المنشور

هواجس تتجدد

في البحث المضني عن الحلول الواقعيّة، الفعليّة للأزمات العميقة التي تواجهها بلداننا العربيّة، وفي محاولات رسم ملامح مستقبل يستجيب لحاجات التطور يبدو، كما كتب د.سناء أبو شقرا في مجلة “الطريق” اللبنانية قبل ثلاثة عقود، أن على المثقفين العرب أن يبدأوا دائماً من البداية.
إنها ضرورة قاسية ولكنها ضرورة يفرضها التجدد الدافق في واقع مثقل بالاحتمالات والمفاجأت. تفرضها متغيرات العصر والعلم، ويعيدنا أليها بستمرار وعينا لهذا الواقع المحدد، مستواه وشروطه وأدواته وعينا الخاضع لمؤثرات لا تحصى بدءاً من بنيتنا الفكرية المركبة والمعقدة من فهمنا لتراثنا وكيفية تناولنا والهامنا إياه بوسائلنا وأنظمتنا الفكرية والمعرفية، بأحلامنا ومصالحنا وامزجتنا وصولاً إلى هذه الهزات العميقة التي تنتاب الفكر المعاصر دون توقف وعلى كل بقعة من الأرض.
ومسألة البحث بحد ذاتها ليست اكتشافاً جديداً فالهدف النهائي، بالنسبة لنا كما لغيرنا من شعوب الأرض، يتلخص تحقيق انسانية الانسان ومن دون عوائق، ولن يتم ذلك، لنا ولغيرنا من دون ان تتحقق في المجتمع الذي نعيش تلك الشروط التي تجعل المجتمع امتداداً متناغماً للفرد، وتجعل من الفرد عنصراً لا غنى عنه للنوع البشري، للحياة كلها.
أين نحن من ذلك، على أي درجة من سلم الأهداف النهائية تضعنا حقائق التاريخ المُرة في هذه البرهة البطيئة العبور؟. ما السبيل للتغلب على ما يجعل مجتمعاتنا بالجملة رهائن لقوى خارجيّة وداخلية لا تكترث اصلاً إلا لمصالحها هي، وصراعاتها مع الآخرين؟ ما العمل لبعث معاني الكفاحية الايجابية في الانسان المسحوق، المغَرب الآن عن نفسه وعن مصير مجتمعه وعن الحضارة البشرية، وليكون هذا الانسان نفسه مبدعاً للمدنية وكاتباً للتاريخ؟
لا حل فعلياً لهذه المشاكل في ميدان الفلسفة والتنظير الصرف. الحل هو في تحويل الوعي النظري لها إلى مشروع سياسي – اقتصادي – اجتماعي – ثقافي شامل ومترابط ، مشروع قادر على شق جدار الرصاص لتنفذ إلى الناس أشعة حلم قابل للتحقق.
وأول شرط لهذا الحل هو المعرفة.المعرفة العلمية ، الموضوعية، التي تسمح بتغيير فعلي لواقع يفترض أنها حولتها أصلاً باستيعابها النظري له، ولا يمكن للمعرفة أن تكون علمية وموضوعية إلا إذا كانت محصلة لجملة من المعارف المتعددة الاختصاصات، والمتعددة المحاولات والتجارب كذلك، محصلة لأرث من البحث الشريف المتجرد، وتتويجاً نوعياً لتراكم الخبرات ووجهات النظر والآراء….وهذا يستدعي قبل كل شيء التخلص نهائياً من “عصمة التراث” وادعاء احتكار الحقيقة، كل مافي مجتمعاتنا العربية تحديداً يجب أن يكون موضوعاً لهذه المعرفة ومادة لبحثها، لكشف قوانين تطورها، الأساسي فيها والثانوي وتحديد ميادين فعل هذه القوانين بدقة، وموقع دور قوى المجتمع في رسم وجهة قوانين التطور وتعين أهدافها.
خلاصة رأيه….هل نستطيع بعد اليوم كيساريين أن نكتفي بما نعرفه من مفاهيم نظرية لفهم واقعنا وتغييره؟ هل نكتفي بما أنجزنا كقوى أو كأفراد من تحديد لمستوى تطور بلداننا ولدور القوى الاجتماعية المختلفة؟ هل قدمنا ما يرضي العقل الباحث المدقق من فهم العوامل الفاعلة في حركة تطورنا التاريخي في الماضي البعيد والقريب وتلمسنا على ضوئه، بدقة العلم، بدايات واقعية لمشروع مستقبلي؟ عموماً هل نستطيع أن نقول أننا نعرف واقعنا وأنفسنا، لا في مفهوم فلسفي مجرد بل بما يكفي لجعل هذه المعرفة أداة ومنهجاً لفعل التغيير؟
من هذا المنطلق يبدو لنا أن تبلور مشروع نهوض عربي جديد يمر حكماً عبر قناة الحوار وتبادل الرأي والتجربة بين كل من يملك هاجس دفع دولنا قدماً في طريق التقدم. وهذا لايمنع حكماً سعي كل طرف إلى”الكمال” في تطابق تصوره عن الواقع والواقع نفسه ولكن من دون إملاء النتائج والأدوات على الآخرين. وحدها ديمقراطية الحوار تمنح الحوار جوهره الهادف، ولا يحق لأي منا أن يقدم تجربته نموذجاً، فكل “النماذج” لم تكتمل إلى غاية محققة معصومة، على الأقل بالنسبة لدعاة التحرر الوطني والاجتماعي، دعاة المساواة والعدالة.
ما كنا لننشغل إلى هذا الحد بضرورة الحوار لو كان الحوار برأينا قائماً كما يجب أن يقوم، وعلى محاولات اصيلة وجادة تبادر إليها هذه الجهة أو تلك.إأن الأزمة القائمة والأشكاليات النظرية والعملية التي تواجه طريقنا في البحث عن الحلول تلزمنا، موضوعياً بجهد مشترك، لصياغة هذه الأزمة وهذه الاشكاليات بصورة دقيقة ومحددة من أجل تقديم جواب دقيق ومحدد؟
التحدي، اذأ، تحدي المعرفة والتغيير، لا يترك هامشاً للتردد بين الانخراط في الحوار وبين سلبية الاتكاء على قناعات ازلية صالحة لكل زمان ومكان.

اقرأ المزيد

كسر جدار الصمت ( 2 – 2)!

بقلم: Cinzia Sciuto
ترجمة: غريب عوض

إن إضفاء الطابع الجوهري والتجانس والتوحيد هي الاستراتيجية النموذجية للأصوليين. يجب ألا نلعب لعبتهم من خلال تعزيز صورة الإسلام الموحد. من المفهوم أن قدرة المرء على التمييز، وتحديد التباين، تكون أكبر عندما يتعلق الأمر بالظواهر المألوفة. ومن المفهوم أيضاً أنهُ كُلما كانت الظاهِرة بعيدة من الناحية الثقافية والجغرافية، كلما أصبحت أكثر ضبابية. لكن كِلاهُما غير مُبرر. وقبل كل شيء، لا يمكن تبريرها فيما يتعلق بالإسلام الذي لم يعُد بعيداً. على العكس من ذلك، فقد أصبح الإسلام جزءاً منا. هذا يتطلب منا أن نعرفه بأشكاله المُختلِفة المُتعدِدة.
في الإستفتاء على الدستور التُركي الذي دعا إليه رجب طيب أردوغان في عام 2017، يمكن للأتراك الذين يعيشون في الخارج أيضاً المُشاركة. في ألمانيا، كان الإقبال أقل من النصف. ولكن من بين الذين صوتوا، كانت نسبة الذين يؤيدون التعديل الدستوري أكثر من 60% – أعلى من نسبة الذين صوتوا داخل تركيا نفسها بـ 10%. وكما أشار الصحفي المُعارِض المنفي Can Dündar بأن غالبية الأتراك في ألمانيا مندمجون تماماً في المجتمع ولا يشعرون بأنهم مدعوون للمُشاركة في الحياة السياسة ’للوطن الأُم (تركيا)‘. ولكن النتيجة أظهرت أيضاً أن الأقلية المُتشدِدة، المُحافظة – الرجعية أفضل تنظيماً. وفي مثل هذهِ المواقف، تقع المسؤولية التاريخية على الغالبية الصامِتة. لا يمكن ببساطة أن يُتَجاهَل الأمر باستهزاء.
تكون العمليات الإجتماعية دائماً نتيجة التفاعل بين الظروف البُنيوية والعمل الذاتي. وهذا هو السبب في أنهُ من الضروري أن يقوم المسلمون العلمانيون بتشكيل جمعيات، وإظهار أنفُسهم ومحاولة التأثير على الخِطاب العام. يجب أن لا يتعلق الأمر بإنعزال المرء عن المجتمع، بل يتعلق الأمر بالتواجد في الفضاء السياسي والثقافي، ولا نتركها للأصوليون. ويتعلق الأمر بتنمية الصالح العام، واستعادة الهيمنة الثقافية، وتحمل المسؤولية تجاه مجتمع سياسي وثقافي أوسع، وليس فقط العائلة أو العشيرة.
لا تزال الرؤية والتأثير السياسي للمسلمين العلمانيين في المجتمعات الغربية ضعيفين للغاية.وهذا معناه أن بإمكان أكثر المؤسسات الإسلامية مُحافِظةً الزعم أنها تُمثل جميع المُسلمين. كيف يُمكن أن يحدث هذا ترسمهُ أحداث بعد الهجوم الإرهابي في لندن في 3 حزيران/يونيو عام 2017، عندما اصطدم باص بالمُشاة على جسر London Bridge، أدى إلى قتل 8 أشخاص وجرح 48 شخصاً. قامت عالِمة الإجتماع لمياء قدور، وهي باحِثة مرموقة في الإسلام ومُسِس تحالف المُسلمين الليبراليين في ألمانيا، بالترويج لمظاهرة في مدينة كولونيا، كان شُعارها “مُسلمون وأصدقاء ضد العُنف والإرهاب”. كما أكدت لمياء قدور، كانت هذهِ فُرصة ليس للإبتعاد عن الإرهاب، بل لإتخاذ موقف ضد الإرهاب.
كانت المُظاهرة فشلاً ذريعاً. عبر الناس عن عدم مُشاركتهم في المُظاهرة قائلين أنهم لم يشعروا بالحاجة إلى تبرير أنفسهم كمسلمين. من الواضح أنهم لم يفهموا بعد أن إظهار موقف المرء تجاه مشكلة تؤثر بشكل وثيق على المرء، حتى لو لم يكُن الشخص مسؤولاً بشكل مُباشر عنها، هو قبل كلُ شيء إشارة لأولئك في هذهِ الحالة الأصوليين الإسلاميين الذي سيستغلون صمت المرء. وكما كان مُتوقعاً، دعا اتحاد الإسلام التُركي للشؤون الدينية (DITIB)، وهو الرابطة القوية للمسلمين الأتراك في ألمانيا، إلى مُقاطعة المُظاهرة.
ونرى هذهِ الآلية وهي تعمل في سياقات أُخرى، أيضاً. على مدى سنوات، كانت المُحاجة “ولكن هذا ليس خطأي” تُستخدم لتبرير رفض أهل جزيرة صقلية الإيطالية التحدث عن عِصابات المافيا. والغالبية منهم لا ينتمون إلى هذهِ العِصابات الدموية؛ ولكن صمتهم خلق البيئة المِثالية لإنتشار ال Cosa Nostra. (عِصابات المافيا) فقط بعد مقتل المُحامِيين جيفوني فالكون Giovanni Falcone و بالو بورسيلينو Paolo Borsellino في عام 1992، بدأ الصقليون يدركون الحاجة إلى التظاهر، لإرسال رِسالة واضِحة إلى المافيا: ’نحنُ لسنا مثلكم ولن نسمح لكم بإهانة بلادنا. نحنُ لسنا شُركائكم، ولا حتى في صمتنا.‘
ومِثال آخر هو العُنف ضد المرأة. في حين أنهُ من الواضح أنهُ ليس كُلُ الرجال عنيفين، يجب أن يكون واضحاً بنفس القدر أن جميع الرجال يتحملون مسؤولية مُقاومة ثقافة يمكن أن يتطور فيها العُنف ضد المرأة. يُصبِح الرجال شُركاء في العُنف ضد المرأة عندما لا يتخذون إجراءات لتغيير تلك الثقافة. يبدأ هذا التواطؤ بمجرد أن يضحكوا على نكتة جنسية مُسيئة للمرأة. وهُنا، أيضاً، لا يتعلق الأمر بإبتعاد المرء عن الرجال العنيفين – سيكون هذا أمر سهل جداً. وإنما يتعلق الأمر بِمُساءلة النفس والآخرين، وأبدا االرأي بصوت واضح، من أجل عزل الرجال العنيفين وإظهار أنهم لم يعودوا مقبولين. المسؤولية وحتى الشعور بالذنب لا تنتج عن الأفعال فحسب، بل تنتجُ أيضاً من التراخي.

