المنشور

كيف كُتب التاريخ؟


تدور رواية «تاريخ حصار لشبونة» لخوسيه سارماغو حول مدقق لغوي يخترق المألوف. فيقوم بتعديل إحدى حوادث التاريخ في كتاب يصححه بعنوان «تاريخ حصار لشبونة»، إذ يقرر وفقاً لترتيب الأحداث وطبيعتها وقراءته الخاصة لها، أن الصليبيين لم يساعدوا البرتغاليين في احتلال لشبونة واستردادها من أيدي المسلمين المغاربة في النصف الثاني من القرن الثاني عشر، بينما يؤكد الكتاب الذي يقوم بتصحيح بروفاته وكذلك عدد كبير من المراجع المشابهة مساعدة الصليبيين للبرتغال، فما كان منه إلا أن أضاف كلمة notقبل الفعل يساعد Help، وبهذا انعكست الآية، فانقلب فعل المساعدة إلى رفض يفرضه الصليبيون على الملك «الفونسو هنريك الأول» ملك البرتغال.

ولما اكتشف الناشرون هذا التغيير الذي مرَّ بسلام، رغم أنه قلب الحقائق رأساً على عقب، اقترحت المسؤولة عن النشر على المدقق اللغوي أن يواصل كتابة تاريخ الحصار من الزاوية التي بدأ بها، أي من زاوية رفض الصليبيين مساعدة البرتغال، ومن هنا يُشرع الرجل بتغيير أحداث التاريخ لتتسق مع ما كان يراه في كتابة تاريخ البرتغال كله من جديد بدءاً من حصار لشبونة، ليبدأ هذا التاريخ بكلمة «لا» النافية التي أضافها عندما كان يصحح البروفات.
يقول الكاتب إن خطأ مطبعياً واحداً قد يغيّر من وجه التاريخ كله، وهذا ما فعله هو شخصياً بسابق الإصرار والترصد في هذه الرواية، ليستفزنا على طرح السؤال الذي لا مناص منه: مَن الذي كتب التاريخ الذي درسناه وندرسه، وإلى أي مدى يمكن أن نثق بأن هذا التاريخ هو حقاً تأريخ لما جرى قبل عقود أو قبل قرون.

كم عدد مَن هم على شاكلة المدقق اللغوي الذين قرروا أن يكتبوا تاريخاً يتسق وهواهم، فأضافوا إليه «لا» النافية حين أرادوا أو حذفوا لاءات مثلها في أمكنة ووقائع أخرى من دون أن يلتفت إليهم أحد أو يعترض عليهم، تماماً كما حدث مع صاحبنا الذي صنع تاريخاً مغايراً من دون أن يجد من يقول له إن هذا غير صحيح، وإن الأمور لم تسر كما رواها هو.

في العادة فإن الناس مشغولة عن التاريخ بقضايا الحاضر، أو لعلها مشغولة بأمور أخرى أقل أو أكثر أهمية من تلك الأمور التي نطلق عليها قضايا، فيما هناك من يكتب التاريخ، أو يعيد كتابته، وفق الأهواء التي تلائم مصالحه.
 
 
حرر في: 12/10/2015
 
 

اقرأ المزيد

اسئلة كثيرة شغلتنا فى الآونة الأخيرة ولم تزل..


اسئلة كثيرة ضجت بها عقول البحرينيين فى ضوء الحديث عن الحكومة المصغرة التى اعلن بانها ستعني بالنظر فى حل المشكلات والتحديات المالية وبالسرعة الممكنة، اسئلة لم يجد الناس أجوبة عنها، وبالرغم من ذلك وجدنا من خاض «معمعة» التحليلات والتأويلات والاستنتاجات فى شأن المعنى الحقيقي للحكومة المصغرة، والانعكاسات المباشرة التى يمكن ان تسيلها او تترجمها هذه الحكومة المصغرة فى المدى القريب، والأولويات التى يفترض ان تشغلها وتقض مضاجعها. 

 نعلم بان هناك من اعتبر فكرة تشكيل الحكومة المصغرة بالإنجاز المهم لوضع مافتئ يؤكد حاجته الى التغيير، والى الضبط والربط، والى الحلول السريعة المدروسة غير المرتجلة، واعادة إحياء العمل الحكومي بالحد المعقول الذى يوفر المعالجات الحكيمة لمشكلات الناس، والآفاق المحتملة والقريبة التى يمكن ان تتحقق والتى من شأنها ان لا تجعل تشكيل الحكومة المصغرة اكثر من مضيعة للوقت ومراوحة فى المكان نفسه. وكان واضحاً ان الخلاصات بشكل عام فى خصوص هذا الوضوع كان يعمق مراراً وتكراراً الشعور المليء بكثير من الهواجس والتوجسات والتوقعات والمخاوف وحتى الأحلام، كل ذلك لم يقابل الا بترديد مزهق لكلام مكرر أدمناه لا يتضمن عملاً او انجازاً او حلاً ولو عابراً لإستعصاءات شتى تتوالى..!!

نعود الى الأسئلة، الاسئلة التى انهمكنا بها وبالترداد الممل لها قبل الإعلان عن الحكومة المصغرة ان كانت هي كذلك بالفعل، والتى تعاظمت وتشعبت بعد الإعلان عنها، هى أولاً وأخيراً، اسئلة ان عبرت عن شئ فإنما تعبرعن نوع من تفريغ مافي نفوس الناس، وما يتطلعون اليه من اجل التقدم، او من اجل تأمين حاجاتهم الأساسية، او من اجل مواجهة التحديات، او من اجل الاحتمالات التى باتت تهدد المواطن فى ضوء اجراءات تقشفية مرتقبة استهلت برفع الدعم عن اللحوم، او من اجل خيارات حكيمة ومعالجات حصيفة لحالة المراجعة الراهنة لا تضيع فى المتاهات وقادرة على حشد الطاقات عن قناعة واقتناع الناس، وليس بالارتجال او الارتحال عن همومهم ومشاكلهم، او الطلب منهم تحمل ماهو فوق طاقتهم خاصة وان هناك ما يخشى ان يمس قوتهم وأمنهم الاجتماعي، وإلا فإننا نفرض عليهم عقاباً فى غير مكانه مهما أفرطنا فى استخدام الشعارات وكأننا نستخدمها غطاءً لعجز او قصور او فشل..!!

نعود الى الاسئلة: هل ستمضي الحكومة الجديدة المصغرة، ونكرر ان كانت كذلك بالفعل، الى المدى الذى يحدث تغييراً فى ادارة الدولة فى مرحلة بالغة الدقة، وتحسب حسابات أعمق لكل خطواتها، مادامت مكلفة بالتقشفووقف الأهدار، والإقلال من التبذير، ورفع كفاءة الاجراءات الحكومية، وطرح برامج حلول لمشاكل وأوجه وهن وعطب فى اكثر من موقع..؟، وهل سيكون دمج جهات حكومية بعضها ببعض وتشكيل 6 فرق عمل معنية بخفض المصروفات المتكررة، وخفض مصاريف السفر والمواصلات وصيانة المباني الحكومية كأولويات معلنة لمرحلة التقشف، أمراً مصحوباً بالتغيير فى أساليب العمل والتفكير، وفى اعادة هيكلة الادارة الحكومية، وفى اساليب إسناد المناصب وملئها بمن يملؤنها تأهيلاً وعلماً وفكراً ومقدرة ونزاهة وشجاعة فى اتخاذ القرار، وشجاعة فى الاعتراف بالخطأ، وشجاعة فى معالجة الخطأ وعدم التنصل منه او إلقاء تبعاته على الغير..

الفساد هذا الذى يفتح جروحاً من جميع الجهات، هل سيكون ملف مواجهته بجدية وحسم من أولويات الحكومة الجديدة، المواجهة التى يفترض انها تحمل تصميماً جدياً وتغييراً فعلياً ينتظره ويستحقه الجميع، ويبعث الارتياح فى نفوسهم، ولا يجعل للمنغصات إقامة دائمة، وهل سيتم التخلص من تلك الصور الزاهية المكلفة والتى شغلتنا عن المضمون والفارغة من اي مضمون، ومنها تلك التى يثيرها من ليس لديهم سوى الشعارات واستنزاف الموارد المالية فى ما ليس له قيمة او انجاز على الأرض، ولا يثمر سوى الخلل تلو الخلل.

