المنشور

بكين تصنع الاتفاق الكوري

 

في ظننا أنه يتعين قراءة الاتفاق الكوري – الكوري، في سياق أشمل من كونه مجرد اتفاق بين بلدين يشكلان أمة واحدة، شاءت أقدار السياسة والتاريخ أن تنقسم، وأن يكون لكل قسم نظامه الاجتماعي – السياسي المختلف عن الآخر.
صحيح القول بأن قادة الشطرين الشمالي والجنوبي تحلوا بالضروري من الحصافة وبعد النظر ما مكنهم من تفادي أحابيل الإدارة الأمريكية التي كان يروق لها استخدام الفزاعة النووية لشمالي كوريا في ابتزاز جنوبها، ولكن لا بد من الوقوف على الدور الصيني الحاسم في التوصل إلى هذا الاتفاق.
أكثر من ذلك، علينا أن نرى في الدور الصيني علامة أخرى على تبدلات النظام الدولي، وتحوله من أحادية القطب الأمريكي التي سادت نحو عقدين وأكثر بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتقلص نفوذ روسيا في العالم، في اتجاه تعددية قطبية، ولا نقول ثنائية، فإضافة إلى استعادة موسكو الكثير من المهابة الدولية التي فقدتها، وعودتها للعب دور دولي مهم، على الأقل في بعض المناطق، فإن الصين بدأت تحصد ثمار سياساتها طويلة الأمد التي عملت عليها بصمت وتأنٍ ودهاء، منفذة «بروسترويكا» خاصة بها، فَطِنة ومتأنية جمعت بين مركزية النظام الاشتراكي وآليات اقتصاد السوق، على خلاف «بيروستريكا» جورباتشوف الغبية التي دمّرت القائم دون أن يكون لدى صاحبها تصور للبديل.
في الوقت الذي كانت فيه نذر المواجهة العسكرية تشتد بين كوريا الشمالية وواشنطن مع مجيء إدارة ترامب، كانت الصين تعمل بصمت على تخفيف حدة التوتر، فيما كانت في العلن توجه الرسائل التي تخدم خطتها، حين قالت إنه في حال بدأت بيونج يانج الحرب فإنها سوف تقف موقف الحياد، لكن الأمر لن يكون كذلك في حال بدأت الولايات المتحدة الحرب، فحينها ستتدخل للوقوف في وجهها.
المؤكد أن بكين لا ترغب في مواجهة عسكرية مع واشنطن بصورة من الصور، لكنها أيضاً تريد إفهام الأخيرة أنه لا يمكن تجاهل دور الصين الاستراتيجي في تلك المنطقة كون الأمر يتصل مباشرة بأمنها ومكانتها. وحسب بعض التقارير، فإن بكين تعتبر كوريا الشمالية منطقة عازلة بوجه أي تدخل خارجي يستهدفها، بالنظر إلى أنها مطوقة ببلدان ذات أنظمة موالية للغرب. وفي العلاقة مع الكوريين الشماليين فإن لدى بكين أوراق ضغط كثيرة، بينها أوراق اقتصادية مهمة، وبرعت بكين في التلويح بها أو حتى استخدام بعضها، لحمل الزعيم الكوري الشمالي على القبول بتسوية مع الجنوب، تنقذ قسمي كوريا والمنطقة كلها من مخاطر مواجهة مدمرة.
الاتفاق الكوري – الكوري هو نجاح صيني بامتياز، يحمل رسالة متعددة الاتجاهات، أهمها، على الإطلاق، أن أمور العالم ومصائره لم تعد تقرر في عاصمة واحدة، وأن بكين باتت عاصمة ثالثة، بعد واشنطن وموسكو، يجب أن يحسب لكلمتها حساب.

madanbahrain@gmail.com