إستغلال رهاب الإسلام (الخوف وكراهية الإسلام) كأداة
بعد قرون من المعارك العلمانية، يُعتبر نقد الكنيسة الكاثوليكية والمسيحية بشكل عام الآن أمرٌ مشروع. وعلى النقيض من ذلك، غالباً ما يُقابل نقد الإسلام بتُهمة “رِهاب الإسلام”. Islamophobia. لا يمكن أن يكون شك بأن الإسلام هو دين أغلبية في أوروبا وأن المُسلمين غالباً ما يكونون عُرضة للتمييز. ومع ذلك، فإن إنتقاد استخدام دينٌ ما في الحياة السياسية، بل أيضاً الدين نفسه أو الأديان بشكل عام، هو حق أساسي لا يمكن أن يكون مُجرد مُعادل للتعصُب تجاه أتباع الدين.
ولكي نفهم كيف تم استخدام المُصطلح “Islamophobia رهاب الإسلام”، يكفي استبدال “المسيحية” بـ “الإسلام”. من الشائع في أحداث مسيرة Gay Pride وجود علامات وشُعارات مُعادية بِشدة للدين وكافرة بالله، وهو أمرٌ من الواضح أن الكنيسة ليست سعيدة بهِ. قد يعتبر المرء بالفعل هذهِ الشِعارات غير لائقة، لا طعم لها، مُسيئة وأكثرُ من ذلك. ولكن لم يتم اتهام أي شخص يستخدمُها بـ “كُره المسيحية”، أو بالكراهية تجاه المسيحيين على هذا النحو.
ولكن الأمر بالنسبة للإسلام قضية مُختلِفة. عندما أتهم أعضاء مجلس المُسلمين السابقين في بريطانيا (CEMB) في حادِثة London Gay Pride مسيرة المثليين في لندن في عام 2017، مسجد شرق لندن بـ “التحريض على قتل المثليين جنسياً”، لم تكُن هذهِ قضية رهاب الإسلام Islamophobia، كما أدعى المسجد. على الرغم من أن الإتهامات كانت عُنفاً، إلا أن وراءها لم يكُن هوساً بجنون العظمة تجاه المُسلمين، ولكن حقيقة أن المسجد المُتشدد كان يستضيف في الماضي الدُعاة الذين أشادوا صراحةً بإضطهاد المرتدين عن الإسلام والمثليين جنسياً. لأنهُ، في نهاية الأمر، كان من المُمكن أن يرُد المسجد بنفس القدر على مزاعم مجلس المُسلمين السابقين في بريطانيا برفع دعوى تشهير.
وعلى إثر احتجاجات المسجد، أعلان مُنظمو مسيرة Gay Pride مسيرة المثليين في لندن عن نيتهم إجراء تحريات فيما إذا كان مجلس المسلمين السابقين في بريطانيا قد إنتهك مُدونة قواعد السلوك الخاصة بالحدث، وتقييم إمكانية استبعاد المجلس من مسيرة Pride. ولكن لِحُسن الحظ، ذلك لم يحدث قط. ولكن حقيقة أن مثل هذا الشيء قد تمت مُناقشتهِ حتى يدلُ على المناخ الذي نشأ عندما يتعرض الإسلام للإنتقاد.
هُناك طريقة أُخرى شائعة لقمع انتقاد الإسلام وهي الحِجة “ولكن أيضاً”: نعم، هُناك رِهاب المثلية بين المُسلمين، ولكن هناك أيضاً كارهون للمثليين بيننا. بمعنى آخر، بما أن “نحنُ أيضاً” نواجه نفس المِشكلة، فنحنُ لا نملك الحق في انتقاد الآخرين. ولكن بمجرد أن يعيش المسلمون هُنا، فإنهم لم يعودوا “هُم” بل “نحنُ”، لِكُل فرد الحق في انتقاد رعايا آخرين من “نحنُ” الذين يشكلون المجتمع السياسي مجتمعاً غير ديني أو عِرقي ولكنهُ مؤسس على ميثاق التعايش. وعندما يتم إلقاء الأتهامات بِرِهاب الإسلام دون تمييز، فإننا نغفل عن كارهي الإسلام الحقيقيين – الموجودين.
إن مُصطلح Islamophobia”رِهاب الإسلام” يجعل من الإسلام قضية تستحق الحماية في حد ذاتها. لكن الحقوق لا تنطبق إلا على الناس وليس على الأديان والأفكار. ومن خلال تحويل الإنتباه من الناس إلى العقيدة التي يدينون بِها، يُصبِح الأول جديراً بالحماية فقط بحكم الأخير: كمُسلمين ومسيحيين وما إلى ذلك، وليس كأشخاص. وجميع هؤلاء الذين يأتون من دول إسلامية، ولكنهم ليسوا بمُسلمين أنفُسهم، يصبحون أقل استحقاقاً للحماية. هذهِ تجربة يومية للعديد من اللاجئين المُلحِدين والمُرتدين، الذين غالباً ما يجدون أنفُسهم يواجهون نفس التمييز الذي عانوه في البلدان التي فروا منها.
إنهُ من الظُلم وغير النزيه فكرياً أن نجمع العُنصريين وكراهية الأجانب الذين لديهم مشكلة مع المُسلمين في حد ذاتهم مع أولئك الذين ينتقدون الإسلام والأديان الأُخرى بإسم الديمقراطية والمُساواة وحقوق الإنسان. ولكن قبل كُلُ شيء، إنهُ خطير للغاية، ولا يخدم إلا العنصريين الحقيقيين. ليس من الصعب أن نفهم لماذا يُريد الأصوليون اختزال كل شيء إلى العُنصرية، ولكن ليس من الواضح كثيراً سبب رغبة التقدُميين المُعلنة عن أنفُسِهم في الإنضمام إلى هذهِ اللعبة. الإسلاميون وحدهم فقط هم الذين سيستفيدون عندما يكون وجود كُرهُ الأجانب والعُنصرية ذريعة لإسكات أي وكل انتقاد يُوجه إلى الإسلام.

