقضاتها وتعقيداتها، وهي الأمور التي حللها علي الوردي في كتابه هذا، والذي وظف فيه بصورة خلاقة منهج ابن خلدون في تحليل بنية المجتمع العراقي.


ولم يكن هدف الوردي من الكتاب أن تستعين به الدوائر الغربية في فهم المجتمع العراقي كي تعرف طريقة التصرف فيه، لدرجة تعهد فيها إلى ممثليها الدبلوماسيين في العراق قراءة الكتاب، وإنما كان هدفه كباحث حريص على تقدم وطنه أن يحلل مشاكله وتعقيداته بغية التغلب عليها، بوضع الخطط والبرامج اللازمة لذلك.


لكن الذي يحدث أن الأمة لا تلتفت إلى ما يقوله علماؤها ومفكروها، محذرين مما قد يحمله المستقبل من تبعات وأزمات إن لم يجر فهم وحل المشاكل التي تعاني منها، وإن حدث والتفتنا، فإن ذلك يأتي بعد فوات الأوان، وبعد أن تكون الفؤوس وقعت على الرؤوس. مفكرونا يكتبون كي ندرك معضلاتنا، والآخر يقرؤها كي يتمكن منا. 
اقرأ المزيد

هشاشة الدولة العربية



لعل عالم الاجتماع السويدي جنار ميردال هو أول من استخدم مصطلح «الدولة الرخوة» في كتابه «بحث في أسباب فقر الأمم»، ومنه استوحى الكاتب المعروف جلال أمين عنوان كتابه «الدولة الرخوة»، حين رأى أن الكثير من السمات التي شخصها ميردال تنطبق على أحوال الدولة في العالم العربي، من أوجه عديدة بينها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والديني.



البعض يفضل مصطلح الدولة الهشة، وهو التعبير الذي استخدمته مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية التي دأبت على إعداد مقياس لمدى سوء أوضاع بلدان العالم المختلفة وذلك حسب معايير، منها شرعية الدولة، واحترام حقوق الإنسان، وسيادة حكم القانون، ومظالم المجموعات، والتنمية غير المتوازنة. ومن بين 187 دولة في العالم شملها تقرير المجلة في العام الفائت وردت أسماء عدد كبير من الدول العربية والإسلامية على رأس قائمة الدول الهشة. وتضم المؤشرات الاجتماعية الدالة على فشل الدولة تصاعد الضغوط الديمغرافية والحركة السلبية والعشوائية للاجئين والأفراد، في حين تتمثل المؤشرات الاقتصادية في غياب التنمية الاقتصادية لدى الجماعات المتباينة وتراجع المؤشرات الكبرى كالدخل القومي وسعر الصرف والميزان التجاري.


أما المؤشرات السياسية فتتمثل في فقدان شرعية الدولة بسبب فساد النخبة الحاكمة وغياب الشفافية والمحاسبة السياسية وضعف الثقة في المؤسسات، إضافة إلى عدم التطبيق العادل لحكم القانون وانتشار انتهاكات حقوق الإنسان وغياب الأمن.


على سبيل المثال، احتلت دولة جنوب السودان الترتيب الأول بين دول العالم من حيث الهشاشة متبوعة بالصومال والسودان، وحل اليمن بالمرتبة الثامنة، والعراق وسوريا في المرتبتين ال13 وال15 على التوالي.


وللمقارنة، فإن أقل الدول فشلاً، أو على رأس الدول الناجحة، حسب التقرير،كل من فنلندا والسويد والدنمارك والنرويج وسويسرا.


لا أحد منا يطمع في ظرفنا العربي البائس اليوم ببلوغ ما بلغته فنلندا أو السويد أو غيرهما، ولكن التطلع هو إنقاذ الدولة العربية التي انهارت بصورة تامة أو شبه تامة في بلدان مثل ليبيا واليمن وسوريا والعراق، لتفي بالحد الأدنى من واجباتها تجاه أبنائها، لا في تأمين لقمة العيش فحسب، وإنما، أولاً وقبل كل شيء، في تأمين الحق في الحياة أمام طوفان القتل الذي يجتاح المنطقة. فحسب تشومسكي فإن الدولة الفاشلة هي تلك العاجزة أو غير الراغبة في حماية شعبها من العنف والفوضى والدمار، وهو ما ينطبق على حال مجموعة بلدان عربية، لا بلد واحد.

اقرأ المزيد