المنشور

ما بعد فك لغز سقوط الطائرة الروسية



بعد مرور أسبوع
بالتمام والكمال، يبقى الغموض مغلفاً أسباب سقوط الطائرة الروسية، يوم السبت 31
أكتوبر/تشرين الأول 2015 بالقرب من مدينة العريش عاصمة محافظة شمال سيناء المصرية
والتي راح ضحيتها 224 من ركابها من السياح الروس وطاقمها في رحلتها المتجهة من
مطار شرم الشيخ الدولي إلى مطار مدينة سان بطرسبرغ الروسية. 
  
في البداية، ذكرت
المصادر الأمنية في شمال سيناء أن المعاينة المبدئية توضح تحطم الطائرة الروسية في
سيناء «بسبب عطل فني»، وأن «الطائرة سقطت بطريقة عمودية ما أدى إلى احتراق أجزاء
منها وانتشار الجثث والأشلاء على مساحة تصل إلى نحو 5 كيلومترات».  


الغريب أن سقوط الطائرة، حدث بعد 23 دقيقة
من إقلاعها من مطار شرم الشيخ حيث اختفت من على شاشات الرادار. 
بيد أن عضواً في لجنة التحقيق المصرية لم
يكشف عن هويته «تطوع» للتصريح لوكالة أنباء «رويترز» الاثنين 9 نوفمبر/تشرين
الثاني 2015 بالقول «إن المحققين صاروا متأكدين بنسبة 90% أن سقوط الطائرة الروسية
كان بسبب قنبلة وضعت على متن الطائرة». وهو ما يتفق مع ما كانت صرحت به المتحدثة
باسم شركة الطيران الروسية «كوجاليمافيا» المشغلة للطائرة لوكالة أنباء «نوفوستي»
ووكالة «إنترفاكس» الروسيتين، من «إنها تستبعد الخطأ البشري في الكارثة وإن الطيار
لديه خبرة تصل إلى 12 ألف ساعة طيران، وإن الطائرة خضعت لكل إجراءات الصيانة».  


ومع ذلك اختارت مصر وروسيا التريث في إصدار
الحكم بشأن سبب سقوط الطائرة، استناداً إلى تعاطي الخبراء مع الحادث بحذر شديد،
بحكم طبيعة عملهم التي تحتم الدقة التامة في مثل هذه الظروف قبل إصدار أي أحكام
قاطعة. حتى بعد أن أعلن الفرع المصري لتنظيم «داعش» الذي يطلق على نفسه «ولاية
سيناء»، عبر “تويتر” أنه أسقط الطائرة الروسية. في ذات الوقت الذي كانت
فيه واشنطن ولندن ممثلتين في أعلى سلطاتهما، الرئيس الأمريكي باراك أوباما ورئيس
الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، ووزير خارجيته فيليب هاموند، مهتمتين بسرعة نقل
المعلومات الاستخباراتية التي حصلتا عليها، كما رشح فيما بعد، من «إسرائيل»، إلى
الإعلام، ومفادها ضمناً أن الطائرة الروسية أسقطت بقنبلة زرعت داخلها. فكان أن رد
وزير النقل الروسي ماكسيم سوكولوف في تصريح لوكالة “إنترفاكس” الروسية
للأنباء بالقول «إن الادعاء بأن إرهابيين هم سبب تحطم الطائرة الروسية لا يمكن
اعتباره دقيقاً»، مضيفاً «إننا على اتصال دائم بزملائنا المصريين وبالسلطات الجوية
في مصر، وحتى الآن لا يملكون أي معلومة تؤكد تلميحات من هذا النوع». الكرملين
بدوره قلل من أهمية الفرضيات التي أعلنتها واشنطن ولندن حول أسباب تحطم الطائرة
الروسية في سيناء، معتبراً أن أي تصريحات تصدر عن جهات غير مرتبطة بالتحقيق، غير
جديرة بالثقة. فقد قال ديميتري بيسكوف الناطق الصحفي باسم الرئيس الروسي، الخميس 5
نوفمبر/تشرين الثاني في معرض تعليقه على تصريحات وزير الخارجية البريطاني فيليب
هاموند، حول «احتمال قوي» لوقوف «داعش» وراء الكارثة: «قلنا ذلك في السابق ونكرر
مرة أخرى.. لا يحق لأحد باستثناء فريق التحقيق تقديم أي فرضيات أو التخمين بشأن
أسباب الحادث». كما انتقدت موسكو الترجيحات البريطانية والأمريكية ووصفتها
بالتكهنات. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في مؤتمر صحفي
«أستغرب إعلان الحكومة البريطانية – وليس الخبراء – هذه المعلومات». فمن الواضح أن
موسكو الرسمية كانت ترفض بشكل قاطع محاولات الربط بين كارثة الطائرة الروسية في
سيناء والغارات التي يشنها الطيران الحربي الروسي في سوريا ضد التنظيمات الإرهابية
وبضمنها تنظيم «داعش». 


