المنشور

تزايد تهديد أسلحة الدمار


كثيرة هي التهديدات المحدقة بالكوكب الأرضي وقاطنيه. وهي تتراوح بين التهديد الذي يطل برأسه بين مدة تطول أو تقصر ويتعلق بسقوط مذنبات أو أجرام سماوية على الأرض، وحدوث زلازل تفوق في قوتها طاقة احتمالها وأعاصير مصحوبة بفيضانات عارمة ومدمرة، وبين نشوب حروب تستخدم فيها الأسلحة النووية وبقية منظومة أسلحة الدمار الشامل، وانتشار أمراض وأوبئة غريبة وقاتلة، وأخيراً وليس آخراً سقوط أسلحة الدمار الشامل، وبضمنها السلاح النووي في أيدي تنظيمات إرهابية.
 
واللافت للمتابع للشؤون الدولية والتحديات الجدية التي تواجه الكوكب الأرضي التي تكاد دائرتها تضيق لتنحصر بين احتمالين لا ثالث لهما.. بين الاحتمال المستقبلي لاستمرار الحياة على الكوكب الأرضي و احتمال عدمه، أن جميع التهديدات سالفة الذكر، راحت تتقدم بوتائر متسارعة وغير مسبوقة لتصبح في ميزان نظرية الاحتمالات أقرب إلى معانقة الواقع منها إلى مجرد تحديات محسوبة العواقب تحوم من بعيد في مداراتها للإعلان عن نفسها كتهديدات قادمة تحاول تكسير الحواجز التي تعيق تقدمها واقترابها أكثر فأكثر من مبتغاها. 

الكوارث الطبيعية صارت أكثر تجاسراً وسفوراً في الإعلان عن تحديها البالغ القوة لناموس انسياب الحياة البشرية الاعتيادي على الكوكب الأرضي. فراحت تتطاول وتقتحم مناطق جغرافية وسكانية كانت حتى وقت قريب بعيدة بُعد السماء عن الأرض عن استهدافاتها. وإزاء ذلك تتناب العالم نزعتان، الأولى تشُده نحو مزيد من النمو والازدهار الاقتصادي المندفع والمنفلت العقال، والثانية تنبهه إلى النتائج الخطيرة التي بدأت تطل برأسها جراء عدم الاكتراث بعواقب ذلكم الاندفاع. ويحاول قادة العالم الذين سيلتئمون أواخر هذا الشهر في باريس لإنشاء نوع من التوازن بين هاتين النزعتين.

إنما التهديد الذي راح يسابق تهديدات الكوارث الطبيعية، هو التهديد الإرهابي الذي بات يضرب في كل بقعة تقريباً من بقاع الأرض، وتحول بعض تنظيماته في لمح البصر إلى جيوش مكتملة العدة والعتاد، مندفعة كالصاروخ للقبض على أكثر أنواع الأسلحة فتكاً ودماراً واستخدامها بدم بارد دون الاكتراث للعواقب. في شهر يونيو/حزيران الماضي، ذكرت صحيفة «ناشونال انترست» الأمريكية، إن تنظيم “داعش” اكتسب القدرة على تطوير وإنتاج الأسلحة الكيماوية، وهو ما سيضيف بعداً جديداً ومثيراً للقلق على الصراع الدائر في سوريا والعراق، مستندة في ذلك إلى الكلمة التي ألقتها وزيرة الخارجية الأسترالية جولي بيشوب أمام منتدى دولي للحد من التسلح يعرف باسم «مجموعة أستراليا» قالت فيها إن «تنظيم داعش مستعد لاستخدام أي شكل من أشكال العنف الذي يمكنه من تحقيق هدفه، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيماوية، وإن مجموعة أستراليا أخذت هذا الاحتمال على محمل الجد، خصوصا أن هذا التنظيم قام بالفعل بتجنيد المهنيين المدربين تدريباً عالياً من الناحية الفنية لتطوير الأسلحة الكيماوية، وأنه استخدم بالفعل الكلور كسلاح». 

وفي أعقاب احتلال “داعش” لمحطة أسلحة الرئيس العراقي السابق صدام حسين الكيماوية (المثنى) الواقعة على بعد 150 كم شمال شرق بغداد، في شهر يوليو/تموز من العام الماضي، انتشرت عدة تقارير عن أن “داعش” استخدم قنابل من غاز الكلور على جوانب الطرق في هجمات ضد القوات العراقية، وقيل إن هذه القنابل أسفرت عن وقوع إصابات، ولكنها لم تسفر عن سقوط قتلى، وأفادت الأنباء أيضاً بأن سلاحاً مشابهاً استخدم ضد قوات البيشمركة العراقية الكردية في مارس/آذار الماضي. وقبل أيام وتحديداً في 29 أكتوبر/تشرين أول الماضي، ذكر ميخائيل أوليانوف، مدير دائرة شؤون عدم انتشار الأسلحة والرقابة عليها في الخارجية الروسية، في تصريحات لوكالة أنباء «تاس» الروسية، «بأن تنظيم”داعش” أصبح يتمتع بقدرات إنتاجية لتصنيع أسلحة كيماوية». موضحاً بأنه «لم يعد الأمر يقتصر على حالات استخدام تنظيم”داعش”للكلور في عملياته القتالية، فهناك أدلة دامغة على استخدام التنظيم غاز الخردل وربما اللويزيت، في وقت يتطلب فيه تصنيع هذه المركبات تكنولوجيات معقدة».

بمعنى أن المنظمات الإرهابية، لاسيما تنظيما “داعش” والقاعدة وتفريعاتهما، أصبحت قاب قوسين أو أدنى من امتلاك نوع أو أكثر من أسلحة الدمار الشامل. وإذا ما قُيض لها ذلك، فإنها لن تحتفظ بها كسلاح ردع كما تفعل الدول الحائزة لها، وإنما ستسارع دون أي تردد لاستخدامها على أوسع نطاق ممكن لإحداث أفظع تدمير ممكن أن تتخيله البشرية منذ أن خبرت تجربة هيروشيما وناكازاكي، وإصابة أكبر قدر من الدوي الإعلامي والنفسي والمعنوي، وذلك بغية خلخلة الموازين وهزّ نواميس الحياة العالمية، كما تُزين لها حماقاتها.

إنما الغريب في الأمر، أن العالم، وتحديداً الدول القائدة للنظام الدولي، لا تُظهر حتى الآن ما يوحي بجديتها في التعامل الخاص والطارىء مع هذا الخطر المحدق، هذا إن لم تكن غير مكترثة، على ما هو بائن على الأقل، لتزايد فرص وإمكانية تحققه. ويزداد الأمر غرابة مع مقاربة الولايات المتحدة لهذا الخطر، إذ تبدو، من خلال الرسائل الإعلامية التي ترد في خطاب مسؤوليها، وكأنها، لحسابات خاصة بها، تحاول التقليل من شأن قدرة الجماعات الإرهابية على اقتناء الأسلحة الكيماوية والأخرى ذات الدمار الشامل، فضلاً عن عدم اكتراثها بالاتهامات التي توجه من هنا وهناك للتنظيمات الإرهابية باستخدام بعض أنواع الأسلحة الكيماوية المصنعة بطريقة بدائية ولكنها تدميرية.

في المحصلة، سوف نجد تصعيداً ملحوظاً في وتيرة تنامي قدرة الجماعات الإرهابية للوصول لمبتغاها في اقتناء الأنواع «المتاحة في متناول السوق» من أسلحة الدمار الشامل..تصعيداً لا يقابله، في القوة والجدية، جهد عالمي مضاد لإحباطه وإفشال مسعاه. فنحن، بهذا المعنى، أمام عالم ينوء بثقل أسلحة الدمار التي تتحينه وتتصيد مصيره من دون أن يكون له أمل في النجاة من هذا الحتف الذي تتزايد احتمالاته.
 
