المنشور

كل لجنة تحقيق وأنتم بخير..!!

البارز حتى اليوم في كل ما أثير ويثار حول وضع الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي وصناديق التقاعد التي تدار من قبلها، كان وعلى مدى السنوات الماضية وحتى الآن هو الغموض، والصمت، الأمر الذي يمكن ان يؤدي، او هو أدى وانتهى الأمر، الى قناعة بأن كل ما قيل او يقال في شأن الهيئة لن يجدي او هو نفخ في قربة مقطوعة، وكان من تجليات هذ الوضع هو بروز الكثير من علامات الشك والريبة حول سلامة مسارات وعمل وإدارة هذه الهيئة..!!

لا أظن أننا نحتاج الى تذكير المعنيين بأمر الهيئة والمهتمين بأوضاعها وشؤونها – اذا ما فاتهم الأمر – تذكيرهم بعدد المرات التي جرى فيها تداول ما يمس هذه الهيئة، وكثير منها أمور تبعث على قلق المتقاعدين، بل تخيفهم حول مستقبلهم التقاعدي، وتثير لديهم حالة من البلبلة والتوجس، هنا يمكن ان نذّكر من يميل الى النسيان او له مصلحة فيه بلجنة التحقيق البرلمانية الاولى التي تشكلت في عام 2003، في الفصل التشريعي الأول، والتي تولت مهمة النظر في الأوضاع المالية والإدارية لهيئتي «التقاعد» و«التأمينات» وهذه اللجنة خلصت الى حدوث تجاوزات مالية وإدارية وعدم كفاءة الطاقم الاداري والاستثماري، وجرى التلويح آنذاك باستجواب وزراء، ثم جرى التأكيد بأن هناك إجماعاً من النواب على استجواب الوزراء المعنيين، ذلك حدث منذ اكثر من خمسة عشر عاماً، والمؤسف أن المتابع لا يجد تقدماً يذكر في شأن وضع الهيئة..!

اليوم، نجد أنفسنا أمام نتائج لجنة تحقيق برلمانية أخرى حول وضع الهيئة وقد نشرت صحفنا المحلية في الخامس من شهر مايو الجاري ما توصلت اليه من نتائج صادمة، وكالعادة لم نسمع او نقرأ رداً او تعقيباً او توضيحاً او تفنيداً حتى الآن من اي جهة او طرف مسؤول حيال هذا الذي نشر لذلك سأعتبر الوقائع والتفاصيل المنشورة صحيحة حتى إشعار آخر، اي لحين ان يظهر لنا من يثبت العكس، وعلينا ان نلاحظ أولاً بأن ما نشر يأتي في الوقت الضائع للمجلس النيابي الذى أوشك على النهاية غير مأسوف عليه وهو أمر يثير تساؤلات مصحوبة بعلامات تعجب، وعلينا ان نلاحظ ثانياً اننا نتحدث عن هيئة يفترض انها من اكثر الهيئات والمؤسسات العامة التزاما بالشفافية وبمقتضيات الحوكمة، وعلينا اخيراً ان نلاحظ ان ثمة وقائع تتكرر في مسار عمل الهيئة يمكن ان تحتل موقعها بجدارة في باب «صدق او لا تصدق» وهي تحتمل أسئلة حساسة لم تنقطع يتهامس بها الناس، وأثير بعضها في اكثر من مناسبة وفي عدة مواقع تواصل اجتماعي..!

