المنشور

ظلالُ الطيور


أحيت جمعيتا المنبر التقدمي  والعمل الوطني الديمقراطي «وعد» في أمسية مشتركة الذكرى التاسعة والثلاثون لاستشهاد المناضل محمد غلوم والمناضل الشاعر سعيد العويناتي، اللذان تمت تصفيتهما بدم بارد إبان فترة قانون وتدابير أمن الدولة في الثاني والتاني عشر من شهر ديسمبر 1976 على أيدي جلاوزة ذلك الجهاز سيء الصيت، ضمن حملة اعتقالات واسعة طالت العديد من مناضلي وكوادر كل من جبهة التحرير الوطني البحرانية والجبهة الشعبية في البحرين.  



 
وفي تلك الأمسية ألقى الشاعر أحمد العجمي قصيدته ظلالُ الطيور وهنا نصها:
 
 
 
 
 
 

 



ظلالُ الطيور




الشاعر: أحمد العجمي





تكلّم أيّها الزمنُ
عن الأحلامِ التي حطموها،
ما هو موجودٌ في كتابِكَ
يجعلُني أرتجفُ،
لكن لا أنسى، ولا أيأسُ أبدا.ً

على جدران السماءِ،
سماءُ الألمِ العظيمِ،
الصورُ باقيةٌ،
وتتكلّمُ،
ولا يمكنُ إخفاءُ
كلماتِها عن الأرضِ
والبيوت.

شريطٌ من الرعبِ، قاحلٌ،
يسكبُ وحشيّتَهُ
في الفراغِ،
وفي الأعينِ،
ويمدُّ ظلامَهُ في أرشيفِ الدم.

يُنزعُ جِلدُ الحريةِ،
يُضربُ رأسُها بالجدارِ،
بعد ذلكَ،
تُدفنُ في قبرٍ غيرِ معروف.

وبالمخالبِ المنتقمةِ
يُمزّقُ لحمُ الِشعرِ، عظامُهُ،
وتُقتلعُ بذورُ شمسهِ
على مرأى من الطيور.

هذه المشاهدُ للقتلِ،
مازالت تتكرّرُ في الطرقاتِ
التي تعبرُها النجومُ،
وكأنَّ الظلَّ لم يرتوِ من الدّم.

إلى متى تسقطُ الطيورُ
على الحصى
لمجرّد أنّها تبحثُ عن بابٍ
كي تخرجَ من الظلمةِ،
ومن الصداع؟

لا يُريدُ الظلامُ
أنْ تكونَ النارُ فضوليةً
فتُعرّي التماثيلَ المُختبئةَ،
وتكشفُ نشازَ الصمتِ
واللامُبالاة.

قدْ يضيعُ جزءٌ من الدّمِ
ومن الأحلامِ،
حينَ يطولُ فصلُ الخريفِ،
وتنمو الأشواكُ تحتَ أٌقدامِنا،
إنَّما ستبقى الضحكةُ
متربصةً، ومستعدةً، دائماً،
لنيلِ جائزتِها.

أيامٌ حالكةٌ،
سنواتٌ مِنَ الحجارةِ والخوفِ،
هذا هو شكلُ السورِ
المُحيطِ بزهرة عباد الشمسِ،
وبطموحاتٍ تحاولُ
زراعةَ شمسٍ جديدة.ٍ
مع كُلِّ هذا العذابِ
الذي يُطاردُ الأغنية،
ويحرمُها من الابتسامةِ،
ومن شربِ النور،
لم نشعرْ بالتعبِ، ولا بابتعادِ السماءِ
عن أصابعِنا الخمس.

ظلالُ الأجنحةِ
تظهرُ في المرآةِ الجديدةِ،
المُضاءةِ بالسُحبِ،
فنفهمُ معنى كلمةِ شهيد،
وأصلِها في معجمِ الضوء.

لا شيءَ يجعلُ النوافذَ تنامُ
قبلَ أن تأتي الريحُ
بِقُبلاتها، وأنغامِها،
لتفردَ موهبتَها أمامَ الجميع.

اقرأ المزيد

سعيد العويناتي .. رجل ضد النسيان



جاء في مطلع قصيدة
الشاعر بول ايلوار التي يرثي فيها بطل المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي جبريل
بيري: “مات رجل/  لم يكن يملك ما
يدافع به عن نفسه / غير
 ذراع
يه الممدوتين للحياة / مات رجل / لم يكن له طريق آخر/
غير ذلك الذي يكره فيه الانسان البنادق / مات رجل / ضد الموت.. ضد النسيان / مات،
لأن كل ما يريده / كنا نريده نحن أيضاً “. 

  
أما الشاعر التشيلي
بابلو نيرودا فكتب يقول: “يجب أن نطلب من الشاعرأن يتخذ مكاناً له في الشارع
وفي المعركة، كما في النور وفي الظل. إن شرف الشعر كان الخروج إلى الشارع، كان
المشاركة في هذا العراك أو ذاك”. وسعيد العويناتي، الشاعر البحريني الشاب
الذي أُستشهد في ديسمبر/ كانون أول عام 1976، وهو بالكاد في الثامنة والعشرين من
عمره، كان من أولئك الشعراء الذين “اتخذوا مكاناً لهم في الشارع، وفي
المعركة، وحاز على شرف الشعر”. 
  
اليوم، بعد مضي
نحو قرابة أربعين عاماً على رحيله، لا يغيب سعيد العويناتي من ذاكرتنا الوطنية
والثقافية، لأن الإنسان المناضل سواء كان كاتباً أو شاعراً أو قائداً، عندما يغيب،
أو يُغيب قسراً، فانه لا يموت. إنه كما قال الشاعر البلغاري بوتيف لا يستطيع أن
يموت. 
  
يكبرني سعيد
العويناتي في العمر سنوات قليلة، ربما أربع أو خمس سنوات. حين عاد أوائل صيف 1974
من بغداد منهياً دراسته الجامعية في كلية الآداب – قسم الصحافة كنت أتهيأ للسفر
إلى القاهرة لبدء دراستي الجامعية، لكن علاقتي بسعيد إبتدأت قبل هذا الصيف، فقد
التقينا في سنوات سابقة اثناء ما كنا ندعوه في حينه بالعمل الصيفي للإتحاد الوطني
لطلبة البحرين، والتقينا مراراً في مكاتب مجلة “صدى الأسبوع” القديمة
ليس بعيداً عن شارع باب البحرين وبالقرب من فندق بريستول الذي لا أعرف ما إذا كان ما
يزال في مكانه أم لا، حيث كنت أعمل محرراً في هذه المجلة ومشرفاً على الصفحة
الثقافية فيها. 
  
كُلُ مَرةٍ كان
فيها سعيد يأتي إلى البحرين من بغداد يكون محملاً بنصوصه الشعرية الجديدة
وبكتاباته وأفكاره، بل انه كان يرسل بعض هذه النصوص من بغداد عبر البريد لتنشر في
المجلة، مرفقة برسائله الدافئة، التي، ويا للأسف، لم أحتفظ بشيء منها، لطمأنينة في
النفس أنه باق معنا، ولن يرحل بهذه العجالة. 
  
فكان أن إنعقدت
بيني وبين سعيد صداقة توطدت مع الأيام، وبتنا في أيام كثيرة نلتقي في الظهر بعد
الدوام ونتجه بالنقل العام من المنامة إلى بيت أهله في البلاد القديم، وفي غرفته
المليئة بالكتب نتناول الغداء وندردش حول قضايا فكرية وثقافية وسياسية شتى،
وأحياناً كنت أمر عليه في العصر في منتزه “عين قصاري” حيث كان يعمل في
الإجازة الصيفية بائعاً للتذاكر. 
  
وما زلت أذكر
حضوره البهي في ليالي السمر الأدبي التي كنا نعقدها مرة كل أسبوع في منطقة الهورة
ليس بعيداً عن مدينة عيسى، في ذلك الفضاء الذي كان مفتوحاً على القمر، حيث تتحلق
مجموعة من محبي الأدب والكتابة أذكر منهم علي عبدالله خليفة والراحلان عبدالله علي
خليفة وعلآم القائد، وابراهيم بوهندي وعبدالقادر عقيل وسلمان الحايكي وإيمان أسيري
وآخرون، في تلك الجلسات تتم المناقشات الأدبية والقراءات الشعرية ، وكان سعيد
حاضراً بروحه المتقدة في النقاش وبالجديد من نصوصه الشعرية. 
  
كانت البحرين في
تلك الفترة تعيش ذلك المقطع الزمني الحافل، فقد انتهت انتخابات المجلس الوطني في
ديسمبر 1973 بفوز أعضاء كتلة الشعب والعناصر الوطنية الأخرى، وكانت الحركة
الديمقراطية في البلاد في أوجها، وإنعكس ذلك المناخ على الثقافة والفكر وعلى
عطائهما. 
  
وسعيد الآتي من
بغداد  كان قد تشرب بالفكر التقدمي
والثقافة الانسانية في أجواء الانفراج السياسي التي عاشها العراق في حينه، حيث
كانت الصحافة التقدمية العراقية ك”طريق الشعب” و”الفكر
الجديد” و”الثقافة الجديدة” حوامل لكل ذلك، وأذكر أن الشاعر
العراقي مخلص خليل، وهو من جيل سعيد في العمر وفي التجربة الشعرية، كتب مقالةً في
مجلة “طريق الشباب” التي أصدرناها في نهاية السبعينات وبيداية
الثمانينات بين بيروت ودمشق باسم اتحاد الشباب الديمقراطي البحراني قال فيها أنه
حين قرأ أول مرة نصاً  لسعيد  العويناتي قبل أن يعرفه حسبه شاعراً عراقياً:
“كان فيه شيء من لوعتنا وحزننا وتوقنا” – هكذا كتبْ. 
  
لم يكن سعيد
العويناتي شاعراً موهوباً فحسب وانما كان، أيضاً، ناشطا في الصحافة الثقافية. تشهد
على ذلك مساهماته في الصحافة البحرينية في تلك الفترة على شكل مقالات وتحقيقات
ومقابلات نشرها في “صدى الاسبوع” و”الأضواء”، وفي الفترة التي
أشرف فيها على الباب الأدبي في مجلة “المواقف” سعى لتنشيط الجو الأدبي
والثقافي بفتح الحوارات حول الظواهر المستجدة في حياتنا الأدبية والثقافية. 
  
في صيف 1975 جئت
البحرين من القاهرة لقضاء الإجازة الشهرية، التقيت سعيداً مرات عدة: في نفس
الأمكنة وبتفاصيل مشابهة، بعدها غادرت البلاد لغربة طويلة، ولكن القدر يسرَّ لنا
لقاء نادراً مع سعيد، في شتاء 1976 ، قبل استشهاده بشهر أو شهرين، حيث جاء في
زيارة إلى بغداد التي كانت محطة منفانا الأولى، أتى سعيد محمولاً بشوقه وحنينه إلى
العراق، وبوسعي تخيل حال الإنشداد الروحي العميق التي تسكننا إزاء المكان الذي
عشنا فيه ردحاً من عمرنا وتعلمنا فيه بعض تجاربنا. وبغداد محطة أثيرة في نفس سعيد
، كان مشدوداً إليها، إلى ثقافتها وشعرها وناسها ونهرها وأصدقائه الحميمين هناك،
وهذا ما حمله على زيارتها، شاءت الأقدار أن تكون زيارة وداعية. 
  
والتقينا سعيداً
في سهرة  في بيت الرفيق عبدالله الراشد
البنعلي، وكان بين الحضور صديق أو صديقين عراقيين لسعيد، لعلهما زاملاه في الكلية،
وبالمناسبة فان شيئاً من مناخ تلك السهرة إنعكس في أحد النصوص الأخيرة التي كتبها
الشاعر ونُشرت بعد استشهاده أول مرة في أحد أعداد مجلة “النضال”، وجرى
فيما بعد تضمينها في الطبعات اللاحقة من ديوانه اليتيم: “إليك أيها
الوطن”، “إليك أيتها الحبيبة”. 
  
