المنشور

استحقاقات عالمية أمام شركاتنا الصناعية والنفطية


أوضحنا في مقالات سابقة ذات صلة، أن هذا الأمر قادم لا محالة، وبأسرع مما تتصوره حكومات الدول النامية وشركات الطاقة والشركات الصناعية العاملة فيها. وها هو هذا الأمر المتمثل في وضعها أمام مجموعة من الاستحقاقات الدولية المطلوب تنفيذها في إطار الجهد الدولي لمكافحة تغير المناخ، يحدث على أرض الواقع، وإن كان حتى الآن في صورة مطالبات لتنفيذ اجراءات بصورة طوعية. فها هي الأمم المتحدة، ومن خلال الميثاق العالمي للأمم المتحدة (UN Global Compact)، وهو مبادرة مكرسة لاستقطاب الشركات في مختلف أنحاء العالم لتحمل مسؤولياتها تجاه مجموعة مؤشرات التنمية المستدامة، كان قد أعلن عنها في منتدى دافوس الاقتصادي العالمي في يناير/كانون الثاني عام 1999 ودُشنت رسمياً في مقر الأمم المتحدة بنيويورك في يوليو 2000 – هاهي تُعلن باسم مجموعة الشركات المتطوعة عن خطة عمل جديدة بمعايير مسؤولية تتصل بمدونة سلوك تجاه الجهد الدولي لمواجهة مخاطر تغير المناخ باسم «مبادرة الاهتمام بالمناخ» (Caring for Climate Initiative)، بما يجعل من هذه الشركات المتطوعة رائدة في السوق منخفض الكربون المستقبلي. وهي مبادرة تندرج في إطار استراتيجية المنظمة الدولية لإلزام الشركات بالمواءمة بين عملياتها واستراتيجياتها والمبادىء العالمية العشرة المتوافق عليها في مجالات حقوق الانسان، والعمل، والبيئة، ومكافحة الفساد، وذلك بهدف جذب قطاعات الأعمال، باعتبارها المحرك الأساسي للعولمة، للمساهمة في جعل الأسواق والتجارة والتكنولوجيا والتمويل تتقدم في اتجاه يعود بالفائدة على جميع الاقتصادات والمجتمعات العالمية. وقد تطوع حتى اليوم أكثر من 12000 شركة ومؤسسة من أكثر من 145 بلداً للمشاركة في هذه المبادرة والعمل على تطبيق مبادئها العشرة.
 
ذلك فيما يتعلق بمبادرة «الميثاق العالمي للأمم المتحدة». ومؤخراً خرجت الجهة المعنية في الأمم المتحدة بإنفاذ مبادىء هذا الميثاق، بمبادرة جديدة تتعلق خصيصا بالترتيبات الدولية الجارية على قدم وساق من أجل مكافحة الآثار الضارة المترتبة على تغير المناخ من خلال اتفاق بروتوكولي جديد كإطار تنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ يحل محل بروتوكول كيوتو المنتهية صلاحيته في ديسمبر/كانون الأول عام 2012. المبادرة الجديدة التي أُطلق عليها كما أسلفنا «مبادرة الاهتمام بالمناخ»، تتضمن 5 استراتيجيات هي على النحو التالي:
 
1- تسعير انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمقاربة اقتصادية فعالة تحاكي تحدي تغير المناخ: وقد تطوعت بالفعل 35 جهة للقيام بوضع معايير أساسية لهذه المقاربة والعمل على: (أ) وضع سعر وطني مرتفع بما يكفي للكربون بحيث يكون فعالاً في توجهات وقرارات المستثمرين وخفض الانبعاثات، (ب) دعم وترويج السياسات والإجراءات المؤدية لظهور سعر طن الكربون على شاشات التداول في الأسواق، (ج) التقرير العلني حول التقدم المحرز على أساس سنوي في هذا المجال.

2- إحلال الطاقة المتجددة: فمع مواصلة أسعار الطاقة الشمسية وطاقة الرياح انخفاضهما، فإن أسباب التمسك بمصادر الطاقة غير المتجددة، ويقصد بها النفط والفحم والغاز تحديداً، سوف تختفي بسرعة. والآن وقد أصبحت أسعار المصدرين، الطاقة التقليدية والطاقة المتجددة، متقاربة، بحسب زعم الأمم المتحدة صاحبة المبادرة، فإن بعض الشركات أخذت عهداً على نفسها بتوليد 100٪ من طاقتها باستخدام الطاقة المتجددة.

3- الاستثمار في التقنيات النظيفة: فقد ارتفع هذا الاستثمار بأكثر من 300 مليار دولار خلال العقد الأخير، حيث اكتشفت الشركات هذه الفرصة الاستثمارية الواعدة فراحت تستثمر في التكنولوجيات، وفي المنتجات والخدمات ذات الطبيعة المستدامة، وفي المباني الذكية مناخياًَ، وفي اجراءات تخزين الطاقة وكفاءتها.

4- اظهار التأييد عملياً لسياسات مكافحة تغير المناخ: وهنا يتعين على الشركات أن تنسق وتتعاون مع الحكومات لتحديد سبل خفض الانبعاثات والمحافظة على الموارد الطبيعية. فمن شأن مثل هذه الجهود المشتركة أن تشجع على النمو (الاقتصادي) منخفض الكربون. الأمر الذي سيرسل رسالة إلى صانعي القرار مضمونها بأن قطاعات الأعمال مستعدة لمقابلة تحديات تغير المناخ ومتطلبات مجابهتها.

5- وضع أهداف مؤسسة علمياً وقابلة للتبني: بغض النظر عن الحجم أو القطاع أو الموقع، فإن كل أنشطة قطاعات الأعمال يمكن أن تبدأ وتشارك لتكون جزءً من حل مشاكل تغير المناخ. ولقد بادر عدد صغير من الشركات باتخاذ خطوات لوضع أهداف بعيدة المدى لخفض غازات الاحتباس الحراري (GHGs) وذلك وفقاً لما اقتضته المشورة العلمية التي تسديها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ
(Intergovernmental Panel on Climate Change – IPCC) لسكرتارية اتفاقية الأمم المتحدة الاطارية لتغير المناخ (UNFCCC). حيث تقوم هذه الشركات بأعمال رصد وقياس وتقرير الانبعاثات سنوياً.
 
جدير بالملاحظة هنا أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون هو الذي أطلق بنفسه «مبادرة الاهتمام بالمناخ» (Caring for Climate Initiative) بهدف توجيه الشركات لاكتشاف الحلول العملية المتقدمة وتشكيل السياسات العامة، باعتبار ذلك إحدى أنجع الوسائل لاشراك قطاعات الأعمال في قضايا البيئة وتغير المناخ. كانت البداية في مؤتمر الأطراف الخامس عشر (COP-15) الذي عقد في كوبنهاجن في عام 2009. حيث تداعى حينها ممثلون لشركات القطاع الخاص بصورة تطوعية للبحث عن حلول ذكية لمشكلة الانبعاثات وإيصال تلك الحلول لأصحاب القرار المسؤولين في بلدانهم عن قضايا البيئة وتغير المناخ. وبعد 6 سنوات من ذلك تكللت جهود متراكمة بإنشاء السوق منخفض الكربون، وصار المحركون الأساسيون لهذا الجهد هم أصحاب الريادة في هذا الحقل. كما دخل المستثمرون على هذا الخط، حيث أعلن ائتلاف يضم مؤسسات استثمارية، التزامه باستثمار 100 مليار دولار بنهاية ديسمبر/كانون الأول 2015 في خفض انبعاثات الكربون، وكذلك قياس وكشف فرص استثمار في مشاريع خفض انبعاثات الكربون يصل اجمالي قيمتها إلى حوالي 500 مليار دولار. في نفس الوقت فإن من المتوقع أن يصل اجمالي تداولات سوق السندات الخضراء المصممة لتمويل مشاريع صديقة للبيئة، إلى 30 مليار دولار بنهاية العام الجاري.
 