اقرأ المزيد

سلمان وسعيد: حكاية أغنية

لم يلتق سلمان زيمان بسعيد العويناتي على ما أرجح. سعيد من سكنة البلاد القديم وسلمان من سكنة المحرق. حين ذهب سلمان إلى بغداد لدراسة الهندسة، كان سعيد قد أنهى دراسة الصحافة فيها وعاد إلى البحرين ليعمل محرراً في صحفها.
في شتاء 1976 كنتُ مقيماً في بغداد، ودائم التردد على الشقة التي كان سلمان يسكن فيها هو ومجموعة أخرى من زملائه الدارسين في جامعة بغداد ومعاهدها، وأحياناً كنت أمكث معهم أيامًا. تقع الشقة في الأعظمية، في مكان اسمه “راس الحوّاش”، أو على الأقل كان هذا اسم المحطة التي يتوقف فيها الباص الصغير، “ميني باص” الذي كنا نستقلّه من باب المعظم في مركز العاصمة حين نقصد الأعظمية.
وهو متيسر من معلومات يشير إلى أن “رأس الحوّاش” هو شارع طويل يمتد من جامع الإمام أبي حنيفة إلى ساحة عنت، ويضمّ على جانبيه عمارات ومحلات مختلفة، وعند اقتراب الباص من هذا الشارع، ينادي السائق: “رأس الحوّاش”، لينزل من شاء من الركاب، فجرى هذا الاسم على ألسنة أهل الأعظمية واشتهر به بين الناس.
وأذكر أننا، مثل العراقيين، كنا نخاطب السائق بصوت عالٍ بعض الشيء، كي يسمعنا، حين يقترب باصه من تلك المحطة: “قطعة نازل عيني”، وهي عبارة بمثابة طلب من السائق أن يتوقف عند المحطة لننزل من الباص، فإن لم يفعل الراكب ذلك، فالباص سيواصل سيره إلى الأمام، فمقاصد من فيه من ركاب مختلفة، بعضهم من يبلغها أولاً وبعضهم يبلغها تالياً.
في ديسمبر من ذلك العام بلغنا النبا الفاجع باستشهاد سعيد العويناتي تحت التعذيب بعد أقل من 24 ساعة على اعتقاله، محدثاً صدمة للجميع، خاصة وأن الخبر أتى بعد أيام من استشهاد محمد غلوم، وسعيد العويناتي الذي أحبّ العراق وتعلّق به، معروف لدى الكثيرين، من أبناء جيله خاصة، من شعراء العراق وأدبائها، وحتى من لم يعرفوه شخصياً تأثروا كثيراً بنبأ استشهاده، وما اكثر النصوص التي كتبت عنه هناك، باللغتين العربيّة والكرديّة.
ضمن من كتبوا في رثاء سعيد كان الشاعر كاظم الرويعي، حيث نُشرت قصيدته بالعامية العراقية، والتي عرفت باسم “دمع الدفاتر حبر”، في أحد أعداد جريدة “طريق الشعب” اليومية. والرويعي شاعر عذب غنى مطربون عراقيون قصائد له، بينها” ياعشكَنا” التي لحنها الفنان حميد البصري وغنتها زوجته الفنانة شوقيّة بمشاركة الفنان الراحل فؤاد سالم، و”سلامات” التي غناها الفنان حميد منصور.
قرأ سلمان، مثلنا كلّنا، بتأثر، تلك القصيدة، وكان في بداية عهده بالتلحين، وقرر أن يُلحنها ويغنيها. أعتبر نفسي أحد الشهود على ولادة ذلك اللحن في الشّقة إياها، لأن الغيثار لازم سلمان في تلك الأيام وهو يعمل على وضع اللحن، الذي أصبح، في النهاية، الأغنية التي اشتهرت في البحرين، خاصة بعد أن قدّمها سلمان في مهرجانات فرقة “أجراس”، من توزيع شقيقه المايسترو خليفة زيمان.
سعيد وسلمان اللذان جمع بينها الفكر والهدف لم يلتقيا في الحياة، لكنهما التقيا في هذه الأغنية المؤثرة.

اقرأ المزيد

من أجل النهوض بصناعة الكتاب المحلي

بحكم اتصالي بالوسط الثقافي، أتذكر هنا جلسة خفيفة جمعتني بناشر بحريني أبدى استغرابه من انصراف الجهات المعنية بالثقافة، عن الاهتمام بالاصدار المحلي، والذي يتعرض للإهمال على كل صعيد، وكنتيجة حتمية يؤدي هذا لتكدس تدريجي فيما يشبه الورطة، فيتحول الكتاب إلى سلعة كاسدة عند الناشر تتوسع مشكلتها وبلا حل!
من هذه الزاوية نستلم خيط الحديث في هذه القضية لنقول:
الكتاب المحلي اليوم في وضعية حرجة حقــاً من حيث اعطاؤه الاهتمام الكافِ الذي يليق به، المثـقف كما هو معلوم إلى الآن لا يزال يكابد مصائبه ويحسب خسائره، إصدار كتاب ليس بالأمر السهل ولا حتى تسويقه، فمن يهتم؟ السؤال .. ماذا قدمت الجهات المعنية لدعم الكتاب المحلي ومؤلفه في هذا الشأن؟ كذلك ماذا قدمت لدعم و تطويرصناعة الكتاب البحريني؟
لسنا نتحدث عن تصريحات رسمية ذات طبيعة احتفالية من أجل البهرجة الإعلامية وحسب، تنقضي بنهاية الحدث، بل يعنينا وضع صناعة الكتاب البحريني بالدرجة الأولى ورفع قيمة التحديات التي تواجهها، فمن المهم خلق اجواء ايجابية تتوخى دعم الناشر المحلي والمؤلف على حدٍ سواء وفق رؤية منهجية سليمة، تراعي تحفيزه وتذليل العقبات أمامه لكي ينهض ويبدع ويحقق النجاح.
في حال آمنا بالفكرة وأقتنعنا بأن ساحتنا الثقافية تعاني من قلة الاهتمام بالكتاب المحلي، أجد أنه لابد من وضع استراتيجية وطنية تؤسس وتنظم لصناعة الكتاب البحريني وفق معايير الجودة والانتشار والتسويق بما في ذلك الأخذ بيد المؤلف البحريني، لن نعدم الوسيلة في ذلك ولنا في تجربة إمارة الشارقة في دولة الإمارات العربية المتحدة خير مثال على العناية بالكتاب الإماراتي والخبرات التي تحققت في سبيل تنمية الفعل الثقافي، ما جعل هذه الإمارة في مركز الصدارة، إذ تُعتبر بجهود د. سلطان بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة، العاصمة الثقافية لدولة الإمارات، والتي حققت قفزات ثقافية رفيعة على المستوى الخليجي ,العربي تستحق منا الاحترام والتقدير.
كل ما نحتاج إليه من أجل بلوغ غايتنا، يتمثل في تنسيق الجهود المشتركة وهذا لا يتحقق من غير خطة واضحة المسار تُـفعل على الأرض وفق جدول زمني يحقق هذه (الاستراتيجية) الآنفة الذكر التي نجمل بنودها وفـق التالي :
• وضع لائحة رسوم تفضيلية خاصة بالناشر المحلي من أجل التخفيف عليه وتحفيزه على المشاركة في احتفالية معرض الكتاب، وذلك بتخفيض أجور الأرضية والتنسيق مع الناقلة الوطنية (طيران الخليج) لتخفيض أجور النقل ابتغاء دعم الناشر البحريني.
• إلزام إدارة المكتبات العامة في وزارة التربية والتعليم بوضع آلية جديدة تدفع في إتجاه تبني الكتاب البحريني وتشجيع مؤلفه كي تتوازى مع تثقيف الأجيال الجديدة بتعريفها للكتاب البحرينيين كما هو معمول به الآن في المناهج الدراسية.
• إعادة الحياة لجائزة التميز لأفضل كتاب بحريني والتي كانت وزارة الإعلام تقيمها سنوياً، مع أهمية تطوير الجائزة في شقها المحلي لدعم الكاتب البحريني، لا أن تميل كفتها نحو الخارج، حيث تهاجر الجائزة عربياً و تضمحل محلياً!
• تخصيص جائزة لدعم أدب الشباب البحريني وتبني نتاجاته الشعرية – القصصية – الروائية ، وكذا الاحتفاء به وبمنجزه الإبداعي.
• العناية بتكثيف جهود الترجمة مع ضرورة إستحداث قسم خاص بذلك في وزارة الثقافة، من أجل ترجمة الأدب البحريني للغات العالمية، ودعم المترجم البحريني والتعاون مع دور النشر العربية المرموقة والمتخصصة.
• أهمية تحفيز الجمهور على القراءة بخلق أفكار جديدة ، ترغب في القراءة والتحصيل المعرفي، واستغلال وسائل المواصلات العامة باستئجار مساحات إعلانية تروج للكتاب البحريني .
• وضع آلية عمل تدعم الناشر البحريني وتخفض عنه تكاليف الشحن الجوي، من أجل التسهيل لانتشار الكتاب البحريني في معارض الكتاب العربية .
• إستحداث جائزة (أفضل ناشر بحريني) من أجل تشجيع الناشرين المحليين بغية تطوير صناعة الكتاب البحريني .
• التنسيق مع أسرة الأدباء والكتاب لعقد شراكات برامجية مع سفارت الدول العربية والصديقة إبتغاء تفعيل الحراك الأدبي وتعريف دول العالم بساحتنا الثقافية والأدبية.
• تسهيل إجراءات التراخيص الجديدة لدور النشر البحرينية لتعزيز القدرة التنافسية في صناعة الكتاب المحلي.
• استحداث حاضنة بحرينية تحت مسمى (مدينة النشر/ حي الثقافة) بغرض توفير مكاتب عمل للناشرين البحرينيين والمؤسسات العربية بما يعزز مكانة المملكة في هذه الصناعة والاستثمار فيها لتكون بمثابة منطقة حـرة معفية من الضرائب.
• استحداث جائزة “سفيرالبحرين الثقافي” تُقبل بخصوصها الترشيحات من المراكز الشبابية والجمعيات الثقافية، يحق للفائز فيها تمثيل مملكة البحرين في المحافل والأعراس الثقافية العربية لمدة عامين. يتمتع فيها الفائز بعدة امتيازات تكريماً له ولدوره في الساحة الثقافية.
هناك أفكار كثيرة أخرى من الممكن وضعها ضمن هذه الاستراتيجية المفترضة لا ترد في ذهني الآن، لكن أعتقد أن المهتمين بالثقافة في مملكة البحرين يشاركوني التفاؤل بها، كما أن كوادرنا المحلية من أبناء الوطن، كلٌ في مجاله، لهو قادر على الإبداع والمشاركة في نجاح هذه الخطة إذا ما آمنا بالطرح السالف الذكر، فقط لنبدأ الخطوة الأولى، حتماً سنحقق منافع جمة لن يكون مردودها على الساحة الثقافية فحسب بل سوف تهيء مورداً استثمارياً حيوياً وغير متطور بالشكل الكافي، حيث يسهم في نمو الاقتصاد المحلي، وهي النتيجة التي نتوخاها في نهاية المطاف. فمتى ما تحققت الرغبة السياسية لصناع القرار لدينا بهذا الشأن، فسوف نبلغ الضفة الأخرى من حلم ساحتنا الثقافية ومن ثم وضعها في الأمام بمقدمة الصف الحضاري كيما تتنافس وتتكامل مع شقياقاتها الخليجيات التي أستغلت ذات الفكرة وحسنت من موقعها في التنافسية الثقافية العالمية، التي قطعت شوطاً طويلاً في هذا المجال.