وهكذا نكون أمام موقفين غير متجانسين
صادرين عن الجانبين الروسي والمصري المعنيين مباشرة بالحادث. موقف المستوى السياسي
الذي رفض في البداية كل التكهنات والروايات التي تحدثت عن وجود شبهة عمل إرهابي
يقف وراء سقوط الطائرة، وموقف فني يرجح العمل التخريبي كسبب لسقوط الطائرة. في حين
نجد على المقلب الآخر تصدر المستوى السياسي في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا،
وليس الخبراء الفنيين في البلدين، للتعليق وإصدار الأحكام على سبب سقوط الطائرة.
وكان لابد لهذه الثنائية المتقابلة أن تختفي مع تقدم التحقيق، ومع بدء فحص محتويات
تسجيلات الصندوقين الأسودين، لمصلحة الرواية المرجحة للعمل الإرهابي. وكانت
البداية عملية في الواقع، حيث علقت روسيا رحلات طيرانها التجاري إلى مصر في أعقاب
قرار بريطانيا تعليق رحلاتها إلى شرم الشيخ، قبل أن تتبعها شركات طيران أخرى.  


السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما الذي حدا
برأسي السلطة في الولايات المتحدة وبريطانيا للزج بنفسيهما في حادث سقوط الطائرة
الروسية؟ ولماذا أفرطت موسكو في حساسيتها تجاه هذا الدخول الأمريكي البريطاني
المباشر على خط مسار التحقيق في أسباب سقوطها؟ ربما كانت لبريطانيا أسبابها في
«التطفل» على مسار التحقيقات التي كانت للتو بدأت، من حيث إن مواطنيها يشكلون ثاني
أكبر كتلة بشرية سياحية تفد إلى شرم الشيخ (بلغ عددهم لحظتها أكثر من 20 ألف سائح)
بعد السياح الروس. إنما التدخل الأمريكي البريطاني المتزامن وعلى أعلى المستويات
في هذا الموضوع غير السياسي، يطرح تساؤلاً بشأن ما إذا كان لهذا علاقة بعدم ارتياح
واشنطن وحليفتها الصدوقة لندن من توجهات النظام المصري الجديد تجاه روسيا. ذلك أنه
لو كانت الأمور تسير على النحو المعتاد للحالات الكثيرة التي شهدت سقوط طائرات
مدنية، لما كنا شهدنا مثل هذا الاهتمام غير العادي من قبل رأسي السلطة في بريطانيا
والولايات المتحدة. 


إنما يبقى هناك سؤال معلق ومتصل بما ستكون
عليه ردة فعل موسكو في حال انتهت لجنة التحقيق في أسباب سقوط الطائرة، إلى أن
عملاً إرهابياً يقف وراء سقوطها، بما يعزز التهمة التي نسبها إلى نفسه تنظيم ولاية
سيناء المتفرع عن تنظيم “داعش” الإرهابي. وهو ما حدث بالفعل بعد سبعة
عشر يوماً على سقوط الطائرة، حين أعلنت موسكو أن الطائرة تم تفجيرها بواسطة قنبلة
يدوية الصنع وضعت على متنها، السؤال يتعلق بالتداعيات على مصر وإشكاليات تعويض
الضحايا، وعلى السياحة المصرية وعلى العلاقات المصرية الروسية، وما إن كانت
تهديدات بوتين تشمل ضرب «داعش» في سيناء استناداً، كما قال، إلى المادة 51 من
ميثاق الأمم المتحدة، أم أنها ستكتفي بعرض القوة النارية الكاسحة التي سلطتها
موسكو على مواقع «داعش» في الأراضي السورية كافة؟ 
  
حرر في:  27/11/2015 
 
اقرأ المزيد

نحن والقوى الإقليمية



لم تتغير أجندة القوى الإقليمية حولنا خلال العقود الماضية، رغم تغير
النظم السياسية فيها، فالأمر ليس مرتبطاً بطبيعة النظام السياسي، وإنما بمصالح
الأمم. 
  