22 / 7 / 2015

اقرأ المزيد

القيم في مجتمعات الخليج


عوّدنا الصديق الدكتور يوسف الحسن في كتاباته المتصلة بالشأن المحلي في دولة الإمارات، وبالشأن الخليجي عامة، على البحث المعمق في الظواهر الاجتماعية والثقافية المستجدة، في مجتمعاتنا التي تشق طريقها نحو التحديث وسط مغالبة لأنساق التنظيم والقيم التقليدية، التي عليها أن تفسح في المجال أمام ما تفرضه التحولات الموضوعية الحاسمة التي نعيشها في اتجاه أنماط تنظيم وسلوك حديثة، تحت تأثير وتائر التنمية السريعة .

هذه الوتائر تعجل من انبثاق أشكال وعي وسلوك جديدين لا ينتسبان إلى المنظومة التقليدية التي اعتادتها هذه المجتمعات مدة الجمود الطويل التي عاشتها قبل إعلان استقلال بلداننا، وقيام الأشكال الإدارية الحديثة.

في كتابه المهم «قلق القيم – مجتمعات الخليج العربية نموذجاً»، يستمر الحسن في مباحثه هذه، ويضع يده على جوهر ما تفرزه التحولات المشار إليها من آثار على منظومة القيم. مُوفقاً ودقيقاً كان الباحث في اختياره لأطروحة «قلق القيم» كي تكون عنوان الكتاب، فما يبحثه يتصل تحديداً بهذه الحال.

التحديث في المجتمعات النامية، وفق من اهتموا بدراسته من علماء الاجتماع والمفكرين، هو جملة من السيرورات التحولية التراكمية المتداخلة والمتكاملة تدخل المجتمع في حركية دائمة من الخبرات والمعلومات والمعارف وما ينجم عنها من تحول هذا المجتمع إلى مجموعة بنيات متراكبة ومتراتبة، تفرضها البنى الادارية الحديثة التي تتطلب الانضباط والتنظيم والعقلنة.
ينجم عن هذه التحولات ما يصفه بعض الباحثين العرب بالمصادمة بين منظومتين متابينتين: تقليدية وحديثة، وهي بدورها تحدث الاختلال والاختلاط في المعايير، وهو نفسه الذي أطلق عليه الدكتور يوسف الحسن «قلق القيم».

في مجتمعات الخليج يبدو الأمر أكثر تعقيداً، فالدولة الحديثة، وفق تعبيره، حلت محل اللادولة والبنى التقليدية القبائلية، حيث مارس الناس لأول مرة في تاريخهم تجربة الدولة بمعناها التاريخي والتقليدي. ومع أن الباحث يشير إلى أن القيم الحديثة تداخلت وتلاقحت مع قيم وثقافات تقليدية، يحذر من تراجع بعض منظومة القيم في السنوات الأخيرة بظهور الاستهلاك البذخي والجري وراء المظهرية وعدم احترام الوقت وضعف قيم العمل والكد والصبر وتآكل قيم احترام القانون. نحن إزاء كتاب يستحق الاهتمام.
 
21/07/2015

اقرأ المزيد

لماذا نعود لتشيخوف؟


تشيخوف هو الكاتب الذي يمكن أن نقرأه في الصيف وفي الشتاء، في الليل وفي النهار، حزانى كنا أو فرحين، يائسين أو متفائلين، في سنوات الشباب أو في سنوات النضج والكهولة. تشيخوف رفيق أرواحنا في كل الحالات، لذا لا نحتاج لذرائع أو أسباب كي نعود إليه كلما أردنا أن نمنح أرواحنا جرعة من الأمل أو المتعة. نعود إليه لأنه تشيخوف فحسب، ونعود إليه لأننا لا يمكن ألا نقع في حب ما يكتب، سواء كنا نقرأه أول مرة، أو في كل مرة نعود فيها إليه.

مع ذلك تأتي بعد المحفزات التي تجعلنا نهرع إليه. من ذلك أني شاهدت على التلفاز، مؤخراً، فيلم «القارئْ The Reader»، وقد يسأل سائل: وما علاقة تشيخوف بالفيلم وقصته؟. سؤال في محله، إذا علمنا أن الفيلم يحكي قصة بطليها فتى في الخامسة عشرة من عمره، وامرأة في عقدها الثالث، يرتبطان بعلاقة عاطفية غريبة، تبدأ أحداثها في ألمانيا بعد إنهاء الحرب العالمية الثانية بأكثر من عشر سنوات وتستمر حتى منتصف تسعينات القرن الماضي، وتعالج موضوعاً له علاقة بعقدة الذنب الألمانية تجاه المأساة النازية، فأين تشيخوف من هذا؟

تشيخوف يحضر من خلال الباب الإنساني المرهف عبر قصته الرائعة «السيدة صاحبة الكلب»، وهي واحدة من أجمل قصص الحب في الأدب الكلاسيكي الروسي، التي كان بطل الفيلم يقرأها للمرأة التي يحب، التي سنكتشف بعد حين أنها أمية لا تعرف القراءة والكتابة، وكي تتغلب على ذلك كانت تطلب منه أن يقرأ لها الكتب، متذرعة بأنها تحب سماع صوته وهو يقرأ.

في لحظة درامية يعرفها من شاهد الفيلم تقرر المرأة وقد باتت سجينة أن تتعلم القراءة، وكان أن تبدأ، وهي تحاول فك الحروف بقصة تشيخوف تلك، التي تعرفنا إلى ما الذي بوسع الحب أن يفعله في النفس البشرية، حين يحررها من التوافه، ويسمو بها نحو أعلى المدارج.

لماذا تشيخوف بالذات؟

جواب مناسب على هذا السؤال نجده عند السينمائي انغمار برغمان الذي قال «إن الفن عند تشيخوف هو أشبه باختراق أعماق الحياة من خلال جدران صماء عالية»، وجواب مشابه نجده عند مواطنه تولستوي الذي وصف تشيخوف بأنه «فنان الحياة الذي لا يُقارن به أحد. إن قيمة إبداعه تكمن في أنه ليس مفهوماً وقريباً جداً من كل روسي فحسب، بل من سائر البشر في كل أرجاء العالم».
 