اقرأ المزيد

نوّاب الشعب أم نوّاب الحكومة؟

ناضل شعبنا منذ عشرينيات القرن الماضي من أجل مجلس نيابي منتخب، وقدّم وخلال تلك المسيرة قوافل من الشهداء والمعتقلين والسجناء السياسيين والمنفيين، حتى تحقق له ذلك في السابع من ديسمبر عام 1973 عندما انتخب أول مجلس تشريعي في تاريخ البحرين الحديث، ولو قدر لتلك التجربة النيابية الاستمرار ربما كانت الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية مختلفة .

أجهضت التجربة الناشئة بسبب عوامل عدّة في 26 أغسطس من عام 1975، حيث تمرّ في هذا الشهر الذكرى 46 لحل المجلس الوطني، الذي أعقبته حقبة سوداء عاشها شعبنا وحركته الوطنية حتى مجيء فترة الانفراج السياسي في فبراير 2001 والتصويت على ميثاق العمل الوطني وبداية عهد جديد أعاد الحياة النيابية في اكتوبر من عام 2002 وقبلها أجريت انتخابات للمجالس البلدية في مايو من نفس العام 2002، وإن حدث جدل سياسي حول دستور 2002، وفيما بعد بروز ثنائية المشاركة والمقاطعة في صفوف الجمعيات السيياسة المعارضة، انتهت بمشاركتها جميعاً في انتخابات 2006. وكان المؤمل يومها أن تتطور هذه التجربة الجديدة لا أن تتراجع وهي لازالت حديثة .

المجالس البرلمانية في بلدان العالم التي تؤسس لبناء الدولة المدنيّة القائمة على الديمقراطيّة والتقدم الاجتماعي تتطور بالممارسة الفعليّة، ومنح مزيد من الصلاحيات والتشريعات لصالح تقدّم ورقي الشعوب التي تمثلها عبر مجلس منتخب بشكل ديمقراطي من خلال الاقتراع السري وبإرادة شعبيّة، ليكون سلطة تشريعيّة مستقلة ليست تابعة للسلطة التنفيذية عملاً بمبدأ الفصل بين السلطات.

يفترض في المجالس النيابيّة المنتخبة أن تمارس صلاحياتها، وتراقب أداء الحكومة ووزرائها، من خلال المساءلة القانونية والتشريعية وتقديم الوزراء والمسؤولين للمحاكمة إذا ثبت عليهم التورط في قضايا الفساد وسرقة المال العام أو الأداء الإداري السيء الذي يكون عائقاً في وجه تنفيذ المشاريع والخطط المقرّة مسبقاً، وإذا فشل الوزير أو المسؤول أو قصّر في عمله يجب أن يساءل ويتحمل مسؤوليّة أخطائه، ويقدّم استقالته من منصبه وإذا ثبت عليه أي توّرط يقدمّ للمحاكمة، لا أن يكافىء على أخطائه، ويصبح مستشاراً أو وزير دولة أو عضو مجلس الشورى.

المشكلة أن عيون بعض النواب مفتوحة تنظر هنا وهناك، ماذا ستقدم لهم الحكومة بعد أن أبرزوا مهاراتهم في مساندة ودعم المشاريع والمراسيم والقوانين المقدمة من قبلها داخل المجلس مخالفين في ذلك القسم الذي بدأوا به عضويتهم في مجلس النواب بالدفاع عن حقوق ومصالح الشعب والوطن، وليس الوقوف مع الحكومة وكسب ودها ورضاها.

شيء معيب من نواب انتخبهم الشعب أن يقفوا مع المرسوم بقانون رقم (26) لسنة 2020 بتعديل المادة (173) من اللائحة الداخلية للمجلس، إما بالتصويت على ذلك، أو تعمّد عدم حضور جلسة التصويت، أو حضورها والامتناع عن التصويت كي يمرر هذا التعديل، وهو المرسوم الذي يحدد مدة المناقشة العامة بخمس دقائق فقط ويقصرالحديث على عشرة أعضاء فقط للمناقشة، وألا يتعرضوا بالنقد لأداء الوزراء والمسؤولين في الحكومة، فيما كان مجلس 2014 قد رفع عدد مقدمي الاستجواب من 5 نواب، وقائمة التراجعات تطول.

لم أقرأ أو أسمع بأن أعضاء مجلس نواب في أي بقعة من بقاع العالم عملوا على تقليص صلاحيات مجلسهم، وإن حدث فسيكون في البلدان الدكتاتورية والمستبدة، ونظام الحزب الواحد، حيث “الديمقراطية” تؤسس وتقام حسب رغبات الحاكم أو الحزب الحاكم، أما في البلدان التي تعمل على ترسيخ مبادئ ومقوّمات الدولة الديمقراطيّة الحديثة فإن الوضع يختلف، فهى تعمل وفق القوانين والتشريعات الموضوعة على أسس حقيقية ويكون دستورها أبا القوانين وبالاخص إذا تمّ إنجازه من خلال مجلس تأسيسي على غرار ما جرى في البحرين في عام 1973.

النائب المنتخب من الشعب يجب أن لا يصبح موظفاً لدى الحكومة ينفذ ما تطلب منه، ويقف ضد الإرادة الشعبية، عليه أن يصدق مع الشعب ويصون الأمانة، ونحن نعرف بأن العديد من النواب الحاليين لا يفكرون في إعادة ترشيح أنفسهم في الانتخابات القادمة في عام 2022، لأن الشعب لا يثق فيهم وأصبحوا مثل “الأوراق المحروقة” ينتظرون المكافأة الحكومية.

طبيعي أن تكون هناك حالة من التذمر في الأوساط الشعبيّة من أداء أعضاء مجلس النواب وأصبحت الثقة معدومة، وتزداد الأسئلة حول اصرار الحكومة على تقليص صلاحيات المجلس؛ هل تريد من الشعب أن لا يفقد كامل ثقته في الحياة النيابيّة، ولا يفكر في مجلس منتخب يؤدي واجباته الدستورية والتشريعية والرقابية على أكمل وجه، وهل ما تفعله الحكومة يتقاطع مع المنادين بمقاطعة المجلس القادم، ليكون فارغاً من ممثلين حقيقيين للشعب في المجلس.

ويبقى السؤال: هل يتكرر انتخاب أشخاص لا تهمهم غير مصالحهم الشخصية، أم ترشح الكفاءات الوطنية والنزيهة؟

اقرأ المزيد

دروس “كورونا” ومهامّ المستقبل

بحسب المؤشرات القائمة، وما لم تحدث أية مفاجآت غير متوقعة، فإنّ البحرين تتجه نحو مزيد من التعافي من تداعيات جائحة كورونا، على الأقل هذا ما تظهره الأرقام الرسميّة المعلنة وحالة التعافي العام، والبدء عمليا في اغلاق العديد من المحاجر المؤقتة والعودة التدريجية للطواقم الطبيّة والصحيّة إلى وظائفهم المعتادة، وهي خطوات تزيد من ثقة المواطنين والمقيمين بالعودة التدريجيّة للحياة الطبيعيّة، والتي تشير بدورها الى نجاح وسلامة وصحة الإجراءات المعتمدة للتعاطي مع الجائحة وتداعياتها التي استمرت حتى الآن اكثر من ثمانية عشر شهرا.

خلال هذه الفترة الزمنيّة الخانقة للناس والاقتصاد والحياة بشكل عام، والتي اتسمت بالتعاطي غير المسبوق، وعلى مختلف الصعد، من قبل الجهات الرسميّة والأهليّة في محاولة للخروج سريعًا من حالة الجائحة الي حالة التعافي. لا شك أنّ هناك الكثير من المظاهر والسلوكيات الإيجابية وكذلك السلبية، علاوة على أدوات وطرق إدارة الأزمة قد حدثت، بالإضافة إلى أنّ السمة الغالبة حاليا على خطاب وحديث الشرائح المختلفة تميل نحو التفاؤل، متوسمين أن فترة ما بعد الجائحة لن تكون بالضرورة شبيهة لما قبلها.