سيكون من الخطأ بافتراض ان ثمة جهود ستبذل على صعيد اعادة هيكلة الادارة الحكومية، حصر هذا الهدف فى بعض عناصر الهيكلة، مثل دمج بعض الإدارات والأجهزة، وتقنين سفر المسؤولين، وتقليل المصروفات، وتبسيط الاجراءات، وما الى ذلك من توجهات معلنة وغير معلنة تفرضها مرحلة التقشف، بل لا بد من عقلية إدارية جديدة لاتضع التعليمات العليا فوق اللوائح والقوانين، ولا تتعاظم فيها الاستثناءات، ولا تضيع فيها الحقوق، ولا تتلكأ عن اعتماد منهجية المحاسبة المستمرة، ولا تجعل المساءلة محرمة، والنقد كفراً، وتضع الشخص المناسب فى المكان المناسب، معنى ومضموناً، وتفرق بين الشأن والمال العام والخاص، لأن الادارة العامة فى الدولة المعاصرة هي الجهة الراعية للمصلحة العامة والقادرة على حماية هذه المصلحة وصيانة حرمة المال العام من اي تعد مهما كان مصدره، وحين تكون الادارة ضعيفة او مشتتة او بطيئة التجاوب مع التحديات والاستحقات الملحة والضاغطة، ومتدنية الانتاجية، ولا تنفتح مع التطور، ولا تتكيف مع المستجدات، هى ادارة لا تسئ الى المواطن فحسب، وإنما هى ادارة عقيمة تراوح فى مكانها كل ما تفعله هو تبني الشعارات الكبرى والصغرى، لا تحقق التنمية الحميدة المستدامة، ولا تعمل فى اطار رؤية جديدة لدورها فى العمل الوطني، ولا ترسخ معنى المواطنة الحقيقي فى الممارسة الفعلية، هى باختصار ادارة تشكل عبئاً متزايداً على الوطن، وعلى الاقتصاد الوطني وعلى مستقبل ابناء الوطن. 

علينا ان نراقب من حيث نتائج عمل المرحلة الحالية والمقبلة، هل هى مراوحة فى المكان، ام نقلة الى الامام كما يراد ايهمامنا..!!


 
حرر في:   6  اكتوبر 2015
 

اقرأ المزيد

موقف دول «التعاون» في مؤتمر باريس لتغير المناخ


على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي(APEC) التي عقدت في بكين في العاشر من نوفمبر/‏‏تشرين الثاني 2014 وقع كل من الرئيس الأمريكي باراك أوباما والرئيس الصيني شي جين بينج في الرابع عشر من نوفمبر/‏‏تشرين الثاني  2014 بياناً مشتركاً تضمن تعهداً من جانب الولايات المتحدة بالسعي لخفض انبعاثاتها بنسبة تتراوح ما بين 62%-28 % أخفض من مستوى انبعاثاتها في عام 5002 وذلك بحلول عام 5202. بينما تعهدت الصين بالوصول إلى ذروة انبعاثاتها من غاز ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 0302 أو قبل ذلك، وزيادة نسبة مصادرها المولَّدة من الطاقة غير الأحفورية إلى  20% بحلول عام0302 إضافة إلى تعهد الدولتين بالعمل معاً ومع بقية أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، للتوصل إلى بروتوكول جديد في مؤتمر الأطراف ال 21 في باريس.
 
 على مقلب آخر، فإن التدقيق في البيان الختامي لمؤتمر الأطراف العشرين ( COP-20 )  الذي عقد في ليما عاصمة بيرو خلال الفترة من 1-12 ديسمبر/‏‏كانون الأول 2014 «نداء لاتخاذ خطوات عملية تجاه المناخ»
(Lima Call for Climate Action) بكليته، يفيد بصورة لا لبس فيها بأن الاتفاق الجديد الذي سيتم التوصل اليه في مؤتمر الأطراف الحادي والعشرين ( COP-21) الذي سيعقد في باريس خلال الفترة من 30 نوفمبر/‏‏تشرين الثاني إلى 11 ديسمبر/‏‏كانون الأول 5102 سيكون ملزماً لكل الدول، بما فيها الدول البترولية، وأن جولات التفاوض المقبلة، حتى لو لم تتمخض عن التوصل إلى صيغة بروتوكول تنفيذي جديد للاتفاقية، فإنها ستشهد الدخول في تفاصيل التوزيع الكمي لنسب الخفض التي سيتم الاتفاق عليها وعلى مصادرها، وعلى رأسها بطبيعة الحال النفط الذي يشار إليه دائما بالوقود الأحفوري الذي يشمل أيضاً الفحم والغاز، وذلك مع الإقرار بهذا الصدد بأن بيان ليما لم يتضمن أي إلزام للدول الأعضاء لتقديم بيانات تفصيلية عن أهدافها التخفيضية للانبعاثات (Prospect reductions targets). إذ اكتفى البيان بصياغة تقول إن الدول مدعوة للنظر في تقديم تعهداتها، بما يعني في الوقت الذي تكون جاهزة فيه لتقديمها. وحتى لو قدمت الدول تعهدات تفصيلية قبل انعقاد مؤتمر باريس، فليس من حق الدول الأخرى مراجعتها والتعليق عليها، لأن الصين والهند وبقية دول «مجموعة ال 77 + الصين» (الدول النامية)، رفضت القبول بمثل هذه الرقابة التي اعتبرتها نيلاً من سيادتها.

 والتعهدات المقصودة هنا عبارة عن عروض الدول المتعلقة ب«المساهمة الوطنية المعتزمة والمقررة» (Intended Nationally Determined Contributions – INDs) من قبل كل دولة عضو في الاتفاقية. وكانت هذه الآلية قد اختيرت لاستدراج عروض الدول حول مساهمتها في خفض الانبعاثات العالمية، والتي يجب أن تتضمن تفاصيل حول خفض الانبعاثات التي تتعهد بها، إضافة إلى إمكانية تضمينها خطط عملية حول القضايا الأخرى ذات الصلة مثل التكيف.
الآن، ما الذي يتعين على دول مجلس التعاون، والدول العربية البترولية بصفة عامة، فعله إزاء هذه المستجدات الضاغطة على نحو واضح وصريح على جميع الدول النامية الأعضاء في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ (مجموعة ال 77 + الصين)، خصوصاً منها الصين والهند والبرازيل ذات الثقل بسياساتها الاستقلالية الصريحة ومعها الدول الرئيسية المنتجة والمصدرة للبترول؟

إننا نقترح على وفود هذه الدول التمهل وعدم التسرع في تقديم أي عروض سابقة لأوان معرفة هوية وشكل الالتزامات التي ستقدمها الدول المتقدمة، ومعرفة ردود أفعال بقية أعضاء منظومة مجموعة ال 77. فهذه التواريخ التي تضعها سكرتارية الاتفاقية ليست مقدسة، فضلاً عن أن صيغة تقديم الالتزامات ليست قاطعة ومحددة كما هي واردة بالتحديد في بروتوكول كيوتو. في بروتوكول كيوتو كانت الالتزامات الكمية واضحة ومحددة للدول ال 37 المتقدمة المسؤولة تاريخيا عن مراكمة وتركيز غازات الاحتباس الحراري والأكثر نفثا لها حتى الآن بالنسبة للفرد. أما في صيغة «المساهمة الوطنية المعتزمة والمقررة» (Intended Nationally Determined Contributions – INDs) فقد اختارت أطراف التفاوض لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، صيغة مطاطة ومرنة وملتبسة إن شئتم هي أقل حملاً على الالتزام وأكثر إحالةً لتقديم التزامات طوعية. ومن وحي الخبرة التفاوضية المعقولة، تمثيلاً لمملكة البحرين ومجلس التعاون لدول الخليج العربية في جولات التفاوض في منظمة التجارة العالمية ومفاوضات تغير المناخ، في اتصالها تخصيصا بقطاعات الطاقة، لاسيما النفط والغاز، أكاد أُجزم بأن أطراف التفاوض على اطلاع ومعرفة وإلمام كامل بالآليات المختلفة لطريقة تقديم الدول الأعضاء في المنظمة لالتزاماتها بشأن مستوى التحرير التجاري لأسواقها. فلقد استعاروا طريقة تحرير أنشطة قطاعات الخدمات المعمول بها في منظمة التجارة العالمية في إخراج الطريقة الملائمة لجذب كل أطراف الاتفاقية، الدول المتقدمة والدول النامية على حد سواء، للمساهمة بحصتها في خفض الانبعاثات العالمية من غازات الاحتباس الحراري، وهي آلية «المساهمة الوطنية المعتزمة والمقررة» (Intended Nationally Determined Contributions- INDs). في آلية تحرير الخدمات الدولة العضو في منظمة التجارة العالمية، هي التي تقوم بتحديد ووضع وتقديم جدول التزاماتها الخاص بتحرير أنواع الأنشطة الخدمية في أسواقها الوطنية المفتوحة أمام المنافسة الأجنبية وتحديد مستوى هذا التحرير. بمعنى أن ما تقدمه الدولة العضو في المنظمة من عروض () Offers هو ما ستلتزم به، وما عدا ذلك لا يلزمها. العروض يمكن أن تُحَسَّن بتقديم عرض آخر محسن ( Improved Offer ) تبعا لتقدم المفاوضات سواء المتعددة الأطراف أو الثنائية الأطراف.
 