20/07/2015
 

اقرأ المزيد

الدولة الأمنية والحرب على الإرهاب – شفيق الغبرا


نعيش في واقع سريالي يقع في مكان ما بين الحقيقة والخيال. لقد مضى على الحرب على الإرهاب عقد ونصف العقد ولا يزال العنف ينتشر في اتجاهات متناقضة. اختلط كل شيء على المواطن العربي، وهو في هذا لم يعد يفرق بين أنواع الإرهاب التي تحيط بحياته. فهناك إرهاب الجماعات غير الرسمية، وهناك أيضاً إرهاب الدول الذي نختبره عبر الانتهاكات الفاضحة والتعديات وسياسات العزل والاستثناء.
 
إن غلق الطريق السلمية للتغيير والإصلاح في ظل سلوكيات «الدولة الأمنية» الغامضة والمفتوحة الصلاحيات، هو السبب الأهم في الإقليم العربي لنشوء الإرهاب وتحوّله إلى حال شائعة تخترق كل الفئات. فنحن أقل الأقاليم في العالم ديمقراطية وأقلها في ممارسة التقاليد السياسية الوسطية، وأقلها مساءلة وشفافية، لكننا أكثرها ضعفاً أمام الغرب وأكثرها سعياً في الوقت نفسه إلى اقتلاع المعارضين الديمقراطيين عبر السجن والاغتيال السياسي وغلق وسائل الإعلام. ولهذا أصبحنا من أكثر الأقاليم فساداً.
 
في إقليم هذه حاله، ليس غريباً أن ينتشر الإرهاب وتتعرض الدول والمجتمعات بفضل دولتها الأمنية الخفية لمحنة الانهيار. نحن نحتاج الحريات والديمقراطية قبل أن نحتاج حرباً جديدة على الإرهاب نفشل في مواجهتها وتدمر ما تبقى من عالمنا العربي. وعندما نتعرض لمسألة الإرهاب يجب أن تكون «الدولة المطلقة والأمنية» حاضرة، وذلك لأن هذه الدولة بطبيعتها، ومهما سعت إلى تخفيف تعدياتها وانحرافاتها، ستنتج أشكالاً من الإرهاب الذي يزداد عمقاً مع الوقت. تماماً كما أن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط يجب أن تكون حاضرة عند الحديث عن الإرهاب الإسلامي، وذلك نسبة إلى السياسات الأميركية في الإقليم وفي فلسطين التي تساهم في حال الإرهاب.
 
«الحكم المطلق» ينتج إرهاباً، خصوصاً في ظل ارتفاع نسب التعليم وتراجع الانجازات واختفاء الفرص أمام الشباب وتموضع الهويات. وينتج «الحكم المطلق» بصفته مالكاً لأدوات لا تقع تحت مراقبة مؤسسات منتخبة وبرلمانات شعبية وجهات تمثيلية، نزاعات الغد وحروباً أهلية جديدة. فكم من دولة عربية عميقة موّلت جماعات عنيفة نجدها وقد تحوّلت إلى القتال ضد من موّلها في ما بعد، وكم من دولة عربية أيدت جماعات من أجل تصفية حساب ضد دولة أخرى؟
 
تمارس الدولة العربية الأمنية في كل الحالات سياسة «الاستثناء» (أطروحة الاستثناء للمفكر الايطالي المتميز ?Giorgio Agamben?) تجاه فئات محددة في المجتمع. قد تكون هذه الفئات من الطائفة الشيعية أو قبائل محددة في إقليم محدد أو من الطائفة السُنية أو من الريف أو من المثقفين، أو من الغالبية أو الأقلية أو فئة لا تعترف الدولة بمواطنتها بعد مرور بضعة أجيال، أو من شرائح محددة تعيش على أطراف المدن. العنف الذي تمارسه الدولة ضد شرائح وفئات منتقاة يجعله غير محسوس وغير ملموس لدى الشرائح التي لا تشعر به.
 
إن حال «الاستثناء» عندما تستهدف طائفة أو قبيلة أو فئة تجعل كثيرين من أفرادها مكسورين فاقدين لقيمة الحياة والوجود، وهذا يدفع بعضهم نحو فكر يبرر الخلاص من الحياة (العمليات الانتحارية). إن العنف الصادر من قبل بعض أبناء وبنات الفئات التي يقع عليها نظام «الاستثناء» يتجه إلى ممارسة غضبها، وربما انتحارها العلني، ضد الدولة كما وضد المجتمع الأوسع. من هنا سريالية المشهد.
 
سترد الدولة الأمنية على الإرهاب بقوة وعنف، لكن في ردّها وأسلوبه ومداه سيزداد العنف في المديين المتوسط والبعيد، وستقع الدولة الأمنية في أخطاء وتجاوزات، وستمارس عنفاً مضاعفاً عندما تسمح للأمن بدخول المنازل والقرى والمناطق بينما تهدم المنازل والأحياء، بل سيتطور العنف ويأخذ أشكالاً أكثر شمولية وحدة عندما توسع الدولة من أهدافها في مواجهة الحاضنة الاجتماعية التي تشعر بالتهميش والاستثناء المؤيدة لبعض الجماعات (العراق وسورية وغيرهما مثلاً). إن السعي إلى الانتصار على الإرهاب بواسطة الحل العسكري يتحوّل إلى وسيلة لاستنزاف وإضعاف الدولة والمجتمع.
 
من جهة أخرى، فإن قتل أعداد كبيرة من قادة العنف كقادة «القاعدة» و«طالبان» و«داعش» و»النصرة» وغيرهم، يحول القوة والسيطرة إلى القيادات الصغيرة غير المعروفة في هذه المنظمات. تلك القيادات ستكون أكثر عنفاً وراديكالية، بل وأكثر تحرراً من ضوابط قياداتها التي صاغتها التجربة. وطالما أن المشاكل مستمرة في ظل البطالة والاقتصاد السلبي والانقضاض على الحريات والإهانة والتعذيب والعنف ستزداد حال الإرهاب تمادياً.
 
ويلاحظ أن تجاوزات الدولة الأمنية وتشددها وطرحها لقوانين جديدة ضد الإرهاب وضد الحقوق والحريات والديمقراطية، سيكشف وجهاً لم تكن فئات المجتمع الأخرى المناصرة للدولة والمؤيدة للحرب على الإرهاب لتراه، وهذا بدوره سيخلق معارضات جديدة بين فئات لم تكن في صفوف المعارضة في السابق، كما ستتكاثر جماعات تنضم إلى مشروع العنف والإرهاب. هذه هي الدائرة المغلقة التي إن دخلتها دولة ومعها مجتمع فلا مخرج منها. إنها الدائرة التي دخلتها المنطقة العربية والتي لا مخرج عسكرياً أو أمنياً منها قبل تأمين المخرج السياسي الشفاف والديمقراطي.
 
الدول العربية من أقوى دول العالم في التنسيق الأمني وفي ملاحقة الناقدين والرافضين بل وحتى الشعراء والكتاب والروائيين، لكنها من أضعف الدول في بناء الحجة ومخاطبة المعارضين بالإنجاز والتفوق. وهي تلاحق الإرهابيين والمسلحين ومفجري المساجد بالدرجة نفسها التي تلاحق بها النقاد والمعارضين السلميين، وهذا يخلق التباساً في وضع الإرهاب، ما يؤكد أن الدول العربية بصورتها المطلقة هشة في التعامل مع التغيير. فملاحقة الأنظمة للناقدين والمعارضين السلميين والمدنيين الذين لا يشكلون خطراً على النظام السياسي هو شكلٌ من أشكال العنف الذي يعود ويخلق البيئات الحاضنة لمدرسة العنف.
 