وإزاء حالة التفاؤل هذه يمكننا القول إنّ الأجواء الإيجابية السائدة في أوساط الناس يجب أن تستثمر بشكل جدي للعمل على توحيد الجهود الرسمية والأهلية للاستعداد لمرحلة ما بعد الجائحة، حيث جرت الكثير من التحولات، ليس فقط بالنسبة للوضع الصحي في الوطن، وإنما على أكثر من صعيد، فالجائحة التي لم توّفر دولة في العالم إلا وأضرّت بها وباقتصادها وبأوضاعها، حيث شهدنا كيف توقفت عجلة النمو والمشاريع الاقتصادية، والتعليم، وحركة التعمير والسفر والسياحة والصناعات المختلفة بشكل كبير، وتراجعت موارد الدول ومداخيلها وانكفأت الشركات الكبرى والصغرى والبنوك وتعطلت الابتكارات وعمليات الابداع والتطوير بدرجة كبيرة.

المشهد المتوقع لما بعد الجائحة يشي بأن العالم سيتجه نحو التعافي الاقتصادي السريع، والعودة التدريجيّة للحياة باتت امرا ملحا، وقد لمسنا ذلك على أكثر من صعيد، فها هي أسعار النفط تتجه للصعود التدريجي بعد أن استشعرت الدول المنتجة أهميّة خلق التوافقات المطلوبة فيما بينها ولو في حدودها الدنيا على الأقل، وبالمثل طرحت الكثير من الشركات الكبرى العديد من تصوراتها وخططها لما بعد الجائحة.

وفي ظلّ المعطيات آنفة الذكر فإننا في البحرين، دولةً وشعبًا، يجب أن نكون أكثر استعدادا ويقظة وتأهباً للمرحلة القادمة، فالعالم الذي يقترب كثيراً من ترك الجائحة خلفه، لاشك أنه يريد بكل الوسائل أن ينتقل منها إلى مرحلة أخرى مليئة بالنجاحات وتحقيق الإنجازات، أو على الأقل تعويض جزء من خسائره التي راكمتها الأزمة خلال الفترة الماضية، ليصبح من نافلة القول إننا أصبحنا أكثر حاجة واستعدادًا لتعبيد الطرق للمضي قُدمًا نحو الوفاء بمتطلبات التنمية الشاملة والتعاطي مع استحقاقات المرحلة القادمة بعقول منفتحة وقلوب منسجمة متحابة وجهود خلاقة لا تعرف الانقسام والفرقة وتطمح في بناء دولة حقيقية تليق بنا جميعا، آخذين في الاعتبار جملة من التحولات المحلية والإقليمية والدولية التي حدثت ولا زالت تتوالى ارهاصاتها، ومدى تأثيرها، بشكل مباشر وغير مباشر، على أوضاعنا بشكل عام، يرتبط هذا ارتباطًا وثيقًا مع حالة الإقليم الذي نعيش وسط تموجاته وسكونه وحالة العالم من حولنا وهو يصيغ تحالفاته ومصالحه وتوافقاته وتحالفاته أيضا انطلاقا من مصالح دوله التي باتت ترنو اكثر للحفاظ على سيادتها ومواردها وتعرف كيف تعزز من مواقعها واصطفافاتها القادمة.

في السياسة لا يوجد معطى جامد او ثابت، ومن يركن إلى ذلك من الدّول أو التجمعات فحتما سيصبح إما في خانة النسيان أو أن يتجاوزه العالم والزمن ويتضاءل تأثيره وحضوره، وعليه يصبح التفكير بشكل مختلف وايجابي وبعقول منفتحة وبإرادة خلاقة لا تستسلم للماضي بكل ما له وما عليه فقط، وانما تنظر للمستقبل ببعد نظر ورحابة فكر، فالمرحلة القادمة بكل ما هو متوقع لها من تحوّلات كبرى حتما تحتاج إلى كل ذلك وأكثر منه، فالاستعداد للمرحلة يتطلب تغيير خطط وتعديل رؤى وبرامج واعتماد منهجيات مختلفة للتعاطي مع مختلف الأوضاع المحلية والإقليمية والعالمية، وبالتالي يصبح من المسلمات أنه لا سبيل للتعاطي مع هذه الأوضاع الجديدة بذات العقول المعيقة المترددة او العاجزة أحياناً، أو حتى البرامج المحدودة الطموح.

علينا التعلّم من الأزمة، وبمثل ما فرضت علينا جائحة كورونا أن نتعاطى بفكر ووعي وكوادر وطاقات وبرامج وخطط ومقوّمات مختلفة أهلّتنا فعلًا لتحقيق ما وصلنا إليه من نجاحات لحماية وطننا وشعبنا والمقيمين على أرضه عبر خطط مدروسة وبرامج دعم للأفراد والشركات والمجتمع بأسره، لم يكن مجرد التفكير فيها وارداً قبل الجائحة، ولابد من الإشارة هنا إلى أن بعض الخطوات والتعيينات والتغييرات الهيكلية الإيجابية التي اختطتها الحكومة مؤخراً من شأنها أن تحفز لدينا التفاؤل بالمستقبل، حيث لا خيار لدينا سوى البناء على ما تحقق من نجاحات للعبور نحو المستقبل عبر شراكة حقيقيّة فاعلة كم يحتاجها الوطن.

اقرأ المزيد

من أجل مستقبل غير مؤجل

تناص غريب: شبّه لينين المناضل الاشتراكي كمن يتسلق جبل شاهق ووعر لا يُمكن الوصول إلى قمته (التي لم يبلغها أحد قبله) بسهولة؛ وحذّر بأن غثيان صعود الأعالي هو العائق الأول للتسلق، إذ سماع أصوات أولئك المساندين لفكرة التسلق، لكنهم معارضون للتسلق في الوقت الراهن، يفقده توازنه. في مثل الوقت، شبه كارل يونغ (يومئذ كان فرويدياً) – عالم النفس – التقهقر الليبيدي كمن حاول تسلق جبل شاهق وعر لكنه لم يتمكن من الوصول إلى هذه القمة التي لم يبلغها أحد قبله؛ فيستسلم ليبرر: ”الجبل هذا يستحيل تسلقه، لا لأنني لا استطيع ذلك بل بحكم الطبيعة الطوبوغرافية والجغرافية التي تجعل هذه الاستحالة ظرفاً موضوعياً بمعزل عن إرادتي وجرأتي الشخصية“.

لن أحاول أن ادخل في أسباب التناص هذا، وسأتركه لخيال القارئ: أهو لأن يونغ مولود في سويسرا ولينين كان مفتوناً، مثل نيتشه (الذي لا تخلو كتاباته من تشبيهات قريبة كهذا)، بالجبال السويسرية؟ أم إلى تشابه العُصاب عند الثلاثي هذا؟ أم محض صدفة لا ينبغي التعمق فيها؟

إنما سبب تذكيري بهذا التناص هو التشخيص نفسه الذي قدمه الاثنان: بين لينين بوضوح بأن مؤجلي التسلق لا يرفضون الفكرة مبدئياً، بل ينتظرون ”الوقت المناسب“ و”الظرف الموضوعي المناسب“، فإنهم يؤجلون الماركسية، ايّ الماركسية المؤجلة حتى إشعار آخر (وأنتم تعلمون بأن ثمّة منا ومن الآخرين أيضاً يتبعون هذا الخط بتمام وعيهم). أما يونغ – تبعاً لفرويد – يُشخص ذلك كتقهقر ليبيدي، والمقصود بذلك هو الحالة التي يشهد فيها الإنسان تقهقراً نفسياً إلى الرغبات الطفولية الأولى كنتيجة لتصادم رغباته بظروف خارجية حالت دون تحققها؛ حالة من أزمة نفسية تأتي كنتيجة لصراع ما بين الرغبة في التسلق وما بين إنكار الخوف الذي لم يمكن المتسلق هذا من الوصول إلى القمة.

ألا يُمكننا القول بإننا ايضاً واجهنا تقهقراً كهذا؟ ألم نعد إلى مراحل الطفولة نحلم بالتوحد بالرحم الحزبي الذي انعكس في انعزالنا عن الجماهير؟ (هنا نستذكر تشخيص لينين للنزعة “الطفولية” في الشيوعية، وتُشكل اليسراوية أحد أوجهها فقط)

ليعلم الجميع، ولنقل للجميع، بأننا فشلنا في الوصول إلى القمة لا لأن ذلك مستحيل (والتبريرات أصبحت مملة ومكررة)، لا لأننا جريئون بينما – كما كتب ماياكوفسكي يوماً -: ”اصطدم قارب الحب بصخرة الحياة اليومية القاسية“، بل لأننا لم نقدر على ذلك ببساطة. إذا أردنا من الجماهير أن تثق بنا، وبجرأة طرحنا، وجسارة مطالبنا سيكون علينا أن نعترف بذلك أمام الجميع، وأن نبدأ، نحن لا غيرنا، ورشة النقد الذاتي. لنأخذ تلك الرماح التي وجهها مختلف الانتهازيون، والصحفيون المرتزقة الصغار، والمنتفعون الجهلة على صدورنا برحابة صدر، إذ إنها ضعيفة ووهنة وليس في مقدورها اختراق الهواء حتى؛ فنشحذها ونجعل منها رماحاً حقيقية. إنهم لا يُشكلون أي نقد جاد لليسار في البحرين، إذ وحدها الماركسية (أيّ علم التاريخ)، بيفاعتها المتجددة، قادرة على النقد – الذاتي البناء. فالماركسية أصبحت، أكثر من آي وقت مضى، ضرورة مطلقة.

أنتم، نحن، أنا أمام هذه المهمة الصعبة.