 ولذا نحسب أن ما ستقدمه الدول الأعضاء في اتفاقية تغير المناخ من مساهمات بمسمى «المساهمة الوطنية المعتزمة والمقررة» ما هو إلا العروض المبدئية ( Initial Offers ) الموازية للعروض المبدئية لآلية تحرير أنشطة قطاعات الخدمات في منظمة التجارة العالمية. وهذا يعني أن على دول مجلس التعاون، بالإضافة إلى عدم تعجلها في تقديم عروضها الخاصة ب  ( INDCs ) قبل أن تقدم بقية دول مجموعة ( BASIC countries ) التي تضم الصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، عروضها، حيث لم تقدم سوى الصين عرضها لحد الآن، فيما تروج مصادر مؤتمر باريس إلى أن البرازيل وجنوب إفريقيا تقتربان من الانتهاء من عرضيهما لتقديمهما قبل انعقاد المؤتمر – بالإضافة إلى التريث في تقديم العروض، يتعين تحاشي تقديمها بصورة انفرادية ضاغطة على بقية دول المجلس. 
  
  حرر في : 11/10/2015

اقرأ المزيد

“نوبل” لتونس


لا تذهب جائزة نوبل للسلام، ولا حتى بقية جوائز نوبل الأخرى دائماً لمن يستحقها، ما أكثر ما أخطأت هذه الجائزة وجهتها الصحيحة، ولكن «نوبل» للسلام ذهبت هذا العام حيث يجب أن تذهب، إلى تونس، وإذ وقع اختيار لجنة الجائزة على تونس، فإنها لم تذهب إلى رئيس أو زعيم أو إلى حكومة، فهنا أيضاً أُحسن الاختيار، فذهبت إلى حيث يجب أن تذهب في تونس: مجتمعها المدني، الأكثر حيوية وديناميكية واستقلالية بين نظرائه في البلدان العربية الأخرى، وربما غير العربية أيضاً في الكثير من بلدان العالم النامي.

باختيارها للرباعي الراعي للحوار في تونس، وهو مجموعة من المنظمات قامت بدور الوساطة في عملية الانتقال الديمقراطي في تونس صيف 2013، تكون اللجنة قد كرمت المجتمع المدني التونسي كله.

فالرباعي الذي نال الجائزة يشكل العصب الرئيسي بين مؤسسات المجتمع المدني التونسي، الذي لم يقم فقط بدور الراعي للحوار الذي في نتيجته رسمت خريطة الانتقال نحو التحول الديمقراطي، وإنما أيضا انخرط في النضال لإسقاط الاستبداد، إبان الثورة على النظام السابق وحال دون تحول تونس إلى دولة غير مدنية حين استحوذت حركة النهضة على مفاصل الدولة بعيد أول انتخابات جرت هناك بعد الثورة.

تشكلت الوساطة الرباعية من أربع منظمات رئيسية هي: الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، والهيئة الوطنية للمحامين التونسيين، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وهي كما نرى تمثل مرتكزات أساسية في المجتمع، وتمثل قواعد اجتماعية واسعة، متنوعة ومؤثرة، ما أهلها لأن تحتوي التحديات الكبرى التي واجهت الانتقال إلى الديمقراطية.

لجنة «نوبل» التي منحت الجائزة كانت محقة وهي نوهت بأن الوساطة الرباعية «أطلقت عملية سياسية بديلة وسلمية في وقت كانت فيه البلاد على شفير حرب أهلية»، وأن هذه الوساطة أتاحت لتونس التي كانت غارقة في الفوضى «إقامة نظام حكم دستوري يضمن الحقوق الأساسية لجميع السكان من دون شروط تتصل بالجنس والأفكار السياسية والمعتقد الديني».

ثورة تونس جاءت نتاجاً لتفاعلات مجتمع مدني عصري، تشارك فيه المرأة بفاعلية ووعي، ونضال عمالي طويل تقوده حركة نقابية منظمة ذات تقاليد، لذا لم يكن غريباً أن تكون هي النسخة الأكثر تقدماً في المنطقة، والأكثر قدرة على استيعاب وامتصاص ارتدادات التغيير الكبيرة، حيث برهن التوانسة، بفضل ذلك، أنهم الأكثر قدرة على التعامل المرن مع تعقيدات المرحلة الانتقالية.
 


حرر في: 11/10/2015

اقرأ المزيد

عهد طه حسين للشباب


ساخراً كتب طه حسين عن التقارير التي يرفعها من تبعثهم جهات عملهم لحضور مؤتمر من المؤتمرات في الخارج، فلا أيسر على من شهد مؤتمراً من أن يرفع تقريراً عنه إلى الذين أرسلوه إليه. وساخراً أيضاً قال: ليس المهم أن يُقرأ التقرير وإنما المهم أن يُكتب، وليس المهم أن يُدرس ما فيه من رأي ويؤخذ بما فيه، وإنما المهم أن يُحفظ في عطفٍ من أعطاف الوزارة، ليرجع إليه ذات يوم أو لينام إلى آخر الدهر.

لهذا القول مناسبة، هو أن وزارة المعارف (التربية والتعليم حالياً) في منتصف ثلاثينات القرن العشرين انتدبت طه حسين لتمثيلها في مؤتمر اللجان الوطنية للتعاون الفكري وفي مؤتمر التعليم العالي اللذين عُقدا في باريس يومذاك، فشهد المؤتمرين واشترك فيما كان فيهما من حوار، بل إنه شهد مؤتمرات أخرى عقدت في باريس في الفترة ذاتها ناقشت الثقافة من بعض أنحائها فسمع فيها آراء أثارت في نفسه، على ما يقول، خواطر وعواطف وآمالاً فمَنّى نفسه بأن ينتهز فرصة ذلك لتدوينه.

لم يتبع عميد الأدب العربي القواعد المتبعة التي تقتضي أن يكتب تقريراً عن مهمته، من تلك التقارير التي سخر منها، خاصةً أن ظروف الحياة السياسية في مصر قد صرفت وزارة المعارف والجامعة المصرية التي كان يُدَّرس فيها عن التقارير، وصرفته هو شخصياً عن تنميقها وتدبيجها.

لقد فعل شيئاً آخر مهماً، هو الوفاء بعهدٍ كان قد قطعه على نفسه تجاه شباب مصر الذين سألوه كما سألوا سواه من مفكري مصر وقادة الرأي فيها عمَّ عليهم وعلى بلادهم أن تفعله بعد إمضاء المعاهدة بينها وبين الإنجليز التي أدت إلى فوز مصر بجزءٍ وصفه بأنه عظيم من أملها في تحقيق استقلالها الخارجي وسيادتها الداخلية، فرأى أن من واجبه أن يرسم للشباب ولمصر، من خلالهم، رؤية للتعليم والثقافة تقود البلاد للنهضة والتقدم.

لم يلجأ طه حسين إلى كتابة تقرير منمق عن المهمة التي ابتعث إليها في فرنسا، وإنما عكف على كتابة واحد من أهم كتبه، أنجزه بعد عام واحد فقط، رسم فيه خريطة طريق، ما انفكت الحاجة تزداد إليها حتى اللحظة، لا لمصر وحدها، وإنما للعالم العربي كله.
ذلكم هو كتاب «مستقبل الثقافة في مصر»، الذي خلده وسيخلده الزمن، والذي تشخص الحاجة للعودة إليه اليوم، ربما أكثر من الأمس.
 