وغادر سعيد بغداد
بعدها بأيام. كانت البحرين قد دخلت شتاء قانون أمن الدولة الطويل، وكانت السجون
تستقبل المناضلين، دفعة وراء دفعة. لم يأتنا خبر إعتقاله كما إعتدنا أن نسمع عن
الآخرين، إنما جاءنا خبر إستشهاده. لم تكن ثمة مسافة بين الإعتقال والاستشهاد.
خلال ساعات من اعتقاله كان قد عٌذب حتى الموت، وبعد نحو أربع وعشرين ساعة سُلم إلى
أهله جثة شوَّهها التعذيب. 
  
أكان الشاعر يهجس
بموته؟ 
هذا ما تشي به بعض نصوصه، ففي أكثر من موضع في ديوانه الوحيد جاءت إشارات
متفرقة إلى الموت والسجن والتعذيب والمطاردة، لدرجةٍ توحي للمرء أحيانأً أن سعيداً
كان يتنبأ باستشهاده، شأنه شأن لوركا، وسواه من الشعراء الشهداء الذين خطفهم الموت
باكراً: 
  

-        
“أتذكر لحظ إلتقينا
معاً في الطريق المؤدي/ إلى الموت” 

-        
“هذا شرطي آخر/ يحمل إيقاع الموت/ وفي عينيه قرار القتل السري” 

-        
“يتعقبني ليل أسود/
يضع على عينيه النظارات السوداء/ المشحونة بالهمسات/ ويحمل في كفيه تواقيع المنع/ وكل
حروف الغرف الرطبة”. 

-        
“هنا أدخلوني السجون/
ولم أمض شهراً/ كي أستريح” 

-        
  
لم بمضِ سعيد في
السجن شهراً، إنما يوماً فقط أو أقل من يوم، وذهب في الخلود.

اقرأ المزيد

زمن مواثيق الشرف… !!



إذا كان
من نية، من رغبة، من توجه، من إصرار بجعل ميثاق الشرف الطوعي والتوافقي الذي وقع
عليه رؤساء تحرير الصحف المحلية مؤخراً وبرعاية وزير الاعلام، يستهدف حقاً نبذ
الفتنة والفرقة والتعصب والكراهية ورفض التخوين والطائفية ووقف كل ما يثير الضغائن
والازدراء والتحريض وما يمس الوحدة الوطنية بشكل أو بآخر، وكل ما يشكل أولاً
وأخيراً معاول هدم وتدمير المجتمع فذلك غاية المراد وأمر مرحب به ومطلوب وخير البر
عاجله.. بل إننا نقول ونؤمن بما نقول بأنه لا خير في أي مبادرة أو خطوة او مشروع
وعلى اي مستوى وفي أي مجال لا تتبنى او تدعم تلك الأهداف.  
قد يكون مبكراً الحكم على ما سيؤول اليه حال هذا الميثاق، وإذا
كان لدينا اكثر من سبب، بل اسباب قوية للترحيب بقوة وبحماس بفكرة ومرامي الميثاق
وبأهدافه التي أخذ الجميع علمًا بها، وهي الأهداف التي نحسب انها توفر عنصر جذب
بالنسبة للكثير من البحرينيين، بل احسب انهم الغالبية ممن يرفضون استمرار محاولات
هتك النسيج الوطني، والطعن في الثوابت الوطنية، وكل ما يعد جريمة بحق الوطن
والشعب، خاصة من جانب من حولوا الأزمة الى فرصه، والذين ظهروا من كل حدب وصوب
وكانت ولا زالت لهم صولات وجولات وبطولات وهمية في سبيل تعميق الأجواء التي تنمو
فيها الشروخات والجروح والخيبات، وتتأجج فيها بلا اكتراث مشاعر الناس وتتغيب فيها
البصيرة، وأرادوا ان تكون هذه الأجواء المشينة والمنهكة مزمنة بالطول والعرض كي
يظل الجميع في هذه الارض يتلقون وعلى الدوام من الهم والغم والقلق والمرارات جرعات
مضاعفة وبنكهات مختلفة، وهذا أمر لا يحتاج الى اجتهادات..  
لا نريد أن نعرّج على الشكل دون المضمون فيما يخص ميثاق الشرف
الجديد فهو بيت القصيد الآن، ولكن أظن ان من المهم قبل ذلك ان نذكر ونستحضر ميثاق
«صحفيون ضد الطائفية» الذي تبنته جمعية الصحفيين البحرينية في الثالث من مايو 2008
والذي كان الهدف منه مواجهة الخطاب الطائفي بكافة اشكاله، ثم ميثاق الشرف الذي
وقعه في سبتمبر 2012 ووسط هالة اعلامية لافتة اكثر من 360 من اعضاء الأسرة الصحفية
والإعلامية من محررين وكتّاب وناشطين ومؤسسات، وتم ذلك بحضور رئيس الاتحاد الدولي
للصحفيين وهو الذي قال خلال تدشينه حفل تدشين عملية التوقيع بأن هذه الخطوة تأتي
في مرحلة يراد فيها تكريس عدم التسامح والصراعات المجتمعية، كما نذكر ونستذكر
بميثاق الشرف للإعلام المرئي والمسموع في 6 يونيو 2012 والذي قيل بأنه يمثل خارطة
طريق ومنهج واضح لتعزيز قيم المسؤولية في مجال الاعلام، والحفاظ على المصالح
والمكتسبات الوطنية.  
نعود إلى ميثاق الشرف الذي وقعه رؤساء تحرير الصحف المحلية،
والذي قال عنه وزير الاعلام «بأنه الاول من نوعه في تاريخ الصحافة البحرينية، وأنه
يجسّد وعي القائمين على هذه الصحف بأهمية الالتزام بأداء وأخلاقيات المهنة على أسس
تراعي المصلحة العليا للوطن والمواطنين ونبذ الفرقة والتعصب والكراهية»، هذا
الميثاق رمى حجراً في مياه راكدة حين فرضت الحاجة الى التذكير مجدداً بمجموعة من
المبادئ التي يفترض ان تحكم العمل الصحفي بدءاً من العمل على ترسيخ أواصر المودة
والوحدة الوطنية، وتجنّب ما يثير التمييز او التشهير او الفتنة او التفرقة بين
فئات المجتمع، مروراً بعدم نشر عبارات طائفية او تخوين مكونات المجتمع وإثارة
النعرات او التحريض على بغض طائفة او طوائف من الناس او الإزدراء بها او التحريض
وما يبث الشقاق في المجتمع والمساس بالوحدة الوطنية، وانتهاءً بالالتزام بالا تكون
أي صحيفة أداة لإثارة الفرقة او الطائفية، وان تكون حريصة على تجنب التصنيفات
المذهبية، او استخدام المفردات والمصطلحات والعبارات والصور المثيرة للجدل
والتأويلات، وتلك أهداف بات من المهم والضرورة والمصلحة التمسك بها والالتزام بكل
مقتضياتها، وهذا يفرض ويفترض بان حداً فاصلاً وحازماً قد وضع لبعض الممارسات عير
الحميدة في صحافتنا، هذه التي تتجلى في مقالات وأعمدة رأي وأخبار وتقارير فيها من
تصفية الحسابات وإثارة الضغائن اكثر مما فيها من الغيرة على الوطن والمستقبل..  
نعلم بأن المنكبين والمنقبين عن جدوى «مواثيق الشرف» عندنا وعند
غيرنا قد يجدون بأن فكرة المواثيق هي عقيمة ومعدومة الجدوى، بل وأنها ابتذلت في
واقعنا العربي بعد ان أصبحت «علاقات عامة» وليس سياسات عامة يلتزم بها، ووجدنا
مواثيق شرف في كل قطاع ومجال وميدان، اسوأ ما في هذه المواثيق او في معظمها ان
المطاف انتهى بها الى ما يرسخ القناعة بان وجودها وعدمه سواء، اذ بقيت دون إرادة
او قرار يترجمها الى واقع وممارسة، بل انها فتحت باباً للتأويل وسوء الفهم، او
الاختلاف حولها في الرؤى والتقديرات والدافع والقراءات والحسابات والتباينات في
مفهوم قيم المسؤولية المهنية والوطنية وضوابط حرية الرأي والتعبير، لذلك هناك ما
يبرر تلك الحساسية التي تنتاب البعض عند الاعلان عن مشروع أي ميثاق شرف، وننسى او
نتناسى ان القيم والمبادئ لا تملي على الناس، او على هذا الصحفي او ذاك الإعلامي،
او على هذه الجريدة او تلك، كما نعلم ان اللغة العربية محيط متلاطم الأمواج لا
تتوقف في الدلالات والإشارات والتلميحات والمترادفات أحسب انها لا توجد في اي لغة
أخرى، ومن يريد ان يتجاوز الظوابط غير الملزمة التي يقتضيها هذا الميثاق او ذاك،
يمكن ان يتلاعب بالألفاظ ويمارس الغمز واللمز وما هو بعيد عن نزاهة التناول ويصب
في مجرى إثارة الحساسيات التي تغذى بالنهاية ما هو متوفر في سوق الصراعات
والمماحكات والمناكفات وتوسع المناخات التي تضرب أهداف ميثاق الشرف عرض الحائط،
حتى وان جاءت بذريعة حرية الرأي، ونحن على يقين بان هناك الكثير من الجرائم ترتكب
تحت هذا العنوان..! لذا لم يكن غريباً ان يظل عدد من محترفي الخطاب الطائفي
ومنتجاته، ومنهم من وقع على ما ذكر من مواثيق سابقة يواصلون وبقدرة فائقة على
نهجهم بشكل او بآخر يستعيدون ويكررون دون ملل نفس الافكار، نفس الخطاب، نفس المراوحات
والمروغات وما يعد رجساً من عمل الشيطان، يفعلون ذلك كما لو انهم يؤدون وظيفتهم
الطبيعية، او يقومون بعمل بطولي، وأحياناً كما لو انهم اصحاب موقف وقضية..
!!  
لم يكن مستعصياً ان نلاحظ ذلك، لذا سيظل من المهم جداً جداً ان
يأخذ ميثاق الشرف الجديد مداه الحقيقي في الالتزام والتنفيذ بحسم وجدية، وسيكون
هذا أمر مدهش ومذهل بحق لأسباب أحسبها معلومة للكافة..!! ولن يشفع لأحد ممن يريد
أن تبقى المحصلة مريرة ومخيبة للآمال. 
  
15 ديسمبر 2015

اقرأ المزيد

تركيا وأوروبا ..عشم إبليس في الجنة



فتحت تركيا في ظل حكم حزب العدالة والتنمية «ذراعيها»؛ منذ اندلاع
الأزمة السورية ربيع عام 2011، لاستقبال الفارين من الحرب الأهلية الدائرة على
امتداد الأراضي السورية كافة، بين قوات النظام والموالين له من جهة، وبين الجماعات
التي انتظمت وحملت السلاح لإسقاط النظام. 
  