ليس عيباً أن نكشف تلك الجروح للناس، وليس عيباً أن نقول للجميع بإننا – نحن من تشدقنا بالماركسية – بحاجة إلى تعلّم النظرية الماركسية، وليس عيباً أن نقول بإننا – نحن من كررنا شعارات نضالية في كل مناسبة – نسينا فن السياسة؛ إن لكل ذلك أسباباً موضوعية يُمكن حصرها ونقاشها. إنما الإحراج يكمن في إنكارنا الطفولي لكل هذا فيما نعلم بأن الجميع يدرك ذلك، وبأن الجميع يردد ذلك في جلساته الخاصة حين لا نكون حاضرين. إنها، فعلاً، مهمة صعبة ولكنها لا تتطلب مجهوداً بالغاً، إذ الحقيقة – كما قالت جورج صاند – جد بسيطة. إن الحقيقة، والدفاع عن الحقيقة، هي الفعل الثوري الأسمى.

لنسأل أنفسنا، رغم أن ثمة كبار بيننا يعرفون هذه القصة عن ظهر القلب بينما شاب مثلي لم يعش هذه الظروف القاسية، ما الذي يجعل قصة الاجتماع السري في المنامة، 15 فبراير 1955، لمجموعة بسيطة من الشباب (والمناضل الكبير أحمد الذوادي لم يبلغ العشرين من عمره وقتذاك!) ليؤسسوا جبهة التحرير الوطني البحرانية قصة عظيمة بطبيعتها؟ صحيح، أنها نتاج لظروف موضوعية شتى؛ وصحيح، كان تأسيس الجبهة ضرورة تاريخية في تاريخنا السياسي. ولكن ماذا عن صرامة معتقدهم، رغم كل الظروف المعاكسة، بأنه من الضروري لشيء ما أن يحدث؛ بأنه من الضروري أن تكون لهم كلمة ما مهما كانت غير مسموعة؟

سينبغي علينا أن ننتظر حتى نتعلم درس هذا الحدث التاريخي، وسينبغي علينا – في هذه الأثناء – أن نكف عن الاعتماد على الحظ كفابيوس ماكسيموس (ومن هنا أتت تسمية الفابيين) ونبدأ بالاعتماد على المقدرة كحنبعل الذي كان تفكيره متوحداً، أو لنقل مبنيناً، بالطوبوغرافيا؛ فنكتشف طرقاً لم يكتشفها أحد قبلنا، رغم أنها موجودة أمام الجميع.

أنا أعلم بأن هناك من يتفق مع ذلك كله، مثلما أعلم بأن هناك من سيقف أمامي (أو لعله سيقوم بذلك في خياله) ليكشف لي بفخر عن جروح المعارك الماضية التي خاضها قائلاً: ”هاهي الجروح على وجهي! كيف لك أن تتكلم وليس لك مثل تلك؟“. حينها سنقول له ما قاله قيصر لجندي متبجح مجهول لا يذكره التاريخ:

”جروح؟! حتى أولئك الذين يفرون من المعارك ينظرون خلفهم!“

اقرأ المزيد

رقصة

دعني أعرف خطواتي في هذه الرقصة
الرقصة المفاجئة
كمطر صيف
سأقص عليك الآن هشاشة الغيمة
الغيمة التي صعقها البرق
الغيمة التي أرادت الرحيل مع البحر
الغرق في لونه
التنفس بعيدا عن الأرض
البارحة كانت تقص على قلبي قصص الهجرة
وأنا أعوذ بقلبي من قصصها
قالت لي أن جحيما يرقص في قلبي
كانت تحمل جنونك
كإبن شرعي
السماء تضيق بها
و جنونك يضيق بالأرض
لا أحب القصص العجيبة
لذا أختار عزف الناي كتعويذة باردة
هذه الليلة
عليك أن ترقص
كي تحمي قلبك من خيال أهوج
وحاذر أن تشاركك سندريلا رقصتك
رقصتك المفاجئة
كسحابة صيف

اقرأ المزيد

الذي لا يحب جمال عبدالناصر (لسليمان المعمري)