 
حرر في:  08/10/2015

اقرأ المزيد

مبارزة الحيتان في الجمعية العامة



عديدة
هي التقسيمات التي أنشأها «الكبار» على الخريطة الجغرافية والاقتصادية
والسياسية والاجتماعية العالمية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام
1945. من إنشاء تقسيمات نفوذ جغرافية عالمية جديدة، إلى تقاسم كعكة
المنظمات الدولية التي أنشأوها لتسيير أعمال الكون، إلى اعتماد معايير
جديدة لتقسيم العالم إلى عوالم مختلفة المكانة والامتيازات والأولوية
والأهلية، يأتي في مقدمها التقسيم الأشهر: العالم الأول والعالم الثاني
والعالم الثالث. 
كبرى المنظمات الدولية، أو المنظمة الأم كما يسمونها، وهي هنا منظمة
الأمم المتحدة، قسموها إلى تنظيمين رئيسيين، الأول أسموه مجلس الأمن الدولي
الذي خص فيه الكبار الأربعة (الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد
السوفييتي (روسيا حالياً) وبريطانيا وفرنسا) أنفسهم بعضويته الدائمة، قبل
أن يتكرموا بإضافة الصين إليهم كعضو خامس في عام 1972 بعد قبول جمهورية
الصين الشعبية عضواً في الأمم المتحدة بدلاً من الصين الوطنية (تايوان).
وقد أعطى هؤلاء الكبار الخمسة من بين سائر الدول كاملة العضوية في الأمم
المتحدة البالغ عددها 193 دولة (إضافة إلى دولتين بصفة مراقب هما فلسطين
والفاتيكان)، أعطوا لأنفسهم حقاً حصرياً في الاعتراض الفردي على أي قرار
يصدره المجلس وإبطاله إذا لم يرق لهم. أما التنظيم الرئيسي الثاني فأسموه
الجمعية العامة التي تضم جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وتنعقد مرة
واحدة في السنة في دورة عادية مكثفة تمتد من سبتمبر/أيلول حتى ديسمبر/كانون
الأول، وتتخذ قراراتها، التي لا تعدو أن تكون توصيات، في القضايا المتعلقة
بالسلم والأمن الدوليين وانتخاب أعضاء مجلس الأمن بأغلبية ثلثي الدول
الأعضاء، أما في المسائل الأخرى الثانوية فتتقرر بأغلبية بسيطة. ولكل دولة
صوت واحد وخمسة ممثلين. وبينما يقع المقر الرئيسي للأمم المتحدة في
الولايات المتحدة (مدينة نيويورك)، فإن له مكاتب فرعية في بلدان أوروبا
الغربية الحليفة لواشنطن (جنيف في سويسرا، لاهاي في هولندا، فيينا في
النمسا)، إضافة إلى مكتب يتيم واحد في العاصمة الكينية نيروبي تم افتتاحه
في عهد الرئيس الكيني دانيال اراب موي الذي استمر في السلطة لمدة 24 عاماً
(من عام 1978 إلى 2002) لتقديم الدعم الإداري والبرامجي لاثنتين من منظمات
الأمم المتحدة المتخصصة هما برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، وبرنامج
الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (UN-HABITAT). 
وهذا ينسحب على كافة
المنظمات الدولية التي تعتبر بمثابة الجهاز التنفيذي لمجلس إدارة العلاقات
والشؤون الدولية، وهو هنا العواصم المفتاحية لصناعة القرار الدولي. فرئيس
صندوق النقد الدولي أوروبي غربي، ورئيس البنك الدولي أمريكي، وهكذا دواليك.
كذلك الحال بالنسبة لمعظم المقار الرئيسية لهذه المنظمات.
وحتى بعد
مرور أكثر من 6 عقود على نيل بلدان «العالم الثالث» استقلالاتها الوطنية،
ما زالت عواصم «العالم الأول» تتعاطى معها بذات المقاييس التي يفترض أن
يكون قد طواها الزمن، وذلك لعدم حدوث إعادة تموضع جوهرية للظروف الموضوعية
التي أنشأت هذه التقسيمات، وذلك برسم استمرار اقتران «المساعدات والتبرعات
والمنح والهبات وتخصيص حصص سنوية لاستقبال «المحظوظين» من مهاجريها –
ب«العالم الثالث». 
وما الجمعية العامة للأمم المتحدة سوى أحد رموز تلك
العلاقة غير المتكافئة بين بلدان «العالم الأول» وبلدان «العالم الثالث».
وكان الأجدر أن تسمى الجمعية العامة لبلدان الجنوب أو لبلدان «العالم
الثالث». فهي لا تعدو أن تكون منبراً للمناحة تتقاطر عليه مرة كل عام
الوفود الرسمية لهذه البلدان لترفع شكاواها ومعاناتها جراء استمرار النظام
السياسي والاقتصادي العالمي غير المتكافئ الذي فصّله «الكبار» على مقاساتهم
بعد انتهاء الحرب الكونية الثانية. إلا أنه مع ذلك، ورغم أن هذا المنبر هو
من «الحصة الفقيرة» للدول النامية، بحسب التقسيمة إيّاها، فإن الدول
الكبرى صاحبة نظام الامتيازات في النظام الدولي، لا تتوانى في أن تشاركها
إيّاه وإحالته الى «هايد بارك» عالمي، تتسابق (الدول الكبرى) في استغلال
مناسبة انعقاده السنوية وسط حشد واسع من كبار قادة العالم، لتوصيل رسائلها
وإطلاق برامجها ومبادراتها من على منبرها. حتى الأمانة العامة للأمم
المتحدة تستغل هذه المناسبة الخطابية «لاصطياد» قادة العالم لأخذ مباركتهم
على خططها وبرامجها واستعطافهم لزيادة مساعداتهم المالية لتمويل برامج
منظماتها المتفرعة، في مقابل التماهي معهم في ما يطلبون على الصعد
الاقتصادية والأجندات الاجتماعية والسياسية والحقوقية وغيرها.
الدورة
السبعون للجمعية العامة للأمم المتحدة التي افتتحت في 15 سبتمبر/أيلول
2015، خير شاهد على عدم اكتفاء «الكبار» بحصتهم العظمى من تقسيمة كعكة
النظام الدولي ومؤسساته، وهي هنا مجلس الأمن، وإنما هرعوا للتباري أمام
كبار قادة العالم على إيصال رسائلهم لبعضهم بعضاً وللآخرين المستهدفين
بسياساتهم، الجارية والأخرى قيد التنفيذ.
وكان لافتاً في هذه الدورة حرص
قطبي الصراع الكوني المتجدد في غير بقعة عالمية، روسيا والولايات المتحدة،
على تزخيم حضورهما بمشاركة زعيميهما فلاديمير بوتين وباراك أوباما في
الاجتماع، وتوجيههما خطابين حملا توجهاتهما بشأن القضايا العالمية الساخنة،
لاسيما القضية السورية ومكافحة الإرهاب. فكان أن جاء الخطابان والمؤتمرات
واللقاءات الصحفية التي عقدها الرئيسان على هامش دورة الانعقاد الحالية،
بمثابة مبارزة مفتوحة بين الطرفين حول خطوط وحدود مناطق النفوذ التي رسمها
كل منهما لنفسه في المنطقة العربية وفي منطقة الشرق الأوسط عموماً. من دون
أن ننسى أن الرئيسين المتبارزين كانا التقيا قبلاً لمدة 90 دقيقة تباحثا
خلالها في القضايا الخلافية بما فيها القضية السورية. 
لقد كانت مبارزة
ساخنة استخدمت فيها تعابير حادة تعكس عمق الخلاف الناشب بين القطبين في ما
خص الملف السوري، وعدم توصلهما بعد إلى تحديد حصة النفوذ التي تريد واشنطن
الفوز بها في سوريا. إنما مجرد التقائهما بعد قطيعة امتدت عامين على خلفية
الأزمة الأوكرانية، يفتح المجال أمام لقاءات أخرى قادمة لتسوية وإغلاق بعض
ملفات الخلاف العالقة، و«إعطاء الإذن»، أو الضوء الأخضر، ترتيباً، لمحركات
الاقتصاد العالمي للدوران بالسرعة التي كان عليها قبل ارتفاع حدة الخصام
بين القطبين وحدوث القطيعة بينهما. – See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/179d8c31-16f1-4801-b097-1a3e087ce392#sthash.K007jVFd.dpuf
اقرأ المزيد

سياسات رفع الدعم و”روشتة” البنك الدولي

يأتي التوجه نحو
رفع الدعم عن بعض السلع والخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين، إعمالاً لنصائح
ومشورات المؤسسات المالية العالمية، وفي مقدمتها البنك الدولي، في إطار ما بات
يعرف بالسياسات التقشفية، التي بدل أن تتوجه نحو معالجة الاختلالات الهيكلية في
إقتصادنا الوطني، تبدأ بالمساس بخدمات الرعاية والدعم التي تقدمها الدولة
للمواطنين.