وعلينا، على سبيل المثال، أن نتذكر أن امتلاك القدرة النووية، كان في
الأصل هدف شاه إيران السابق، الذي لم يتمكن من بلوغه قبل إطاحته ، ولكنه ظلّ هدفاً
قائماً بلغه مَن حكموا إيران بعد قيام الجمهورية الإسلامية. 


وعلينا
أن نتذكر أن تركيا حتى في ظل هيمنة الجيش عليها على مدار عقود كانت تلعب دوراً
إقليمياً مهماً وتسعى لتوسيعه، مستقوية بعضويتها في حلف «الناتو»، وهي عضوية ظلت
مستمرة بعد صعود أردوغان وحزبه إلى السلطة، كمرتكز من مرتكزات العقيدة العسكرية
والسياسية للدولة. 


الشيء
الذي استجد هو أن البلدين باتا يحكمان من نظامين إسلاميين ما أضفى غطاء دينياً على
توجهاتهما في السياسة الخارجية، التي ظلت، في الجوهر، ثابتة. وبالنظر إلى اختلاف
مَذهبيْ من يحكمون البلدين ارتدى التنافس بينهما طابعاً مذهبياً، يعيد إلى الأذهان
التنافس الصفوي – العثماني، الذي هو تنافس على النفوذ والمصالح. 


في
غياب المشروع الوطني الخاص بكل دولة عربية، وغياب المشروع القومي العربي الجامع،
وتعمق الانقسام المذهبي في المجتمعات العربية الذي من مصلحة اللاعبين الإقليميين
تعميقه وتجييره لأهدافهما ، صار السُنّة العرب يهللون للنموذج التركي في الحكم،
ويحتفلون بنجاحات حزب العدالة والتنمية الحاكم كما لو كانت نجاحات لهم، وصار
الشيعة العرب يهللون لكل ما يعتبرونه نجاحات تحققها إيران كما لو كانت نجاحات لهم
هم. 


مشروع
تركيا ليس في جوهره مشروعاً سُنيّاً، ومشروع إيران ليس في جوهره مشروعاً شيعياً. 


هناك
مشروع قومي تركي، وهناك مشروع قومي إيراني، وما العباءة المذهبية إلا وسيلة من
وسائل تمكين المشروعين، في ظل حالة الهشاشة والتمزق التي يعانيها العالم العربي. 

لم
يعد أحد يتحدث عن المشروع القومي العربي الذي تربت عليه أجيال منذ بواكير الفكر
النهضوي العربي، وغابت الروافع الاجتماعية والفكرية والهياكل الحزبية والتنظيمية
الحاملة لهذا المشروع أو توارت، فوجدت القوى السياسية الناشطة، وجلها تمثل الإسلام
السياسي بكل تلاوينه، ضالتها في التعلق بمشاريع ليست مشاريعها الخاصة وإنما هي
مشاريع لدول أخرى، من مصلحتها أن يظل العالم العربي مجزأً، ومفككاً وفاقداً
للإرادة السياسية.

وفي
غمرة هذا كله جرى السكوت عن أهم وأخطر مشروع تدميري للمنطقة ونعني به المشروع
«الإسرائيلي»، الذي بات في مأمن من أي مساس عربي منه.

 

حرر في:
25/11/2015

اقرأ المزيد

خذوا حذركم..!!



هناك
اسباب تحرّضنا على القلق، فحين يشعر المواطن بأن وضعه الاقتصادي وأمنه الاجتماعي
بات مهدداً مباشرة، وأن الخطر الذي يمس هذا الوضع بات على الأبواب فهو أمر يدعو
الى القلق حتماً وبلا منازع.. 


الحديث المرير عن الوضع المالي للدولة، والتحدي الناجم عن تفاقم
الدين العام والمديونية وتداعيات ذلك على الحاضر والمستقبل، والتحذير الشديد من
إجراءات تقشفية شديدة قد تمس المواطن بشكل مباشر وما يقدم اليه من خدمات وبرامج
حكومية من إسكان وخدمات صحية واجتماعية، والتلميح بانها قد تمس الرواتب، وهو
التحذير الذي اطلقه وزير المالية في تعليقه على مناقشة النواب في الأسبوع الماضي
على مشروع قانون بشأن تحديد سقف الدين العام الحكومي بـ60٪ من الناتج المحلي
محذراً إياهم من مغبة اقرار هذا المشروع، وبدا كما لو انه يقول بأنه ليس بالقانون
وحده تنصلح الأمور..!! 