ولو حاولنا أن نفهم طبيعة الظاهرة العنيفة بجذورها غير الرسمية سنجد أن «داعش» ليست «القاعدة»، وهناك قتال بين الاثنين في سورية، والخلاف الايدلوجي الذي تطرحه «جبهة النصرة» تجاه «داعش» يتطرق إلى الموقف من قتل مسلمين وغير مسلمين بطرق وحشية لا تجيزها «النصرة» التي تعتبر أكثر «اعتدالاً» رغم علاقتها بـ«القاعدة». وفي هذا هناك تناقض بين «داعش» و»النصرة» وفئات جهادية إسلامية أخرى.
 
وفي العراق، سنجد أن الإرهاب مرتبط بظروف محلية في ظل صراع النفوذ الذي أخذ طابعاً طائفياً بين السنّة والشيعة، وهذا يعني إمكان رؤية «داعش» في العراق كحركة تمرد تتواجه مع الإطار الجديد للدولة العراقية في ظل تهميشه للحاضنة السنّية، لكننا نستطيع رؤية بعد «داعش» الأكثر عنفاً وإرهاباً في مناطق أخرى كما حصل في الكويت قبل أيام. كما يمكن رؤية جماعة «الحشد الشعبي» بصفتها ميليشيا تمارس العنف والإرهاب على المكون السُني في العراق.
أما عنف اليمن فهو أكثر ارتباطاً بأوضاع اليمن وصراع القبائل ودور الرئيس السابق علي عبدالله صالح في ظل التنافس الإقليمي، بينما عنف مصر مرتبط بتطورات ما بعد العام 2013 وتداعيات ذلك حتى الآن على كتل سياسية كبرى. وفي ليبيا يمثل العنف حالاً من حالات صراع النفوذ المتداخل مع الصراع القبلي.
 
إذاً هناك على أرض الواقع حروب تحرير وحروب أهلية وصراع ضد أنظمة متسلطة وظالمة وصراع بين قبائل وفئات وصراع ضد جنرالات وضد ثورة مضادة وصراع طائفي وصراع عرقي وعنف وغضب وحقد وألم وقتل لمدنيين أبرياء وإرهاب. فهل هذا كله ضمن مسمى الإرهاب؟
 
للخروج من حال العنف والإرهاب يجب أن تتوقف الدولة العربية عن سعيها الدائم إلى قتل الخيار الديمقراطي العربي، فقتل هذا الخيار هو الذي أدى إلى المشهد الملتبس الذي يسيطر على أحد أطرافه الإرهاب بينما تتحكم بطرفه الآخر سياسات الدولة القمعية من جهة أخرى.
 
إن السعي نحو مشاريع سياسية توافقية، ودعوة الشبان المعارضين والثوريين الناقدين والمسلحين المختبئين إلى الخروج من المخابئ والانضمام إلى مسيرة سياسية تفكك أسس السيطرة السياسية وتحول الدول نحو صيغ أكثر حرية وديمقراطية هو المخرج الوحيد من هذه الحال المرعبة. وعدم فتح المساحة السياسية في ظل قيام الدولة الأمنية العربية بتدمير فرص الانتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية، هو جوهر المشكلة العربية لعقد أو عقدين قادمين من الزمان.
 
يمكن القول إن الانتقال السياسي هو الطريق الوحيد لعزل الجماعات الأكثر تطرفاً، بل الطريقة الوحيدة لضم الفئات الأكثر مرونة منهم إلى العملية السلمية. وبلا هذا البعد سيبقى السلاح منتشراً وسيدمر العنف الآتي ما تبقى من النظام العربي.
 


الكاتب:  شفيق الغبرا
صحيفة الوسط
17 يوليو 2015
 
 
 

اقرأ المزيد

كفار وكفرة وكافرون..!!

هنيئًا لكل من لديه بقية عقل وخميرة من ادراك يجعلانه بمنأى عن هذا «البازار» الكبير من الانحطاط الذى اوصلنا الى ما بات يشكل حرباً على الذات، باسم الدين، او الطائفة او المذهب، هنيئاً لهؤلاء الذين لا يحتاجون الى مساعدة من احد لكي يفهموا ويستوعبوا دوافع هذا الاستهبال والاستسهال في تكفير الناس بالصوت والصورة، واذا كان هناك من يتجاهل او يجهل – لم نعد نعرف – بان هناك من لهم حسابات، يخططون ويتواطؤون من اجل ان نستسلم وان نمضي في حروبنا التقسيمية .. «جولة»، بل «جولات» من الجهالة، جهلاء يتعصبون لجهلهم، هذا الجهل الذى يريد أسلمة المسلمين ، وإعطاء شرعية تكفيرهم ، وإشاعة ثقافة التكفير وتكفير التفكير، اذا لم تمضِ الامور على هوى متطرفين يظنون بانهم يفعلون مايستحقون عليه ثواباً، ويرون ان مخالفتهم معصية، وكم هو بالغ الأسى  حين نسمح او نتجاهل او نصرف النظر او نسكت لجاهل يتعصب لجهله،  او لجاهل يوصم الارهاب بطائفة وليس بجماعة متطرفة، أولمشاعر سلبية من نوعية التربص والعدوانية واثارة الغرائز الطائفية والنعرات المذهبية والغرق في المزيد من المصطلحات التي يراد منها ان يشعر كل منا بانه لا وجود له الا بإلغاء الآخر، ينبذ الآخر، يخوّنه، يكفره، وكأننا جميعاً نقف خلف إسلام لا نعرفه ..!!