حرر في:  13/11/2015

اقرأ المزيد

لقاء لم يتم مع خالد البسام


منذ سنوات لم ألتق خالد البسام. آخر مرة التقينا كانت في معرض للكتاب بالبحرين، كان قد خرج للتو من معاناة مع المرض، وبدا لي ساعتها شاحباً ومرهقاً، لكن اتصالاته الهاتفية لم تنقطع عني أبداً. بين فترات متباعدة حيناً، متقاربة حيناً آخر كان يهاتفني. مرة قال إنه عاد قريباً من القاهرة التي أقام فيها في عمل مع دار نشر سعودية، ولكنه أنهى علاقته بالعمل وعاد إلى البحرين.
والقاهرة بالذات هي محطة جمعتنا في سنوات شبابنا المبكر، قبل أن نفترق، كل منا إلى جهة، حيث لم نمكث في المدينة إلا القليل، لكن علاقتي بخالد تمتد إلى ما قبل ذلك، حيث تزاملنا في مدرسة الحورة الثانوية مطالع السبعينات من القرن الماضي، وكنا نتشارك في إصدار مجلة المدرسة بإشراف أستاذنا الناقد أحمد المناعي أمدّ الله في عمره.

لم تكن المدرسة وحدها ما جمعنا. جمعتنا أشياء أخرى: كتب سلامة موسى ومكسيم غوركي، أشعار أحمد فؤاد نجم، كاسيتات الشيخ إمام، والاهتمام بالشأن الوطني العام، والحوارات والسجالات التي لاتنقطع حول كل ذلك.

في اتصالاته الهاتفية في الفترة الأخيرة كان خالد يلح علي أن نلتقي: دعنا نرتب لقاء قريباً، وكنا نتفق على الفكرة ويظل معلقاً تحديد الموعد، الذي لم يتم نظراً لانشغالات الحياة. وحين جاءني نبأ وفاته المفاجىء أمس الأول شعرت بندم كبير أننا لم نلتق، وللأسف الشديد لن نلتقي ثانية.

خلَّف خالد البسام رغم عمره القصير نحو ثلاثين كتاباً، وتراثاً كبيراً من المقالات الصحفية، وبين إصداراته روايتان «لا يوجد مصور في عنيزة»، و«مدرس ظفار» في الأولى تتبع حركة شخصياته من قلب الجزيرة العربية نحو البحرين والزبير وبومباي، وفي الثانية يحكي قصته عندما تطوع للعمل مدرساً فيما عرف ب«مدارس الثورة» على الحدود اليمنية – العمانية في السبعينات.

ويظل الإنجاز الأهم لخالد البسام هو كتبه حول الهوامش المنسية من تاريخ البحرين ومنطقة الخليج العربي، حيث عكف على جمع مادة واسعة حول تلك القضايا التي لا يلتفت إليها المؤرخون عادة، الذين ينكبون على تتبع الأحداث الجسام التي غيّرت مجرى هذا التاريخ من حروب وانقلابات وثورات، ولكنهم، في الغالب الأعم، يغفلون ما يمكن أن نصفه ب«هامش التاريخ» ونعني به تلك التفاصيل الكثيرة التي يبدو غالبها ذا طابع إنساني حميم، حتى لو لم تقع في بؤرة الواقعة التاريخية. 

لروح خالد البسام السلام.


 
12/11/2015

اقرأ المزيد

برهنوا أنكم جادون هذه المرة..!!


انتحر وزير ياباني قبل سنوات، وتحديداً وزير الزراعة، لشعوره بالمسؤولية تجاه مخالفات مالية تتعلق بتبرعات وعقود مزورة حدثت في وزارته..!!

الوزير الياباني بالطبع لم يغيب مسؤوليته السياسية ولم يسارع الى التبرير او التنصل او نفض اليد من المسؤولية، او يبسط هذه المخالفات او يسطح تداعياتها أو يعتمد على من ينتشله منها، وكان بمقدوره أياً كانت الأخطاء والمخالفات التي ارتكبها مرؤوسوه ان يطمس معالمها او يحمل المسؤولية طرفاً او أطرافاً من صغار الموظفين او كبارهم، ولكنه لم يفعل ذلك بل استشعر المسؤولية، وهناك لا يحتاجون الى صحوة لفهم معنى ومغزى المسؤولية، اكترث بالرأي العام وبسخط الناس واعلن على الملأ: «انني وبكل الألم اشعر بالمسؤولية البالغة والتقصير الفادح بصفتي وزيراً مشرفاً مؤتمناً على مسؤولية عامة، واعتقد انه كان يجب عليَّ ان امنع ما وقع لأنني أولاً وبالنهاية المسؤول..

شعور الوزير الياباني عذبه ودفعه الى الانتحار.. وبجانب ذلك لا نستطيع ان نتخلص من الدهشة ونحن نستحضر حالات اخرى كثيرة لوزراء ومسؤولين في دول اخرى عديدة، لم ينتحروا ولكنهم كانوا يعرفون حقاً قيمة المسؤولية ومقتضياتها، مثل حالة رئيس البنك السويسري الذي قدم استقالته لأن زوجته باعت واشترت وحولت من الفرنك السويسري الى عملات اخرى بناءً على معلومات منه، مما أتاح لها تحقيق أرباح ليست متاحة لغيرها، وفي بريطانيا طار مسؤول رفيع من منصبه؛ لأنه سهل منح تأشيرة غير قانونية لمربية اطفال آسيوية، كما طار مسؤول رفيع آخر استخدم المال العام في سفريات ونفقات شخصية..!! 

تقفز الى الذهن مباشرة هذه النوعية من الأخبار، نذكر بها ونلفت الانتظار إليها لعلها تعني شيئاً بالنسبة لنا، او يفترض انها تعني شيئاً لا سيما فيما يخص ملف المسؤولية العامة فى واقعنا الراهن، وفي هذه اﻻيام بالذات بعد كل هذا الكم الكبير من التجاوزات والمخالفات والانحرافات والأخطاء والخطايا التي كشف عنها التقرير الجديد الثاني عشر لديوان الرقابة المالية والادارية، وهى التى يمكن ان تهز اي بلد آخر يحاسب بجدٍ وبحسم الجالسين فوق الكراسي ممن يتولون مسؤوليات عامة ويرتكبون الاخطاء الجسيمة بحق الناس والبلد.. ووجدنا هناك كيف ان انحرافات اي مسؤول تفجر العديد من الأصداء والتداعيات في اوساط النخبة ومنابر الرأي العام والجهات المسؤولة. 