حين كتب القاص والروائي العماني سليمان المعمري روايته (الذي لا يحب جمال عبدالناصر)( ) فقد رسم خريطة الرواية وبناءها الهندسي تجاه المكان والزمان، وحركة الشخصيات المتنقلة في مكان محصور وإن كانت تذهب بين الحين والآخر أحداث الرواية إلى أمكنة وأزمنة تعود بنا إلى بداية القرن العشوين ومنصفه، هكذا حاول الروائي بلغته الإبداعية والتخييل الفني الذي استطاع عبره تسطير أحداث النص بجدارة وإتقان، إنها رواية تناولت أحداثًا مهمة في وقتنا الحاضر، والزمن الذي لم يبتعد عنا أكثر من عشر سنوات، وهي أحداث التي وقعت في العالم العربي ضمن ما أطلق عليه من قبل البعض بالربيع العربي، الذي جاء نكبة على العديد من شعوب المنطقة وأنظمتها، أكثر من تحولها إلى ما هو أفضل، ومن ضمن هذه الدول التي عانت منذ اشتعال أول شرارة التحرك الشعبي إلى عام أو يزيد، هي مصر التي كانت ولا تزال محاطة بصفتها التاريخية بأنها (أم الدنيا)، مصر التي أخذت في يد الإخوان المسلمين، ثم عودتها إلى ما كانت عليه.
والروائي حين أراد الحديث عن تلك الأحداث التي طرأت على العديد من الدول العربية بما فيها سلطنة عمان، المكان الذي انطلق منه الكاتب لنسج أحداث روايته ونموها، جعل المنطلق الرئيس الأسبق لمصر، الإنسان الذي استطاع أن يجمع الدول العربية حكومات وشعوبًا بظله السياسي والقومي، إنه جمال عبدالناصر، وكيف كان حب الناس في العالم العربي يتشكل بطرائق مختلفة، الناس التي كانت متعطشة بقلوبها وأفكارها إلى هذه الشخصية التي كانت ولا تزال تحظى بالحب العربي، الشخصية التي تشكلت باسمها حزب بعد رحيلها، متعطشة إلى أفكاره وتوجهه العروبي تجاه قضايا الأمة العربية، في مقابل تيار الإخوان المسلمين الذي نشأ في تلك الفترة، وما وصل إليه عبر منتسبيه حتى وصلوا إلى السلطة السياسية في العام 2011، ورأي هذا التيار وموقفه من جمال عبدالناصر، وكرهه واللعنات التي يبوح بها بين الحين والآخر، وفي هذه الفترة التي لا تتجاوز عدة سنوات حاول الكاتب بيان الواقع المعيش في العالم العربي عامة وفي مصر بشكل خاص، وبين الحين والآخر ما كان يحدث في مسقط.
وقد انطلقت أحداث الرواية من خلال رغبة جمال عبدالناصر الخروج من قبره، واللقاء بأي شخص حتى لو كان عدوًا له، ولا يكن أي تقدير له، كما أشار حارس القبر بأن الشيخ متولي الشعراوي طلب اللقاء بجمال عبدالناصر، وهنا يؤكد عليه عبدالناصر بتكرار رغبة اللقاء بأحد، إلا أن الحارس أشار إلى أن ” تلك كانت زيارة في منام الشيخ.. هذه نقطة أولى.. والنقطة الثانية هي أن الشعراوي نفسه هو الذي طلب لقاءك في لا وعيه ولست أنت الذي طلب اللقاء.. والنقطة الثالثة والأهم أن سبب إجابة طلب الشيخ هو كونه أحد أعدائك التاريخيين ” ص12، أو لما أنجزه في حياته حينما كان رئيسًا لمصر، ولا يحبه، بل يكرهه ويبغضه، وبعد محاولات مع حارس القبر، وإقناعه بتحقيق رغبته، أكد الحارس أن بالإمكان الخروج ولكن لمقابلة أحد أشد الأعداء الذي يسكن خارج مصر، ” إنه مصري ولكن يقيم في عُمان.. سنسمح لك بخروج مؤقت من القبر لزيارة هذا الرجل، إن استطعت أن تسل من قبله 1٪ من حقده الشديد عليك فستكون مكافأتك العودة إلى مصر حيًا معززًا مكرمًا ” ص15.
خرج الرئيس من قبره ذاهبًا بجسده الحامل لروحه عبر فضاء المكان خارج مصر ليحل في مسقط، ذاهبًا مباشرة إلى إحدى الشخصيات المصرية الحاقدة عليه، والمملوءة كرهًا وبغضًا، الشخصية التي كانت تعمل هناك منذ زمن طويل قارب على الثلاثين عامًا، إنه الأستاذ محمد بسيوني سلطان، معلم اللغة العربية، ثم المنتقل إلى وظيفة مصحح لغوي في جريدة المساء، هكذا يأخذ الراوي جمال عبدالناصر من القاهرة بمصر، إلى مسقط في عمان، ليستمع إلى موجز النشرة التي كان يقرأها محمد بن مرهون الحسني قائلاً: ” السلطنة تحتفل اليوم بذكرى الثالث والعشرين من يوليو المجيدة يوم انطلاقة النهضة المباركة ” ص17 والقصد هنا النهضة العمانية التي انطلقت بقيادة السلطان قابوس رحمه الله في سنة 1970، وليس المقصود ثورة يوليو المصرية. وعبر سيارة الأجرة أخذه السائق مباشرة إلى تلك العمارة التي يسكن فيها السيد بسيوني، لكن المفاجأة التي حولت بسيوني إلى كتلة هامة لا حركة فيها بدءًا من هذه الموقف حتى نهاية الرواية، ويتمثل في قيام السيد بسيوني ليفتح باب الشقة بعد قرع الجرس، ليتفاجأ بمشاهدة جمال عبدالناصر واقفًا عند الباب، فيسط أرضًا مغشيًا عليه وفاقدًا للوعي، ويدخل في غيبوبة قاربت الستة أشهر، هي مدة أحداث الرواية، ” ففي منطقة الحمرية توقف التاكسي عند عمارة سكنية كبيرة.. وهناك قرع باب الشقة رقم18.. فتح بسيوني سلطان الباب فرأى جمال عبدالناصر أمامه بشحمه ولحمه.. شهق شهقة قوية وسقط مغشيًا عليه ” ص17.
وبهذا الحدث المؤلم الذي تعرض له السيد بسيوني تبدأ الأحداث التي جلها كانت تدور بين أروقة الجريدة، وبين موظفيها والصحفيين من جهة والسيد بسيوني من جهة أخرى من خلال الاسترجاع والذهاب بالذاكرة إلى الماضي الذي عاشت فيه مصر أيام عبدالناصر وما جاء بعد ذلك حتى ثورة مصر في يناير 2011، وما بعدها. وهنا جعل الكاتب محور الحديث والنقاش والمماحكات تأتي من قبل عدد من الشخصيات في مقابل شخصية بسيوني، أي لم يقف الروائي على شخصية واحدة لتكون هي الراوي أو السارد لأحداث الرواية، وإنما جعل الرواية تتصف بتعدد الأصوات، تلك التي تعبر عن رأيها لما كان يحدث في العالم العربي من وقائع وأحداث معاصرة، أو أحداث وقعت في أيام جمال عبدالناصر، وكل هذا موجه إلى بسيوني بأساليب مختلفة، بعضها استفزازي، وآخر أسئلة، وثالث استطلاع رأي، وهكذا، ولكن جميع الأحداث لا تخرج عن حضور جمال عبدالناصر الذي يكرهه بسيوني حتى الرمق الأخير، بوصه إخوانيًا، ذلك التيار الذي كان خصمًا لذودًا مع جمال عبدالناصر.
ولكي يتناول أحداث ما سمي بالربيع العربي، فقد نوع من جنسيات الشخصيات التي تعمل في الجريدة، بل منطلقًا من معرفة حقيقية مفادها، أن معظم العاملين في الصحف والجرائد والمجلات هم من جنسيات مختلفة، لذلك لا غرابة في حضورها في أحداث الرواية. ولكي يؤكد حضور أحداث الربيع العربي في بعض الدول، وبخاصة تلك التي نتج عن الاحتجاجات مصير آخر لدولها في العام 2011، حاول أن يأتي بشخصية مصرية لتتناول الحديث عما وقع في مصر، وشخصية تونسية، للحديث عما وقع في تونس، وكذلك عمان، ومع هذه الشخصيات أعطى كل شخصية ملامحها الثقافية والأيديولوجية والفكرية من ليبرالية إلى دينية إلى إخوانية، إلى غير محدد الهوية الفكرية، ومن هنا تبدأ مناكفة السيد بسيوني تجاه مجموعة من القضايا ذات العلاقة بجمال عبدالناصر، وحكمه وقوانينه، منها: السكن المؤجر، إذ كان حديث عن مالك الشقة والسكن وكيفية الخروج منه، وبين هذا وذاك في الحوار ومشاهدة مسلسل تلفزيوني يناقش القضية نفسها، قال المصحح العماني مبارك المقبالي: ” من حقه ما يطلع.. صاحب الشقة طمّاع، ومصرّ يزيد الإيجار عليه خمسة أضعاف.. هنا هاج بسيوني وصرخ بانفعال” اخرس انته. وما تحشرش نفسك بين المصريين.. الكلب ده مش عاوز يخرج من الشقة لأنه مستقوي بقانون اللي ما يتسماش الله لا يرحمه ” ص32، بل مع كل موظف في الجريدة له حكاية مع بسيوني، فله مع المصحح السوداني حكايات حول مصر والسدوان، وحول التصحيح، وحول العلاقات بشكل عام، هكذا في خضم الحوار المتشنج بينهما قال بسيوني: ” طب سيبك من الكلام ده.. إحنا بنسمي الجمع بتوعنا جمعة الغضب، جمعة النصر، جمعة الفرصة الأخيرة، جمعة تقرير المصير، وحضرتكم ما لقيتوش تسموا جمعتكم إلا (لحس الكوع) ” ص59. كما كانت له جولات متعددة مع رئيس القسم الديني داوود الخراصي، ومع رئيس القسم الثقافي الذي يغضب في كل مرة على تدخل بسيوني لتغيير بعض مفردات المقالات الثقافية، ولكن بسيوني لم يفعل هذا اعتباطًا وإنما من خلال مقولة لخوسيه ساراماغو.
ومن ذلك الحوار والمجادلة السفسطائية نظرة بسيوني إلى قصيدة النثر، إذ دخل في حوار مع رئيس القسم الثقافي، قائلا: ” إزاي نجمع في نفس الجملة قصيدة ونثر مع بعض، ونقول قصيدة نثر، ده زي لما تقول تفاح البصل.. – يرد عليه المتحاور – ولكن اسمح لي.. ما أظنك قريت الأدب العالمي بشكل جيد. استشاط غضبًا وصرخ في وجهي: تقول أيه؟! انته بتهيني؟! أنا اللي ما قريتش الأدب يا حداثي يا متخلف؟! هي دي بقا أخلاق العمانيين…. ” ص83، وما كان يفعله سالم الخنصوري تجاه بسيوني كفيل بمعرفة الشخصية الكارهة إلى عبدالناصر، وها هو رئيس التحرير يقول: ” أما سالم الخنصوري فيكفيني منه صداع جمال عبدالناصر.. فلا يكاد يمضي يوم دون أن يكتب لي بسيوني رسالة شكوى ضده، مرة قال أنه قال له إن عبدالناصر هو زعيم الأمة العربية، ومرة لأنه وضع له صورة عبدالناصر في درجه، ومرة لأنه وضع في هاتفه خطبة جمال عبدالناصر كنغمة، وتعمد أن يطلب من أحدهم يتصل به وهو بالقرب من بسيوني ليسمعه النغمة….. ” ص102-103.
ومع تلك القضايا التي طرحتها الرواية ذات العلاقة بالسياسة والفكر والتغييرات في المجتمع العربي عامة والمصري بخاصة، في شكل فكاهي ونقد يتمظهر بين مفردات النص الحواري أو السردي، فإن الرواية لم تتجاهل الحديث عن بعض القضايا المجتمعية الأخرى التي لا مفر من مناقشتها وطرحها بين الحين والآخر، مثل: تلك الأوهام التي لم يستطع الأدب العماني الحديث التخلص منها، وهي السحر، وما يقوم به المشعوذون، فبعد غيبوبة بسيوني، حاولوا الذهاب إلى إحدى الشخصيات التي يعتقدون أنها تملك العصا السحرية لصحو بسيوني وعلاجه، ” جارنا ناصر أقنعني أن في الأمر سحرًا عمانيًا، وعلينا أن نذهب إلى عراف يسميه العمانيون باصر… “ص22، وتعدد الزواج الذي تمثل في شخصية رئيس التحرير، الذي كان يستخدم المقويات من المصحح التونسي، ويعتقد أن زوجته لا تعلم عنه شيئًا، ولكن الأمر مختلف، حيث تقول عن موهون زوجها، ” كان يتهمني بالبرود ولعل هذا الذي جعله يبحث عن الحرارة خارج البيت مع تلك العاهرة الحقيرة.. قد تستغربون كيف كشفت خيانته لي.. إنه حدس الأنثى.. لا يمكن لرجل أن يبيت مع زوجته وفؤاده معلق بامرأة أخرى دون أن تشعر زوجته بذلك ” ص203. حيث جاء التناول بطريقة غير تقليدية وما هو في العديد من الأعمال الروائية العربية، كما ناقشت موضوع الوعي الصحفي عند ممتهن الصحافة، وثقافته، وكيفية تناوله الموضوعات، أو ما يطرحه الملحق الديني.
كما تناولت الرواية العلاقات التي تبنى على المصالح والنفوذ التي تسهم في تزكية بعض الشخصيات حتى لو لم تكن على درجة من الكفاءة والمستوى العلمي والمهني، كما أن الكاتب لم يترك دور المرأة الواعية القادرة على المساهمة الحقيقية والفعلية وقوفًا مع الرجل حتى لو كان يخدعها، كما هو رئيس التحرير الذي أخفى عن زوجته زواجه الثاني، وهي تعلم بذلك من دون أن تخبره، أو دورها في بعض مؤسسات الدولة الذي بينه الكاتب من خلال الجمعية المعنية بحقوق الإنسان التي تأسست في عمان، أو دور زينب الموظفة في الجريدة وعلاقتها بالمجتمع العماني عامة والحراك الذي حدث في العام 2011، والحوارات التي كانت تدور بينها وبين بسيوني الذي كان متأملاً الزواج منها سريًا إلا أنها صدته بكل لباقة وسلوك أخلاقي ينم عن تربية ومكانة للمرأة العمانية التي مثلتها في الرواية.
أعتقد أن الكاتب سليمان المعمري، المتعدد في مجال موهبته بين كتابة القصة القصيرة، الرواية والعمل الصحفي والإذاعي بنى شخصيته الثقافية والمعرفية والحوارية، تلك التي برزت في فضاء أحداث الرواية، وتميزها عن العديد من الأْعمال السردية الخليجية، لأن الكاتب استخدم أسلوب التهكم والفكاهة والهزل في طرح كل القضايا في الرواية التي دارت حول محور الشخصية (بسيوني)، وحين وظف الكاتب هذا الأسلوب، وهو الداخل في الأدب الساخر، فإنه يعي تمامًا ما ينطوي عليه هذا المفهوم الذي يتطلب حضور الضحك مع البكاء، وحضور الفطنة والذكاء مع القدرة على السبك والتخييل، هذا الفن الذي عمد إليه الكاتب في الرواية جاء ليقول للقارئ أمورًا ويدعوه إلى الاستبصار في أمور أخرى خفية بحاجة إلى نبش وبحث وتقصي بين السطور والكلمات، بين سردية هنا وحوار هناك، بين وصف لحالة ماضوية ما في المجتمع، وربطها بالواقع المعيش، فالكاتب يرمي لا شك إلى نقد الواقع المجتمعي المعيش، وأساليب الناس الاجتماعية، التي تراوحت بين ما هو مدح أو ما هو ذم من دون أن يقف الكاتب أو يميل إلى هذا أو ذاك، بل على مدى أحداث الرواية لك يكشف الروائي عن وجهة نظره فيما يطرحه، بل ترك الأمر معلقًا، ومتروكًا للقارئ، وبخاصة أن ما قدمته الرواية من أفكار ومعلومات وحكايات، وعرضها بهذا الأسلوب الهزلي النقدي للواقع، جعل الرواية أكثر قربًا من القارئ، وبخاصة أن القارئ العربي تكمن قراءته في الغالب نحو الجدية التي تصل أحيانًا إلى التعقيد والسأم، أما سليمان المعمري الذي خرج من النص وبدأ راويًا باسم شخصية أخرى كان مكتفيًا بالمراقبة دون التدخل، بل تعمد أن تتعدد الأصوات بحيث أعطى كل الشخصيات التي ذكرت مساحة كبيرة للتعبير عن رأيها فيما يحدث في المجتمع القريب منها، وعلاقتها بالسيد بسيوني الذي من خلاله تنطلق منه أحداث أكبر.

