المنشور

صحيحٌ ما ينبيء القلب

حقّا، إنّ هذا الثراء يغري كلّ ذهن للتساؤل عن الحياة الأفضل للإنسان. لقد أمضى أبوك عمره شريفا متعفّفا عن المال الحرام، لكنّه عاش فقيرا ومريضا أيضا، بالكاد أمّن لقمة عيشك وشقّيقاتِك، وتمكّن بمشقَّة من الإنفاق على تعليمك، بينما خالك الثري، سيء السمعة، يبعثر المال بلا حساب، غير عابيء بشيء.
وهذا المنتجع الجميل، والساحل الذي لا يختلف عن ذلك الذي يحلم به المتديّنون في جنَّات النعيم، شاهد على مبلغ ما ينعم فيه من جاه ورفاهيَّة يحسده عليها الكثيرون. إنّه يرده على الدوام، مُنفقا في ساعة ما يكفيك وشقّيقاتك لعدَّة أيَّام.
خطوات خالك تقترب، يقبل كعادته على هيئة الشباب، يلبس ما يلبسون ويأكل ما يأكلون، ويحلم كما يحلمون أيضا.
يتحايل هذا الكهل على الكبر، ولا بدّ أن دعوته لك لقضاء يوم معه، سببها رغبته في أن يشعرك بشبابه وليس بشعره الأبيض، بقوِّته وليس بجسده المُترهّل…
– أسرَّك المنتجع؟
– ومن لا يسعد بالمنظر الجميل والهواء العليل؟
– إن شئت جعلتك تعيش على الدوام بين المنظر الجميل والهواء العليل.
أنت تعرف بالطبع، مغزى هذا الكلام؟ إنّه يدعوك مُجدَّدا للاقتران بإحدى بناته، والعمل في الوظيفة التي تروق لك في مؤسسته.
هو بحاجة إليك لا شك، فعلى الرغم من أنَّ بنات اليوم مثقّفات متعلّمات، يمكن الاعتماد عليهنَّ، لن يجد رجلا يمكنه الوثوق بكفاءته وأمانته مثلك، خصوصا والولد الذي تمنّاه، وأنفق الكثير لأجله، لم تأذن السماء بخروجه للدنيا…
– هَاي، إلى أين مضيت؟
– معذرة خالي، شردت قليلا.
– كيف حال أبوك؟ أما زال يشكو ألم ظهره؟
– ما زال للأسف.
– نصحته فلم يستمع لي، كان عليه أن يطالب بتعويض مُجز، يساعدة على نفقة العلاج.
– لكنّ الرجل صديقه يا خال.
– صديقه ماذا يا أخي؟! لقد تسبب له بعاهة مستدامة.
– كانا صديقين منذ الطفولة، وما حدث كان قضاءً وقدرا، لم يسع الرجل يوما لأذيّة أبي.
– كما تشاء يا أخي، تعبت وأنا أنصح فيكم.
ويضيف وهم يهمُّ بالوقوف:
– أبوك معجون بطين الفقر، ويبدو أنّك على شاكلته.
ويمضي مبتعدا، فيما عيناك ترقبانه، وتقول مُشفقا:
– ألم تجد غير أبي تسأله أن يشتكيً على صديقه؟!
وتبتسم ابتسامة إكبار وإجلال لطيف أبيك، الرجل الصلب، الذي قضى عمره وما زال، أمينا على مبادئه، لم يضعف ولم تنل الشدائد منه.
وتسأل قلبك سؤال العارف، المُدرك لطريقه جيدا:
– أحقّا أودّ أن أكون مثل خالي؟
ويرنّ هاتفك، وتقرأ رقم أبيك، فتردّ عليه بسرور، وتمضي لخالك، معتذرا لاضطرارك إلى مفارقة المكان، فلا يمنعك.
تمت