هل يمكن ان يمر مرور الكرام هذا التراكم من الانكشافات على مواضع خلل وأخطاء وفساد، وإشارات اي الأسباب والمصادر وتظل المسؤولية غائبة او مغيبة، وتهتك وبشكل مروع ابسط قواعدها..؟ ولم يجد المواطن ما يقابل ذلك إلا الكلام المنمق والمكرر والشعارات التي تعطي وهماً باستيعاب مفهوم المسؤولية وتفعيل المحاسبة وتصحيح الاعوجاجات المتراكمة، أما النواب فنحن لا نذهب بعيداً في الطموح بشأنهم، والتعويل عليهم، فهاهم يردحون على وقع التقرير الجديد، ولن نستغرب او نستنكر ان عجزوا عن تفعيل دورهم المفترض والمغيب، فقد تعودنا منهم المراوحة، وان يملئوا الدنيا ضجيجاً ووعيداً وكل ما يدغدغ مشاعر الناس، ولكنهم بالنهاية لا يحققون شيئاً ذا قيمة، هذا ما ألفناه على مدى السنوات الاحدى عشرة الماضية، وها هم اليوم امام امتحان جديد، والرهان قائم اذا ما كان نوابنا جادون في فعل يخالف التوقعات، ويتخطى المشهد العبثي الذي يستحضر عند صدور كل تقرير، فقد بدأ منهم من يعزف على وتر استخدامه للأدوات الدستورية لمحاسبة المتجاورين، وآخرين يلوحون بمساءلة وزير المواصلات واستجواب وزيرة الصحة، وذهب نائب الى تبشيرنا بان سياسة غياب المحاسبة والانفلات من العقاب ولَّت الى غير رجعة، وبالاضافة الى ذلك وجدنا من هم بحسبة سياسيين يعبرون عن استيائهم من المخالفات ويؤكدون بان استمرار الهدر في المال العام يتطلب وقفة أفعال لا أقوال..!!

اذا استحضرتم العناوين التي أوردتها الصحف في الأسبوع الماضي نقلاً عن ما تضمنه التقرير، واذا رجعتم الى أرشيف اي جريدة عبر محرك البحث الشهير «غوغل» لمطالعة فحوى التقارير السابقة وقلبتم صفحة من صفحات النكد وتقليب المواجع، ودققتم في ردود الأفعال حولها، من كل الأطراف، من تهديدات ووعيد وتطمينات، والإصرار على ان ما تتضمنه هذه التقارير بانها مجرد ملاحظات، ستكتشفون، وأظن بأنكم اكتشفتم وانتهى الأمر، ان لدينا مخزوناً من الصبر والتحمل حين جعلنا هذه التقارير في الفعل ورد الفعل عرفاً سنوياً جرى واستقر لينتهي الأمر الى لا شيء، لم نجد وزيراً اعترف بخطأ، او مسؤولاً يستقيل متحملاً مسؤولية خطأ واقع في نطاق عمله او وزارته او الاجهزة التابعة له – المعلوم بان ثقافة اللامسؤولية هي التي تفسر غياب ثقافة الاستقالة – وكأن ما يرصده ويوثقه ديوان الرقابة على نحو متصل منذ اكثر من عقد من الزمن قد جاء من العدم، ومن بمقدوره ان يتابع ويحلل قد يخلص الى ان هناك قدراً من اللامبالاة مثير للانتباه في تضييع او تمييع قيم المساءلة والحساب والعقاب، بل قد يجد من هم معنيون او متورطون بالأخطاء والمخالفات ثابتون في مواقعهم لم يتزحزح اي منهم عن موقعه قيد أنملة، لم يبعد او يقال ولم يستقل منهم احد، ومن تحرك او حرك نحو وضع افضل، والاخطاء والتجاوزات تتكرر كل عام، وبالنتيجة ننتهي الى ان كل ما قيل ويقال بعد صدور كل تقرير مجرد كلام ووعود وأننا لازلنا نراوح في مكاننا رغم الحالات المحددة والمحدودة التي قيل بانها رفعت الى النيابة العامة، لتظل مواطن الضعف والخلل، ومواطن الفساد والتحلل العام تدمغنا بالعجز والعبثية. 

هذا ملف لا يمكن تركه للاستباحة الكلامية الجوفاء، والكلام موجه لكل المعنيين، او من يفترض انهم معنيون من مسؤولين، ونواب وغيرهم، تفضلوا استعيضوا بالمضمون عن الشكل، وبالفعل عن القول، وبرهنوا أنكم جادون هذه المرة..!!
 



10
 نوفمبر 2015

 

اقرأ المزيد

الخليج العربي: ما قبل وما بعد


إحدى المعضلات التي يواجهها الباحث في التاريخ الثقافي – الاجتماعي لمجتمعات الخليج العربية، هي التحقيب المنهجي للمراحل، بمعنى تقسيم هذا التاريخ إلى حقب زمنية متتالية، واحدة تلي الأخرى، فمثل هذا التحقيب يساعد على بسط المادة موضوع الدرس وتسهيل معرفة ما الذي ميّز كل فترة زمنية عن الأخرى من خصائص وسمات.
 
تنشأ هذه المعضلة من حقيقة أن هذه المنطقة عاشت عزلة طويلة ممتدة، ما جعلها في حال من الجمود والثبات، أو أقلها بطء التحول، فلا نكاد نعثر ونحن ندرس تاريخاً ممتداً ما يمكن أن نعده تضاريس مختلفة يمكننا على أساسها أن نفصل بين مرحلتين: سابقة وتالية، بحيث نلحظ مظاهر تغيير ملموس يعتد به ويبرر مثل هذا التقسيم.

صحيح أن ثمة نزاعات وحروباً وحركة تنقلات للقبائل من منطقة إلى أخرى في إطار الإقليم الواسع الذي نعرفه باسم الخليج والجزيرة العربية، لكن لم يكن من شأن كل هذا أن يحدث نقلة نوعية تطال البنى الاجتماعية المستقرة التي ظلت عصية على التفكيك الذي يعتد به، حتى وإن طالتها تغيرات في المظهر الخارجي الذي لا يذهب عميقاً في العصب.

التحقيب الكبير الحاسم، لو ذهبنا بعيداً في التاريخ، هو ظهور الإسلام في جزيرة العرب بما أحدثه من انعطافة تاريخية وحضارية كبرى، حقّ للتاريخ نفسه أن يقسمها إلى مرحلتين: ما قبل الإسلام وما بعده، لكن ما أن انتقل المركز الحضاري العربي والإسلامي إلى الحواضر الأخرى مثل الشام وبغداد والقاهرة والأندلس، حتى عادت حال الثبات لتطبع أوجه الحياة في الجزيرة العربية.

يمكن للباحث في التاريخ السياسي لأسباب إجرائية بحتة أن يتحدث عن نشوء الدول الخليجية المستقلة بعد انتهاء عهد ما عرف ب«الحماية» البريطانية على بلدان الخليج العربي، التي لم تكن سوى النسخة الخاصة بهذه المنطقة من الاستعمار، بما قد يقابل الانتداب الفرنسي في البلدان العربية المشرقية، ويرى في ذلك تحقيباً لمرحلتين: ما قبل الاستقلال، وما بعده.

هذه النقلة ما كانت ستكون بالأهمية المتوقعة لو لم تترافق مع تحول دول الخليج جميعاً إلى بلدان منتجة ومصدرة للنفط، بالنظر إلى ما أحدثته عائدات هذا النفط من آثار حاسمة على مجمل التطور الاجتماعي في مجتمعات المنطقة.

هنا نشأت لحظة تاريخية تجيز لنا الحديث عما قبل وعما بعد، ما قبل النفط وما بعده.
 


حرر في: 08/11/2015
 

اقرأ المزيد

أفيقوا.. يرحمكم الله ..!!


ليس تجاسراً على إمكانية المقارنة، ولكننا في الوقت ذاته لا نجيز لأنفسنا الغفلة عن مراقبة ومتابعة ما يجري أو يدور حولنا من تجارب وخبرات بعض دول العالم المتقدم، نلتقطها ونتمعن فيها ونحن نعلل النفس بالاستئناس بما وصلوا، أو بلوغ ما يفيد الاقتداء به بشكل ما، بدرجة ما، أو في أحسن الأحوال لنعتبرها مجرد محاولة اطلاع على تجارب الآخرين من باب الإحاطة والعلم، لعل هذا يكفي..!!