هل يمكن لأي منا – مثال ليس إلا – ان يحصي عدد ما يتم تداوله من كلمات رائجة هذه اﻻيام من نوع «كافر»، و»كافرون» و»كفار» و«زنديق» و«زنادقة»، وفي ظل هذه الكلمات وغيرها التي  تضرب وتجيّش النفوس وتفرز إرهاباً تلو إرهاب يحصد  بلا هوادة أرواح البشر، حتى وهم في المساجد يصلون ويسجدون، هذا ما وجدناه يحدث في دول مجاورة، وما أريد له ان يحدث عندنا، لاحظوا عندما يثور نقاش في شأن وطني، او شأن عام، او شأن من شئون المجتمع والناس وتتباين الآراء وتختلف وجهات النظر، لاحظوا ما يطرح في بعض شبكات ومواقع التواصل الاجتماعي، وحتى في بعض المنابر الدينية، هل لاحظتم كيف يطأفن هذا الشيء، او يأخذ بعداً يكرس حالة الانشطار، او يأخذ منحى يسارع فيه البعض الى استسهال تكفير كل من يخالفهم في رأي او اجتهاد، حتى مشروع الصلاة المشتركة بين ابناء الطائفتين الكريمتين اللتين أقيمتا فى جامعي عالي والفاتح على التوالي، والتي شكلت مبادرة طيبة تستحق التقدير والتأييد والدعم، وهي مبادرة من مبادرات ومشاريع نفترض ان يتسابق عليها من ينشدون خيراً للوطن، خاصة حين يكون الهدف منها نبذ التعصب والعنف وتعزيز الوحدة الوطنية، وتحدي الانقسام ووأد الفتنة وتحصين البيت البحريني، والحيلولة دون ان نغرق في مفردات التطرف والتمذهب، حتى هذه الصلاة الموحدة ظهر من لا تعجبهم دعوات الوسطية الدينية، وممن لا يروق لهم الأهداف المرجوة من هذه الصلاة، من نفعيين ووصوليين ومتاجرين بالدين والذين برعوا  في تحويل الأزمات الى فرص، ممن يخشون الصهر الوطني الحقيقي، شككوا في جدواها، وفي دوافعها، والأسوأ حين ذهب البعض في غلوائهم الى حد  تأكيد عدم جواز مثل هذه الصلاة، والأسوأ من ذلك حين لم يتردد بعضهم ولو بالهمز واللمز الى تكفير من شاركوا في هذه الصلاة الموحدة، وكأنهم خلعوا انفسهم من الإسلام، والأسوأ من هذا وذاك، انهم يوردون آيات قرآنية، وأحاديث شريفة، ويعرضون أحداثاً من التاريخ، ويخلطون الأوراق بعضها ببعض لكي يقوموا بدورهم الفاعل في بث وإشاعة المنغصات التي يراد منها تشويه كل جهد طيب، وعرقلة لم الشمل وترسيخ حالة التفكك والانشطار بين ابناء الوطن الواحد واعتبار الصلاة الموحدة مشروع تلاقي ظاهري مغلفاً بكلمات «توحيد، وتضامن، ووحدة وطنية»، بل يذهب أحدهم الى القول انها «مجرد شحنة شعورية ذات طابع زمني محدد، ومن ثم يعود كل شيء الى وضعه، او حقيقته بعد زوال الانفعال، وكأن شيئاً لم يكن»، شككوا في «الصلاة الموحدة»، كما شككوا واستهانوا واستخفوا بكل خطوة، وكل مبادرة استهدفت تخفيف الاحتقان والحفاظ على اللحمة الوطنية، وليتهم يكتفون بذلك، بل وجدنا من الطرفين من هو مستمر في التأجيج والتعبئة والتحريض وكل ما يبعث على النزاع والشقاق والخصام، يفعلون ذلك بالصوت والصورة والنص أيضاً ، واللبيب يفهم ..!!   
     
لنفوت الفرصة عليهم، ولندعم ونشجع ونتبنى ونقف خلف كل بذرة صالحة يراد منها رأب الصدع، وكل خطوة تدفع باتجاه توحد المواطن مع الوطن، وتبعد عنا الأحقاد والتخلص من كل أزمة او محنة ماحقة تنهكنا وتكبلنا باغلال الطائفية والمذهبية، وتعيقنا من الانطلاق الى رحاب المواطنة الخلاقة التي تحررنـا مـن وضعيـة الرهينـة او الرعيـة او التبعيـة لمـن يصـرون على تكبيلنا بهـذه الأغلال ..!!

14 يوليو 2015
 

اقرأ المزيد

العرب آخر من يعلم


لم يعلم العرب بأمر التفاهمات بين الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس، التي عرفت باتفاقية «سايكس – بيكو»، وتمَّ الوصول إليها بين نوفمبر/تشرين الثاني 1915 ومايو/أيار 1916، إلا في نهاية عام 1917، بعد سقوط حكم القياصرة الروس، العارفين بالصفقة والمتواطئين معها، فقام البلاشفة، بعد أن استولوا على السلطة، بنشر الوثائق التي فضحت الاتفاقية.

كانت بريطانيا وفرنسا قد اتفقتا على تقسيم الهلال الخصيب، فحصلت فرنسا على الجزء الأكبر من الجناح الغربي من الهلال (سوريا ولبنان) ومنطقة الموصل في العراق، أما بريطانيا فمنحت السيطرة على الأردن، والتمدد شرقاً لتضم بغداد والبصرة وجميع المناطق الواقعة بين الخليج العربي ، كما تقرر أن تقع فلسطين تحت إدارة دولية يتم الاتفاق عليها بالتشاور بين بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية.

ورغم الحرج الذي سبّبه كشف الصفقة، إلا أن محتوى «سايكس- بيكو» تم التأكيد عليه مجدداً في مؤتمر سان ريمو عام 1920. بعدها، أقرّ مجلس عصبة الأمم وثائق الانتداب على المناطق المعنية في 24 يونيو/حزيران 1922. انتهى مفعول انتداب عصبة الأمم على فلسطين يوم 14 مايو/أيار 1948 وجلا البريطانيون عنها، وفي اليوم التالي أعلن قيام «إسرائيل»،
يروي «لورانس العرب» في كتابه: «أعمدة الحكمة السبعة» ، ما جرى بعد أن انتقم شر انتقام من الجنود الأتراك الفارين من عقدة السكك الحديدية في درعا، حيث أمر رجاله بعدم إبداء أي رأفة تجاه الرتل المنسحب من الأتراك المؤلف من أربعة آلاف جندي: «في هياج جنوني كنا نقتل ونمعن القتل حتى إننا كنا ننسف رؤوس من سقطوا ورؤوس الحيوانات كما لو أن موتهم والدم المراق سيروي لوعتنا».

مستعجلاً الوصول إلى دمشق نصّب لورانس حكومة عربية مؤقتة برئاسة الأمير فيصل، لكن حين وصل الجنرال البريطاني اللنبي إلى المدينة استدعى لورانس وفيصل ، ليصدم الأمير الذي تمّ تنصيبه للتو، بنبأ أن دمشق وفق خطوط «سايكس – بيكو» ستكون من نصيب الفرنسيين لا الإنجليز، وأن لا مجال لإمارته عليها.

مفيد التذكير أن المعارك التي تحدّث عنها لورانس العرب جرت بالضبط في نفس الأماكن التي تخوض فيها «داعش» حربها اليوم، حيث يدور الحديث عن خريطة جديدة يجري تصميمها للمنطقة، تحل محل خريطة «سايكس – بيكو»، وكان العرب آخر من علم بها، تماماً كما هم اليوم آخر من سيعلم بالخريطة الجديدة.

 
15/07/2015


 

اقرأ المزيد

ثمانمئة سنة على ” الماغنا كارتا “


 
في أجواء احتفالية واحتفائية أحيت بريطانيا ذكرى مرور 800 سنة على توقيع وثيقة «ماغنا كارتا». ففي عام 1215 وقع الملك جون على هذه الوثيقة التي أقر فيها بأنه يخضع للقانون، وليس فوقه.

وقد تضمنت الاحتفالات التي بدأت رسمياً يوم الاثنين 15 يونيو/حزيران 2015، نقل نسخة من الوثيقة على متن قوارب تسير في نهر التايمز، واختير  23 شخصاً لحمل الوثيقة وعرضها خلال الاحتفالات، تناوبوا خلالها على سرد حكايتها على الناس.