وتحولت الحدود التركية المحاذية للشمال السوري، إلى ما يشبه مراكز
الاستقبال والتجمع الأولى بمدينة بيشاور الباكستانية الواقعة إلى الشمال على
الحدود مع أفغانستان ومدينة كويتا الباكستانية غير البعيدة عن قندهار الأفغانية،
في مرحلة تالية مما سُوِّق باسم «الجهاد الأفغاني».. حتى وصل عدد اللاجئين السوريين
إلى تركيا إلى نحو 1.8 مليون لاجئ. 
ولم
تخفِ أنقرة نواياها بشأن «استثمارها» المادي والسياسي «الوفير» في الأزمة السورية،
من حيث دأبها منذ البدء على إقامة ما أسمته منطقة عازلة داخل الحدود السورية
المتاخمة لحدود مدنها الجنوبية عنتاب وأضنة، تشمل مدن منبج وإعزاز وصولاً إلى حلب
وإدلب وجسر الشغور، ربما مكنتها ظروف تغيير النظام في دمشق إلى ضمها لاحقاً إليها
على غرار لواء الإسكندرون ومن ضمنه مدينة أنطاكية، الذي منحته سلطات الانتداب
الفرنسي على سوريا (1920- 1946) لتركيا سنة 1939، وذلك بما يخالف بنود اتفاقية الانتداب
بالحفاظ على وحدة أراضي الدولة المنتدب عليها. والهدف الثاني المضمر يتعلق بطموح
تركيا الاستراتيجي في تعزيز موقعها وريادتها كنقطة ترانزيت عالمية لشبكة أنابيب
نقل الغاز من مناطق الجوار الآسيوي إلى أوروبا. 
لكن
وبعد أن طال أمد الأزمة السورية، وبدأت تركيا تشعر بوطأة كلفتها المادية والبشرية
والأمنية، على غرار ما راحت تشكله مدن «التجميع والتجهيز» الباكستانية من تهديد
للأمن القومي الباكستاني، وبعد أن بدأت تشح مساعدات أصدقاء سوريا، فقد اهتدت
القيادة التركية لخيار نقل العبء البشري للأزمة السورية إلى الشركاء الأوروبيين.
وبعد «فتح ذراعيها» في أول الأمر لاستدراج أكبر كتلة بشرية سورية إلى أراضيها
للمثول كأحد الأوجه الصارخة لأزمة النظام السوري، فقد قررت هذه المرة «فتح صنبور»
اللاجئين السوريين الذين يقيمون لديها للهجرة إلى أوروبا عبر اليونان من أجل
إغراقها وإجبارها على التفاوض معها بشروط، من بينها نيل عضوية الاتحاد الأوروبي. 
وسافر
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى بروكسل، مقر الاتحاد الأوروبي، بتاريخ 5
أكتوبر/تشرين الأول 2015، في زيارة دولة اجتمع خلالها مع قادة الاتحاد الأوروبي،
وطلب منهم ثمناً مالياً لوقف الصنبور، عربونه السماح للأتراك للدخول من دون تأشيرة
إلى الاتحاد الأوروبي، كمقدمة لقبول عضويتها في الاتحاد. إلّا أن أردوغان لم يحصل
من الأوروبيين سوى على تعهد بتقديم مساعدة مالية إضافية قدرها 3.1 مليار يورو
لإنفاقها على اللاجئين السوريين، بينما رفُض بصورة غير مباشرة طلبه إعفاء الأتراك
من تأشيرة دخول الاتحاد الأوروبي.  
كان
أردوغان بحاجة ماسة لكي يقدم الاتحاد الأوروبي لحزبه الحاكم «العدالة والتنمية»،
ما يمكنه من تسويقه للعامة في الانتخابات البرلمانية المصيرية التي جرت في الأول
من نوفمبر/تشرين ثاني الجاري. وبالفعل فقد خصته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل
بزيارة دعماً له ولحزبه الحاكم، قبل بضعة أيام من الانتخابات التي كان يفترض أن
يكرر فيها الحزب ما حصل له في انتخابات شهر يونيو/حزيران الماضي، حين خسر أغلبيته
البرلمانية التي يملكها منذ 13 عاماً، واضطر للذهاب لانتخابات مبكرة في الأول من
نوفمبر/تشرين ثاني. وقد استرد فيها الحزب بالفعل أغلبيته بفضل مثل هذا الدعم
وبفضل، وهو الأهم، الابتزاز الذي مارسه على الناخبين بشعار مغلف مفاده «إمّا أنا
أو الفوضى»، التي مهد لها بإعلان الحرب على الأكراد واستدراج المشاعر القومية
للكتلة الشعبية التي تصوت عادةً لحزب الحركة القومية التركي. ونحسب أن الناخبين
الأتراك صائبون في تصويتهم لحزب الإخوان المسلمين التركي، وذلك لتجنب انتقامه،
فيما لو فشل، من اقتصاد البلاد الذي يهيمنون عليه وشعبها، على غرار ما فعله إخوان
مصر. 
ولكن
ما إن انفض المولد وتحقق ما أراده أردوغان وحزبه، وكذلك الدول القائدة في الاتحاد
الأوروبي، حتى عاجل الأوروبيون «شركاءهم» الأتراك بالرسالة الجديدة الأوضح المؤكدة
على استمرار رفضهم قبول تركيا عضواً في الاتحاد الأوروبي، حين أصدرت مفوضية
الاتحاد الأوروبي الثلاثاء 10 نوفمبر/تشرين الثاني، تقريراً انتقدت فيه بشدة تراجع
تركيا في تطبيق حقوق أساسية ديمقراطية مثل حرية الرأي والتجمهر، وتقهقر جهود
مكافحة الفساد، وعدم إحراز أي تقدم منذ عام 2014 في بناء نظام قضائي مستقل، بل إن
استقلال القضاء ومراعاة مبدأ فصل السلطات تم تقويضهما، بحسب التقرير، الذي انتقد
أيضاً تدهور علاقات تركيا بالأكراد. ويُستدل من التقرير أن عيون الاتحاد الأوروبي،
ممثل في مفوضيته، تراقب وتتابع كل شاردة وواردة في تركيا للتقرير بشأن عدم أهليتها
لنيل عضوية الاتحاد الأوروبي. فالذي أشرف على التقرير وأذاعه على وسائل الإعلام هو
المفوض الأوروبي المختص بسياسة الجوار، ومفاوضات توسعة عضوية الاتحاد «يوهانس هان».
صحيح
أن توقيت إعلان التقرير بعد ظهور نتائج الانتخابات التركية والاطمئنان إلى فوز حزب
العدالة والتنمية فيها، كان مقصوداً، لأنه لو كان أُعلن قبلها، لكان أثّر حتماً
على مزاج الناخبين في غير صالح الحزب الحاكم، ولكان الحزب خسر أيضاً أصوات
القوميين الأتراك التي حولوها جزئياً من حزب الحركة القومية إلى حزب العدالة
والتنمية فزعةً للحزب الذي قدم نفسه على أنه حامي حمى تركيا من الأكراد، بعد أن
أعلن الحرب عليهم لكسب تعاطف الناخبين.  
ولكن
الصحيح أيضاً أن إعلان المفوضية الأوروبية لتقريرها فور انتهاء الانتخابات
التركية، هو بمثابة رسالة مضمونها أن حلم تركيا بقبولها عضواً فاعلاً في الاتحاد
الأوروبي، مثل عشم إبليس في الجنة. فأوروبا لا تريد تحمل أعباء وفائض مشاكل تركيا
بمختلف ألوانها الديمغرافية والاقتصادية والثقافية غير القابلة، من وجهة نظر
الأوروبيين، للتكيف والانسجام مع نمط الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
الأوروبية. 
  
  
05/12/2015 
 

اقرأ المزيد

نحن.. والفساد في يومه العالمي..!!



لا نعلم
ما اذا كانت مناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد الذي يصادف غداً، التاسع من
ديسمبر من كل عام، مناسبة تعني لنا شيئًا، خاصة وأننا قد تعودنا وألفنا العديد من
الجهات وهي تحتفي بالكثير من المناسبات العالمية او على الأقل تصدر البيانات التي
تذكر بها وتلفت الانتباه الى مرئيات تقتضيها كل مناسبة، وهي في الإجمال تكاد تكون
بمثابة رسائل قديمة متجددة نتلقاها قد نقتنع بمضمونها او لا نقتنع، خاصة تلك التي
يحتاج منطوق بعضها تنزيله على الواقع، او تلك التى تحتفل بالمناسبة وتغتال المعنى..!! 


الفساد الذي يحتفى غداً بيوم مواجهته عالميا، بات يعد الطابور
الخامس الحقيقي وعدو الشعوب والخنجر في ظهر اي نظام، وظهرت دعوات واضحة لشن حرب
عليه كالحرب ضد الإرهاب، لأن اي جهود للنهوض بواقع اي مجتمع او دولة لامعنى لها،
وأي خطط او حلول او قوانين او اجراءات او إصلاحات يراد منها جعل حياة الناس أسهل
وافضل محكوم عليها بالفشل في ظل الاستسلام للفساد، والتساهل مع متعاطيه والضالعين
فيه ومدمنيه والمتاجرين فيه، والمروجين له، ومن يلفون ويدورون حوله، والمستهينين
به واللامبالين له، وحتى الذين يحاربونه بالكلمات الفجة التي لا تقدم ولا تؤخر. 


للإحاطة، اهداف الاحتفال بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد
تنحصر في إذكاء الوعي بمخاطر الفساد، وتبيان آثاره المدمرة، على الاقتصاد والمجتمع
والمستقبل، واذا كان الفساد ظاهرة عالمية تعرفها كل المجتمعات والدول وليس خاصاً
بمجتمع او دولة دون غيرهما، الا ان نسب الفساد وأنواعه تختلف من دولة لأخرى ومن
مجتمع لآخر، وفي مجتمعاتنا هناك من شيدوا صروح الفساد، وابتكرت صنوفاً عديدة
ووسائل لا حصر لها في الفساد، ووجدنا صغار الفاسدين وكبارهم يتوزعون في مواقع شتى،
بل ان الحياة اليومية التي يعيشها المواطن تثبت ذلك، فما ان تبدأ يومك حتى تشهد او
تقرأ او تسمع ان مواطنًا او صاحب عمل او مستثمرًا انواع يواجه نوعاً­ من
الفساد، في الشارع، في العمل، في وزارات وإدارات وأجهزة، وحتى جمعيات نفع عام
ومؤسسات مجتمع مدني، كثير منها وللأسف لا يخلو من ممارسات تصب في خانة الفساد،
وكأنه يراد ان تكون بيننا وبين الفساد «عِشرة» طويلة..!! 


للإحاطة ثانيًا، البحرين من الدول التي صدقت على اتفاقية الامم
المتحدة لمكافحة الفساد وانضمت إليها في ديسمبر 2010، وهي الاتفاقية التي اعتبرت
صك العالم للقضاء على الفساد، والأكثر صلة بأعمال التصدي للفساد، وباتت هناك قناعة
لدى العديد من الجهات والهيئات والمنظمات الدولية بان المجتمع الدولي بناءً على
مقتضيات هذه الاتفاقية اتخذ العديد من الخطوات الملموسة في هذا المجال، الا انه
مازال يتعين اتخاذ الكثير لمواجهة الفساد بجميع وجوهه من رشوة جعلت باباً للأخذ
والعطاء وتمرير المعاملات، وعمولات من فوق وتحت الطاولة، واستغلال للنفوذ وتعارض
المصالح، او السيطرة على موارد الدولة بطرق غير مشروعة، او المحاباة، او التعديات
على حقوق ومصالح الناس، والاستقواء على الضعيف والسماح بالنفاق السمج في صورته
الجلية، او حين جعل حسابات السياسة هي الحكم والفيصل في مصير ضالعين في الفساد ومن
بات فسادهم يزكم الأنوف، او الإخلال المتعمد للمعايير او في منظومة قيم المجتمع او
فى تغييب الحدود بين الخطأ والصواب، الى آخره من صور ومظاهر الفساد. 


للإحاطة ثالثًا، ان الاتفاقية تلزم اي دولة عضوٍ فيها بتبني
منظومة من التشريعات والإجراءات الوطنية التي تعنى بمكافحة الفساد، ومن بينها
إنشاء هيئة او مفوضية او لجنة وطنية – ربما مراعاة لمن يتحسس من التسميات – تكون
مستقلة بمعنى الكلمة، بعيدا عن المواربات النصية، او الهيمنات الخفية، او
التلاعبات المفضوحة، وبما يوصل رسالة واضحة للجميع محليا وخارجيا مفادها ان عملا
جادا ودؤوبا يجري من اجل تسييد قيم النزاهة والمساءلة والحكم الرشيد والشفافية،
علاوة على ما يحقق قيام شراكات مع الجهات الأهلية او مع مؤسسات المجتمع المدني
الفاعلة والمؤثرة والنزيهة، شراكات لابد ان تقوم على نحو فعال وترفع مستوى الوعي
في المجتمع في شأن الفساد، وتفعيل دور كل مواطن في مواجهته والإبلاغ عن كل حالة
فساد.  