نتحدث تحديداً في شأن تجربة التعاطي مع قيم المساءلة والمحاسبة، والاستجواب البرلماني، والحديث هنا لا يمت من قريب أو بعيد الى ما يتعلق بهذه الأداة البرلمانية في مجلسنا النيابي الذي لم يشهد من سنوات حتى الآن سوى التلويح مرة تلو المرة باستجوابات لم تجهض جميعها فحسب بفعل فاعل أو فاعلين، وإنما وجدنا النواب وليس غيرهم وهم يفرضون قيوداً على الاستجواب في صورة نكرر بأنها عبَّرت عن عبث برلماني كامل الدسم..!! لا أحد يفكر في الهرب من هذه الحقيقة..!!

نتوقف هذه المرة تحديداً عند واقعة استجواب وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة والمرشحة للرئيسة الأمريكية هيلاري كلينتون والذي جرى مؤخراً وعلناً، وذلك على خلفية تفجير السفارة الأمريكية في بنغازي بليبيا في عام 2012، إذ حملت مسؤولية عدم اتخاذها الاحتياطيات اللازمة لحماية السفارة ومنسوبيها، بجانب تهمة استخدامها بريدها الإليكتروني الخاص في العمل الرسمي إبان عملها وزيرة للخارجية.

ليس واراداً البتة أن نحكم على المذكورة لها أو عليها فذلك من حق الشعب الأمريكي، أو إقرار ما اعتبره البعض من أن ذلك الاستجواب وراءه لوبيات مصالح لتنقية سيرة كلينتون حتى تكون بلا شوائب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ولكن الوارد عندنا أن نلاحظ هذا الدرس في الممارسة الفعلية في المساءلة البرلمانية التي جرت على مدى 6 ساعات وعلى فترتين، طرحت حججَ وأسانيد وهجوماً ودفاعاً بين ممثلي الحزبين الجمهوري والديمقراطي، لم تنفعل المستجوبة، ولم تفقد توازنها، ولم يشكك احد في وطنية أحد، ولم يعتبر أحداً أن هذا وطني صافٍ ومصفى، وذاك طائش أو خائن وعديم الولاء، ولم يعتبر احد هذا الاستجواب تعدياً على هيبة الدولة، أو نوعاً من التأزيم معها، ولم يحاول احد أن يعبّئ أو يحشّد قوى المجتمع ليقف مع أو ضد الاستجواب، أو تفسيره بشكل يحقر العقل والمنطق والناس..!! وأحسب أن هذا واحد من الدروس التي يعجز عن فهمه أو استيعابه المترددون والعاجزون ومن ينشغلون ويشغلون في قضايا هامشية، ومن يتحركون بـ «الرموت كونترول»، ومن لا يفهمون الاستجواب البرلماني إلا الشعار، والضوابط والقيود، أو يعجزون علماً أو موهبة، أو كفاءة في تحقيق استجواب حقيقي له أركانه وله تبعاته وله صداه.

هو أيضاً درس نخلص منه الى أن اسباب تقصير أي وزير أو مسؤول لا تذهب هباءً، ولا تضيع مساءلة من يتوجب مساءلته مهما ارتفع شأنه ومقامه، ومهما مرَّت السنوات، ولا يعرف عندهم مسألة «عفا الله عما سلف»، ولا هذا ولدنا، أو ذاك محسوب علينا، أو هذا موالٍ لنا، أو ذاك محصن.. من يخطئ أو يقصر أو يتجاوز أو يهمل أو يفسد يُساءل ويُحاسب ويُعاقب، وبدا أن الاستجوابات هناك لا تسخف في لعبة الاستمالات والمقايضات والمساومات، ولا تكسرها أو تميعها أو تقزمها التهديدات أو المصالح والحسابات الخاصة أو العطايا والمنافع المفتضحة أو الدسائس وكلها تفرغ الاستجواب حتى من الفراغ، ولنا في الماضي القريب دليل، بل أدلة..!! 

لعله درس آخر يتوجب استيعابه مهما كان الرأي في السياسات الأمريكية الخارجية، درس يبرهن لنا أن من يمثلون الشعب هناك لا يسارعون الى خسارة ما يكسبونه، ولا يتقدمون خطوة ليتراجعوا عشراً، ولا يدقون ابواب الوزراء لينجزوا معاملة خاصة ويظهروا في صورة انهم يناقشون أمور الشعب، ويتناسون أن أمور الشعب لا تناقش في لقاءات ثنائية وفي المكاتب الخاصة، وهناك لا يصل بهم الهوس أن يقولوا أي كلام أو يستنطقوا بأي كلام في أي شأن ومجال حتى لو لم يكن مفهوماً من احد، أو مستغرباً من نائب يمثل الشعب، هناك باختصار الديمقراطية حتمية ومصير، لا تمنح كمكرمة حسب التياسير، أو تستجدى من المقامات العليا، ولا يكون لها ألف تفسير وتفسير كلها لا تنبت سوى الشعارات التي لا تؤدي الى جوهر الديمقراطية، أو تجعل الديمقراطية استحقاقاً مؤجلاً الى أجل غير معلوم.. أو تجعل الديمقراطية ضحية لنا نضطهدها وننكل بها كيفما أردنا، بل ونذهب الى فبركة وتأليف الانجازات وكله باسم الديمقراطية..!! الى الحد الذي يجعل الكيان الذي يمثل الشعب منبراً لطحن الكلام من إشادات وتبريكات بمناسبة ومن غير مناسبة، وتدفق غير محدود من التصريحات والمواقف والحماقات التي إن عبرت عن شيء فإنما تعبر بالدرجة الأولى أن النائب لا يدرك حقاً معنى أن يكون نائباً، أو انه يصر على ان يكون موظفاً حكومياً بدرجة نائب، وافهموا هذا الكلام كيفما شئتم..!! 

هل يمكن أن يستخلص نوابنا العِبر من تلك التجربة، ومن تجارب أخرى عديدة يمكن التنويه والتذكير بها، وهي على وجه الإجمال تؤدي بنا الى خلاصة تدفعنا التوجه الى نوابنا بالقول: أفيقوا يرحمكم الله..!! 
  



 
3
نوفمبر 2015


 

اقرأ المزيد

من يصنع الطاغية؟


ما مدى مسؤولية الجمهور الذين يستبد بهم الطاغية، في نهاية المطاف، عن صناعته، أو في بناء آخر للسؤال: هل بوسع الطاغية أن يكون طاغية لولا قابلية الجمهور لقبول الطغيان، وتمكين الطاغية من رقابهم؟
 
كيف نفسر«نجاح» الكثير من الطغاة عبر التاريخ في أسر كتل كبيرة من الجمهور، تسير خلفهم وهي مغمضة الأعين، مؤيدة كل ما يفعلونه، حتى لو كان ذلك ضد مصالح هذه الكتل الجماهيرية ذاتها؟

هل كان بوسع النازية أن تتحول إلى ما تحولت إليه من طغيان بحيث قادت البشرية إلى حرب عالمية مدمرة استمرت سنوات، لولا أنها وجدت حولها الأعداد الهائلة من المؤيدين داخل ألمانيا وحتى خارجها. وما يقال عن النازية يمكن أن يقال عن ظواهر مشابهة لها عرفها التاريخ.

