المنشور

أمام ضريح شكري بلعيد

احتشد أمس العشرات من ممثلي قوى وأحزاب منظمات عربية وأجنبية أمام ضريح شهيد تونس وشعبها وحركتها الوطنية والتقدمية شكري بلعيد الذي أودت بحياته رصاصات غادرة أطلقها موتورون من الجماعات التكفيرية.
غاية هذا الحشد هي تحية واستذكار سيرة وتضحيات هذا القائد الاستثنائي في الحركة الوطنية التونسية، وكذلك لسيرة وتضحيات رفيقه، الشهيد أيضاً، محمد الإبراهيمي الذي أودت بحياته رصاصات نفس القتلة، الذي جاوره في الممات كما في الحياة.
المحتشدون أمام الضريحين أتوا تونس للمشاركة في احتفالية بعنوان: «فلسطين – مئة عام من المقاومة». وفي هذا مغزى ورسالة، فشكري بلعيد ومحمد الإبراهيمي، كما كل شهداء حركة التحرر الوطني العربية، هم شهداء لفلسطين بمقدار ما هم شهداء أوطانهم، يوم كانت فلسطين، ونتمنى أن تبقى كذلك، عنواناً للعزة والكرامة والحرية، ويوم لم يكن الوطنيون العرب يتصورون النضال من أجل حقوق شعوبهم منفصلاً عن النضال في سبيل استعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه.
وفي وجدان شعوبنا تحضر القضية الفلسطينية بوصفها بوصلة للموقف الوطني والقومي السوي، فلا يمكن تخيل أن تقوم قائمة للعرب إن ظلَّ الجرح الفلسطيني نازفاً، بل إن الجروح العربية الأخرى التي تنزف اليوم ما كانت ستكون بالمدى الذي هي عليه اليوم، لولا أن السرطان الصهيوني تمدد واستطالت أياديه.
لذا ليس غريباً على بلد شكري بلعيد ومحمد الإبراهيمي أن يستضيف فعالية مثل هذه، في السنة التي تمر فيها الذكرى المئوية لوعد بلفور المشؤوم، الذي جسد تضافر إرادة الكواسر الاستعمارية آنذاك في شخص إحدى قواها الضاربة، أي بريطانيا، في تأمين التغطية الدولية للمشروع الصهيوني بأن تكون فلسطين وطناً لليهود، وأن يكون ثمن ذلك انتزاع الشعب الفلسطيني من أرضه، وتهجيره إلى خارج الحدود.
ولم يحتج الأمر أكثر من عقود قليلة حتى بات الوعد واقعاً، بعد أن اجتاحت الجماعات الإرهابية الصهيونية المسلحة المدن والبلدات الفلسطينية، بغطاء استعماري دولي، وفرضت أمراً واقعاً بالإرهاب والمجازر، لتبدأ المحنة الفلسطينية الدامية المستمرة حتى اليوم.
الأفدح أن المشروع الصهيوني هو اليوم في واحدة من ذرى تغوله، بعد أن انهارت منظومة الأمن العربي، وأصبحت بلدان عربية رئيسية ساحات حروب واقتتال داخلي، واستبيحت أجزاء واسعة منها من قبل جماعات التطرف والتكفير، ما قدم خدمة ل «إسرائيل» لم تكن تحلم بها.
منتسبو هذه الجماعات بالذات هم من اغتالوا شكري بلعيد ومحمد الإبراهيمي وغيرهما، من عناوين النضال الوطني التحرري وبرامج الحداثة والدولة المدنية، كي تخلو الساحة من تلك المنارات المرشدة إلى المستقبل، من حيث هو فكرة وبرنامج، وهو مستقبل لن نبلغه إن لم نهتد بنهجهم.