أشياء كثيرة، مهمة وجوهرية حين الحديث عن كل ما تقتضيه
الاتفاقية، ونعلم بان هناك عدة أطراف لها نصيب وافر من المسؤولية ينبغي ان
تتحملها، رسمية وخاصة وأهلية، فبالنسبة لنا، أمامنا طريق طويل لكي نضفي المزيد من
الجدية والصدقية والحزم على ما يحقق تلك المقتضيات والالتزامات، بدءاً بإنشاء
مفوضية او لجنة وطنية مستقلة لمكافحة الفساد، مرورا بإدراك مخاطر ان تصبح بعض
مظاهر او سلوكيات شائنة أمرا عاديا نكاد ان نسلم به او سلمنا به وانتهى الأمر..!!  


أما النواب، فقد بات واضحا ان المواطن لايزال غير قادر على
التعويل عليهم في اي دور حقيقي ملموس يفعل دورهم في الرقابة والمساءلة والمحاسبة،
وها هم امام أكثر من امتحان، امتحان التعاطي مع تقرير ديوان الرقابة المالية
والادارية، والامتحان الثاني في تقديمهم الى الجهة المختصة الاقرارات المطلوبة
منهم بالكشف عن ذممهم المالية، امتحان ربما هو الاهم، امتحان إثبات انهم قادرون
على استعادة صلاحيات المجلس النيابي وتقويتها في محال الرقابة والمساءلة
والمحاسبة، بجانب امتحان قدرتهم على إقرارات تشريعات وضوابط تكفل المصالح العامة
وتصون الأداء الاقتصادي من اي مخالفات او تدخلات غير مشروعة، او تضخيم كلفة
المشاريع. والعمل على الإفادة من التجارب الناجحة في مكافحة الفساد والمتحققة فى
الدول المتقدمة التي لقيمة المساءلة فيها وزن واعتبار، واظن – رغم ان بعض الظن إثم
– بان النواب، خاصة الذين يظهرون احيانا متصدرين مشهد مواجهة الفساد بحاجة الى
مواجهة شجاعة مع الذات يجيبون فيها على سؤال، هل بمقدورهم ان يفعلوا ذلك حقا..؟!!
نحن لا جواب عندنا، وحسبنا السؤال جوابا..!!  


احتفلوا باليوم العالمي لمكافحة الفساد اذا اردتم، وكيفما شئتم،
او ضعوه وراء ظهوركم، المهم ان نبدأ وبمنتهى الجدية والحزم والحسم محاربة الفساد
في كل تفصيلة من تفصيلاته، أخيرا، ولعل من المناسب هنا ان نسأل سؤالاً لئيماً،هل
يعلم المواطنون شيئاً عن حملة وطنية لمكافحة الفساد ظهر لنا مسوؤل معني ليعلن في
هذه الجريدة قبل ايام ليس عن انطلاقتها بل استمراريتها،والاشاره الى انها منطلقه
من استراتيجيه وطنية لمكافحة الفساد..!!، سؤال آخر هل لدينا القناعة بان معركتنا
مع الفساد هي اكبر كثيرا مما نظن..؟ وثمة سؤال ثالث لا ندعي البراءة فيه: هل يمكن
ان ننشغل حقاً وفعلا بتوفير انجح وأكفأ وأصدق الأساليب والوسائل والاستراتيجيات
التي تجعل من مواجهة الفساد أمرا واجب النفاذ لا حبرا على الورق..؟ ولا بأس من
سؤال أخير: هل نحن مستعدون وعلى أتم جاهزية للاحتفاء غداً وبشكل معتبر باليوم
العالمي لمكافحة الفساد، احتفال يخرج عن الصورة النمطية للاحتفال بالمناسبات،
احتفال يدشن التزام فعلي ومقنع بكل المترتبات التي تقتضيها الاتفاقية الدولية
المذكورة، أقلها الإعلان عن مفوضية او هيئة او لجنة وطنية مستقلة غير صورية
لمكافحة الفساد، وليس احتفالا مخرجاته كلام.. مجرد كلام يتدفق علينا طول الوقت
يتباهى بما ألفناه من وعود وانجازات، ولكنه يبقى من النوع الذي ينطبق عليه ما قاله
نزار قباني، كلام في كلام، والكلام فخر صناعتنا..!! 
  


 8
ديسمبر 2015

اقرأ المزيد

مقدمة كتاب علي دويغر


عن “دار العودة” في بيروت صدر مؤخراً كتاب
“قضايا الثروة والعمل والبيروقراطية – حالات دراسية تاريخية من البحرين
والعراق” للمناضل الوطني الراحل علي عبدالله دويغر، وفيما يلي نص المقدمة
التي كتبته 



عن
الكتاب والكاتب


حسن
مدن

يتضمن هذا
الكتاب مجموعة من الدراسات القيمة للقائد الوطني الراحل علي عبدالله دويغر، أحد القادة
الوطنيين الكبار الذين شكلوا بوعيهم المتقد وعملهم الدؤوب، ملامح مرحلة كاملة من الكفاح
الوطني في البحرين، من أجل الاستقلال الوطني والديمقراطية والتقدم الاجتماعي، فهو أحد
مؤسسي جبهة التحرير الوطني البحرانية؛ وأحد قادتها الكبار الذين اضطلعوا بدورٍ مُهم
في بناء تنظيمها وفي صوغ وثائقها البرنامجية ورؤاها السياسية وفي نشر الوعي التقدمي
في البلاد، كما اضطلع، أيضاً، بدورٍ مهم في تأسيس علاقتها الكفاحية بقوى ومنظمات التقدم
والسلم والتضامن في العالم، وفي سبيل ذلك دفع ضريبة مواقفه الوطنية بالسجن والنفي،
ولم يفتْ ذلك من عضده أو يضعف إرادته









.




إقترن إسم علي دويغر بمحطات نضالية مهمة في تاريخنا الوطني، بينها إنتفاضة
مارس/ آذار  1965

، حيث تم إعتقاله اثناء الانتفاضة، وكان
آخر من خرجوا من المعتقل بين المناضلين الوطنيين الذين طالهم الاعتقال والسجن في تلك
المرحلة، وبعد إطلاق سراحه إستمرَّ في نضاله الوطني، قبل أن يسافر لمواصلة دراساته
العليا في السويد التي نال منها شهادة الدكتواره، وهناك كانت له مساهماته في العمل
الطلابي والوطني، وكان هذا دأبه بعد عودته للبحرين مجدداً، إلى حين اشتداد المرض عليه
في السنوات القليلة الماضية مما أضطره للالتحاق بعائلته في السويد مجددا، حيث توفي
ووري جثمانه هناك.




سيرة ومساهمات
علي دويغر تكشف لنا عن معدن القادة الوطنيين التقدميين في تاريخ البحرين الحديث،
فإضافة إلى شمائله القيادية في التنظيم وفي العمل الميداني التي أشرنا إليها، فانه
إمتلك مهارات فكرية وثقافية عالية، مكَنته من الجمع بين التنظير الفكري وبين
الممارسة النضالية، ويكشف عن ذلك دوره المهم في صوغ عدد من الوثائق البرنامجية
لجبهة التحرير الوطني،  فبصماته واضحة في صوغ
أول برنامج سياسي للحركة الوطنية والتقدمية التي تشكلت وناضلت بشكل سري بعد قمع هيئة
الاتحاد الوطني في الخمسينات، ونعني به أول وثيقة برنامجية لجبهة التحرير الوطني التي
عرفت ب”برنامج الحرية والاستقلال الوطني والديمقراطية والتقدم الاجتماعي والسلم”
الذي صدر في عام 1962، بعد مناقشته في منظمات وخلايا الجبهة يومذاك، كما أن علي دويغر
بالذات كان من وضع مسودة برنامج “كتلة الشعب” لانتخابات المجلس الوطني في
مطالع السبعينات، حيث كان مقرراً ان يكون أحد مرشحي الكتلة، لولا أن قائد
المخابرات، آنذاك، إيان هندرسون أمر بنفيه من البلاد، نظراً لدوره المحوري في جهود
تأسيس الكتلة وفي مجمل العمل الوطني في البلاد، ولإبعاده عن ساحة التأثير المباشر
في مجريات المرحلة الجديدة لما عٌرف عنه من قدرات سياسية وتنظيمية.




لعلي دويغر
مساهمات في الصحافة، سواء الحزبية السرية منها، أو في الصحافة الكويتية فترة عمله
مديراً لتحرير مجلة “الهدف” الكويتية، لكن الدراسات المهمة التي يضمها
هذا الكتاب بين دفتيه، تقدم لنا وجهاً آخر مهماً من وجوه الفقيد، هو وجه الباحث
الرصين، المتأني في جمع مادته وتحليلها وإستخلاص الاستنتاجات منها، وهذه الدراسات
تعنى خاصة بجوهر وسمات  التطور الاجتماعي السياسي
في البحرين، ومن أبحاثه المهمة بهذا الصدد: “تحليل مقارن للإدارة العامة في البحرين»،
«تأثيرات اللؤلؤ والنفط على العمل في البحرين”، و”الرأسمال الأجنبي والنمو
السكاني”، فضلاً عن دراسات أخرى تتصل بقضايا الإصلاح الزراعي في العراق، وهي
الدراسات التي يحويها هذا الكتاب بين دفتيه.




بحكم طبيعة
تكوينه الفكري، فان علي دويغر











إنطلق من منهج التحليل المادي التاريخي،
وهو يرصد ويناقش ويُحلل تحولات المجتمع البحريني في الفترات التي غطاها في بحوثه، فهو
على سبيل المثال يقدم في بحثه عن آثار صناعة اللؤلؤ والنفط توصيفاً للتركيب الطبقي
في المجتمع البحريني، ملاحظاً أن المظاهر الإقطاعية ظلت فاعلة رغم تقدم علاقات الانتاج
الرأسمالية مع مجيء النفط، مما أوجد تركيبة طبقية غريبة، أو حالة خاصة، وهو بهذا كان
يتلمس مبكراً ما يتركه النفط من تأثيرات في بنية إجتماعية محافظة، ونرى أنه كان من
أبكر وأنضج من شَّخص وحلل تحولات المجتمع تحت تأثير الديناميات الاقتصادية الناشئة
باكتشاف النفط، ويمكن لاستنتاجاته أن تفيد في معرفة آليات التحول لا في البحرين
وحدها، وإنما في المجتمعات الخليجية التي سارت بعد حين في المسار نفسه، حتى لو
كانت هناك تجليات خاصة بكل بلد على حدة.

ومع تنبهه إلى أن
صناعة النفط أوجدت طبقة عاملة صناعية، ألا أن الكثرة الكاثرة من العمال غير الماهرين
بسبب ضعف مستويات التعليم، وغير المنفصلين عن البيئة المحافظة التي أتوا منها، يجعل
منهم بروليتاريا رثة تعيق تبلور وتماسك الطبقة العاملة الحديثة، ويلاحظ، في الآن ذاته،
وجود قطاع لا بأس به من العمال يعملون في مؤسسات صغيرة ومتوسطة، وهذا التشظي يحمل تأثيراً
سلبياً على تشكيل الوعي الطبقي









.

ويرى أن البرجوازية
الوطنية، آنذاك، صغيرة العدد وهي تجارية الطابع، وتعاني من اختراق السوق من قبل الرأسمال
الأجنبي والشريحة المتنفذة من البرجوازية المتحالفة معه والمستفيدة من مزايا هذا التحالف









.

أما في في دراسته
المهمة الأخرى عن: «الرأسمال الأجنبي والنمو السكاني» التي وضعها عام 1972، فقد انطلق
دويغر من حقيقة أن صناعة النفط في البحرين لم تأتِ جراء النمو الطبيعي للصناعة المحلية،
وإنما جراء التوسع الدولي للرأسمالية والرغبة في الحصول على مصادر طاقة رخيصة، ليناقش
الآثار المختلفة لنشوء صناعة النفط على النمو السكاني، وليحلل أوجه التركيبة السكانية
في مجتمع البحرين









.

ينقل الباحث عن أحد
الدارسين أن صناعة النفط تعد من أكثر الصناعات كثافة، وهذا ليس نابعاً من استخدام الحرفيين
وبالطبع ليس من جراء استخدام ميكانيكيين مهرة، بل من جراء استخدام التكنولوجيا والإداريين
ومجموعات المبيعات وما شابه ذلك









.