كيف بوسع تنظيم إرهابي مثل «داعش» أن يستحوذ على أذهان وأفئدة أعداد ليست قليلة من الشبان العرب الذين يأخذون أنفسهم نحو التهلكة جرياً وراء أوهام، ولا يترددون في اقتراف ما تقشعر الأبدان من مجرد التفكير فيه من جرائم، فضلاً عن الإتيان بها، بخلاف الفطرة السوية التي ولدوا بها وربتهم عائلاتهم عليها؟

ولأننا بدأنا أمثلتنا بالنازية، فإننا قد نجد جواباً، أو ما يشبه الجواب، عند زعيمها هتلر الذي قال: «الجماهير مثل امرأة تنتظر من يغازلها»، ولو سعينا لشرح العبارة لوجدنا أن هتلر يقصد أن من يفلح في دغدغة مشاعر الجماهير، يفلح في كسبها. مهارة الديكتاتور أو الطاغية تكمن هنا: معرفة نقطة الضعف في الجماهير: دغدغة عاطفتها، باللعب على أوتار القوة والمجد والعظمة وما إليها.

في أحد مؤلفات أمين معلوف قرأت له العبارة التالية، أو ما هو في معناها: «الجماهير لا يجب إقناعها.. يكفي تهييجها». ولعل هذه العبارة تفسر ما قلناه أعلاه بإيجاز وبلاغة، لأن الحشد عادة لا يفكر بعقله، إنما بحماسه.

لا يمكن هنا، ونحن نتناول هذه المسألة، إغفال الكتاب الشهير لجوستان لوبون: «سايكولوجيا الجماهير»، ففي أحد مواضعه يقف الرجل عند نقطة شديدة النباهة حين يقول: «إن الأفراد حين يتحولون إلى جمهور يتسمون بعقل جمعي يحملهم على أن يشعروا ويفكروا ويعملوا بأسلوب مباين لأسلوب كل فرد منهم على حدة إذا ما كان بمعزل عن الآخرين».

علينا ألا نستغرب بعد ذاك، كيف أن الحشود الهائلة التي تملأ الساحات سرعان ما تنفض، فيعود كل فرد فيها إلى ما كان عليه.
 
حرر في:  02/11/2015

اقرأ المزيد

الوطني والعالمي


يقول ريجيس دوبريه إنه اكتشف فرنسيته يوم كان يعيش في بوليفيا، علماً بأنه ذهب إلى هناك ليشارك ثوارها الكفاح ضد الحكم العسكري المدعوم من الغرب. أي أنه ذهب لتجاوز فرنسيته أو تخطيها، بالانخراط في ما كان على يقين من أنه عالمي أو أممي.

«حين يكون واحدنا بعيداً عن وطنه يكتشف ماذا يعني أن يكون له وطن»، تلك هي الخلاصة التي صاغها دوبريه في وقتٍ لاحق، مؤكداً: «إن كل ما هو عالمي خادع، فالناس محليون أولاً».
هذه خُلاصةٌ حَريةٌ بالمعاينة والفحص، خاصة أن ريجيس دوبريه هو واحدٌ من أوائل الذين لاحظوا أن العالمَ يزداد تشرذماً بازدياد وتائر توحيده.

هذا التوحيد هو توحيد مصطنع، كما لاحظ جان زيغلر الذي حاور دوبريه في مقابلةٍ إذاعية، لأن قوامه الصورة والأقمار الصناعية وشركات الاتصالات والمواصلات، فكلما تعمقَ تدويل الاقتصاد وازدادت وتائره، انتعشت آليات الدفاع الرمزية لدى الأمم الأخرى وازدادت نشاطاً.

وهذه الآليات تنضوي تحت العنوان الكبير الذي نُسميه: «الهوية»، في حالة ارتدادٍ إلى الذات أو تمسكٍ بالجذور. يحدث ذلك لأن هذا التدويل يرمي لتسييد أو إعلاء نمطٍ من الثقافة.

هذا التدويل، برأي دوبريه، هو مزحة خشنة، تنتج عنها حالات «البلقنة» الواسعة التي نشهدها في أكثر من بقعةٍ في العالم، التي ليس من الضروري أن ترتدي لبوساً دموياً على النحو الذي جرى في البلقان، وعلى النحو الذي نشهده عندنا في خريفنا العربي، وإنما يمكن أن يتخذ أشكالاً أخرى قد تُفضي لاحقاً إلى نزاعات يصعب تسويتها. 

ريجيس دوبريه لم يعد ذلك الثائر، رفيق تشي جيفارا الذي ترك بلده فرنسا وذهب إلى أمريكا اللاتينية مشاركاً في حرب العصابات التي خِيضتْ هناك ذات مدة في السبعينات الماضية، فهو اليوم أميل إلى القناعة بأن آليات النمو الرأسمالية واقتصاد السوق هي من الكفاءة بحيث لا سبيل لمواجهتها.

لكن الحس الأخلاقي، المثالي، إن صح القول، في تكوينه كمثقفٍ وباحث يَحملهُ على العمل في سبيل ألا يكتسح مبدأ «كل شيء مطروح في السوق» كافة قطاعات النشاط البشري.

وهو إذ يعي أن هذا الكوكب في سبيله إلى التحول، أو أنه يتحول فعلاً، إلى «سوبر ماركت» كبير، فإنه يطالب بأن تكون هناك جزر صغيرة كالدولة والثقافة والتعليم خارج قانون العرض والطلب.
 
 
حرر في:  29/10/2015

اقرأ المزيد

اليسار وطرق النضال في سبيل تغيير نظم العالم من الراسمالية الى الاشتراكية


هنا اقصد بكلمة اليسار و هي  التي تجمع كل اطراف الماركسين الذين  قد اختلفوا في وجهات النظر في مسالة التحليل  لقضايا سياسية او اقتصادية او فكرية لكنهم متمسكون بالاسس الماركسية التي استقر عليها معظم منظري الماركسية على ان النظام الراسمالي العالمي وكل الحلفاء له من الانظمة و القوى المجتمعية  هم اعداء الشعوب المطحونة، والمعذبة و المضطهدة، وفي المقدمة جماهير  الطبقة العاملة وسائر الشغيلة  التي تعاني من الظلم جراء الاستغلال البشع من قبل البرجوازية الراسمالية الاحتكارية على مستوى العالم، هذا منذ بسط الهيمنة و النفوذ للبرجوازية الراسمالية على القرار الاقتصادي و الاجتماعي والسياسي في العالم، ذلك بعد ان تم القضاء من قبل الطبقة البرجوازية الراسمالية تدريجياً على نظام الطبقة الاقطاعية التي كانت تهيمن على كل مفاصل الحياة في الدول الاوروبية و امريكا، وقيام اسس النظام الراسمالي مع الاختلاف في نوعية الانظمة  الفيدرالية، او الجمهورية، او الملكية الدستورية، و بها قد تم  استقرار اوروبا و امريكا، بعد حقبة من التاريخ كانت فيها اوروبا مسرحاً للصراع السياسي والمذهبي، وكانت قبلة  للحروب الطاحنة واخرها الحرب العالمية الثانية التي كان للاتحاد السوفييتي الفضل في هزيمة النازية الهتلرية مع مطلع عام 1944.

واذا نظرنا للعالم من حولنا في هذه الحقبة من الزمن و المستجدات على ارض الواقع في الجوانب الاقتصادية و السياسية و العسكرية و الاجتماعية، ومدى محنة الشعوب في عدم الاستقرار و الامن و السلام، نقول ان الراسمالية لاتستطيع ان توفر العدالة الاجتماعية لا للشعوب الامريكية او الاوروبية و لا لشعوب العالم، وان شعار الرفاهية التي يطلق من قبل زعماء النظم الدكتاتورية الراسمالية ماهو الا ذر الرماد في العيون لتجميل النظم الراسمالية تارة بشعار الاصلاح و الديمقراطية التي فيها تهدر كرامة الانسان عندما يطالب بشيء من العدالة لاسترجاع حقوقه المسلوبة، و ها نحن نرى كيف للانظمة الراسمالية وهي تلعب بعقلية  الازدواجية، ذلك حسب المصالح للانظمة البرجوازية الراسمالية في كل الاقطار مع الازدياد المطرد في البطالة و الفقر و المزيد من  البشر المشردون جراء السياسات للنظام الراسمالي العالمي,  ثم لنا في الوطن العربي الامثلة الحقيقية.