هذا الحديث المرير، وذلك التحذير الشديد يعظمان حالة التوجس
والقلق لدى المواطن، هذا المواطن الذى يجد بأن عليه أن يتهيأ لتحمّل تبعات قرارات
صعبة مرتقبة ستفرض نفسها ان عاجلاً أو آجلاً، حيث لا يمكن ان يفهم المواطن مما دار
في مجلس النواب وردود وزير المالية غير هذه الحقيقة رغم تطميناته وقوله بـ(مالنا
عين نبدأ بالمواطن) ويضاف الى ذلك قوله: «إن الحديث الان عن المقتدرين والقادرين
على الإسهام اكثر فى البلاد لا المواطنين»، ولكن وزير المالية في نفس الوقت حذر من
تداعيات «تقييد» الدَّين العام «بالمشروع المطروح وهو أمر برأيه لا يعالج بتصويت
ولا قرار ولا قانون»، وجاء تأكيده بأن اقرار مشروع قانون للدين العام يحدد سقفه
بـ60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، علاوة على إلزام الحكومة باتخاذ اجراءات
حال وصول الدَّين العام الى 40 في المئة لمنع وصوله الى تلك النسبة، على ان ترصد
في الميزانية المبالغ الكافية للوفاء بتقديرات الفوائد وإسقاط القروض، بأنه أمر
سيؤثر على المواطن، وهذا كلام وحده كافٍ ليعطي مبرراً لحالة التوجس والقلق لدى
المواطن. 


كان المأمول والمنتظر، بل كان من الواجب ان يطرح للمناقشة قبل
كل شيء، السياسة المالية والنقدية، وخطة الحكومة لمواجهة الدين العام الذى ارتفع
من 950 مليار دينار الى 10 مليارات دينار، وخطتها في مجال خدمة الدَّين العام
وتنمية الإيرادات وتغطية العجوزات، وأسباب الاقتراض ومسار الفوائد، والى اي مدى هي
قدرة الدولة على تمويل العجز من الاقتراض، وما هو حدود التعاون بين السلطتين
التنفيذية والتشريعية في مواجهة ومعالجة هذا الوضع، وفي إيجاد البدائل والوسائل
الفاعلة لزيادة الدخل دون ان يرهق المواطن بأعباء لا يتحملها، ولماذا تكون شركة
«ممتلكات» وهى الصندوق الاستثماري والسيادي للبحرين بمنأى عن اي اسهام في الموازنة
العامة؟..! 


المثير والمقلق في آنٍ واحد ان المواطن لا يعرف شيئاً عن كل
ذلك، وكأنه لا يجوز له ان يعرف شيئا، والمسؤولين الذين يفترض انهم معنيون لا يجدون
انفسهم ملزمين بأي توضيح للرأي العام البحريني للسياسة المالية والنقدية
والاقتصادية المتبعة او التي ستتبع لاحقا..!! لذا ستظل التأويلات والتفسيرات
والاستنتاجات والهواجس والمخاوف كثيرة في ظل غياب التفسير الرسمي الواضح والشفاف،
وفي وضع كهذا تقفز الى الواجهة قائمة من الاسئلة التي يبحث المواطن عن إجابات لها
بلا طائل، وكل يوم تزداد قائمة الاسئلة، ولعلي اطرح عليكم مجرد عينة من تلك الاسئلة
الحائرة: 
ـ وزير
المالية لفت في جلسة الأسبوع الماضي لمجلس النواب الى ان الحكومة تقترض 132 مرة في
السنة..! والمشروع المقدم من النواب يجبر الحكومة على اللجوء الى المجلس في كل مرة
ترغب فيه الاقتراض، والسؤال.. ألا يفترض ان تكون هناك رقابة على الأموال المقترضة؟
ثم ألا يفترض وجود سقف قانوني لإجمالي الدَّين العام يبقيه عند الحدود الآمنة؟ حتى
لا نظل نقترض لسداد فوائد قروض سابقة، ونعيد الاقتراض لتسديد فوائد قروض لاحقة، ثم
أليس ديوان الرقابة المالية والادارية في ملاحظاته على حسابات الدولة هو الداعي
الى وجود قانون خاص وشامل ينظم الدَّين العام وعملياته، ويحدد القواعد والظوابط
والسياسات والإجراءات المتبعة لعملية الاقتراض..؟ ومن دون الربط الخاطئ للإشارات
نذكر ونتذكر في هذا السياق كلام النائب الاول لمجلس الشورى وليس غيره حين نبّه الى
ان الحكومة اقترضت في عام 2011 مليار دينار والعجز 30 مليوناً، فأين ذهب
الفارق..؟!!! وهو سؤال وجيه لم يحظَ بإجابة حتى الآن.. 
  