وتُعد هذه الدراسة،
فيما أرى، مصدراً جيداً للباحثين الراغبين في تتبع تطور التركيبة السكانية في المجتمع
البحريني منذ العقود الأولى للقرن العشرين، لأنها دراسة كتبت بمنهجية، واستعان فيها
الباحث لا بنظريات النمو السكاني وتحليل آليات التخلف في المجتمعات النامية فحسب، وإنما
أيضاً بمادة امبريقية ثرية من الإحصائيات والبيانات ذات الصلة بتطور النمو السكاني
في البحرين آنذاك









.

من أكثر فصول الدراسة
تشويقاً الفصل الذي نظر فيه علي دويغر في ما أسماه «المسألة المدينية – الريفية»، التي
يذهب فيه إلى انه ليس من الضروري رسم خطوط بين ما هو مديني وما هو ريفي في حال البحرين،
فالمدن هي مراكز تجمعات سكنية في بلدٍ لا تتجاوز مساحته (آنذاك) عشرين ميلاً، خاصة
وأن الإحصائيات الرسمية، كما تشير الدراسة، لا تقدم تصنيفات مختلفة للسكان من وجهة
النظر هذه، في غياب مفهوم المدينة الصناعية على النحو الدارج في الغرب، وهذا عائد إلى
التضارب في توزع الثروات الطبيعية والقدرات البشرية، التي تُلاحظ في أغلب الاقتصاديات
العربية









.

يعقد علي دويغر،
وهو يبحث التركيبة السكانية، مقارنة بين قانوني الجنسية في البحرين، القديم الصادر
عام 1937، والذي صدر بعده في عام 1963، وهي مقارنة مفيدة ، ليلاحظ أن التوزع العمري
يتأثر، مباشرة، بثلاثة عوامل متغيرة هي الهجرة والولادات والوفيات، مشدداً على أن عامل
الهجرة هو المتغير الذي يلعب الدور الأكبر









.

وهو استنتاج يظل
صحيحاً اليوم أيضاً في صورته العامة، ولو قُدر لعلي دويغر أن يواصل تحليله هذا على
ضوء التطورات الراهنة لأعاننا على فهم مظاهر التحولات الاجتماعية السياسية الراهنة

.

يتضمن الكتاب دراسات متأنية عن الإصلاح
الزراعي في العراق في مراحل سابقة، ويمكن لنا أن ندرج هذه الدراسات في إطار معرفة
الباحث بالمجتمع  العراقي، كونه درس في
جامعة بغداد وإنخرط في نضال الحركة الطلابية الديمقراطية هناك فترة دراسته، وعايش
التحولات المصيرية في العراق آنذاك، وخاصة ثورة 14 يوليو / تموز 1958، بما لها
وعليها، وتفاعل معها لا من موقع المراقب عن بعد وإنما من موقع الشاهد القريب من
الحدث ومن القوى التي ساهمت في صنعه، وكان هذا الارتباط بالعراق، والمعرفة
بخصائصه، باعثاً على إختياره له حقلاً للدراسة لاختبار فرضياته ورؤاه العلمية حول
معضلات التحول الاقتصادي – الإجتماعي فيه.

مبادرة الأهل والأصدقاء في جمع مادة هذا
الكتاب ونشره تستحق كل التقدير والثناء، لأنها تساهم في تقديم جانب من جهود هذا
الرجل الكبير في تاريخنا الوطني، وتتيح للقراء من الأجيال المختلفة الاطلاع على
عطاء مهم لم يتيسر له أن ينشر في حياته، والمؤكد ان مادة هذا الكتاب تعني  الأجيال الجديدة وأجيال المستقبل السائرة في
الطريق الذي إختطه علي دويغر وأفنى حياته فيه، من أجل بناء مجتمع ديمقراطي، حر،
ومتفتح يضمن العدالة الاجتماعية والحقوق السياسية لأبنائه وبنات



















، لأنه يُعرفها بالسجل الوطني الناصع للأجيال
السابقة من المناضلين الذين ضحوا في ظروف صعبة، وأرسوا أسساً وقواعد  للعمل الوطني في البحرين، والذين يعد علي دويغر
ممثلاً نموذجياً لهم على نحو ما أشرنا أعلاه.














إن معرفة تاريخنا الوطني ورموزه لا يأتي
فقط من باب الوفاء لدورهم وجهودهم، وإنما، ايضاً، لأن هذه المعرفة ضرورية لفهم
واقعنا الراهن أيضأ.




اقرأ المزيد

بعبارة أخرى: أوهام في ورق «السيلفون»!



ذات مرة – وفي أحد البلدان العربية ألقت الشرطة القبض على رجل كان يبيع تأشيرات مزورةً للراغبين في الذهاب للعمل في البلدان النفطية لقاء مبالغ كبيرة. الصحافة وصفت الرجل بأنه «بائع الوهم». أعجبني هذا الوصف، لأن ما يقوم به الرجل هو- فعلاً- بيع الوهم لأناس تتضاد رغباتهم مع واقعهم ويتطلعون لتحسين هذا الواقع عبر تحقيق هذه الرغبات أو بعضها، وهي بالمناسبة رغبات مشروعة ومبررة، لكن المسافة بين الرغبة والواقع ليست سهلة الاجتياز، وأحياناً تكون عصيةً.


وهنا تنشأ الأوهام التي وإن كان لها وجه يتصل بالحلم، فإن وجهها الآخر ضلالة، جانب الحلم في الوهم يتجلى في تصورك لواقع متخيل تصنعه الرغبات المخفية أو المكبوتة وأحياناً المعلنة، أما جانب الضلالة فيتجلى في تصديق المرء بأن حلمه قد تحقق أو هو على وشك التحقق. وأخطر ما في الوهم هو اليقين الذي يستحوذ على الشخص الواهم بأن وهمه ممكناً دون أن يخضعه لما يمكن أن نسميه الاختبار الموضوعي للأشياء والأحوال. وحيث يعم الجهل تتسع مساحة الأوهام، لأن حصانة الإنسان البسيط العادي بوجه الأوهام ضعيفة وقابليته لتصديقها كبيرة، فيعوض الوهم ما هو غير متحقق من سعادة مرغوبة.


ويحدث أحياناً أن نخلق هذا الوهم بأنفسنا وبمعرفتنا ثم نصدقه، للدرجة التي نكاد معها ننسى أننا من خلق هذا الوهم أو ابتكره، وذات مرة روت لي سيدة كيف أن إحدى صديقاتها ألحت عليها في جلسة نسائية أن تقرأ لها الفنجان، ورغم أنها ليست خبيرةً في ذلك، لكنها تطوعت بأداء هذه المهمة، وراحت تفسر للصديقة ما تقوله الخطوط التي خلفتها بقايا البن في قاع الفنجان، ووجدت الصديقة راحةً فيما تسمعه من صديقتها؛ لأن بعض ما قالته صدف أن تطابق أو اقترب من هواجسها، والأمر الذي بدا في البداية مجرد تسلية في جلسة عابرة، أضحى عادةً، فكلما شعرت المرأة بالضيق من أمر لجأت إلى الصديقة كي تقرأ لها الفنجان.
ونفهم من هذا أن للأمر صلةً بما يمكن أن ندعوه قوة الإيحاء. وقرأت مرةً كيف أن الأديب العربي الكبير نجيب محفوظ لجأ مرةً – وربما أكثر- إلى منجم ليقرأ له طالعه، كان ذلك في أربعينيات القرن العشرين، وكان محفوظ لما يزل شاباً، في ذلك العمر الذي يتصف بالحساسية العالية تجاه المنغصات وبواعث القلق، كان اسم المنجم (فردي)، ويقيم في شارع فؤاد باشا في القاهرة، الذي قال لمحفوظ: «أنا شايف حياتك ورق وأقلام، وأنه سيكون لك مستقبل كبير قوي، وإن كان من ناحية الرزق ستكون مستورة ما تطمعش في أكثر من كده».

برأي نجيب محفوظ أن (فردي) كانت عنده فراسة شديدة، رغم أن الذي أخبره به ليس أكثر من «كلام»، ويمكن أن ينطبق على أي موظف مصري، حيث حياته كلها ورق، ودخله محدود.



والشخص الذي يبيع التأشيرات المزورة، أو المنجم (فردي) الذي كان نجيب محفوظ يلجأ إليه، ليسا سوى نموذجين متواضعين لباعة الأوهام المنتشرين في الحياة، فصناعة الوهم حرفة تقوم بها مؤسسات كبيرة عابرة للقارات في عصرنا الراهن، تلف هذه الأوهام بورق السيلفون وتعلبها في علب أنيقة وتصدرها لبقاع الأرض المختلفة، متوسلةً لمختلف أساليب الإبهار والخداع والكذب التي تقوم بها شركات متخصصة تعتمد منجزات علم النفس في قوة الإيحاء والتأثير لتستحوذ على عقول ملايين البشر الذين يقبلون على شراء البضائع، أو المخاطرة بمدخراتهم في مشاريع سرعان ما يتكشف زيفها.



الوهم حالة تنفذ إلى خلايانا، وتتسرب إلى تفاصيل حياتنا الدقيقة، تحيلنا من الواقع إلى معادله الرمزي، تسربلنا بأكذوبة كبرى نكتشفها عادةً بعد فوات الأوان، أما باعة الوهم – أفرادًا ومؤسسات – فلهم من قوة الحضور والنفوذ بحيث تجدهم عبر شاشة التلفزيون وفي شركات مالية ومصرفية، وفي أناس يصنعون الرأي العام ويقولبونه وفق ما تقتضي المصلحة؛ حتى تغرق الناس في ضلالة الوهم وتفقد إرادة الفعل. كان مارشال ماك لوهان بين أوائل من تحدثوا عن «القرية العالمية»، وسرعان ما جرى تداول هذا المصطلح على نطاق واسع في أرجاء المعمورة، بل أن «أطراف» النظام الرأسمالي العالمي، تمييزًا لها عن مركزه، صارت تروج لهذه المقولة بحماس شديد مصدقةً أنها محتواة بالفعل داخل هذه القرية، وأن لها من الحقوق والواجبات ما لدى سكان القرية الآخرين.
التكنولوجيا الحديثة، خاصةً تكنولوجيا المعلومات ووسائطها: الحاسوب وشبكة الإنترنت والفضائيات قادرة على خلق هذا الوهم وتزييف الوعي، لأنها تحجب الفوارق الجوهرية بين الواقع – من حيث هو واقع بشر من لحم ودم وأفكار ومصالح متضادة – وبين الواقع الافتراضي الذي يوحي بنهاية جغرافية المكان، ونشوء جغرافيا جديدة خالية من الحدود، وإزاء هذا الكرنفال الواسع من النشوة بسقوط الواقع نفسه أمام سطوة الواقع الافتراضي، يجري إغفال حقيقة أن المتمكنين من استخدام وسائط هذا الواقع البديل، يظلون أقليةً في هذا العالم الواسع من القارات والثقافات والانتماءات العرقية والدينية الذين ما زالوا أبعد من ما يكونوا عن أن يتحولوا إلى سكان قرية صغيرة يعرفون بعضهم بعضًا.



ثمة إحصائية استشهد بها الدكتور علي أومليل في إحدى دراساته عن الموضوع فحواها أن نصف سكان الأرض لا يملكون حتى الهاتف، فكيف لنا أن نتخيل إمكانية استيعابهم في هذه القرية الكونية المفترضة طالما كانوا على هامشها؟



إن التقانة الحديثة – كما كان الحال فترة الثورة الصناعية – هي وسائل سيطرة ونفوذ بيد القوى الكبرى، القوى النافذة القادرة على إخضاع العالم ونهب ثرواته وغزو أسواقه ببضائعها. وتجير هذه الإنجازات العلمية الكبرى لتحقيق الأهداف الخاصة بها، خاصةً أن ما يعرف بالاقتصاد الجديد القائم على منجزات الثورة المعلوماتية والوسائط الرقمية يشكل الآن حوالي 80% من الناتج العالمي الخام، حيث يجري دمج البحث العلمي في الاقتصاد، لا بل وإعطائه دورًا قياديًا فيه ليذهب به نحو اكتشافات ومواقع جديدة، وهو أمر يعني أن البلدان المتخلفة، مهما سعت لمجاراة العالم المتقدم ستظل متخلفةً، وتكفي الإشارة إلى أن حصة البحث العلمي في العالم العربي لا تتجاوز 0,1%، فيما تبلغ في الدول المتقدمة نسبةً تفوق 3%.