“مسألة تدهور حقوق الانسان في ظل النظم الراسمالية”

ان مسالة التقدير لحقوق الانسان من بلد لاخر تعتمد على مقدار العدالة الاجتماعية, و تفعيل  القوانين التي تطبق على الناس, وهل هي تطبق على الجميع ام لا, طبعا  هناك فوارق في مثل هذه المسالة الا ان معظم النظم الراسمالية بما فيها امريكا التي فيها السود  وغيرهم من الشعوب في امريكا, مثل الهنود الحمر الذين هم الاصل التاريخي للشعب الامريكي ومعاناتهم اليومية في ظل التفرقة العنصرية.

ثم نحن نعيش الانفصام في عقلية من يديرون في النظام الراسمالي الحلول لقضايا العالم, و حين يغضون الطرف عن الانتهاكات لحقوق الانسان من قبل النظام الاسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني برضا النظام العربي المتمثل في الجامعة العربية, وايضا هناك التدهور في حقوق الانسان في ظل نظم عربية لايوجه لها النقد من قبل امريكا, و الاتحاد الاوروبي  لانها تأتمر بالاوامر للنظام الراسمالي العالمي, وفي خدمة المصالح للامبريالية,  وهي تدعم العملية السياسية المدعومة من النظام الراسمالي في تأييد القوى المتطرفة الارهابية, وحماية الانظمة التي تشكلها و تمولها و تدعمها, ومثل هذه الانظمة تنتهك حقوق الانسان لشعوبها و الشعوب الاخرى بشكل سافر وبغطاء اعلامي راسمالي متنوع.


“اليسار في العالم والبحث عن التغيير بكل الطرق المشروعة”

طبيعي جداً ان هناك من يستخفون بكل الاسس و المبادئ للماركسية خصوصا الانتهازيون في زمن العولمة, الا انهم في نفس الوقت يعلمون علم اليقين ان ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمي في روسيا عام 1917 بقيادة البلاشفة وعلى رأسهم القائد العظيم فلاديمير التش لينين الذي قد اسس لاول نظام اشتراكي في العالم, تطبيقا للمثل العليا للمبادئ و الاسس للافكار الماركسية, وهي التي قال منظروها ان كل الافكار التي خرجت قبل الماركسية كانت لا تجد مخارج للقضاء على الظلم و الفقر و الجوع و البطالة, الا مع بعض الاصلاح في حين ان الماركسية قلبت الموازين ودعت لتغيير العالم من خلال تغيير النظام الراسمالي وبناء الاشتراكية, وقد وضعت الاسس لنضال الشعوب في سبيل التغيير بالطرق السلمية, او الثورية ابتداء من ظهور البيان الشيوعي في 18 مارس عام 1848 .

ايضا ان اول تجربة للنظام الاشتراكي بعد كومونة باريس هي ثورة اكتوبر العظمى في روسيا و قد دامت 70 عاما, وقد ناصرت الشعوب المضطهدة في العالم لولا ان هناك الانتهازية في صفوف الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي, و الاخطاء السياسية و الاقتصادية و التدخل من قبل المخابرات الامريكية و الاوروبية, وتكالب القوى الرجعية العربية وغيرها من خلال وقوفها لمناصرة طالبان وأخواتها في افغانستان بعد القرار الروسي في حماية نظام كابل الموالي الى روسيا,  ذاك بقيادة براك كارمل اليساري, وسبق ذلك الحرب الباردة التي فيها قد سخرت كل الاموال من قبل الامبريالية و النظم الرجعية العميلة و الصهيونية في سبيل ان تنهار اول تجربة للاشتراكية في الاتحاد السوفياتي.

لكن بدون ادنى شك ان هذه التجربة الغنية  لبناء النظام الاشتراكي في الاتحاد السوفياتي قد فعلت الاسس للماركسية, وقد اثرت كثيراً في سلوك القوى المناضلة المؤمنة بذلك, وهي الاحزاب الشيوعية و العمالية و حركة الطبقة العاملة, و النقابية وسائر الشعوب المضطهدة.  ان اوهام الراسمالية قد اسقطتها التجربة  الاشتراكية في روسيا و للابد, وان التجربة الاشتراكية اصبحت من اغنى  التجارب  ولها تاثير خصوصا كلما تمر الراسمالية بأزمات ويطرح امام الشعوب المناضلة اليسارية البديل للنظام الراسمالي, وهي الاشتراكية, وها نحن اليوم نرى القوة في عودة حركة اليسار العالمي علي مستوى العالم وزيادة الدور للشيوعيين وحركة اليسار في اوروبا و العالم وقد اصبح اليسار العالمي اليوم يرفع الشعارات الشيوعية و الاشتراكية و الماركسية, ثم عاد رفع العلم الروسي المطرقة و المنجل و صور المناضل الاممي جيفارا للواجهة وان الماركسية أعيد لها الاعتبار ذلك بعد الازمة المالية للنظام الراسمالي في 2008 ,والتي من خلالها قد اصبحت الشعوب الاوروبية و الامريكية لا تثق بالأوهام، التي كانت تعتقد بأن النظام الرأسمالي هو من يوفر الرفاهية للشعوب ما عدا للطبقة البرجوازية الرأسمالية وحلفائها.
 
“ضرورة بناء الشخصية القوية في صفوف الماركسين المناضلين”
 
هنا نستطيع ان نجزم انه لا يمكن ان تتحقق الاحلام للماركسين او للطبقة العاملة و للطبقات و الشعوب  المضطهده و التي تريد  ان تنال حقوقها اذا لم تتخلص هذه القوى من عقلية الاتكالية و الانهزامية, و الاعتماد على قدراتها. ايضا لايمكن ان تتحقق اهداف الشعوب المناضلة في ليلة وضحاها خصوصا الشعوب العربية التي ترزح تحت حكم لانظمة و معظمها دكتاتورية تهيمن على كل القرارات وتريد من الشعوب العربية ان تكون مطيعة والا سوف تواجه بالنار و الحديد.

وعليه ان الاحزاب الشيوعية و الماركسية العربية بحاجة ماسة ان تربي لها اجيال من المناضلين الماركسين الذين  يتمتعون بشخصية قوية تتحلى بالوعي الحقيقي, و الادراك فائق النظير و العزم الشديد لاسباب عديدة, و من الاهم هو ان هذه الكوادر اليسارية تصبح لديها المعرفة في المحافظة على كيان الحزب, ولديها الامكانيات لتضحي في سبيل ان يبقي الحزب شامخا.  ايضا من المهام الضرورية العمل باصرار لبناء قواعد الحزب مع التوسع  في الانشطة الاجتماعية, و الجماهيرية, في صفوف كل الكادحين لاسيما العمال و فقراء الشعب و ان يتغلغل الحزب في صفوف النساء والشباب من خلال بناء الكوادر المثقفة الواعية و الموهوبة,   لان بروز مثل هذه الكوادر المناضلة الفاعلة  في صفوف الحزب اليساري هي التي من الممكن ان  تستطيع ان تنظم مسار الحزب من خلال  التربية الحزبية, و هنا حتما سوف تخرج الاحزاب اليسارية كوادر لها الشخصية القوية المؤثرة و الجاذبة للجماهير اينما كانت.