ـ إذا كان
المبرر لرفض مشروع قانون الدَّين العام المطروح منذ عام 2008 كونه لا يتّسم
بالمرونة، ويضع قيوداً على قيام مصرف البحرين المركزي ووزارة المالية بإصدار أدوات
الدَّين العام في السوقين المحلي والخارجي، فهل هذا يعني بان ليس هناك حاجة ولا
ضرورة لتنظيم عملية الدَّين العام وتوقيتات الاستدانة وموجباتها، ومعرفة كيفية
ادارة هذا الدَّين بصورة محكمة وشفافة..؟! 


ـ ما سياسات تنويع مصادر الدخل التي سمعنا عنها كثيرا، ماذا
حققت من نتائج هذه السياسات؟ ثم ما توجهات الدولة في مجال التخصيص، وهل هي واقعية
ومدروسة هذه التوجهات ان وجدت؟ ثم، هل الصناعة التي هي حجر الزاوية في مستقبل
اقتصاد اي بلد، التصديرية بوجه خاص، يمكن بظروفها وأوضاعها الراهنة ان تكون مصدر
رئيسي من مصادر الدخل، وهل السياحة يمكن ان تكون هي الأخرى ركيزة من ركائز التنويع
الاقتصادي، وهل الظروف والبيئة الاجتماعية والمقومات كلها تسهل عملية النهوض
الحقيقي بالواقع السياحي؟ وهل صناعة الخدمات المالية والمصرفية في الوضع الأمثل
وبالقدرة التنافسية المفترضة فى الظروف والأوضاع الراهنة؟ ثم هل هناك استراتيجيات
واضحة مدروسة ومتفق عليها لإدارة الاقتصاد الوطني، ثم لماذا لا يطرح موضوع كفاءة
وفعالية هذه الادارة والرؤية المستقبلية للاقتصاد البحرينى لنقاش عام، على الاقل
في مجلس النواب ان كان النواب قادرين على فعل ذلك؟ ثم ما التصور فيما يخص اعادة
هيكلة الادارة الحكومية، وبرأي ما انه سيكون من الخطأ الفادح انحصار محاولة اعادة
الهيكلة في بعض عناصرها مثل دمج بعض الأجهزة او إلغاء بعض الأجهزة، او تبسيط
الاجراءات او تقديم الخدمات في اطار الحكومة الإلكترونية بل تتناول تلك العناصر
وغيرها ولكن في اطار رؤية جديدة لدور الادارة الحكومية تأخذ بعين الاعتبار أحداث
تغيير جذري في الكثير من الأسس والمفاهيم التي تؤدي الى تبنى منطق التركيز على
التخطيط والنتائج والأداء المؤسسي الرفيع والنزيه القابل للقياس بدلاً من التركيز
على منطق الاجراءات البيروقراطية والترهل والجمود وانخفاض الكفاءة..!!  

يضاف الى ذلك اسئلة من نوع: هل يتم التكامل والتنسيق الفعليين
بين الوزراء والجهات الرسمية، بحيث تتكامل جهودهم في خانة واحدة هي خطة تنمية
البلاد وتطوير أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية..؟ وهل هناك إدراك حقيقي
مدروس البعيد عن الاجتهادات الشخصية لهذا الوزير او ذاك لما يمكن ان يعرف بفقه
الأولويات التي ينبغي التركيز عليها حتى على المدى البعيد، والتي لا ينبغي تجاهلها
او تأجيل تنفيذها لكون نتائجها بعيدة المدى والتعجيل بها ليس ضرورياً، لأنه ان
تأخر سيكون المعنى ان هذا المدى الطويل سيكون أطول وأبعد، ولا ننسى ان كثيرا من
مشاكل الحاضر التي نعاني منها يرجع الى التردد في مواجهتها في وقت مبكر بذريعة
انها تقتضي حلولاً بعيدة المدى..!! 

تلك عينة من الاسئلة الحائرة التي لا نهاية لها ولا إجابات
تطمئن الناس الذين سيظلون ينتظرون الإفصاح والتوضيح لما هم مقبلون عليه، خاصة في
ضوء من لمح لهم بان تصحيح الوضع لا يمكن ان يتحقق من دون تضحيات من جانب الناس
المجتمع، واعتقد بانه لكي تكون التضحيات مقبولة يجب ان يرتبط ذلك ببرنامج إصلاح
اقتصادي حقيقي له من المصداقية التى تقنع الناس بما يستوجبه من تضحيات وان كانت
صعبة، ولكن في ظل هذا الصمت والغموض فان الناس يشعرون بانهم مهددون، وان عليهم ان
يقبلوا بالقسمة والتصيب، فخذوا حذركم..!!!