(الميديا) المعاصرة لا تقول لنا – وهي تخاطبنا ليل نهار- كيف يجب أن نفكر، وإنما تقول لنا تحديدًا بماذا يجب علينا أن نفكر. هي تخترع لنا الموضوعات والاهتمامات، وهي قادرة بحكم ما لديها من سطوة على أفكارنا ومجمل نمط حياتنا أن تجعل هذه الموضوعات والاهتمامات شغلنا الشاغل، ليس بوسعنا أن نفرض نحن الحدث على هذه (الميديا) ، بل بالعكس هي التي «تصنع» الحدث، ثم تجعله مقررًا علينا ولا فكاك لنا منه؛ لأننا حتى لو كنا في أبراج مشيدة فإن هذه الميديا قادرة على ملاحقتنا ونحن في غرف نومنا.



بوسع (الميديا) – والحال كذلك – أن تحجب ما يجري في الواقع، وما يزخر به من نقاشات، وأن تجعل من الهامشي حدثًا أساسيًا، وتجعل من هذا الهامشي محط النقاش الذي ينشغل به الرأي العام. بوسع هذه (الميديا) أن تغرق الرأي العام في صدام مصطنع – غير حقيقي – أو أقلها غير جوهري؛ لينصرف عن الأساسي، وهكذا يجد الناس أنفسهم غارقين في سجالات، وربما في صدامات، هي أبعد ما تكون عن مصالحهم الحقيقية، واهمين بالعكس.
و(الميديا) لا تصنع ذلك لأنها تريده بالضبط، وإنما لأنها تشكل جزءًا من منظومة اختارت لها هذه المهمة. الإعلام – حسب عالم الاجتماع الفرنسي بورديار- أصبح ضحيةً للنظام الإعلامي، فليس بوسع أداة إعلامية إذا أرادت أن تكون مغايرةً أن تصبح كذلك بالسهولة التي يتوخاها القائمون عليها؛ لأنها لا يمكن أن تعمل خارج ال(سيستم) القائم الذي لايطيق أن يخرج أحد عن إجماعه. مهمة هذا الـ(سيستم) هو خلق الإجماع بين الأفراد والمؤسسات المنضوية تحته ثم فرض الإجماع على مجمل الفضاء العام الذي يغطي مساحةً شاسعةً هي مساحة المجتمع، أو مساحة ما يعرف بالرأي العام؛ لأن بوسع النظام الإعلامي أن يكيف هذا الرأي العام وفق ما يشتهي.



وما كان الأمر سيكون على هذا القدر من الخطورة لولا أن (الميديا) نفسها لم تعد حرةً، والحق أنها لم تكن حرةً في المطلق في أي وقت من الأوقات، لكن لم يسبق أن نشأ هذا التحالف بين الميديا وبين المال وأصحابه وبين السلطة. هذا الثالوث هو المعني قبل غيره بأن «يصنع» الرأي العام، وأن يكيف اتجاهاته في مجرى الرياح الملائمة لهذا التحالف، خاصةً في مجتمعات هشة مثل مجتمعنا العربي، تبدو فيها فكرة الرأي العام فكرةً هلاميةً، رجراجةً، على قدر كبير من السيولة والزئبقية، حيث لا يحتكم الرأي العام إلى مؤسسات حزبية حديثة ولا إلى مؤسسات راسخة للمجتمع المدني قادرة على التأثير الذي يعول عليه، فيصبح هذا الرأي العام أسيرًا للمتلاعبين به.

اقرأ المزيد

كلمة الرفيق عبدالنبي سلمان الأمين العام للمنبر التقدمي في المؤتمر العام السابع “للتقدمي”






















كلمة الرفيق عبدالنبي سلمان الأمين العام للمنبر التقدمي 


في المؤتمر العام السابع “للتقدمي” 


  

11 ديسمبر/ كانون الأول 2015 
الرفيق المناضل أحمد الشملان الرئيس الفخري لمنبرنا التقدمي 
الأخوة الأفاضل الأمناء العامون وممثلو الجمعيات السياسية 
الأخوات والأخوة الأفاضل ممثلو مؤسسات المجتمع المدني 
الأخوة والأخوات ضيوف المؤتمر من داخل وخارج البحرين
الرفيقات والرفاق أعضاء المؤتمر 
  
أُسعدتم صباحاً ،،
  
اسمحو لي أن ارحب بكم  جميعا في افتتاح أعمال المؤتمر العام السابع للمنبر التقدمي، وأن اتقدم بالشكر الجزيل لجميع ضيوفنا الكرام على تشريفهم لنا بحضور هذه الجلسة الافتتاحية، كما نرحب بضيوفنا الأعزاء من دولة الكويت الشقيقة ممثلين عن التيار التقدمي الكويتي والمنبر الديمقراطي الكويتي الذين تجشمو عناء الحضور معنا هذا الصباح، شاكرين لكم التفضل بالقاء كلماتكم  المعبرة ، متطلعين لمزيد من التعاون والعمل  والتنسيق المشترك بيننا في القضايا التي تهم هذا الوطن ومستقبله وكذلك مستقبل المنطقة بأسرها، كما اتوجه بالشكر الجزيل للرفاق أعضاء اللجنة التحضيرية للمؤتمر على ما بذلوه من جهود كبيرة في التحضير للمؤتمر لإخراجه بالصورة التي تتناسب وأهمية هذا الحدث الهام في تاريخ ومسيرة حزبنا وحركتنا السياسية.
  
وفي البدء لابد لنا ان نستذكر جميع رفاقنا الذين رحلوا عن دنيانا خلال الدورة الحالية مخلفين في قلوبنا غصة رحيلهم، ومحفزين فينا روح الاستمرار والمثابرة والاصرار والسير بثبات على طريقنا الوعر الصعب العسير نحو تحقيق آمال وتطلعات شعبنا في الحرية والديمقراطية والتقدم، نستذكر هنا  المناضل  الكبيرعضو كتلة الشعب محمد جابر صباح سيادي، والمناضل الرمز علي دويغر، والمناضل المحامي محمد يوسف السيد، والمناضل  والكاتب عبد الله خليفة والرفيق الدكتور مكي الجبل والرفيق المناضل والناقد يوسف يتيم، وفي الذكرى السنوية لرحيل الشهيدين الشاعر سعيد العويناتي والمناضل محمد غلوم بوجيري حيث نستذكر بعد يومين من الآن رحيلهما الفاجع في احتفالية مشتركة مع رفاقنا في جمعية العمل الوطني الديمقراطي “وعد” بمقر المنبر التقدمي.  ونظل شاخصين بأفئدتنا تجاه القائد الوطني الرمز وأول أمين عام لمنبرنا التقدمي الراحل الكبير أحمد الذوادي،  الذي  تظلل روحه ومبادئه اجواء ونقاشات جلسات مؤتمرنا هذا كما ظللت افكاره ومبادىء حزبه باستمرار سماء البحرين وحركتها الوطنية.  
   
 
أيها الأخوات والأخوة الحضور 
أيها الرفيقات والرفاق، 
  
ينعقد المؤتمر العام السابع للمنبر التقدمي تحت الشعار الرئيسي الذي تجدونه أمامكم” نحو حل سياسي شامل على طريق بناء الدولة  المدنية الديمقراطية”، وهو شعار اخترناه بعناية ووعي، وتختزل كلماته البسيطة بحق  كل طموحات وآمال شعبنا بجميع فئاته وشرائحه للعيش في وطن يحترم حقوق ابناءه ويصون كرامتهم دون تمييز ويستشرف آفاقا منشودة  للخروج مما  تعيشه بلادنا من مراوحة وجمود سياسي وتراجعات وخسائر على جميع المستويات طيلة اكثر من اربع سنوات مضت، كما يجسد طموحاتنا  المشروعة في دولة مدنية ديمقراطية ناهضة يستحقها شعبنا المتطلع نحو الحرية  والديمقراطية والتسامح والعدالة.  

  
نعم ايها الرفاق والأخوة الحضور فان شعار مؤتمرنا  العام السابع هذا يكاد يختصر حجم ما ينتظرنا من مهمات  نجد اننا يجب ان نتهيأ لها جيدا خلال المرحلة القادمة، برغم حجم التحديات الكبيرة المحيطة بنا داخليا وخارجيا، فذلك هو دورنا  وتلك هي مسؤليتنا السياسية والمجتمعية التي يجب ان نتصدى لها بكل بشجاعة وجرأة دون الركون او التواكل اوالتهاون او حتى الانسحاب بعيدا فمهمتنا وأهدافنا كانت وستبقى وطنية بامتياز بعيدا جدا عن ما يراد ان يلصق عنوة باسمنا وتاريخ حزبنا المناضل وبقادته وكوادره الشجعان عبر ابواق صدئة ووسائل اعلام  صفراء اثبتت التجربة انها عبثت ولا زالت تعبث بنسيجنا الوطني وبهويتنا وبمستقبل وطننا وبمقدرات شعبنا نزولا عند نوازعها وجشعها وانتهازيتها المريضة والمتهافتة التي باتت مفضوحة امام الجميع، ويزكي التاريخ ممارساتنا، فنحن لم ولن ننحاز لفئة او طائفة او قبيلة او مذهب بل كان انحيازنا وما زال للوطن والناس، كل الناس من ابناء شعبنا، ووقفنا بصبر وجلد صامدين ومتمسكين بمبادئنا وثوابتنا ضد محاولات النيل من تاريخ  ونضالات حزبنا العظيم وحركتنا الوطنية، وقد قمنا بالعديد من المبادرات التي تحاول ان تلم شمل ابناء شعبنا وقواه السياسية، حيث تواصلنا مع الجميع دون حواجز او عقد، محاولين ان نفتح ثغرة في جدار العزلة والتقسيم التي فرضت على شعبنا لتفتيت قواه وقدرته على النهوض تحت دعاوى ومسميات ومخاوف ومؤامرات، وشاركنا بجدية ومسؤلية في جميع جلسات وجولات حوار التوافق الوطني في العامين 2011 وكذلك العام 2013، رغم علمنا مسبقا باختلالات التمثيل فيه وانعدام جدية اطراف رئيسة فيه، وذلك سعيا منا للتعاون والعمل مع المخلصين للوصول بهذا البلد وشعبه الى شطآن آمنة واستقرار يقبل الاستدامة لبناء وطن يستحقه شعبنا بجدارة وناضلت من اجله قوانا الوطنية عقودا طويلة حيث كان لجبهة التحرير الوطني البحرانية والمنبر التقدمي اسهامات وادوار وتضحيات مضيئة لن نسمح تحت اي ظرف بتجاوزها من قبل أي كان.  وعندما تغوص بلادنا في مشاكل وعقد وأزمات مستعصية فان الحاجة تبرز ليتشارك الجميع في حلها وتسهيل مهمة التواصل والحلول بين فرقاء العمل السياسي التي تؤمن بالثوابت المشتركة التي اكدها دستور البلاد وميثاق العمل الوطني وبالنضال السلمي لتحقيق المطالب العادلة لشعبنا والتي ترفض العنف بكافة اشكاله، كما تؤمن بالاصلاح الحقيقي الذي يقود نحو الديمقراطية والتنمية الشاملة والمشاركة الفاعلة في صياغة قرارنا الوطني على قاعدة من المشتركات التي ستظل محور وجوهر عملنا الوطني واحتراما لتجربة واستقلالية قرار تيارنا الوطني المناضل الذي نثق تماما ان الساحة السياسية  في البحرين ستظل تحتاج لحضوره واسهاماته، ويجب ان لا نسمح لأحد أو جهة ان تتجاوز او تتطاول قيد انملة على هذا الدور المفعم بالولاء والانتماء لتراب هذا الوطن وفقراءه وعماله وكادحيه والمهمشين فيه وما اكثرهم.
 