ايضا ان مثل هذه الكوادر الفاعلة المناضلة في صفوف الاحزاب اليسارية  بإمكانها ان تغير من  درجات الجهل في صفوف الجماهير خصوصا في الوطن العربي,  وان تعطي الامل للجماهير في امكانياتهم  بأن يغيروا الواقع المر لواقع احلى, وعليه ان الكادر الماركسي المحنك المثقف بعلوم الماركسية اللينينية هو  الذي يمتلك الحجة و يتغلب على الاخرين في طرق الاقناع و استغلال التناقضات بين الناس او الخصوم لاثبات مواقفه, و هو من سوف يغير سلوك الناس بالجدل العلمي, و المواقف المتوازنه و  بالخطاب الديمقراطي, وسعة الصدر،و تقبل  الاخرين بعيدا عن الانفعالات الحادة التي تفسد الود.
 
“نضال الشيوعيين في العالم بلاحدود”

هنا يجب ان نكون  في جانب من الاطمئنان لكل الافراد والجماعات من المناضلين الماركسين, و لابد ان نرجع لتاريخنا النظري و تاريخنا النضالي من خلال معرفة تاريخ الحركة الشيوعية و العمالية  العالمية, وان نرجع لتاريخ صدور البيان الشيوعي الذي اسس لقيادة و توجه الحركات و الاحزاب الماركسية و العمالية  الاممية على مستوى العالم, و منذ تلك الحقبة لهذا التاريخ وكيف تفجرت الثورات الاشتراكية في العالم, ولو ان هناك فوارق في نوعية هذه الانظمة و في المقدمة ثورة اكتوبر العظمى, ولو انهار الاتحاد السوفياتي الا انها لاتزال قائمة وايضا  في كوبا وفيتنام و الصين وكوريا الشمالية, وهناك بلدان تسير على الخط اليساري مثل فنزويلا وغيرها, و ذلك تحركات القوى اليسارية في اوروبا وفي المقدمة اليونان وفي شهر اكتوبر 2015, قد تحققت الانتصارات للشيوعيين في النيبال في حسم رئاسة مجلس الوزراء للشيوعي خادغا برساد,  ورئاسة النيبال للشيوعية ديفي بهاندري, وهما من الحزب الشيوعي النيبالي الموحد الماركسي اللينيني, و مثل هذا الانتصار للشيوعيين في النيبال  يعطي الامل للماركسين و الشيوعين العرب ان يناضلوا في صفوف الجماهير لتحقيق المكاسب التي لا يمكن ان تتحقق الا بتنويع طرق النضال في صفوف الجماهير المتعطشة للتغيير, من الراسمالية الى الاشتراكية, وهذا يعطينا الحق ان ننتقد كل ماركسي  يجلس في القاعات وفي الصفوف الامامية لينظر وهو بعيد كل البعد عن ساحات النضال, ثم ان كل المناضلين يتفقون جيدا على  ان الماركسية هي فكر ثوري ظهر ليس لتفسير حياة الشعوب المضطهدة, بل من اجل تغيير العالم وتحرير الشعوب من الاضطهاد.

وهنا هذه الكلمات المأثورة للمناضل الاممي و الماركسي الصلب الشهيد تيشئ جيفارا :” ايها الساجدون على عتبات الجوع, ثوروا فان الخبز لا يأتي بالركوع”.
 
 
جواد المرخي

اقرأ المزيد

مدّ أجل الورطة الأمريكية في أفغانستان


في الخامس عشر من أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، أعطى الكونغرس الأمريكي للرئيس باراك أوباما شيكاً على بياض بتأييد قراره الذي قضى بتمديد بقاء آلاف الجنود الأمريكيين في أفغانستان حتى انتهاء ولايته نهاية العام القادم وطوال العام الذي يليه. فكان أن أغضب ذلك «باربارا جين لي» عضو مجلس النواب عن الحزب الديمقراطي ممثلة إحدى الدوائر الانتخابية في ولاية كاليفورنيا، عكسته في مقال لها نشرته في صحيفة «الغارديان» البريطانية يوم الحادي والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقالت فيه: إن «أطول الحروب التي تخوضها الولايات المتحدة، تواصل دق طبولها من دون أفق بائن لقرب نهايتها، وإنه وبعد أربعة عشر عاماً على غزو أفغانستان، فإن خيرة أبنائنا من الرجال والنساء سوف يواصلون التخندق ببزاتهم العسكرية في ذاك البلد الآسيوي النائي لسنتين إضافيتين ولربما أكثر».
 
جدير بالذكر أن هذه المرأة السمراء، كانت العضو الوحيد في مجلس النواب الأمريكي (عدد أعضائه 435 عضواً) الذي صوت ضد التفويض الذي منح للرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش لشن الحرب على أفغانستان. فيما صوت جميع الأعضاء الباقين، بعقلية القطيع، لصالح شن الحرب. وتشرح «باربارا لي» سبب اعتراضها آنذاك على التفويض بالقول إنها صوتت ضد قرار «التفويض لاستخدام القوة»، لأنه صيغ بطريقة عمومية تخول أي رئيس لشن حرب بلا نهاية في أي مكان في العالم وفي أي وقت من دون الرجوع للكونغرس.

وهي اليوم ما زالت عند موقفها تطالب بإعادة القوات الأمريكية من أفغانستان إلى ديارها. وبحسب «باربارا لي»، «فإن كلفة هذه الحرب على الولايات المتحدة، لم تعد محتملة. حيث فقدت العائلات الأمريكية 2350 من أبنائها من الرجال والنساء الذين قضوا في المعارك هناك، إضافة إلى أكثر من 20 ألفاً من الجرحى والآلاف الذين ما زالت آثار الجروح والندوب الغائرة بادية على أجسادهم، كما أزهقت فيها أرواح آلاف الأفغان وآلاف الجنود الذين يخوضون الحرب معنا في التحالف الذي يقوده «الناتو». وإن إصرارنا على مواصلة هذه الحرب، لم يجعل الولايات المتحدة أكثر أماناً، بل على العكس، فتمادينا في ورطتها يفاقم العداء ضدنا في مختلف أنحاء العالم، ناهيك عن استمرار نزفها المالي الذي كلف حتى الآن 715 مليار دولار كان يفترض إنفاقها على أولويات إنمائية وطنية ملحة».

واللافت أن الشعب الأمريكي صار يطالب بسرعة سحب القوات الأمريكية من أفغانستان، وهو اتجاه بدأت تعكسه نتائج استطلاعات الرأي العام منذ عام 2010، آخرها في ديسمبر/كانون الأول الماضي أجرته «واشنطن بوست» مع «أيه بي سي نيوز»، وكشفت نتائجه عن تأييد 56% من الأمريكيين لسحب القوات الأمريكية من أفغانستان لأن الحرب هناك لم تستأهل خوضها منذ البداية. ومع ذلك وعلى الرغم من رفض الغالبية العظمى من الأمريكيين لهذه الحرب ومطالبتهم بالانسحاب من أفغانستان فإن البيت الأبيض والبنتاغون ما زالا يصران على مواصلتها إلى ما لا نهاية، من حيث تجديد مرابطة القوات هناك كلما اقترب موعد جلائها. بل إنه منذ تلك الصياغة المطاطة «التفويض لاستخدام القوة» في عام 2001، والتي آذنت بخوض الولايات المتحدة لأطول حروبها في التاريخ، فإن الإدارات الرئاسية الأمريكية صارت أكثر خفة وجرأة للتدخل وشن العمليات الحربية في أنحاء مختلفة من العالم، استنادا لهذا التفويض المطاط، من دون الرجوع للكونغرس.