وتدل تجربة
بلدان عديدة في العالم النامي أن البنك الدولي، وقرينه صندوق النقد الدولي يتجهان
عادةً  إلى تقديم وصفات إقتصادية موحدة لتلك
الدول، دون مراعاة الفروق بينها، ودون حساب ردات الفعل الإجتماعية المتوقعة جراء
المساس بالحقوق المعيشية لمواطني تلك الدول، وحسب بعض المؤشرات فإن البنك الدولي
وصندوق النقد الدولي، ودون الدخول في تفاصيل تصنيفهما للدول إلى فئات، يعمدان إلى
تقديم نفس “الروشتة

، التي
ما أكثر ما نجم عن الأخذ بها هبات واحتجاجات شعبية واسعة تنال من إستقرار
المجتمعات، ومن الأمن المعيشي لأبنائها.




فعلى سبيل
المثال قدم صندوق النقد الدولي “روشتة” إقتصادية موحدة لكل من الأردن واليمن
ومصر وتونس والجزائر والمغرب تتمحور حول رفع أنواع الدعم الحكومي عن الخبز وباقي السلع
الغذائية وأسعار الطاقة، والتوجه نحو خصخصة حصص الحكومات في الشركات، وقد خطط آنذاك
للإستمرار في تناول هذه “الروشتة” لأكثر من عشرين سنة بالرغم من بعض التغييرات
البسيطة لبعض أنواع السلع المشمولة بالدعم. وكانت هذه الوصفات قد وضعت بعد أن عجزت
تلك الدول عن الوفاء بالتزاماتها تجاه الصندوق الذي إشترط بالمقابل إستعمال الدول المقترضة
نفس “الروشتة” حرفياً.




ليس البنك الدولي ونظيره صندوق النقد
الدولي سوى أداتين ماليتين ضاربتين بيد القوى المتنفذة عالمياً، غير المعنية إلا
بتعظيم أرباحها، والإستمرار في الإستحواذ على المقدرات الإقتصادية للدول النامية،
وإعادة تدويرها بما يخدم مصالح تلك الدول المتنفذة، دون مراعاة ما ينجم عن ذلك من
تبعات على مصالح الدول المقترضة، والتي يشترط عليها لقاء إقراضها، التقيد بتلك
“الروشتة”، فتكون العواقب وخيمة، من حيث حجم الإفقار الذي يطال الفئات
الوسطى، وزيادة الفقراء فقراً وعوزاً، وإعاقة خطط التنمية في البلدان النامية،
الموجهة للنهوض بأوضاعها، وتلبية إحتياجات شعوبها.

وتدل التجربة
على أن الدول التي خضعت لروشتة البنك الدولي والصندوق الدولي، لم تفلح في تسديد
مديونيتها، ولم تظفر بما كانت تطمح إليه من نتائج على صعيد التغلب على الصعوبات
التي حملتها على الإستدانة لتغطية العجوزات في موازنتها، فلا هي عالجت اختلالاتها ولا
هي سددت ديونها، بل بالعكس ما زالت تطالب  بمزيد
من الديون

، وهذا ما يتهدد
بلادنا الآن، جراء الارتهان لهذه “الروشتات”.




يدخل الموقف من مسألة
رفع الدعم الحكومي عن بعض السلع الذي تمَّ البدء فيه، فيما يجري الحديث عن خطوات
وشيكة قادمة، في خانة التزامات الدولة تجاه المواطنين

، ونلمس يومياً تنامي الإستياء الشعبي من مثل هذه الخطوات، والقلق من
مفاعليها وتبعاتها على أوضاعهم، وعدم إطمئتان لل

تبريرات أو التسويغات الحكومية لهذا
التوجه، من نوع إعادة توجيه الدعم حتى لا تتحول الدولة إلى بقرة حلوب تقدم من المال
العام دعماً لمن هم ليسوا في حاجة إليه









.












 

لا يمكن النظر إلى مسألة رفع الدعم هذه بمعزل عن فلسفة اقتصادية رائجة،
على المستوى العالمي، تريد أن “تُحرر” الدولة من الإلتزامات الاجتماعية الملقاة
على عاتقها تجاه المجتمع، وخاصة تجاه الطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل

،
وحان
الوقت لمراجعة الموقف المتطرف الذي يطالب بإقصاء الدولة عن دورها، أو في أحسن الحالات،
الحد منه إلى أبعد مدى، عندما إستشرت أطروحات فعالية اقتصاد السوق والمبادرة الفردية
والدور السحري للخصخصة









.












 

و
الغريب أن الحديث لا يدور عن السطوة السياسية
للدولة واختراقها للمجتمع المدني ومؤسساته، لا بل وتغييب هذه المؤسسات ومصادرة أي دور
مستقل له، إنما يتركز











الأمر
حصراً في الحقل الاقتصادي، وحول الخدمات الإجتماعية الضرورية التي تقدمها الدولة لأبنائها
في حقول الرعاية الأساسية من تعليم وتطبيب وضمان اجتماعي وإعانات مختلفة

، ل
مصادرة
مسؤولياتها كهيئة رعاية اجتماعية، في مقابل التأكيد على دورها النقيض لدور المجتمع
الذي يفترض التعددية السياسية والاجتماعية، ويصبح بموازاة الدولة ضامنا للتطور الصحي
للمجتمعات، على قاعدة تمسك الدولة بالدور المناط بها، في مجالات الخدمة الاجتماعية،
خاصة في الحقول الحيوية كتأمين سبل العيش الكريم لمواطنيها، وضمان جودة الخدمات
الاجتماعية المقدمة لهم.





 

اقرأ المزيد

ثنائية الادخار والاستهلاك

تدفع ارتدادات الأزمة المالية العالمية لعام 2008 التي لازالت
بلدان منطقة اليورو (18 دولة من دول الاتحاد الأوروبي الـ 28)، وبلدان الاتحاد
الأوروبي عموما، تعاني من آثارها الهيكلية المالية، وهشاشة النمو الامريكي، تدفع بالجدل
الدائر على ضفتي الأطلسي، الذي يثيره السياسيون للتفتيش عن مبررات تعثر سياساتهم
الاقتصادية على صعيدها الاجتماعي، ويثيره الاقتصاديون تفتيشا عن مكمن الداء في
مأزق النماذج الاقتصادية السارية. ولا يكاد أمر هذا الجدل يستقر على اتجاه فكري
اقتصادي مرجح وانما هو يتقافز من رؤية الى رؤية أخرى سرعان ما يهرع اليها بعضهم
لجاذبيتها الأولية.
فبعد أن سيطرت فكرة عدم التوازن الاقتصادي




(Economic imbalance)





وتقويم العملات بأقل من قيمتها





(Currency
depreciation)