ونصت “الماغنا كارتا” على حق المواطنين في المحاكمات العادلة وخفض الضرائب عن الذين ليس لهم تمثيل في البرلمان. وتنظر الأمة البريطانية بفخر واعتزاز إلى هذه الوثيقة التاريخية، إذ تعتبرها من أهم الوثائق في العالم وأشهرها، وأنها كانت ملهمة لعدد من الوثائق، منها الدستور الأمريكي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

في 15 يونيو  1215  وافق ملك إنجلترا، الملك جون، على توقيع ما سمي بالوثيقة العظيمة أو الوثيقة العظيمة للحريات (باللاتينية Magna Carta Libertatum) التي توسط في التوصل إليها وصياغتها كبير أساقفة كانتربري، بهدف إحلال السلام وإنهاء الصراع المسلح بين الملك جون ومجموعة من بارونات إنجلترا، من كبار ملاك الأراضي بزعامة روبرت فيتزوالتر، وحماية البارونات من الاعتقال غير القانوني، وتمكينهم من العدالة، وتقليص المدفوعات الإقطاعية للعرش، وحماية حقوق الكنيسة. على أن تنفذ بنود هذا الميثاق بواسطة مجلس يضم 25 باروناً. بيد أن البابا إنوسنت الثالث نقض هذا الميثاق ما أدى إلى نشوب حرب البارونات الأولى.
وبعد وفاة الملك جون قام نجله هنري الثالث بإعادة إصدار الوثيقة في عام 1216 ولكن بعد حذف أجزاء من محتواها الحقوقي. ولكن اتفاق السلام الذي أبرم في عام 1217 هو الذي أعاد للوثيقة اعتبارها بجعلها جزءاً متمماً لاتفاق السلام، حيث اكتسبت الوثيقة مسماها الشهير «ماغنا كارتا» (Magna Carta).

فكان أن أصبح هذا الميثاق جزءاً من الحياة السياسية البريطانية، وظل يخضع للتعديل والتجديد مع تتويج كل ملك جديد على العرش في إنجلترا إلى أن ذاب في القوانين البريطانية التي كانت تصدر تباعاً مواكبة لمستجدات العصر. ورغم ذلك لايزال يُنظر إلى وثيقة ال«ماغنا كارتا» باعتبارها الحجر الأساس لذيوع الحريات الفردية في إنجلترا أولاً، وفي بقية أنحاء المعمورة تالياً. وبهذا الصدد يذكر اختصاصيو التاريخ أن ال«ماغنا كارتا» كان لها تأثير واضح في مستعمري أمريكا، ولاسيما ولاياتها الثلاث عشرة الأولى، وفي صياغة الدستور الأمريكي في عام 1787 الذي أصبح القانون الأعلى للجمهورية الجديدة للولايات المتحدة.

أجهزة الاعلام الحكومية أو شبه الحكومية البريطانية، حرصت على المشاركة في النقاش والجدل الوطني المثار في إطار إحياء الذكرى ال800 لتوقيع ال«ماغنا كارتا»، وفي المراسم الاحتفالية الوطنية التي نُظمت احتفاءً بهذه المناسبة. فأفردت شبكة هيئة الاذاعة البريطانية، ولاسيما الناطقة بالإنجليزية، مساحات خاصة في برامجها الإخبارية اليومية، للحديث عن هذه الوثيقة وقيمتها التاريخية، وأثرها الممتد في الزمان والمكان، وعلاقتها بما وصلت إليه مدونة الحقوق المدنية وعلاقة الناس بالسلطات غير المركزية في الدولة البريطانية الحديثة.

والواقع أن الفعاليات المقامة تخليداً لهذه الذكرى كان قد تقرر إقامتها على مدار العام الجاري، من شهر يناير/كانون الثاني حتى شهر نوفمبر/تشرين الثاني، وتشتمل على إلقاء محاضرات في مختلف المدن البريطانية وتحت قبة مجلس العموم، وإقامة معارض تؤرخ لهذه الوثيقة، وتخصيص يوم للحديث عن «الماغنا كارتا» ومستقبل الديمقراطية في العالم، وتدشين إصدارات جديدة مكرسة لهذه الوثيقة، وعرض للنسخ الأربع الأصلية من الوثيقة ليوم واحد (الثالث من فبراير/شباط الماضي) في المكتبة البريطانية، والعديد من الفعاليات الأخرى.

المثير في الأمر، المُدلِّل في ذات الوقت على تعدي هذه الوثيقة التاريخية نطاقها المحلي وانتقال ثقل تأثيرها للعالمية، هو الاحتفاء بهذه الذكرى (مرور 800 عام على صدور الماغنا كارتا)، من جانب بلدان أخرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، أستراليا، نيوزيلندا وبلدان أخرى عدة.

ومع أن الوثيقة عالجت الحق المدني لمن أطلقت عليهم ب«الرجال الأحرار» (Free men) الذين كانوا يشكلون في عام 1215 أقل من نصف الشعب الإنجليزي، فيما كانت أغلبيته من الأقنان العاملين في إقطاعيات ملاك الأراضي الذين لم تمتد لهم مظلة الوثيقة، أيضاً، ومع أن الوثيقة حينما أشارت إلى «الرجال» فإنها قصدت الرجال تحديداً من دون النساء، باستثناء إشارة عابرة الى الأرامل، برغم ذلك، فإننا نزعم أن «ماغنا كارتا» هي بالذات التي دشنت مقاربة الحريات الفردية وفتحت الباب أمام تحرير الإنسان من عمل السخرة في أراضي كبار ملاك الأراضي، وتمكينه فيما بعد من حرية بيع قوة عمله للحاضنات الرأسمالية الأولى الناشئة آنذاك في الدولاب الاقتصادي للنظام الاقطاعي السائد.

إنما السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ما إذا كان المستوى الذي بلغته الديمقراطية البريطانية ومدونات مكتسبات الحقوق المدنية المكفولة اليوم لعموم البريطانيين بموجب القوانين السارية، تتناسب مع هذه الفترة الطويلة البالغة 8 قرون من تقنين أول حزمة من هذه الحقوق؟

نعم، قد لا يكون هذا المستوى مرضياً لشرائح واسعة من الناس داخل بريطانيا وخارجها، ولكنه بالتأكيد كفل للبلاد بلوغ مستوى ما تسمى بالديمقراطيات العريقة التي ترسخت تقاليدها وأضحت أقوى من مفعول القوانين بحد ذاتها. ولا ننسى الكوابح التي حالت، وتحول دون تنامي رقعة الممارسة الديمقراطية وعلى رأسها مراكز قوى رأس المال الكبير وامتداداته داخل السيستم الناظم لحركة الدولة والمجتمع.

ولربما ذهبنا في حسباننا إلى اعتبار مقاربة «الماغنا كارتا»، المحفز الأساس لفكرة العقد الاجتماعي المتقدمة التي اهتدى إليها فيما بعد فلاسفة عصر النهضة، أو عصر الأنوار، باعتبارها المقاربة المناسبة لكفالة وحفظ التوازن بين السلطات ومحكوميها.

 
17/07/2015
 

اقرأ المزيد

ومازالت «سينا» شراع السفينة المصرية!