اقرأ المزيد

أداء المجلس النيابي والجمعيّات السّياسيّة

في حوار مع الصحافة المحليّة تطرق النائب الأول لرئيس مجلس الشورى السيد جمال فخرو الى الجانب السياسي المتمثل في عمل مجلسي الشورى والنواب. فقد ركز على عدد من القضايا منها، أولاً، تشكيل مجلس النواب وكيف أنه تنقصه الخبرة السياسية ومكون من أفراد ليس لهم خلفيّة سياسيّة مسبقة وبالتالي ينعكس ذلك على ادائهم في المجلس.
ما أفاد به النائب الاول هو توصيف لواقع نتفق معه فيه. وهذا الواقع هو تصوير للوضع الراهن والظروف التي تمر بها المنطقة بأسرها من تراجع في المجالس التمثيليّة وصعود أكبر للسلطة التنفيذية في قرارات الدول. والسؤال هنا كيف يمكن استعادة التوازن في التاثير بين السلطتين.
مجلس الشورى أيضّا يشكو من محدوديّة الصلاحيات في التشريع وفق النائب الأول للشورى، وأن حق السؤال محصور في الكتابة والرد الكتابي دون مناقشة. ويقول “في السابق حين كان لدينا حق السؤال والنقاش، وكان ذلك يخلق نوعاً من الرقابة على الوزير، كما كان النواب يستفيدون من أسئلة الشوريين ويطورونها للجان تحقيق أو استجوابات”.
الآن الوزير لا يشعر بالمساءلة الشورية، فهو يزودهم بمعلومات فقط. لماذا توقفت هذه الحيوية في التفاعل بين المجلسين؟ يرى النائب الاول ان تعطى صلاحيات اكبر لمجلس النواب في الاسئلة والمناقشة. ويرى أن الشوري يلجأ للصحافة او السوشل ميديا للتعليق على ما جاءته من ردود. ونتساءل ماهو المانع من فتح مجال المناقشة سواء للشورى اوالنواب، فهي تُشعر المجتمع بحيوية العملية التشريعية والرقابية ويتفاعل المجتمع معها؟
امام المجلس (النواب والشورى) تحديات كبيرة عليه التعامل معها لتحقيق التفاعل الإيجابي مع المجتمع. فمثلا قضية التركيبة البرلمانيّة التي أشار إليها النائب الأول، يرى النائب الأول أهميّة زيادة حصة الجمعيات السياسيّة في التركيبة النيابية. وهذا في نظره يحتاج إلى تطوير العمل السياسي من خلال مؤسسات مثل معهد التنمية السياسية والتعليم بشكل عام. نرى ان ذلك قد لا يكفي، وسيحتاج الأمر، في المقام الأول، إلى التصاق بين الجمعيات السياسيّة والقضايا المحليّة والمعيشيّة وتبنيها والدفاع عنها.
بالإضافة إلى زيادة أنشطتها في الندوات والنقاشات والمؤتمرات لرفع الوعي السياسي في المجتمع. العمل السياسي هو في نهاية المطاف دفاع عن مصالح، وكلما كانت المصالح واضحة ومشتركة كلما كان العمل السياسي اكثر توجيها وجدوى وأقرب إلى الإصلاح. هذا يضع مسؤولية كبيرة على الجمعيات السياسيّة في وضع تصوراتهم لكيفية تطوير العملية الديمقراطيّة والتعديلات الدستورية والتشريعات اللازمة لأحداث هذه النقلة المنتظرة. كون غالبية الأعضاء مستقلين لا تدعمهم مؤسسات سياسيّة يعتبر عنصر ضعف في المجلس ينبغي العمل على معالجته.
الجمعيات السياسيّة هي الجواب الأنسب لإعطاء المجلس استمرارية أكثر في متابعة برامج ومشاريع تقوية المجلس على المدى البعيد، هذا النوع من العمل لا يستطيع أن يقوم به العضو المستقل، وغالبيّة الأعضاء من المستقلين تنقصهم الخبرة السياسيّة مما يعني أن المجلس سوف يستمر في أن يكون أداة ردة فعل وليس مؤسسة تنظر إلى مستقبلها، وكيف يتطور ويطور العملية الديمقراطية معه.
السؤال المطروح الآن هل المدة التي مضت كافية للحكم على التجربة الديمقراطيّة أم أنها مازالت في مراحلها الأولى؟، وإذا كانت الجمعيات السياسيّة هي الخيار الأفضل فكيف يمكن أن تقوم ببناء قاعدة من الدعم المجتمعي لكي تتمكن من المنافسة في الانتخابات؟
في المؤتمر الذي انعقد في يوليو 2019 بعنوان “نعمل معًا من أجل تحقيق تطلعات تشريعيّة “، يؤكد رئيس مجلس الشورى على أهمية الشراكة المجتمعية بقوله “إن المجلس قدّم انجازات كبيرة” معبرًا عن أمله وتطلعه إلى “شراكة مجتمعية” تحقق مزيدًا من تطوير العملية الديمقراطية والإنجازات والنجاحات التشريعية، وتسهم في تعزيز النهضة الشاملة لمملكة البحرين
يتفق مع ذلك النائب الأول لرئيس مجلس النواب السيد عبدالنبي سلمان الذي طرح في إحدى مداخلاته أهميّة أن يتحمل المجلس النيابي مسؤولية تطوير التجربة البرلمانيّة فيقول “مسؤولية النواب تشمل تطوير التجربة البرلمانيّة”، ويرى أن بعض مشاريع القوانين تحدّ من فاعلية المجلس مثل تقليص مدة عمل لجنة التحقيق إلى أربعة اشهر، وهذا ليس في صالح العملية الرقابية وإن “طلب التمديد ياتي نتيجة مواجهة أو اكتشاف أمور لم تكن متوقعة”. أو عدم تعاون بعض الوزراء مع النواب في بعض الحالات”. وقد تمّ طرح مرسوم بقانون أمام المجلس يقضي بتقليص المدة المتاحة للعضو في النقاش بخمس دقائق وتمّ اقراره. من ذلك نقون إن التوازن بين مختلف تمثلات المصالح العامة ضروري وهام لتطوير العمل البرلماني.
قضية أخرى توثر في اداء المجلس هي ضعف المجلس البلدي فهي تحدّ من فعالية النواب من حيث انه يُلقي عليهم أعباء متابعة مصالح المواطنين، ومراجعات الوزير في أمور إجرائية يمكن للنائب البلدي القيام بها. المواطن يحتاج إلى تسهيل أموره في الإسكان والصحة، وهذه قضايا ينبغي أن يكون علاجها جماعياً مؤسسياً وليس فردياً. جانب آخر من مجالات تطوير العملية الديمقراطية هي في تقوية مؤسسات المجتمع المدني واشراكها (كجهة استشارية) في العمل التشريعي خصوصاً، في عرض القوانين والتشريعات الخاصة بها. في الوقت الحاضر دور منظمات المجتمع المدني في العملية التشريعيّة محدود جداً إن لم يكن غائباً.
التوقعات من المجلس النيابي كبيرة وكثيرة وتطلعات المواطنين طموحة وتزداد مع تزايد ضغوط الحياة المعيشية، وتنعكس هذه التطلعات في التواصل الاجتماعي. كثيراً ما نسمع مناداة بالغاء المجلس النيابي بسبب الاحباط الذي اصاب البعض من ضعف الاداء، لكن الواقع أن وجود المجلس ضرورة لتطوير العملية الديمقراطية، وتحقيق تطلعات المجتمع. في نفس الوقت تقول رئيسة المجلس في كلمة لها “إن المجلس قام بدوره الرقابي والتشريعي على الوجه الأكمل”، هذا التفاوت الكبير في النظر إلى المجلس بين احباط المجتمع وتفاؤل المسؤولين يحتاج إلى معالجة، ونرى أن على رئاسة المجلس أن تضع توجهاً واضحاً لتقوية المجلس دستورياً واجرائياً، لكي يتمكن من تلبية متطلبات المجتمع ويزيل الإحباط المجتمعي ويقرب وجهات النظر من أداء المجلس والله ولي التوفيق.

اقرأ المزيد