على الجدل الاقتصادي العالمي طوال الفترة الماضية التي تمتد الى ما قبل اندلاع
الأزمة المالية/الاقتصادية العالمية في عام 2008، حيث كان الاعلام الاقتصادي المتخصص
وغير المتخصص في الولايات المتحدة وفي البلدان الاوروبية الغربية ينحو نحو القاء
تبعة تزايد عدد دورات الركود وطول أمدها في البلدان الغربية، على ما أسموه باللاتوازن
الاقتصادي بين البلدان المتقدمة والبلدان ذات الاقتصادات الصاعدة المتمثل في تمتع
البلدان الصاعدة بفوائض مالية ضخمة مقابل معاناة الدول المتقدمة من عجوزات
ومديونيات صخمة. وهو ما تعزوه الدول المتقدمة الى لجوء الدول الصاعدة الى تقييم
عملاتها بأقل من قيمتها الحقيقية.
…نقول بعد أن كان الجدل الاقتصادي متركزا لفترة على دينك
المتغيرين، فقد نشهد قريبا تحولا طفيفا ربما كبر في المستقبل، نحو تسليط الضوء، أو
بالأحرى اعادة تسليط وتركيز الضوء على متغيري الادخار والاستهلاك اللذين يحاول من
خلالهما بعض المجادلين الاقتصاديين الحاذقين، أن يفسروا أسباب تأزم الأوضاع
المالية وانسداد الدورة الاقتصادية في طورها الانتعاشي في بلدان المركز الرأسمالي
مقابل سلامة وانتظام أداء بلدان الاقتصادات الصاعدة في آسيا وأجزاء من أمريكا
اللاتينية.
وهي مقاربة ستؤول نتيجتها، كما سنرى، الى اشكالية اللاتوازن
الاقتصادي العالمي اياها، في اتصالها بأسعار الصرف المنخفضة.
يذهب أصحاب مقاربة الادخار في جانب والاستهلاك في جانب آخر،
الى أن اليابان تدخر كثيرا ولا تنفق كثيرا، كما انها تصدر أكثر مما تستورد، ومن
نتيجة ذلك أن لديها فائضا تجاريا يزيد على مائة مليار دولار، ومع ذلك يُنظر الى
الاقتصاد الياباني على انه اقتصاد ضعيف إن لم يكن عرضة للتهاوي.
في المقابل فان الولايات المتحدة الامريكية تنفق كثيرا
وتدخر قليلا، وهي تستورد أكثر مما تصدر، ما أنتج عجزا تجاريا يزيد على 400 مليار
دولار. ومع ذلك فان الاقتصاد الامريكي يؤدي بشكل أقوى من الاقتصاد الياباني ويتمتع
بثقة المستثمرين.
فكيف يتدبر الامريكيون للحصول على الأموال التي تمكنهم من
الانفاق؟.. انهم يستدينونها من اليابان والصين والهند والبرازيل وروسيا التي تٌقبل
بشراهة على شراء ما يعرضه الامريكيون من سندات خزينة مؤجلة الدفع ولكن بفائدة مغرية،
ما يعني أن الدائنين الذين هم في هذه الحالة اليابان والصين والهند والبرازيل
وروسيا وكل الدول التي تُقبل على شراء سندات الخزينة الامريكية، يقومون عمليا
بالادخار من أجل توظيف هذه المدخرات في الاقتصاد الامريكي وبالدولار الامريكي.
الهند مثلا تحتفظ بحوالي 50 مليار دولار من احتياطياتها النقدية في صورة أوراق
مالية أمريكية، كما ان الصين استثمرت حوالي 160 مليار دولار في الأوراق المالية
الامريكية، أما اليابان فأرقام استثماراتها في الأوراق المالية الأمريكية تفوق ذلك
بكثير.
والنتيجة أن الولايات المتحدة حصلت من العالم على أكثر من 5
تريليون دولار في صورة قروض مؤجلة الدفع، ما أتاح للامريكيين فرصة الانفاق المريح.
ما يعني أن الاقتصاد الامريكي صار يؤمّن دورته الانتعاشية بفضل تدفق حوالي 180
مليار دولار فصليا (كل ثلاثة شهور)، أي بمعدل 2 مليار دولار يوميا على السوق الامريكية
من الخارج.
وفي المحصلة تكون الصين واليابان والهند وغيرها قد استثمرت
في السوق الامركية أكثر مما استثمرت الولايات المتحدة في هذه البلدان (الهند على
سبيل المثال استثمرت في الولايات المتحدة 50 مليار دولار بينما استثمرت الولايات
المتحدة في الهند 20 مليارا فقط.
بهذا المعنى يصبح مفهوما لماذا يقبل العالم كله على
الاستثمار في الولايات المتحدة، فالامركيون بالكاد يوفرون، بل انهم يستخدمون
بطاقات الائتمان لمضاعفة قدرتهم الشرائية (الاستهلاكية) لانفاق مداخيلهم المتاحة





(Disposable income)





والمستقبلية أيضا، ما يعني أن السوق الامريكية تمتلك
جاذبية للمصدرين السلعيين.
ماذا يعني هذا من وجهة نظر ثنائية الادخار والاستهلاك في
اتصالها بدراسة الحالة





(Case study)





التي نحن بصددها، وهي هنا
الطاقة الاستيعابية للاقتصاد الامريكي؟..انه يعني ان العالم أضحى معتمدا على مدى
قدرة الاقتصاد الامريكي على الاحتفاظ بقوة زخم طاقته الاستهلاكية. هذا بالتأكيد
وضع غير صحي بالنسبة للعلاقات الاقتصادية الدولية، وغير مستدام بالضرورة. وهو إنما
يعيد انتاج  وتفسير مقاربة اللاتوزن
الاقتصادي العالمي التي كان أصحابها يقرأون بواسطتها تفاوت الأداء الاقتصادي بين
الدول المتقدمة والدول الصاعدة.
طبعا مقاربة الادخار والاستهلاك، هي مقاربة تبسيطية للحراك
الاقتصادي واستخلاصاته في كل من بلدان الوفرة (ذات المعدلات العالية للادخار)، وبلدان
العجز المالي. فالثقافة الاستهلاكية الامريكية الشرهة التي تغري – بحسب فرضية
المقاربة – دول الفائض للاستثمار فيها، لم تستطع تأمين نمو ازدهاري خالق للشواغر
الوظيفية، كما هو حال النمو المستدام في الدول الصاعدة المستمر منذ عام 2000
بمعدلات قياسية شبه ثابتة.
ومع ذلك، وبناءً على صحة مذهب اللاتوازن الاقتصادي العالمي،
من حيث المبدأ، فانه لابد لبلدان الاقتصادات الصاعدة من “اعادة نشر”
وتوزيع مصادر نموها بين الانتاج السلعي الموجه للتصدير





(Export
oriented)





وبين
الاستهلاك الداخلي، وهو ما بدأت تعيه وتعمل به فعلا الصين والهند.
اقرأ المزيد

عندما تتأثر جماهير الطبقة العاملة جراء حدوث تغيرات اجتماعية وسياسية جديدة



عندما تتأثر جماهير الطبقة العاملة جراء حدوث تغيرات اجتماعية وسياسية  جديدة

في علم الاجتماع ومنها العلوم الماركسية ذات المصداقية في تحليل المجتمعات البشرية, يؤكد المنظرون في هذا الامر على ان ظواهر التغيير في حياة المجتمعات البشرية حتمية, وقد حدثت كثيرا ذلك عبر قرون قد مضت وقد غيرت في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية و السياسية, وهذه شروط لتطور المجتمعات البشرية و لابد من حدوثها وهي سمة من سمات التغيير المستمر في حياة الشعوب المرتبطة بعجلة التاريخ الغير قابلة للرجوع للخلف, ثم ان موجات  التغييرات لا تأتي على شكل واحد بل هي قابلة احيانا ان تبدأ بطرق الاحتجاجات العفوية, او الاضرابات البسيطة ثم الانتفاضات العارمة, ومنها الانقلابات و الثورات التي تصاحب موجة التغيير الحتمي في سبيل احداث التغيير من الوضع الاسواء المفروض على الشعوب الى وجوب قيام النظم الاقتصادية والسياسية التي تعبر عن طموحات الغالبية العظمي من شرائح المجتمعات البشرية, وطبقاتة الثورية التي تسعي للتغيير هذا.
 
ان في هذا التغيير ضرورة لابد من وجود طبقة مؤثرة لتكون هي صاحبة الامتياز في الصراع في سيرورة الصراع الطبقي, ثم ان التاريخ اكد على ذلك في الثورة البرجوازية ضد الاقطاع و الثورة للطبقة العاملة ضد البرجوازية الراسمالية من اجل بناء الاشتراكية,  وفي ظل هذا الصراع بين من هم الذين يناضلون من اجل التغيير الاجتماعي والسياسي, ومن هم الذين  يحاولون البقاء على النمط القديم, حتما ان في ساحات الصراع هناك  يقع الظلم و الدمار على القوى التي ليس لها تاثير و التي لم تشارك في التحركات ان كانت الثورية او المضادة للتغيير.
 