ووفقاً لتقرير أعدته إدارة «خدمات الكونغرس البحثية»، فقد تم استخدام عبارة «التفويض لاستخدام القوة» 30 مرة لتبرير القيام بأعمال حربية، ونشر قوات خارج الحدود، وتوجيه ضربات باستخدام طائرات درون (من دون طيار)، والإبقاء المفتوح للسجناء في غوانتانامو. وهذا يشمل فقط الأعمال غير السرية، فهناك، بحسب بعض دوائر الكونغرس، عمليات سرية تم إبقاء الكونغرس في الظلام بشأنها.

وبعد أربعة عشر عاماً على التدخل العسكري الأمريكي في أفغانستان، ما زالت عضو الكونغرس باربارا لي تحاول تصويب الخطأ الفادح الذي ارتكبه الكونغرس. فتقدمت في الرابع من مارس/آذار الماضي بمشروع قانون حمل رقم H.R. 1303 إلى لجنة الشؤون الخارجية ينص على إبطال مفعول «التفويض لاستخدام القوة» الصادر من الكونغرس في 18 سبتمبر/أيلول عام 2001، وجاء في متنه «إذ يجد الكونغرس أن هذا التفويض المفتوح قد استخدم لتبرير القيام بأعمال حربية، وهو ما يتناقض مع صلاحيات الكونغرس التي تخوله لإعلان الحرب وإصدار القوانين لاستخدام القوة استناداً إلى دستور الولايات المتحدة…».

وبحسب النائبة الديمقراطية، فإنه منذ صدور ذلكم التفويض المفتوح، أخذت أعداد أعضاء الكونغرس الذين تفطنوا فيما بعد لخطأ «إصدارهم شيكاً على بياض» للسلطة التنفيذية للذهاب للحرب ساعة تشاء، تتزايد. ولكنها في الحقيقة لم تحصل على تزكية ودعم سوى نائبين اثنين فقط لمشروع قانونها، هما النائبان الديمقراطيان والتر بيمان جونز ومايكل ماكوتو هوندا. وحتى اللغة التي صاغت بها النائبة باربارا لي مشروع قرارها، لا توحي بالثقة إطلاقاً، وإنما على العكس من ذلك، فالانطباع الذي تعطيه لقارئها أنها كمن «يؤذن في خرابة» بعد أن «طارت الطيور بأرزاقها»، كما يقول المثلان الشعبيان الشائعان!

لو كان الأمر يتعلق باحترام الدستور كمرجعية، خصوصاً في القرارات المصيرية بالنسبة للأمة الأمريكية، ولو كان الأمر يتعلق بسيادة القانون واحترام مبادئ وثيقة الاستقلال الأمريكية عن بريطانيا التي صاغها ممثلو 13 ولاية أمريكية في 4 يوليو/تموز 1776، والالتزام بها – لما صيغ، أصلاً، قانون التفويض باستخدام القوة بطريقة ملتبسة وفضفاضة بصورة متعمدة ومقصودة، وبشراكة من السلطتين التنفيذية والتشريعية (باستثناء صوت النائبة باربارا لي اليتيم). أولم يتعهد الرئيس أوباما بإغلاق سجن غوانتانامو؟.. لما كان ذلك فإن ما ينطبق على ذلكم التعهد ينطبق على تعهده بسحب القوات الأمريكية من أفغانستان ومن العراق أيضا. فهو مدد بقاءها في الأولى لما بعد انتهاء ولايته نهاية العام القادم، وفي الثانية أعاد إرسالها تحت نفس العنوان الذي استخدمه سلفه بوش وهو محاربة الإرهاب، مع فارق أن أوباما «خصخصه» بمحاربة «داعش».

ولطالما رددت الولايات المتحدة أن بمقدورها الدخول في أكثر من حرب في وقت متزامن والانتصار فيها، ولكن ليس بمفردها بطبيعة الحال، وإلا لما استطاعت تحمل أكلافها البشرية والمالية!
 
 
حرر في 6/11/2015
 

اقرأ المزيد

هل نعيد كتابة التاريخ؟


يرى غوته أنه يتعين إعادة كتابة التاريخ بين حين وآخر. تبدو هذه الدعوة شديدة الجاذبية، ذلك أنها تحرضنا، على ما يظهر، على ألا نستسلم للمرويات المتوارثة، وأن نعيد تدقيقها والبحث عما هو خارجها، بمعنى ما أغفلته سهواً أو عمداً، وخاصة عمداً، إذا أخذنا بعين الاعتبار الحقيقة المتواترة من أن التاريخ كتبه المنتصرون، فأقصوا، وهم يكتبونه، كل ما لا يتلاءم وأهواءهم ومصالحهم.

لكن عبارة غوته حمَّالة أوجه، فالدعوة لإعادة كتابة التاريخ بين حين وآخر، قد تؤوّل على أنها حث لمن آلت إليه الأمور لأن يعيد كتابة التاريخ وفق أهوائه ومصالحه، هو الآخر، فيقصي مرويات اعتمدها الناس قبل ذلك، خاصة أنه من المستحيل الجزم بأن إعادة كتابة التاريخ هي، في المطلق، أفضل من كتابته الأولى، فهي نفسها قد تكون تزييفاً لوقائع هذا التاريخ، فيما أصحابها يزعمون أنهم يغربلون التاريخ مما لحق به من زيف.

يحملنا على هذا القول ما نشهده اليوم في عالمنا العربي من استشراء لحركات وجماعات و«ميليشيات» تدّعي أنها تمثل الإسلام، وهي في سبيل تسويق صورتها تقدّم مرويات للتاريخ الإسلامي، تنتزع بعضها من بطون الكتب، وتخرجها من السياق التاريخي الذي نشأت أو قيلت فيه لتوظّفها في معارك الحاضر.

بمعنى من المعاني يمكن القول إن ما تروجه هذه الجماعات هو أيضاً إعادة كتابة للتاريخ، لأنها تنفي مرويات قارّة في الأذهان حول صورة أخرى للإسلام، نشأت وتربت عليها أجيال متلاحقة، هي في وعيها وسلوكها أميل للتسامح والانفتاح على الآخر، والعيش بأخوة مع الملل الأخرى، بينما نجد فيما تروجه جماعات التكفير اليوم ما يكفر هذه المرويات وأصحابها، ويخرجهم من ملة الإسلام، ويبيح قتلهم.

في «المقدمة» صنّف ابن خلدون المؤرخين في خانات، أو طبقات حسب تعبيره، ومن هذه الطبقات، طبقة فحول المؤرخين، وذكر منهم: الطبري، ومحمد بن يحيى، ومحمد بن سعد الواقدي، ممن جمعوا أخبار الأمم في كتبهم. ثم طبقة الجهال، ممن وسمهم بالتطفل لأنهم خلطوا الأخبار بالباطل خطأ أو عمداً، واقتفى بعد هؤلاء جماعة قبلوا هذه الآثار واتبعوها وأدوها كما سمعوها، وتليهم طبقة المقلدين، الذين اتبعوا آثار هؤلاء ولم ينقحوا الأخبار ولم يراعوا طبائع العمران فيما حملوه من الروايات، وأخيراً طبقة المختصرين، الذين اكتفوا بأسماء الملوك والأمصار، كما فعل ابن رشيق في “ميزان العمل”.

علينا بعد هذا تخيّل كيف كُتب التاريخ أو أعيدت كتابته. 



 
حرر في: 26/10/2015
 

اقرأ المزيد