الأخوات والأخوة الحضور،،
 
واذ نستشرف في هذه العجالة واقعنا السياسي والاجتماعي والاقتصادي في البحرين وفي المنطقة بشكل عام، فان المعطيات تخبرنا عن فداحة الخسائر والتراجعات التي تعيشها بلادنا، فعلى المستوى الحقوقي تعيش بلادنا وضعا حقوقيا وانسانيا غاية في التراجع، وهناك المئات من القضايا التي عرضت وتعرض باستمرار امام المحاكم والتي صدر في عدد كبير منها احكاما مغلظة تصل للاعدام والسجن مدى الحياة وهناك الألاف من النشطاء السياسيين القابعين حاليا في السجون والمعتقلات ومراكز التوقيف التي  سبق ان تفاءلنا مع مطلع الألفية بتبييضها من المعتقلين، معتقدين اننا قد تجاوزنا متاعب امن الدولة وتدابيره سيئة الصيت، وهناك العشرات من ابناء شعبنا ممن تشردوا في بقاع الأرض، واكثر من 200 مواطن ممن سحبت جنسياتهم، والمئات ممن لم يعودوا بعد لأعمالهم على خلفية احداث فبراير/شباط 2011، يزيد ذلك سوءا استمرار المداهمات والاعتقالات واحكام القبضة الأمنية التي تحكم بها العديد من مناطق وشوارع وقرى البحرين، ويتم التلكؤ في تنفيذ توصيات تقرير لجنة التحقيق المستقلة التي امر ملك البلاد بتنفيذ توصياتها منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 حيث لا زالت القوى السياسية والمنظمات الدولية ونشطاء حقوق الانسان يتابعون ذلك ويصدرون باستمرار ومعهم الكثير من الدول  والمنظمات ذات التأثير ومنها مجلس حقوق الانسان العالمي توصياتهم واداناتهم لسجل البحرين الحقوقي، مطالبين بتنفيذ تلك التوصيات وغيرها من التوصيات المتعلقة بملف حقوق الانسان في البحرين، وفيما يشوه ويحاصر دور مؤسسات المجتمع المدني ويتم التضييق على الحريات والعمل السياسي والجمعيات السياسية ويضرب العمل النقابي الذي يراد له بكل اسف ان يكون اداة انقسام وليس اداة  وحدة بين الشغيلة والكادحين حيث تسخر لذلك ادوات وجهات لضربه وتقزيم دوره التاريخي في النضال الوطني، وكتوطئة لذلك، تستمر محاولات دؤوبة وممنهجة لضرب وحدة شعبنا وبث الفرقة والتناحر والفتن والكراهية بين مكوناته.   ويزداد الوضع قتامة حين تفرض الأوضاع الاقتصادية حضورها على مجمل المشهد العام في البلاد، حيث تغيب الرؤية الاقتصادية الشاملة والتخطيط لمستقبل البلاد، فلازالت موازنتنا العامة تعتمد على اكثر من 85% من ايراداتها على سلعة واحدة ووحيدة هي النفط دون تنويع للقاعدة الاقتصادية والاستثمارية في البلاد، ويسود التخبط في القرارات الاقتصادية وينتشر الفساد بصورة غير مسبوقة يشهد على ذلك 12 تقريرا لديوان الرقابة المالية والادارية دون ان تحرك الجهات المعنية ومن بينها مجلس النواب الحالي ساكنا تجاه معالجة هكذا اوضاع اقتصادية ومالية متردية، خاصة عندما تطالعنا صحف الصباح باختفاء عشرات الملايين من وزارات وجهات وهيئات رسمية ترتبط بمعيشة وارزاق ومصير مئات الألآف من الناس الذين ترتعد فرائصهم خوفا على مستقبلهم ومستقبل اسرهم ومدخراتهم التقاعدية، وعلى ما يمكن ان ينتج جراء ذلك من زيادة انعدام حالة الاستقرار في البلاد، ومع ارتفاع المديونية العامة للدولة التي ينتظر ان تصل قريبا لعشرة مليارات دينار وارتفاع عجز الموازنة العامة لأكثر من ثلاثة مليارات دينار، علاوة على ما يجري العمل عليه حاليا بالنسبة لرفع الدعم عن بعض السلع والخدمات الأساسية والتي ابتدأ فيها منذ اكتوبر الماضي وسط سخط شعبي متزايد، والتوجه المحموم نحو زيادة الرسوم والضرائب على شرائح واسعة من الشعب، فيما لا تريد السطة ان تسمع سوى نصائح صندوق النقد والبنك الدوليين وما يحملانه لشعبنا من  سيناريوهات افقار حقيقية ومجربة في اكثر من بلد حول العالم، حيث  يزداد الفقراء فقرا وتتدهور بصورة مخيفة الطبقة الوسطى وتصادر اصول الدولة لصالح الاحتكارات الأجنبية تحت عناوين الخصخصة، وترتفع مؤشرات البطالة وتتلاشى تدريجيا الكثير من المكتسبات المعيشية والدستورية، فيما يستمر مشروع التجنيس السياسي الذي ظهرت آثاره الاجتماعية والاقتصادية واضحة تتهددنا كشعب في هويتنا ومقدراتنا ومستقبلنا.
 
حضورنا الكرام،،
 
حين يحمل شعار مؤتمرنا هذا ضرورة الحل السياسي الشامل على طرق بناء الدولة  المدنية الديمقراطية، فاننا حتما نعني ما نرمي اليه، فبلادنا باتت تحتاج فعلا لمشروع حل سياسي شامل واصلاح حقيقي غير منقوص يقوم على قناعة حقيقية بأهمية الاصلاح وعلى ارادة سياسية جادة تأخذ في الاعتبار مستقبل الوطن وحجم ونوعية التراجعات القائمة للتأسيس  لشراكة وطنية تقوم على تحقيق العدالة للجميع وتعزيز روح المواطنة والغاء كافة مظاهر التمييز، وترفض اي شكل من اشكال المحاصصة الطائفية او المذهبية او العرقية، عبر مشاركة جميع القوى في مشروع يستشرف المستقبل وينحو بجدية باتجاه بناء دولة مدنية ديمقراطية عصرية، تؤطرها المؤسسات ويحميها القانون والقضاء العادل النزيه، وتضمن عدالة التمثيل لمختلف القوى دون اقصاء اي طرف، وتقودها حكومة وطنية تمثل الارادة الشعبية وسلطة تشريعية كاملة الصلاحيات تضمن تحقيق المساءلة وحماية المال العام وصيانة ثروات البلاد وممتلكاتها من الضياع والعبث، مع وجود نظام انتخابي ودوائر انتخابية عادلة وأمن للجميع.   تلك ضرورات لابد من بلوغها وصولا لحماية بلادنا واستقلالية قرارها وسيادتها في مواجهة التدخلات الخارجية التي يرفضها شعبنا ويتحسب لمخاطرها، خاصة ونحن نتابع تداعيات كل ذلك على شعوب دول المنطقة في اكثر من بلد، وقد بتنا  بالفعل نعيش في منطقة تعج بالحروب والتدخلات الاقليمية والدولية وتعبث فيها قوى الارهاب والتخلف وقوى الظلام ومشاريع التقسيم وانبعاث الأطماع الخارجية والداخلية القديمة منها والجديدة، وتجوب بحارها آساطيل وبوارج وغواصات وقواعد حربية طالما رفضنا وجودها في مياهنا الاقليمية وعلى آراضينا وسنظل نرفضها، نظرا لما تمثله من انتقاص لسيادة وأراضي بلداننا، بما تمثله من اطماع دولية باتت تتهدد دولنا بالفعل بكثير من مشاريع الفوضى واستنزاف الثروات وما تحيكه الامبريالية العالمية لمنطقتنا من سيناريوهات ومؤامرات مكشوفة.

 
أيها الأخوات والاخوة الحضور
  
في الوقت الذي تتعرض فيه وحدتنا الوطنية لمخاطر جمة وتضيع بوصلة الحلول ويهدد الاستقرار وتتراجع التنمية وتهرب الاستثمارات وتتداخل العقد السياسية والاجتماعية وتنعدم الثقة والاطمئنان في مستقبل الوطن ووحدته واستقراره، ويستمر العبث بهوية ونسيج الوطن عبر جهات ومواقع طائفية او عبر مشاريع تستقوي بالطوائف والهويات الدخيلة على شعبنا،  وحين تحتل المسألة الطائفية حيزأ كبيرا من اهتمام المجتمع والقوى السياسية والاجتماعية فيه، ويصطبغ الحراك السياسي والاجتماعي في البلاد بعقد ومشاريع ونزوات القوى الطائفية، والتي تحظى بتشجيع من قوى نافذة في المجتمع وفي الدولة على حد سواء والتي تدفع بسببها بلادنا نحو المجهول فان الحاجة تبدو ماسة فعلا  لنا جميعا  للتفكير بشكل جدي وصادق يتجاوز حالات التردد والشك والغوص العقيم في الماضي والتخندق في المواقع القديمة، فمهمة انقاذ بلادنا وشعبنا يجب ان تحتل اولوية قصوى لدينا جميعا، عبر السعي لطرح مشروع حضاري  جاد يستشرف المستقبل ويرفض الاصطفافات الطائفية وعناوين المحاصصة التي تطل برأسها بين الفينة والأخرى، ليمضي الوطن والناس ضمن سياقات جديدة اكثر نجاعة وأملا وثقة بالمستقبل، هنا  تحديدا يجب ان يبرز بقوة دور قوى التيار الوطني الديمقراطي التي عليها أن تتحمل المسؤولية التاريخية الكبرى في تقديم خياراتها  المجربة باعتبارها قوى موحدة للمجتمع وعابرة للطوائف، عليها أن تتحلى بالشجاعة في الدفاع عن أطروحاتها، ويجدر بنا التذكير بدور القوى والشخصيات الوطنية خلال فترات تاريخية مهمة عبر تاريخ البحرين الحديث، ويكفي ان نؤشر على فترة المجلس الوطني مطلع السبعينات حين تشكلت كتلة الشعب بقيادة جبهة التحرير الوطني البحرانية في السابع من ديسمبر 1973  حيث نحتفي هذه الأيام بذلك اليوم التاريخي الأغر الذي يتذكره كل من عاصره  وعاش  احداثه المتتالية من ابناء البحرين، حين التئمت بعض القوى والشخصيات الوطنية في كتلة وطنية واحدة دافعت باصرار واستماتة عن مصالح الشعب والوطن واكتسبت احترام الجميع دون تفريط في المكتسبات او تعريض الوطن لمخاطر وفتن وانقسامات بغيضة كالتي نعيشها اليوم.  علاوة على ذلك  فان القوى الوطنية والعلمانية في بلادنا قد اسست باكرا وبجسارة للبنى الثقافية والفكرية  وزكت التجارب والممارسة احترامها لعادات وتقاليد مجتمعنا البحريني المتنوع والمنفتح على افكار التنوير والنهضة والحداثة منذ مطالع القرن العشرين على أيدي رواد الفكر والثقافة والعمل التطوعي في الأندية والمؤسسات الثقافية والحياة العامة، وعلينا ان نفخر اليوم ومن مختلف مواقعنا السياسية والاجتماعية اننا ورثة لهذا الإرث العظيم الذي بني على قيم التسامح والتنوير والانفتاح  والذي رفع اسم البحرين عالياً  واسس له الرواد الأوائل  لنهضة البحرين الحديثة بما عرفت به من انفتاح وتسامح، هذا الارث يجب ان نكون جميعنا في التيار الوطني الديمقراطي اهلا للحفاظ عليه وتطويره ورفده بكثير من العمل المخلص ضمن تيار وطني مدني ديمقراطي واسع تكون له شخصيته الاعتبارية المميزة العابرة للطوائف والطائفيين، ويستطيع ان يتكامل ويعمل مع القوى المجتمعية الأخرى من موقع الاحترام والندية ليكسب احترام الجميع ويسعف الوطن للخروج من ازماته بأقل الخسائر، تلك مهمة جليلة  بذلنا نحن في المنبر التقدمي  طيلة السنوات الماضية ومعنا شخصيات وقوى وطنية جهودا وعملا مخلصا لانجازها عبر ورش عمل وفعاليات ولقاءات واوراق عمل ونقاشات موسعة علينا ان نستمر فيها، فهي مهمة  يجب ان لا نتراخى او نتردد لحظة في انجازها، بل علينا ان  نثق اولا في قدرتنا على الاضطلاع بها والتصدي لانضاجها وبلورتها، ويجب ان لا تترك للزمن أو للأمزجة وحسابات الأفراد  او الجماعات، فتلك مهمة  تكمن فيها الاستجابة لنداء الوطن والشعب الذي بات يبحث عن امل وسفينة نجاة تخرج بلادنا من خراب الطائفية وعبث الطائفيين، انها مهمتنا جميعا.
  
