المنشور

الشباب والشأن العام

يعدّ مجتمعنا البحريني، شأنه في ذلك شأن المجتمعات الخليجية عامة، مجتمعاً فتياً، حيث نسبة الشباب ممن تقل أعمارهم عن الثلاثين هي نسبة طاغية، ويدخل هذا الجيل الحياة وهو يواجه مشاكل في التعليم وفي العمل ويعاني من نقص وضعف الخدمات الاجتماعية والثقافية وسواها، وعلى كاهل هذا الجيل تقع أعباء معيشية وعائلية مرهقة، وهي أمور لا بد وأن تؤخذ بعين الاعتبار، في إطار السعي لتوسيع مشاركة الجيل الجديد في الشأن العام.

المؤكد أن للتضييق مساحة الحريات، بما في ذلك حرية التعبير، وفرض قيود على أنشطة مؤسسات المجتمع المدني، دوراً كبيراً في عزوف الشباب عن الانخراط في الشأن العام، وهو ما يترك أثره السلبي على حيوية المجتمع، خاصة وأن الجيل الجديد يواجه قضايا غير مسبوقة في زمن العولمة الثقافية، وليس بالوسع عزل هذا الجيل عن مؤثراتها، بل لعل ذلك ليس مطلوباً، فلكي نواجه قضايا العصر يجب أن نزج بأنفسنا في أتون هذا العصر لا أن نهرب منه، بيد أن ذلك يتطلب مقاربة شجاعة للتحديّات التي يثيرها، ويطرحها على تفكير وسلوك الجيل الجديد.

المؤثرات الوافدة بفعل آليات الاتصال الراهنة تتوجه مباشرة نحو أذهان هؤلاء الشباب بالذات، فهم الأنشط تفاعلاً مع وسائط الاتصال الحديثة، والأكثر مهارة في سبر أغوارها والولوج في دهاليزها، ولا يمكن الاستخفاف بما يتلقونه من معارف وأنماط تفكير وسلوك من هذه الوسائط تضاهي، لا بل وتتفوق في أحيان كثيرة على المؤثرات التي يتلقونها من خلال الوسائط التقليدية كالعائلة والمدرسة والمحيط الاجتماعي المباشر.

في المجمل فإن الأجيال الجديدة تتعاطى مع مصادر للتكوين الثقافي والنفسي لم تعرفها الأجيال الأسبق، وليس هذا وحده ما يتعين ملاحظته، عند التفكير في مسألة عزوف قطاعات ليست قليلة من الشباب عن الانخراط في الشأن العام، فالظاهرة كلها تتطلب معالجة تفصيلية.

يظلّ أن الجوهري في الأمر هو إيلاء عناية أكبر لإشراك الشباب في الشأن العام ودمجهم فيه، عبر مختلف الآليات الثقافية والاجتماعية، من خلال تشجيع الهيئات الشابة التي يمكن أن تجترح أفكاراً جديدة تلائم وعي الشباب وطموحاتهم وتطلعاتهم، والقضايا التي هم بحكم أعمارهم وحساسياتهم العصرية أكثر قرباً منها، مما يجعلهم مهيئين، إن أحسن إعدادهم، ليكونوا في رؤاهم أقرب إلى المستقبل.