 

حرر في:   24  نوفمبر 2015 

اقرأ المزيد

فيروز .. أيقونة الفرح



ذات مرة خاطب الشاعر
مرسي جميل عزيز المثقفين العرب، قائلاً: «فيروز
هي عدة شغلكم». يومها عقّب أحد هؤلاء المثقفين مؤيداً ما ذهب إليه عزيز: «إن في قلب كل من قرأ جملتين، مساحة ضوء لفيروز وأغانيها». ونظن أن في قلب كل مواطن عربي مساحة ضوء لفيروز التي أَحالتْ أوقاتنا إلى مشاوير من الهناء وساهمت في صوغ أحلامنا عن الحب والوطن والفرح والحزن، وأخذت بأيدينا بعيداً إلى بيوت «ممحية» وراء حدود العتمة والثلج
والريح، وإلى ليالٍ باردة تدفئها نيران مواقد ناعسة في ضيعٍ تلقي برأسها على أكتاف جبال شماء. 
  
مجّدت فيروز الحب في أوج لحظات تجليه، في أغانٍ باتت لنا ذاكرة فنية وموسيقية مشتركة غطت الوجدان العربي  بغناءٍ هو للوجود سر، وبناي يبقى خالداً بعد أن يفنى الوجود كما في قصيدة جبران الشهيرة التي غنتها. 
  
الزمن الرحباني – الفيروزي ينتمي إلى زمن آخر كان فيه لبنان في أوج عافيته الثقافية والفنية، قبل أن تندلع الحرب الأهلية بكل عبثيتها
وجنونها فتدمر معالم تلك المرحلة، ولكن الفن عابر للزمن. إن تراث الرحابنة وفيروز يظل طازجاً، كأنه أُبدع البارحة. 
زياد الرحباني، ابن عاصي وفيروز، المتماثل والمتباين في آن مع المدرسة الرحبانية، الواصل لها والخارج على صرامة بعض قواعدها، أخذ بفيروز إلى مناطق جديدة، دافعاً بها بجرأة نحو مغامرات في الكلمة وفي اللحن لم تكن مألوفة عند عشاق صوتها وأغانيها. 
  
على خلاف المفردات
العذبة الحالمة للأخوين الرحباني المفعمة بالحنين، فإن الكلمة المغناة عند زياد
مأخوذة من الحياة: بسيطة وعفوية وحارة، فهي تنأى عن المعجم الرحباني المعروف بتراكيبه اللغوية الشفافة
والمرهفة، ولكنها تقدم وهجها الخاص الذي يُحَّول المحكي واليومي إلى جملة شعرية وموسيقية تنفذ إلى أعماقنا. 


تحضرني ذكرى المرات التي حضرت فيها حفلات
فيروز في أماكن مختلفة وعلى مدار حقب زمنية متباعدة بعض الشيء: في بيروت على مسرح
البيكاديللي، وفي دبي على مسرح جامعتها الأمريكية، وفي البحرين في فضاء قلعة عراد
الأثرية. 


في كل المرات كان صوت فيروز ينسل خيوطاً من
جمال وعذوبة في حميمية القاعات أو في الفضاء المفتوح، يأخذنا، كما ألفناه، إلى مروج الزنبق والياسمين، وإلى أيام حبلى
بالممكن – المستحيل، إلى خلطة الحب الحزينة – الفرحة. 


تظل فيروز، كما كانت دائماً، أيقونة أفراحنا وأشجاننا، وصفة أملنا في كل الأوقات. 

 

حرر في: 24/11/2015

اقرأ المزيد

ميخائيل نعيمة المتنقل بين اللغات



لا أذكر
بالضبط متى حدث ما سأرويه الآن، لكن المؤكد أنه كان في نهاية السبعينات الماضية أو
بداية الثمانينات وكنت حينها أدرس في بيروت، حين حضرتُ ندوة أقامها المركز الثقافي
الروسي، السوفييتي في حينه، لتكريم ميخائيل نعيمة.
كان الرجل يومها في أرذل العمر، هو الذي عاش نحو قرن بكامله،
ولكنه مع ذاك بدا في صحة ذهنية مدهشة، وألقى كلمة شَكَر فيها جهة التكريم، ونُقل
مضمون الكلمة إلى الحاضرين عبر مترجم إلى العربية، لأن نعيمة ألقاها بالروسية،
وبطلاقة واضحة. 