في عموده اليومي تحت عنوان «من النفط إلى الإرهاب» (6 يوليو الجاري) يوضح الزميل رئيس التحرير منصور الجمري كيف تحوّل خليجنا العربي من قوة لها الصوت الأكبر في منظمة الأوبك، وكيف كان مخزوننا النفطي الذي يصدر يومياً 30 في المئة من إجمالي النفط المنقول بحراً ويتحكم بعجلة الإنتاج الصناعي العالمي، ثم أضحى العالم اليوم ينظر إلى منطقتنا كمصدّرة للإرهاب.
 
أكثر من ذلك فقد كان النفط أيضاً من أهم الأسلحة الاقتصادية التي مكنتنا من تحقيق الانتصار المحدود على العدو الإسرائيلي في حرب أكتوبر 1973، بفضل حظر النفط عن الدول الغربية الداعمة لـ «إسرائيل» وعلى رأسها الولايات المتحدة.
 
ومن المفارقات التاريخية المريرة أن مصر التي عُرفت بريادتها للمشروع القومي الذي انتكس بهزيمة 67، وبأنها كانت مركز إشعاع لنشر الأفكار الوطنية والتحررية والوحدوية في مختلف أرجاء العالم العربي، باتت هي الأخرى تعاني اليوم مما يُصدر إليها من أفكار ظلامية وإرهابية وخصوصاً في شبه جزيرة سيناء.
 
غداة حرب أكتوبر التي عايشت أيامها المجيدة أثناء دراستي الجامعية في القاهرة، كانت الحركة الطلابية المصرية وقتذاك في أوج قوتها، وكانت تظاهراتها من الأسباب الرئيسية الضاغطة على النظام للإسراع في شن حرب تحرير سيناء، لكن الحركة الطلابية والقوى الوطنية سرعان ما انتابها الشعور بالخذلان لانتهاء الحرب دون تحرير سيناء بالكامل من ربقة الاحتلال الإسرائيلي، على الرغم مما حقّقه الجيش المصري من بطولات عظيمة بمباغتته العدو بعبور قناة السويس في عز ظهيرة يوم السادس من أكتوبر، وتحطيم خط بارليف الذي نسجت الدعاية الإسرائيلية حوله أسطورة باستحالة اختراقه عسكرياً، وكذلك تحرير شريط من الأراضي المحاذية للضفة الشرقية من القناة.
 
وكان هذا الانتصار المحدود مخططاً له مسبقاً من قِبل الرئيس الراحل أنور السادات، فيما تكشّف لاحقاً بأنه لم يردها «حرب تحرير كاملة» بل «حرب تحريك» تمهّد للتسوية والصلح المنفرد مع العدو الإسرائيلي، برعاية الولايات المتحدة التي اعتبرها تملك 99 في المئة من أوراق اللعبة. وحينها أتذكر عبّر الفنان الوطني الراحل عدلي فخري عن جرح سيناء الذي لم يندمل كاملاً في أغنيته: «أصحي يا بلدي أصحي.. تذّكري وأوعي تنسي .. جرحك يا مصر وجرحي.. سينا سينا شراع السفينة». وهاقد مضى نحو أربعة عقود ونيف على حرب أكتوبر ويكاد جرح سيناء هو هو لم يندمل، ليس من الاحتلال الإسرائيلي فحسب والذي انسحب منها بشروط مجحفة لا تحقق استعادة مصر كامل سيادتها عليها تطبيقاً لبنود معاهدة «كامب ديفيد» المُذلة، بل ولما باتت تشكله اليوم الجماعات الإرهابية وعلى رأسها «داعش» ممثلةً فيما يُسمى بـ «ولاية سيناء» من خطر داهم أشد خطورةً من الاحتلال الإسرائيلي على الأمن القومي المصري الداخلي والخارجي، باستنزافها بعملياتها الإرهابية ضد القوات المسلحة المصرية في هذه المنطقة الحسّاسة من حدودها الشرقية.
 
وفي مقال للكاتب المصري كرم سعيد («الحياة» 8 يوليو الجاري) تحليل مسهب لمكامن الثغرات الأمنية والعسكرية في مواجهة الجماعات الإرهابية في سيناء، والأسباب التي توفّر بيئات حاضنة لها في المجتمعات السيناوية.
 
وفي الوقت الذي لعبت الأسلحة السوفياتية الدفاعية والهجومية والخبراء والمستشارون السوفيات الذين درّبوا الجنود المصريين عليها، دوراً في تعويض مصر عن هزيمتها العسكرية في يونيو 1967خلال فترة قياسية حتى وفاة الرئيس المصري جمال عبد الناصر العام 1970، وبات الجيش المصري شبه جاهز لتحرير سيناء، فإن خلفه السادات الذي ارتد عن مبادئ ثورة يوليو، قدّم عربون مراهنته على أميركا التي تقدّم كل أشكال الدعم السياسي والاقتصادي والمالي والعسكري للعدو الإسرائيلي لإنجاز تسوية معها، قبل قراره بخوض حرب أكتوبر، ومن أشكال ذلك العربون طرد الخبراء العسكريين السوفيات المفاجئ في العام 1972، والذين كانوا حينها يدرّبون القوات المسلحة المصرية على الأسلحة الجديدة التي عوّض الاتحاد السوفياتي مصر بها بعد هزيمتها العسكرية في يونيو 1967.
 
وقد كان سفير مصر في موسكو مراد غالب شاهد عيان على الطعنة التي شعر بها السوفيات لقرار طرد مستشاريهم في الاجتماع الذي حضره في موسكو مع وفد مصري برئاسة رئيس الوزراء عزيز صدقي، الذي أستقبله الزعيم السوفياتي ليونيد بريجنيف والدموع في عينيه متسائلاً بمرارة شديدة: «ماذا فعلنا بكم حتى سببتم لنا كل هذا؟ نحن حاربنا معكم وامتزجت دماء جنودنا بدماء جنودكم، وبنينا لكم السد العالي لتصبحوا دولة صناعية وكنا نخفي جثامين شهدائنا في حرب الاستنزاف التي خاضها عبد الناصر ضد «إسرائيل» بُعيد الهزيمة ونسلمها ليلاً لذويهم بعيداً عن أعين شعبنا السوفياتي».
 
والحال إن بريجنيف نفسه الذي حل محل سلفه خروشوف، والذي كان من أسباب إزاحته عن القيادة تهوره بنصب صواريخ نووية في كوبا العام 1962 على مرمى حجر من سواحل الولايات المتحدة الشرقية، وكادت أزمة الصواريخ أن تؤدي إلى حرب نووية، ارتكب بدوره واحداً من أكبر أخطاء الإتحاد السوفياتي الاستراتيجية، بعدم وقوفه بكل قوة وحزم مع مصر للحيلولة دون إقدام «إسرائيل» بدعم أميركي على شن حرب عليها في يونيو 1967، باعتبارها أهم حليف للسوفيات في منطقة الشرق الأوسط، في حين ورّط قوات بلاده للتدخل في أفغانستان العام 1979 لنصرة نظام يساري لا يتمتع بالشعبية ومحكوم عليه بالزوال.
 