يكفي أن نتمعن في عناوين الخلاصات التي توصلت اليها لجنة التحقيق البرلمانية الثانية في تقريرها النهائي، من نوع ان هيئة التأمين الاجتماعي عجزت عن استثمار اموالها، وانها عاجزة وتفتقد الكفاءة بشكل واضح وملموس في ادارة استثمار اموال الصناديق التقاعدية، وان ‎%‎ 90 من المحفظة العقارية للهيئة غير مستغل استثمارياً ولا تحقق عائداً استثمارياً، وان هناك مبالغة في صرف رواتب ومكافآت لعاملين في الهيئة تعادل ما يصرف في البنوك والشركات الربحية، وبحسب اللجنة تم صرف 8000 دينار مكافأة سنوية لرئيس وأعضاء مجلس الادارة، وطالبت اللجنة بوقف صرف هذه المكافآت، كما طالبت بمراجعة شاملة لسياسات الاستثمار الحالية لدى الهيئة، ووضع نظام جديد للحوكمة لإدارة الاستثمار، ووضع أكفاء للقائمين على هذه الادارة، وحذر ت اللجنة من مغبة الدخول الى مراحل حرجة من العجز الاكتواري، كما طالبت لجنة التحقيق المعنيين بأمر الهيئة بالالتزام بالتشكيل الكامل لمجلس إدارة الهيئة – التمثيل العمالي مغيب – ومراعاة الكفاءة في اختيار جميع أعضاء المجلس، وفي هذا الخصوص يمكن القول ليست وحدها الكفاءة هي المطلوبة، بل ينبغي ان يضاف اليها الجرأة والشجاعة بما يحول تمرير اي قرار يخص الهيئة دون علم وموافقة مجلس الادارة، كما سيظل غير مفهوم حالة التغييب القسري للتمثيل العمالي بالمجلس حتى الآن، وهو طرف أصيل مع الطرفين في مجلس الادارة وهما الحكومة واصحاب الاعمال، وقانون انشاء الهيئة يقضي بهذا التمثيل العمالي، وهناك تصريحات ووعود يمكن استعراضها والتذكير بها وبتواريخها من اكثر من وزير وكلها تبشرنا بعودة قريبة لهذا التمثيل الذى لا غنى عنه، ولكن تعودنا ان تظل التصريحات والوعود شيئًا والواقع شيئًا آخر..!!

يمكن ايضاً الإشارة الى ما تناوله ديوان الرقابة المالية والإدارية فيما يخص الهيئة، فهو لا يخرج عن السياق المذكور تقريباً، وان كان يركز على الارتفاع المتسارع في العجز الاكتواري، واتساع مصروفات الصناديق التقاعدية وايراداتها وتفاقم عجوزاتها ويحذر من استنزاف مواردها المالية ونفاذ أصولها في نهاية المطاف، وبالتالي عدم قدرتها على سداد التزاماتها تجاه المتقاعدين والمستفيدين عنهم، وبدت مقلقة ومزعجة هذه التلميحات التي تطفو على السطح بين آونة واُخرى، والتي غالباً ما اقترنت بإشارات حول توجهات تنتقص من الحقوق والمزايا والمكتسبات التقاعدية، وان حدث شيء من هذا فهو كارثة بكل معنى الكلمة، خاصة في ظل ظروف وأوضاع معيشية الكل ادرى بها..

إن هيئة التأمين الاجتماعي ظلت محطاً للأنظار، وكان عملها وأداؤها عرضة لكثير من علامات التعجب والاستفهام والريبة أيضاً، وبالرغم من كل ذلك لم نجد مسؤولاً واحداً يضع النقاط على الحروف، وهو موقف يسوغ معه التساؤل عما اذا كان هذا الذي يثار بشأن الهيئة وكل تلك التساؤلات التي تطرح تلج الى وجدانهم، أم ان هناك إصراراً على منظومة جديدة من الوعود التي لا يتحقق منها شيء مع مواصلة الهروب الى الأمام بالاستمرار في حالة «التطنيش» او اللامبالاة، من باب قولوا ما تشاؤون ونحن نفعل نشاء، يا ترى متى سنغادر نقطة الصفر، ونتجاوز حال التكرار والمراوحة التي تستمر في الإبقاء على حال الهيئة على ما هو عليه، دون اتفاق او توافق على إصلاح هذا الحال، والمطلوب اذا كانت ثمة جدية في الاصلاح، جرأة في المراجعة، ومساءلة من يتوجب مساءلتهم، وكل لجنة تحقيق وأنتم بخير..!