في الواقع ان التطورات على مستوى العالم قد شهدت صراعات سياسية دامية, ومنها الحرب العالمية الاولى و الثانية وحروب المستعمرات, و منها الحرب الامريكية في فيتنام, و ايضا هناك صراعات قومية ودينية, عرقية, طائفية, وقبلية وتحررية, وكل هذه حدثت في مراحل مختلفة ودول مختلفة وبين شعوب وقوميات مختلفة حتى في قلب اوروبا و امريكا.

كما ان كل هذه التغييرات التي حدثت ولاتزال تحدث هي لن تاتي من تلقاء نفسها بل هناك ضرورة ملحة اجتماعية واقتصادية وسياسية تحتم بوجود لحظة التغيير الحتمي و الاستجابه لارادة الشعوب المضطهدة.
حقيقةً ان مثل هذه المفاهيم من الممكن ان نطلع عليها جيدا من خلال تعمقنا في فهم الفكر الماركسي, ومحاولة قراءة المادية التاريخية لنتعرف على اهم التحليلات العلمية في هذا الشأن.
 
حول الوضع العربي المتأزم
 
في وضعنا العربي الراهن, بدون  شك ان جماهير الطبقة العاملة وسائر الشغيلة في الوطن العربي وكل الفقراء و المحرومين و العاطلين عن العمل, هم الاغلبية و هم من تقع عليهم الاعباء و هم في المقام الاول المتضررين من الاوضاع العربية الحالية المأساوية التي يشعر فيها الانسان العربي بالمهانة, و الخوف من مستقبل مظلم, وعليه فأن طابع الياس و التذمر قاب قوسين او ادنى ليطال معظم الشعوب العربية من المحيط حتى الخليج, جراء الهزائم ابتداء من سنة 1948 واحتلال فلسطين من قبل العصابات الصهيونية بالتعاون مع الاحتلال البريطاني, وخسارة الجيوش العربية في اول حروبها مع اسرائيل و سميت بالنكبة, مروراً بهزيمة العرب في عام 1967 و فشل المشروع القومي العربي, وهذه الهزيمه سميت بالنكسة,  مرورا بمسرحية حرب اكتوبر عام 1973 والتي احكمت اسرائيل قبضتها على كل فلسطين و على اراضي عربية  ومهدة للسلام في كامديفد مع مصر, و اتفاقية اوسلو التي فرقت الشعب الفلسطيني بين الضفة الغربية وغزة و الشتات او المهجر, مروراً بدخول صدام حسين في حرب كانت من بدايتها  خاسرة مع ايران, و بعدها غزو الكويت من قبل صدام و تحرير الكويت من قبل الامريكان,  و الحرب لاسقاط نظام صدام حسين الدموي وما نحن فيه الان من وضع متردى اقتصاديا, و اجتماعيا, وسياسيا في سوريا والعراق واليمن وليبيا و لبنان و دول الخليج ومصر, و يزيد ذلك عمق الازمات الانهيار الحاد في اسعار النفط, كل هذه عوامل دعمت وشجعت القوى الدينية المتطرفة التي تحضى بدعم وتاييد وتمويل  من قبل  بعض الدول العربية و الاقليمية و الاوروبية الامريكية ان تتمكن من الهيمنة في سبيل  خلق الفوضى العارمة في ربوع الوطن العربي, وتحطيم لمعنويات الجماهير العربية التي سعت للتغيير الديمقراطي في مقارعة الانظمة الدكتاتورية  مع مطلع عام 2011 ابتداء من تونس.
 
ان هذه الظروف الحالية في الوطن العربي, و المعقدة للغاية لابد ولها التاثير على مزاج جماهير الطبقة العاملة وقد تنجر غالبيتها مع الصراع الدائر, و التكوينات الفئوية و الطائفية و الارهابية المتطرفة, وتكون جماهير العمال عرضة للاستغلال من قبل القوى المضادة للمصالح العمالية, و النقابية,  و السبب هو قتل الامل في نفوس غالبية الجماهير العاملة, حتى  الوصول لمرحلة الياأس و التذمر الناتج لاوضاع غاية في التازيم السياسي و الاقتصادي و الثقافي و الاجتماعي.
 
دور اليسار العربي في اعادة الامل للشعوب العربية و في مقدمتهم العمال
 
نحن نقر ان دور اليسار العربي في صفوف الجماهير قد انحسر لعوامل عديدة وقد ذكرنا بعض الاسباب في مواضيع سابقة, فمنها دور الانظمة العربية الدكتاتورية  المتلاحقه التي حاربت القوى اليساري ونصبت لها العداء, خصوصا تلك الانظمة التي هيمنت ولا تزال تهيمن على مناسم الشعوب العربية بالنار والحديد, هذه الانظمة قد عملت على تقليص الدور الريادى للكوادر السياسية, و العمالية, والنقابية اليسارية, ذلك من خلال القمع للتحركات  الجماهيرية المطالبه بالتغيير, و ايضا قمع التحركات العمالية السلمية في المطالب بحقوقها  المشروعة,  و منع التظاهر ضد الفساد و المفسدين, وضد سراقي المال العام, هؤلاء هم الانظمة والقوى الذين يحرمون الشعوب العربية وكل الكادحين من ابسط العيش, و محاولة التهميش و التجويع او شراء الدمم المهزومه التي تعمل ضد المصالح العمالية والنقابية و الوطنية,   وعليه قد انحسرت الانشطه لليسار في صفوف الحركة النقابية, و العمالية, و الجماهيرية, ايضا  ناتجه لسياسات الانظمة العربية في تدمير الاقتصاد الوطني, وبيع القطاع العام للشركات الراسمالية الاجنبية, و مشاريع الخصخصة لصالح الشركات الراسمالية,  و عدم الاعتماد في قيام صناعات عربية ثقيلة لاستيعاب البطالة و التي هي بالملايين في الوطن العربي’ ثم ناتي للتشريعات و القوانين الضاغطة على حرية الانشطة العمالية و النقابية, نعم هذه العوامل لها الاثر السلبي في تشتيت نضال الطبقة العاملة و التقليل من دور الوعي الحقيقي في صفوف جماهير العمال خصوصا مع بث الثقافة الهمجية في صفوف جماهير العمال وسائر الكادحين من اجل تغييب الحقائق وتدني المستوى للوعي الحقيقي في صفوف الكادحين.
 
لكن هذا لايعني رفع الراية البيضاء لليسار العربي,  و المبرر هذه الظروف الصعبه  ان  فرص التغيير تاتي وان الاوضاع لايمكن ان تستمر في ظل وجود الفوضى الاقتصادية, و السياسية الحالية, ولايمكن لقوة في العالم  ان تمنع التغيير الحتمي اذا وصلت الشعوب للقناعة بضرورة التغيير جراء تنامي الوعي الحقيقى في صفوفها, و اليسار هم المعنيين بذلك  وعليه وجب   نزول اليسار في الساحات من اجل دفع عجلة  التغيير حسب الظروف الذاتية, و الموضوعية لكل بلد عربي ونحن بحاجه  لتجديد وتحديث مواقعنا وتقوية قواعدنا  في صفوف جماهير الكادحين,  من خلال اخذ الدور الريادي في ساحات النضال في صفوف الكادحين من اجل اعادة امجاد اليسار المؤهل لعمل انعطاف للتغيير في وسط الجماهير, من خلال تحرير عقول الجماهير الكادحة من الكذب و النفاق و الوعود الخيالية من قبل القوى الرجعية المضادة للحرية و التقدم و التطور.
 
ثم ان اليسار العربي ليس هو اليوم الوحيد في ساحات النضال ضد الامبريالية و الصهيونية و الرجعية, فأن موجة التغيير قادمة في العالم وسوف تسقط هيمنة الاحتكارات الراسمالية وتسلط البرجوازية والنظم الشمولية,  والرجعية المهيمنة على رقاب الشعوب في كل القارات بما في ذلك الوطن العربي.
 


جواد المرخي

اقرأ المزيد

مشردو سوريا يجتاحون أوروبا!


فجأة، وعلى حين غرة، وجدت أوروبا نفسها عرضة لاجتياح بشري مهول.. عشرات آلاف اللاجئين المشردين من ديارهم السورية يقهرون المسافات وعوائقها البرية والبحرية، ويصلون إلى عقر دار بلدان الاتحاد الأوروبي، في موجة هجرة جماعية لم تشهدها منذ الحرب العالمية الثانية. دوهمت بلدان الاتحاد الأوروبي بهذا التحدي الديموغرافي، على الرغم من أن طلائع هذا الطوفان البشري المتدفق عليها، كانت قد بدأت «بشائره تهل» عليها منذ بضعة أشهر، وإن بموجات صغيرة من التسلل بواسطة قوارب الفرصة الأخيرة لكتابة حياة جديدة لهؤلاء البائسين الذين شردتهم الحروب في بلدانهم العربية.

