المنشور

يحكـــــــي أن..!!

(1)

تمعنوا فيما تعنيه هاتان الحكايتان..

الأولى تقول إن وفداً من الكوفة ذهب الى الخليفة يلتمس منه عزل والى مدينتهم، وقالوا له في السنة الأولى لولايته جعلنا الوالي نبيع مقتنياتنا، وفي السنة الثانية اضطررنا الى التخلي عن أملاكنا وأراضينا، وفي السنة الثالثة لم يكن أمامنا إلا أن نهجر ديارنا وجئنا إليك يا أمير المؤمنين راجين ان تضع لنا حداً لهذا الشقاء والبلاء وعزل هذا الوالي، لكن أمير المؤمنين رفض احتجاجهم وخالفهم الرأي رافضاً المساس والتشكيك في نزاهة واستقامة وتقوى وإخلاص وعدل الوالي، وكيف انه يعمل وفقاً لتوجيهاته وإرشاداته وتعليماته، فلم يكن أمام رئيس الوفد إلا ان يقول: «صدقت يا أمير المؤمنين وكذبنا نحن بحق الوالي، فما دام هذا الوالي على ما ذكرت من الاستقامة والنزاهة والكفاءة والإخلاص والتقوى والعدل، لماذا كافئتنا به كل هذه السنين الطوال دون سوانا، وقد ولاك الله بلداناً أخرى لترعاها كما رعيتنا فأرسله الى أي منها لينعم أهلها بما نعمنا به جراء استقامته وورعه وتقواه..!!».

والحكاية الثانية تقول إنه في بلد شيوعي ما، وعلى رأس السلطة أمين عام الحزب الحاكم، ورفيق دربه ونضاله رئيس الوزراء، ومن حين لآخر تثور شبهات حول رئيس الوزراء بأنه على صلة بالمخابرات الأمريكية، ولم يكن أمام الحزب الحاكم سوى ان يبحث ويتحرى سراً في حقيقة هذه الشبهات، ولكنه لم يعثر على شبهة دليل واحد، ويبلغ رئيس الوزراء سن الشيخوخة، فيطلب من رفيقه وصديقه سكرتير عام الحزب ان يعفيه من مسؤولياته ويسمح له بالتقاعد والسفر ليرتاح فى أيامه الأخيرة في الخارج، ولأول مرة يستحلف الأول الثاني ان يقول له حقيقة تلك الشبهات، ويقسم له بأنه لن يروي الحقيقة لأي مخلوق..

الرجل فاجأ رفيق دربه واعترف، نعم كنت من سنوات طويلة اعمل لحساب المخابرات الأمريكية، وذهب سكرتير عام الحزب وقال له كيف؟ لقد راقبناك بشدة عدة سنوات، وقال رئيس الوزراء انه قابل من يمثل المخابرات الأمريكية مرة واحدة فقط لاغير، وطلب منه طلباً واحداً وهو انه كلما خلا منصب في الدولة مهما صغر وعرضت عليّ عدة أسماء لكي أفاضل بينها ان أختار الأضعف والأسوأ من بين المرشحين، وهذا كل ما في الأمر..!!

الحكاية الأولى واحدة من حكايات كثيرة مسجلة وموثقة من حكايات حول عجائب القهر وحكايات النفاق والرياء، وهي حكايات لازالت حاضرة وبقوة في مجتمعاتنا، فيها من يسايرون ويلبسون كل حالة رياء ونفاق لبوسها وقناعها، والأسوأ حين يصل هؤلاء الى مستوى يعززون فيها ثقافة الفساد، او لنقل يتمكنون من استنساخ الفساد بأشكال جديدة، والحكاية الثانية تشرح ضمن ما تعنيه المدى البعيد البعيد الذي ذهبت اليه بعض القوى في تدمير بعض البلدان عبر إحداث فساد عام وشامل يخترق كل نواحي الحياة في هذه الدول، بحيث اذا توقف الفساد، توقفت هذه الدول عن الحياة والعمل، والسياسة يراد لها ان تكون ادارة لهذا الفساد، وهذا الفساد هو الذى يسهل الهيمنة الأمريكية او غيرها على ثروات ومقدرات هذه الدولة او تلك والهيمنة عليها.

يكفى التمعن جيدا في الحال الراهن لبعض البلدان بسبب الهيمنة والفساد.

(2)

أجمل ما في المشهد الانتخابي لبيت التجار إلى جانب الحراك الاستثنائي غير المسبوق الذي شهدناه لانتخاب مجلس إدارة جديد، انه لم ينحرف الى منحدر طائفي على النحو الذي شهدناه في انتخابات سابقة، وعلى النحو الذي شهدناه في انتخابات برلمانية بدرجة فائقة الفجاجة، هذا اولاً وقبل كل شيء، ثم في أعداد الوجوه الشبابية التي فازت والتي يفترض أنها ستعطي زخماً في توجهات الغرفة المقبلة، وفي مسألة مسايرتها لركب الحداثة والانفتاح والتواصل مع الأعضاء والمجتمع البحريني، رؤية، وخطط وإدارة، وتقنيات، وتطبيقات وخدمات، وجرأة في المواقف وفي المراجعة ومساءلة الذات، وكل ما يعني التزام الجميع بأن يكونوا فعلاً جديرين بتمثيل من شرفوهم بتمثيلهم، وجديرين بتحويل شعاراتهم الى واقع ملموس، وإلا سيبقى إصلاح حال الغرفة كما يجب أمراً مستعصياً ومفقوداً، يدور في فلك الشعارات لاغير، وكأن الشعارات الدائرة في محيطنا في كل شيء لا تكفينا.. !

أما الأسوأ في هذا المشهد الانتخابي فهو محاولة بعض المرشحين التعامل مع الناخبين وكأنهم بضائع معروضة في السوق الانتخابي ولها ثمن، والأسوأ كذلك محاولات بعض المترشحين تسقيط آخرين من كتلتهم الانتخابية.

الأسوأ أيضاً يتمثل في تدني نسبة مشاركة القطاع التجاري في الانتخابات والتي لا مناص من ملاحظتها، رغم سخونة المعترك الانتخابي وشراسته وكل الزخم الذي شهدناه والذي رافق الانتخابات، فقد بلغت نسبة المشاركة 21.5٪، وهذا في حد ذاته مؤشر يجب ان لا يغيب عن بال مجلس الإدارة الجديد، عليه ان يخضع هذا الامر للتحليل والدراسة والمعالجة، فهل يلج هذا الملف إلى اعضاء المجلس الجديد ويضعوه ضمن اولوياتهم ولو من باب برنامج عمل المائة اليوم الاولى.

(3)

نعلم بانه لا يفوز الجميع في الانتخابات، اي انتخابات، ولكن المعضلة ان الافضل لا يفوز بالضرورة في الانتخابات، او لا يراد له ان يفوز والمعضلة الاكبر حين يكون الناخب جاهزاً بـ«نعم» وحاضراً من دون تفكير..!