كان وفد ثقافي سوفييتي أتى خصيصاً لحضور هذا التكريم، وبعد أن
فرغ نعيمة من كلمته علَّق أحد أعضاء الوفد بالقول، وهو يثني على معرفة نعيمة
باللغة الروسية: لقد تحدث بلغة بوشكين. 


معرفة ميخائيل نعيمة بالروسية آتية من إقامته خمس سنوات للدراسة
في أوكرانيا في الحقبة القيصرية، مطالع القرن العشرين، وهناك فتن الرجل بجمال
الطبيعة وطيبة الناس وعمق الثقافة، لكن أمراً ما، يقال إن له علاقة بقصة حب لم
تكتمل، حمله على العودة إلى لبنان. 


لم تكن اللغة الروسية هي وحدها ما أتقنه نعيمة من اللغات، وإنما
أتقن أيضاً اللغة الإنجليزية، فهو سرعان ما غادر لبنان مع جبران خليل جبران، ضمن
من هجروه من أدباء المهجر إلى الولايات المتحدة التي مكث فيها عشرين عاماً.
هذه المعرفة الضليعة باللغة الإنجليزية أهَّلت نعيمة ليورد
ملاحظات غايةً في الدقة على الترجمة التي وضعها خليل مطران إلى العربية لمسرحية
«تاجر البندقية» لشكسبير، في مقالة ضمنها فيما بعد كتابه “الغربال”. 

رجَّح نعيمة أن خليل مطران ترجم المسرحية نقلاً عن الترجمة
الفرنسية لا عن النسخة الإنجليزية مباشرة، ودلل على ذلك ببعض المفردات الواردة في
الترجمة الآتية من السياق اللغوي الفرنسي، ثم أورد أمثلة أخرى عما عدَّه سوء تصرف
من المترجم، مُرجحاً أن يكون ما أهمله خليل مطران من فقرات وعبارات ومشاهد في
الترجمة مهملاً في الترجمة الفرنسية التي ترجم عنها مطران النص.

لكن ذلك لم يحمل نعيمة على إيجاد العذر للمترجم «فلا يجوز لرجل
نبيه مثله أن ينقل شكسبير إلاّ من مصادره الأصلية». وختم نعيمة مقالته المطولة
ناصحاً المترجم إذا لم يكن حظه من الإنجليزية كحظه من الفرنسية أن يستعين على درس
الأصل بمن تؤهله معارفه باللغة الإنجليزية لفهمه حق الفهم.

 

حرر في:
23/11/2015

 

اقرأ المزيد

الحفاظ على المال العام ومكافحة الفساد!



إذا أردنا
ان نحافظ على المال العام فعلينا ان نكافح الفساد ونتصدى لكل التجاوزات المالية
والإدارية.
وعندما نتحدث عن مكافحة الفساد نتحدث عن الشفافية والمساءلة
والمحاسبة وعن حماية المال العام بتشريعات تفتح الباب على مصراعيه لتطبيق القانون
على الجميع. 


إذن لا يستقيم القول بحماية المال العام من الهدر من دون مكافحة
الفساد، ومن دون تطبيق التشريعات استناداً إلى مبدأ المساواة امام القانون. 


يقول الخبير الدستوري المصري محمد نور فرحات في كتابه «السلطة
والقانون والحرية»: ان التشريعات والقوانين لا تسن من اجل ان تظل محفوظة في بطون
النشرات الرسمية يرجع إليها طلاب القانون لدراستها بل انها توضع لتطبق، فإذا كان
القانون الرسمي النافذ في المجتمع لا يطبق فعلاً في اغلب الحالات، فإما ان العيب
في القانون، أو العيب في المجتمع، او ان العيب فيهما معاً. 


والأكثر خطورة – في رأيه – من الاستثناءات التشريعية في النيل
من هيبة القانون وتجريده من فاعليته هو ان تنظر اجهزة الدولة المنوط بها تطبيق
القانون إلى هذا القانون باستهزاء وازدراء، إما لتحقيق مصالح مباشرة للاجهزة ذاتها
من مخالفة القانون، وإما لتحقيق منافع غير مشروعة. 


وإذا كانت الحكومة معنية بتطبيق القانون وتوفير مبدأ المساواة
فان مجلسنا التشريعي – المشغول هذه الأيام بالوشم – من أولويات صلاحياته الرقابة
على أداء الحكومة!. 