حضورنا الكرام،،
  
مرت منذ ايام ذكرى يوم التضامن العالمي مع شعبنا الفلسطيني، والتي احييناها في مقر المنبر التقدمي  بحضور سفير دولة فلسطين الشقيقة  وشخصيات فلسطينية وبحرينية تعبيرا منا عن تضامننا مع ابناء شعبنا الفلسطيني الذي يتعرض لهجمة القوى الصهيونية المسنودة من القوى الامبريالية والقوى  الرجعية في المنطقة ومشاريعها ومؤامرتها، والتي  اضحت تمهد الأرضية واسعة لمشاريع الهيمنة في المنطقة عبر ما يجري في دول عربية شقيقة من بينها العراق وسوريا ولبنان وليبيا، حيث يجري تدمير البنى التحتية والجيوش ونهب الثروات وافقار تلك الدول والتعدي على سيادتها الوطنية ونشر قوى الارهاب في ربوعها وتعطيل مساراتها السياسية لحسابات اقليمة واضحة، ويجري تهجير شعوبها في بقاع الأرض، وذلك لتسهيل تمرير مشاريع التقسيم والهيمنة القادمة الى المنطقة بقوة، فيما يتم العبث بمقدرات الشعب اليمني عبر حرب باتت تأكل الأخضر واليابس سمحت بتدخلات اقليمية ودولية في هذا البلد المنهك والمبتلى بحروب ومشاريع تقسيم لا تتوقف.  اننا نتوجه بالتضامن الأخوي الكفاحي مع أشقائنا في تلك البلدان وفي كل البلدان العربية في نضالهم من اجل الحرية والسيادة الوطنية والبناء الديمقراطي، كما نعبر عن مؤازرتنا لكل القوى الديمقراطية في مختلف بلدان العالم في نضالها ضد النهج العدواني للامبريالية وغطرسة القوة ونهج شن الحروب والفتن، ومن أجل الديمقراطية والتقدم الاجتماعي وفي سبيل السلم العالمي. 
  
  
الرفاق والرفيقات أعضاء المؤتمر،
 
بحضوركم فعاليات ونقاشات مؤتمرنا العام السابع فانكم تؤكدون مرة اخرى على التزامكم  المسؤول بوحدة التنظيم وحرصكم على استمرار دوره الكفاحي الهام ضمن الحركة الوطنية البحرانية، وهي مهمة لم نألوا جهدا في التصدي لها، وقد بذلت اللجنة المركزية الحالية والمكتب السياسي جهودا استثنائية كما تعلمون خلال الدورة الحالية للحفاظ على وحدة التنظيم ودوره الهام، وساهم جميع المخلصين كل من موقعة برفد هذه الجهود والتي تكللت بترشح تشكيل متنوع من الكفاءات والخبرات نتمنى ان يكون متميزا للجنة المركزية القادمة والمكتب السياسي، مما يحتم علينا جميعا ان نستمر في رفد عملية التوافق التي لم تكن ممكنة لولا ايمانكم الصادق بضرورة التوافق وأهميته لحماية وحدة حزبنا الداخلية ودوره الطليعي في النضال الوطني، ولولا دعم اصدقاءنا واشقاءنا الذي بذلوا جهودا استثنائية مشكورة سنظل نذكرها ما حيينا، ولنبقى اوفياء لفكرنا ونهجنا التقدمي متيقنين بأن دورنا ورسالتنا لن تتوقف ابدا بفعل قسوة الظروف من حولنا او وعورة الدرب الذي ارتضيناه، وحتى نكون اوفياء فعلا لمبادءنا ونهجنا  ولتضحيات ودور تنظيمنا المناضل وشهداءه وأنات  وعذابات مناضليه في السجون وغرف التعذيب المظلمة والمنافي،علينا ان نتعلم من اخطاءنا وأن نتواضع امام تقصيرنا وأن نطور ونزيد من نجاحاتنا  وان نبتدع الحلول لمشاكلنا ضمن حوارات وممارسات رفاقية متحضرة تسمو بنا، لنصنع من وحدتنا الداخلية سياجا يحمي تنظيمنا المناضل،  لكي يبقى هذا التنظيم المتجذر في تربة اوال وضمير شعبها وتاريخها الوطني الحافل كما عهدناه تنظيما  مهيبا عابرا للطوائف، عصيا على الكسر والانهزام وضمانة لمستقبل البحرين وشعبها.
 
عاشت وحدتنا التنظيمية،،
 
الحرية لجميع المعتقلين والقادة السياسيين
 المجد والخلود لشهداء شعبنا الأبرار،،
وشكرا لاصغائكم

  
<!–[if !supportLineBreakNewLine]–>
<!–[endif]–>

اقرأ المزيد

بين القيصر والسلطان .. بندقية



لم يرث فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان، على حدٍ سواء، من أسلافهما
الذين حكموا روسيا وتركيا تراثاً من العلاقات الطيبة. 
عبر التاريخ طبع العلاقة بين البلدين توتر واحتدام سياسيان، وصراع
على النفوذ. 


والأمر
يتخطى مرحلة الحرب الباردة يوم كان الاتحاد السوفييتي في ذروة جبروته، وكانت تركيا
أداة من أدوات «الناتو» في الخاصرة السوفييتية، وحديقة نفوذ غربي على الشرق الأوسط
الذي كان الاتحاد السوفييتي يتمتع بعلاقات طيبة مع دول محورية فيه: مصر وسوريا
والعراق وغيرها. 


الاحتدام
في العلاقات بين البلدين يعود إلى أبعد من ذلك، فبين تركيا العثمانية وروسيا
القيصرية حروب، يذكر التاريخ أنها بلغت عشراً منذ عام 1676، وكانت شبه جزيرة القرم
بالذات أحد مواقع الصراع على النفوذ بين البلدين، فمن يسيطر عليها يحكم السيطرة
على البحر الأسود، وهو ما أدركه فلاديمير بوتين جيداً، حين استثمر أزمة أوكرانيا
بضربة مباغتة وسريعة استعاد فيها سيطرة روسيا على شبه الجزيرة، مصححاً ما يعتبره
خطأ تاريخياً ارتكبه نيكتيا خروتشوف حين قرر أن تكون القرم تابعة لأوكرانيا مدة
رئاسته للاتحاد السوفييتي. 


على
كل التباعد بين بوتين وأردوغان، فإنه يجمع بينهما حس براغماتي سمح بتطوير العلاقات
بين البلدين خلال العقد الماضي في مجالات التجارة والزراعة والسياحة والطاقة
النووية، لكن براغماتية السياسة لا تلغي حقائق الجيوبولتيك.
روسيا
دولة كبرى لها مصالحها الاستراتيجية في هذه المنطقة، وهي مصالح تتعارض مع أهداف
وخطط «الناتو» حيث تركيا أحد أعضائه، وتركيا قوة إقليمية تريد الاستفادة القصوى من
حال التفكك العربي الراهن لتوسيع نفوذها، فهي سانحة لم تكن تحلم بها. 


في
أنقرة سلطان جديد يحلم بأمجاد العثمانيين، لكن ما لم يحسب أردوغان الحساب له
جيداً، وهو يسقط «سوخوي 24» الروسية، أن في موسكو، أيضاً، قيصراً جديداً تلقى
تدريبه في المؤسسة السوفييتية، لا بل في أكثر أجهزتها حساسية ووزناً، وتشرَّب
تقاليد روسيا، الدولة العظيمة منذ القياصرة، التي علمتها التجارب أن أي تهاون في
دورها الخارجي، يعني، بصورة تلقائية، ضعفها الداخلي وتحولها إلى دولة عادية بين
الدول، وهو ما جربته خلال فترتي حكم غورباتشوف ويلتسين. 


وجوهر
مشروع فلاديمير بوتين قائم على تصحيح هذا الخطأ باستعادة ما كان لروسيا من مهابة،
يوم كانت تلويحة إصبع لستالين ومن وقفوا بعده على منصة العرض في الساحة الحمراء
كفيلة بإخافة الغرب، وحمله على إعادة ترتيب حساباته. 
  
حرر في: 01/12/2015 
 
اقرأ المزيد

” أوربة ” أوروبا



في المحاورة التي
أجراها المخرج أوليفر ستون مع الروائي والمفكر البريطاني، من أصل باكستاني، طارق
علي ، لاحظ هذا الأخير أن الولايات المتحدة هي أول إمبراطورية في التاريخ لا
تنافسها إمبراطورية أخرى. كان الرومان يعتقدون أنهم يشكلون الإمبراطورية الوحيدة
في زمنهم ولكن ذلك كان نتيجة جهلهم بقوة الفرس والصينيين، لأن العالم كان ينتهي
عند حدود البحر الأبيض المتوسط بالنسبة لهم. 
  
من أجل كسر هذه
الأحادية، يرى مفكر كبير بوزن الدكتور سمير أمين أن على أوروبا، إن أرادت المضي
قدماً إلى الأمام، التحرر من الوصاية الأمريكية، بل إنه يرى أن الأجدى لأوروبا
وللعالم كله أن يُبنى تحالف سياسي واستراتيجي تكون نواته باريس برلين وموسكو، وأن
يمتد إذا أمكن إلى بكين. 
تحالف مثل هذا يمكن أن يؤسس لتعددية دولية
جديدة ويمنح الأمم المتحدة كل وظائفها، واستراتيجياً يمكن أن يحد من دور الشرطي
العالمي الذي تريد الولايات المتحدة الانفراد به مرغمة بقية الدول على أن تكون
تابعة ثانوية لها، وهو دور أخفقت في أدائه حتى الساعة في أفغانستان والعراق وربما
في غيرهما من الدول. 
أما استثناء بريطانيا من مثل هذا الحلف
المفترض فعائد ألى أن بريطانيا قررت أن تتحوّل بإرادتها إلى تابع للسياسة
الأمريكية، وتخلت طوعاً عن هامشها الخاص الذي تحرص دول أوروبية أخرى عليه، وهي
جديرة بأن تكون في الحلف المقترح لو تحررت من الهيمنة الأمريكية. 
لا يرى سمير أمين أن الظروف الراهنة تسمح
بقيام سلطة فوق قومية أوروبية، فمثل هذه السلطة ضمن التوازن الدولي الراهن لن تكون
إلا امتداداً لسلطة الولايات المتحدة، وأي تقدم نحو بناء سياسي أوروبي سيدعم سيطرة
واشنطن على حلفائها بدلاً من تدعيم استقلالية أوروبا. 
هناك عدة عقبات بوجه ما يدعو إليه سمير
أمين، بينها «أمركة» الأفكار التي تجتاح أوروبا، ما يتعين التغلب عليها ، خاصة بعد
أن تقدمت كثيراً خلال نصف القرن الماضي، أدت إلى تشوه أوروبا ودفعها إلى الوراء
والتخلي عن الكثير من المكتسبات التقدمية التي ساهمت بها في مراحل نهضتها وتطورها. 
ليس لدى أمريكا ما تتعلم منه أوروبا، لذا
فإن أحد منطلقات تصحيح الخلل في الوضع الدولي الراهن الخاضع للمركز الأمريكي هو
«أوروبة» أوروبا، أي إعادة الاعتبار لتاريخها وثقافتها ومنجزاتها التنويرية
والتقدمية، وتراثها الديمقراطي الذي بلغته نتيجة مخاض طويل قدمت فيه شعوبها
ومفكروها تضحيات جليلة. 
  
حرر في: 30/11/2015

اقرأ المزيد