وكان هذا التورط من أسباب استنزاف الاتحاد السوفياتي عسكرياً واقتصادياً، ما أفضى، إلى جانب عوامل أخرى، لانهياره لاحقاً، بينما كان الأولى ببريجنيف التهديد بإنزال قواته في مصر في يونيو 1967 لحماية نظام حليفه القوي جمال عبد الناصر، الذي كان يحظى بشعبية جارفة ليس وسط شعبه فقط بل ولدى الغالبية العظمى من شعوب البلدان العربية. وبحيث تنتهي أزمة يونيو بتسوية تكف يد «إسرائيل» عن عدوانها على مصر. وهو العدوان الذي كان من أسباب تقلص نفوذ الاتحاد السوفياتي نفسه في الشرق الأوسط، وخصوصاً بعد رحيل عبد الناصر.
 
14 يوليو 2015م صحيفة الوسط

 

اقرأ المزيد

الإنترنت والحرية


هل وسَّعت شبكة الإنترنت فضاءات حرية التعبير، بالقياس على ما كان عليه الوضع قبل تعميم خدماتها على المستوى الكوني، حيث صار بوسع مئات الملايين من البشر على ظهر الكوكب الإفادة مما تيسره هذه الشبكة من بيانات ومعلومات؟

بديهي أن تكون الإجابة بنعم، حتى لو نظرنا إلى الموضوع من زاوية واحدة فقط، هي تداعي أشكال الرقابة التقليدية التي كانت الحكومات تفرضها على نشر المعلومات والأفكار، وبات متيسراً قراءة ما لا تقوله الأجهزة الإعلامية الرسمية أو شبه الرسمية على مواقع في الشبكة العنقودية. وبالتالي يمكننا الحديث، في حدود، عن تدفق للمعلومات غير آتٍ من شفافية مفترضة بلغتها الحكومات في بلدان العالم المختلفة، وإنما من «الشقوق» التي تيسرها شبكة الإنترنت.

حرصنا على استخدام مفردة «الشقوق» كي نبلغ الفكرة التي نحن بصددها، وهي نقد التمجيد المبالغ فيه الذي يقرن الإنترنت بالقيم الإيجابية وحدها من نوع إشاعة حرية الأفكار وانسيابية المعلومات، وحتى القول ب«دمقرطة» المجتمعات.

وكان العالم العربي في السنوات الأخيرة، خاصة منذ العام 2011، مختبراً نموذجياً لمثل هذه الافتراضات، وربما المزاعم أيضاً، منها أن الهبّات والانتفاضات الشعبية هي من صنيعة أدوات شبكة الإنترنت من نوع «تويتر» و«فيس بوك» وفي وقت لاحق «إنستغرام»، وسواها من مواقع وبرامج، لكن التجربة تبرهن أن هذه الوسائل عاجزة عن خلق انتفاضة أو ثورة لا مقومات جدية لها في الواقع. الثورات تأتي في وقتها ولا تُفتعل، وحين تُفتعل قبل نضوج ظروفها، تصبح مغامرة تؤدي إلى التدمير والاحتراب الأهلي.

مؤكد أن سعة الانتشار التي توفرها هذه الأدوات تمكن من نشر الدعوات لتصل إلى قطاعات واسعة ما كان بالإمكان الوصول إليها. إن ثورة مشابهة لهذه قد تحققت مع نشوء الصحافة الورقية، رغم أن عدد قرّاء الصحف يظل محدوداً نسبياً خاصة في مجتمعات تتفشى فيها الأمية، وحدثت ثورة أهم وأكبر أثراً بظهور الراديو، وبعده التلفزيون، حيث بلغت آثارهما أقصى الأرياف والنجوع والبوادي.

رب قائل: لكن هذه وسائل كانت تحت سيطرة الحكومات، وهذا يدفعنا إلى التفكير في القوى الخفية التي تتحكم في الإنترنت وتسيطر عليه، فلا مسارات مفتوحة تتدفق منها المعلومات، وإنما شقوق يجري السماح بها أو غض الطرف عنها، ومن هذه «الشقوق» لا تتسرب أفكار الحرية والتقدم و«دمقرطة» المجتمعات وحدها، وإنما أفكار العنف والإرهاب ونشر الكراهية وغسل أدمغة الشبان بكل ما هو نقيض للحرية.
 
14/07/2015
 

اقرأ المزيد

عمر الشريف وعصره


رغم اعترافه بأنه أدى أفلاماً رديئة في السينما العالمية تحت ضغط الحاجة، وهو الذي كان ينفق أمواله من دون حساب، إلا أن عمر الشريف يظل ابن عصره، في سيرته الفنية الطويلة الممتدة. ومن الأدوار المهمة التي صنعت اسمه في أفلام أخرى ناجحة، في مصر وفي العالم، وحصدت جوائز واعترافاً نقدياً، دوره في فيلم «دكتور زيفاجو» المأخوذ عن رواية الروسي بوريس باسترناك، التي نال الكاتب عنها «نوبل» للآداب في ذروة الحرب الباردة.

كما برز أيضاً في الفيلم الشهير عن «لورانس العرب»، الذي لعب فيه دور الأمير علي، ويقال إن خلافاً نشأ بينه وبين الممثل الوسيم مثله رشدي أباظة، المرشح لأداء هذا الدور بجانب الممثل بيتر أوتول، حيث كان هناك من رشحه لدى المخرج ديفيد لين الذي كان يبحث عن ممثل بملامح شرقية لأداء دور الأمير في الفيلم.

ويقال إنه حين شاهد المخرج فيلم «في بيتنا رجل» ليتعرف على أداء رشدي أباظة، شدَّه أكثرأداء وملامح عمر الشريف الذي كان يشارك أباظة بطولة الفيلم، فوقع اختياره عليه، حيث ظهر في الفيلم على ظهر حصان يركض من لهيب الصحراء باتجاه الكاميرا، وهو المشهد الذي خلدته السينما العالمية.

جسَّد الشريف أيضاً شخصيات جنكيزخان والقيصر نقولا الثاني والكابتن نيمو وظهر في «مايرلينغ» لتيرينس يونغ، و«تشي» لريتشارد فلايشر وبعد فوزه بجائزة الأسد الذهبي في مهرجان البندقية عام 2003 عن مجمل مسيرته، فاز عام 2004 بجائزة أفضل ممثل عن فيلم «السيد إبراهيم وأزهار القرآن» لفرنسوا دوبيرون، وأدى فيه شخصية بائع عربي مسن تربطه صداقة بفتى يهودي.

ورغم أنه قال إنه راضٍ عن حياته، فلديه، كما يؤكد، «بعض اللحظات العظيمة»، إلا أنه سجل ندمه الشديد على موافقته على أداء فيلمين، الأول «فتاة مرحة»، مع باربرا سترايسند، التي كانت تؤيد ««إسرائيل»» بقوة، وتقيم الحفلات لجمع التبرعات لها، خاصة أن الفيلم جاء فى مدة عصيبة، فأثناء التصوير وقعت حرب عام 1967، مما تسبب في حملة انتقادات واسعة له في مصر، وساءت علاقته مع نظام جمال عبدالناصر.

أما الفيلم الثاني الذي سجل ندمه عليه فهو فيلم «جيفارا»، الذي موَّلته وكالة المخابرات الأمريكية، بعد سنة من اغتيال الثائر الأرجنتيني على أيدي عملاء الوكالة، وكان هدف الفيلم تشويه صورة جيفارا، الذي غدا أيقونة الشباب والثورة في العالم .


13/07/2015
 

اقرأ المزيد