صحيح ما قاله أحد النواب عن تقرير ديوان الرقابة المالية
والإدارية الاخير «بانه ليس من مسؤولية النواب بل هي اختصاص صريح للحكومة نفسها
لمعالجة تلك المخالفات المذكورة في التقرير»، وهذا يدخل ضمن نطاق مسؤوليتها
السياسية أي ان الحكومة مسؤولة امام البرلمان عن الاخطاء والتجاوزات إلا انه أليس
من صلاحيات واختصاصات المجلس التشريعي تفعيل دوره الرقابي؟! 


كل سنة يصدر فيها تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية يكثر
الحديث عن ضرورة استخدام البرلمان لأدواته الرقابية لوقف التجاوزات التي تضمنها!. 


وكل سنة يشهد «بيت الشعب» مداخلات مقتضبة وخطابات حماسية تهدد
وتتوعد باستجواب الوزراء الذين شهدت وزاراتهم مخالفات، ولكن ما إن تهدأ عاصفة
الحماس – وهي عادة تحدث في الأيام الأولى من صدور تقرير ديوان الرقابة – حتى يعود
كل شيء إلى حاله، فالموقف من التجاوزات التي لم تشهد استجواباً يذكر يصبح موقفاً
فعالاً ضد «الوشم» وقبلها ضد ربيع الثقافة والسياحة والموسيقى والحريات الشخصية!. 


المهتمون بحماية المال العام يعتبرون ان اشكالية هذه الحماية
ترتبط بغياب الوعي الثقافي والسوسيولوجي بالمبادئ القانونية والقيم الاخلاقية
وترشيد المال العام. 


ومع أهمية ذلك فان تفعيل شعار الفصل بين الثروة والسلطة حلقة
اساسية لحماية المال العام. 


للمغرب تجربة في ذلك يقول عنها الباحث يوسف البحيري: شهد المغرب
نقاشاً وطنياً حول حماية المال العام، فالفصل بين «السلطة والثروة» هو شعار جديد
في المغرب، والحراك الاجتماعي هو الذي فتح النقاش بشأن هذا الموضوع الذي كان إلى
وقت قريب من التابوهات، بوضع الاصبع على مكامن الخلل ودق ناقوس الخطر حول اهدار
المال العام والفساد السياسي والإداري والمالي، فمناهضة الافلات من العقاب وتكريس
المتابعة الجنائية في قضايا المال العام قد تدفع إلى إعادة الثقة لدى المواطنين في
الآليات المؤسساتية والقضائية لحماية المال العام. 


ونضيف إلى ذلك، كيف يمكن مكافحة الفساد من دون تطبيق قانون
الذمة المالية تطبيقاً فعالاً وهو بداية المحاسبة التي تشمل الوظائف الكبيرة قبل
الصغيرة وفقاً لمبدأ (من أين لك هذا). 


والحق يقال إن المشروع الاصلاحي انجازات ومكاسب وطنية كشفت عن
نقلة نوعية على صعيد التشريعات والقوانين الخاصة بمكافحة الفساد الإداري والمالي،
من بينها إنشاء ديوان الرقابة المالية عام 2002، قانون حظر ومكافحة غسيل الأموال،
إنشاء مجلس المناقصات العامة بغرض تحقيق الشفافية في المشتريات الحكومية وتحقيق
العدالة في المنافسة، إنشاء الإدارة العامة للأمن الاقتصادي والالكتروني ومكافحة
الفساد في وزارة الداخلية، واصدار قانون الذمة المالية عام 2010. 


ومع ذلك، أين يكمن الخلل في التصدي لجميع التجاوزات المالية
والإدارية؟ لماذا لا يحاسب من تسبب في هدر المال العام واستغل نفوذه من اجل منافع
خاصة؟ ما قيمة التشريعات في ظل غياب محاسبة المقصرين؟  


الاجابة على هذه التساؤلات له علاقة بإشاعة المناخ الديمقراطي
وبوجود استراتيجية وطنية للدولة لمكافحة الفساد من أجل الحفاظ على المال العام،
والأهم لها علاقة بالدور الرقابي للبرلمان وبالوعي الحقوقي في مجال حماية المال
العام، وبالرقابة الشعبية، وتفاعل الصحافة والجمعيات السياسية ومنظمات المجتمع
المدني على انجاح تلك الاستراتيجية والرقابة الشعبية. 
  
صحيفة
الأيام 
حرر في: 14
نوفمبر 2015 
 
اقرأ المزيد