في ذلك الوقت، في شهر إبريل/نيسان الماضي، استنفرت أوروبا أجهزتها التسييرية ودخلت مؤسسات الاتحاد الأوروبي في ماراثون من اللقاءات والاجتماعات على مختلف المستويات في أعقاب فقدان 800 مهاجر حياتهم، صنفتهم الأمم المتحدة في بياناتها «بالمهاجرين غير الشرعيين» يوم الأحد 19 إبريل 2015 إثر غرق سفينتهم قبالة السواحل الليبية بعد إبحارها من طرابلس الليبية، بينهم أطفال تتراوح أعمارهم بين 10 و12 عاماً، بينهم سوريون، وصوماليون ونحو 150 إرتيرياً. ومع ذلك شتان بين تلك الموجات الصغيرة من مهاجري قوارب بؤساء المهاجرين، وهذا السيل المتدفق فجأة على بلدان القارة الأوروبية حد الإرباك واحتلال الحيز الأكبر من اهتمامات حكوماتهم وشعوبهم وانشغالهم بها.

لقد انقسمت أوروبا بين دول مرحبة باستقبال طالبي اللجوء، ودول رافضة لاستقبالهم. وحتى الدول المرحبة منقسمة الغايات هي الأخرى، بين دول لها مطامع خاصة بها وتتصل بمشكلة تآكل قوة عملها نتيجة لمعاناتها أزمة هرم سكانها (Population aging crisis)، وتمثلها هنا وبشكل صريح ألمانيا، ودول وجدت نفسها مضطرة تحت الضغوط السياسية لبلدان المركز الرأسمالي الأوروبي، وتحديداً ألمانيا، للموافقة على مقاربة مشتركة لتوزيع اللاجئين بين الدول الأعضاء ال 28 في الاتحاد الأوروبي والقبول الإذعاني بالحصة المخصصة لها من هؤلاء المهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في بلدانهم وفي شتات المخيمات المقامة في تركيا والأردن ولبنان، وهي في معظمها بعض بلدان أوروبا الغربية. فضلاً عن وجود دول رافضة كلياً لمبدأ حصص التوزيع وبالتالي رافضة لاستقبال هؤلاء المهاجرين، ويمثل هذه الشريحة من الدول بلدان أوروبا الشرقية والوسطى، مثل المجر وتشيكيا وسلوفاكيا.

وكانت فرنسا أكدت في وقت سابق وفي أكثر من مناسبة رفضها نظام الحصص الذي اقترحته المفوضية الأوروبية لحل أزمة المهاجرين. وجاء على لسان رئيسها فرانسوا هولاند خلال لقائه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إن بلاده ترفض مبدأ الحصص، محبذاً طريقة أفضل لتقاسم أعداد المهاجرين بين دول الاتحاد.
وكانت لندن وبودابست عارضتا الفكرة منذ البدء، قبل أن تلتحق بهما دول البلطيق وبولندا وتشيكيا وسلوفاكيا.

وحتى ألمانيا التي رحبت في البداية بالمهاجرين وأفرطت في حماستها لاستقبالهم، لحد مهاجمة جارتها المجر على إجراءاتها القاسية التي اتبعتها ضد المهاجرين العابرين لحدودها في طريقهم إلى النمسا ومنها إلى ألمانيا، (حتى أطلق اللاجئون على المستشارة أنجيلا ميركل «ماما ميركل» إثر تصريحها بأن ألمانيا مستعدة لاستيعاب 800 ألف لاجىء هذا العام)، سرعان ما ابتلعت حماستها وتقاطعت مع المجر في تدابير إغلاق حدودها مع النمسا بوجه اللاجئين الوافدين إليها بعد الانتقادات التي وجهها عدد من الولايات الألمانية، كولاية بافاريا، إلى المستشارة الألمانية لفتحها أبواب البلاد أمام تدفق اللاجئين من دون أن تتوفر المخصصات المالية الكافية في موازنة الولايات والمدن والقرى الألمانية لاستيعابهم. وكانت الحكومة الألمانية قننت قبل ذلك عملية استقبال اللاجئين إليها من العراق، إذ حصرت حق الحصول على اللجوء في المسيحيين والأكراد الإيزيديين. وزير الداخلية الألماني توماس دو مازيير ذكر في حديث لقناة «زد. دي. إف» التلفزيونية الألمانية أن بلاده «تتوقع أن يتقدم نحو 800 ألف شخص بطلبات للجوء إليها هذا العام، أي أربعة أمثال عدد الطلبات في العام الماضي». موضحاً «بأنه وبالرغم من قدرة ألمانيا على التعامل مع هذا العدد إلا أن هناك حاجة لكثير من الأموال للتعامل مع أزمة اللاجئين لمدة ثلاث أو أربع أو خمس أو ست سنوات، و800 ألف عدد كبير للغاية حتى بالنسبة لبلد مثل ألمانيا».

والسؤال لماذا اختار طالبو اللجوء ألمانيا من بين سائر البلدان الأوروبية التي غامروا للوصول إلى شواطئها وحدودها البرية؟ والجواب هو حصول طالب اللجوء في ألمانيا على منحة شهرية تتراوح ما بين 350 و400 يورو، كما يحصل على فرص الإقامة المجانية طيلة فترة النظر في طلب لجوئه. إضافة إلى تمتع اللاجئ في ألمانيا بفرص التعليم والصحة والحصول على وظيفة أكثر من تلك التي يمكن أن توفرها سائر اقتصادات القارة الأوروبية التي تعاني تباطؤاً ثقيلاً منذ الأزمة المالية في عام 2008. واللافت في طوفان اللجوء الأخير الذي أقضّ مضاجع الأوروبيين، أن أغلبية أفراده هم من السوريين النازحين من بلدهم إلى مخيمات اللاجئين في تركيا والأردن ولبنان التي فر إليها نحو أربعة ملايين سوري هرباً من ويلات الحرب الأهلية الطاحنة في بلدهم. وهؤلاء يدركون أن لا أمل لهم في بلدهم حتى السنوات العشر أو العشرين القادمة. وهم لذلك قرروا المخاطرة بحياتهم أملاً في تأسيس حياة جديدة لهم في بلدان المهجر الأوروبي.

بالنسبة لألمانيا، ولطبقتها السياسية المتداولة الحكم فيما بينها، فإنها أخذت بمبدأ حساب العائد والتكاليف المعمول به في دراسات جدوى المشاريع. فهي، أي ألمانيا تعاني مشكلة الشيخوخة السكانية الناتجة عن الفجوة القائمة منذ ثمانينات القرن الماضي في عملية الإحلال الطبيعي بين المواليد والأموات بسبب تراجع معدل الخصوبة. ووجدت في هؤلاء اللاجئين، وتحديداً السوريين منهم وجلهم من صغار السن والشباب اليافع، ضالتها في ملء بعض فراغ تلك الفجوة، وهي العالمة بأنهم كانوا يتمتعون في بلاهم بنظام تعليمي جيد جداً، وانهم يتميزون بالحيوية وروح الابتكار والمخاطرة. ما يجعل الاستثمار الآني فيهم عالي الجدوى ومصدراً تعزيزياً للجباية الضريبية للخزانة الألمانية خلال عقدين من الزمن، هي فترة استرداد تكلفة الاستثمار في توطينهم.

وهكذا، فإن ما اعتقده الكثيرون للوهلة الأولى إرادة ألمانية حرة نابعة من القيم الأوروبية المسوقة في الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، واختياراً ألمانياً نزيهاً، خالياً من أية حسابات براغماتية، لم يكن في حقيقة الأمر سوى اندفاعة طائشة حركتها حسابات العائد والتكاليف، سرعان ما أعادتها الهواجس، البراغماتية أيضاً، إلى مستقرها كناظم حاكم لموقف العقلية الألمانية المركنتيلي (مذهب تجاري صرف) في نهاية الأمر.
 
 
حرر في: 25/09/2015

اقرأ المزيد