المنشور

سرقة آنية أم وطن؟‮!‬

 


إن سرقة أثر حضاري‮ ‬يعادل في‮ ‬قيمته سرقة وطن،‮ ‬وكل أثر في‮ ‬هذا الوطن له علاقة مباشرة بتاريخ هذا الوطن ومواطنيه،‮ ‬وعليه‮ ‬يعتبر المواطن بالضرورة شريكاً‮ ‬في‮ ‬استعادة هذا الأثر المسروق،‮ ‬لأن هذا الأثر‮ ‘‬لا‮ ‬يعني‮ ‬جهة بعينها أو مؤسسة بذاتها أو شخص محدد‮’‬،‮ ‬ومن هذا المنطلق‮ ‬ينبغي‮ ‬أن‮ ‬يكون المواطن رقيباً‮ ‬صارماً‮ ‬على من‮ ‬يعبث بآثاره وتراثه وتاريخه ووطنه،‮ ‬لا متفرجاً‮ ‬سلبياً‮ ‬بليداً‮ ‬على مسرحية هو أحد شخوصها الأساسيين،‮ ‬ولعل هذه المسؤولية هي‮ ‬ما دعت مواطني‮ ‬إيطاليا،‮ ‬قبل حكومتهم،‮ ‬للمطالبة باسترجاع آثار روما النفيسة المسروقة وتشديد الرقابة على الأماكن الأثرية وعلى من‮ ‬يعمل فيها ويرتادها،‮ ‬وبذلك تمكنت الحكومة الإيطالية بإلحاح من مواطنيها وحرص مسؤول من استرجاع الكثير من القطع الأثرية النفيسة وعرضها في‮ ‬متحف روما الأثري،‮ ‬بجانب توقيعها الاتفاقيات المشروطة مع سلطات بعض الدول لحماية آثارها المستعارة من التلف أو التعرض لخدوش أو تزييف،‮ ‬وكذا الحال بالنسبة لليونان وفرنسا وغيرها من الدول التي‮ ‬يقدر مواطنوها قيمة هذه الآثار قبل حكوماتهم،‮ ‬ويشعلون لهيب الجدل فيما إذا تجاوزت رغباتهم أو حرصهم الغيور على هذه الآثار،‮ ‬ولنا في‮ ‬ذلك أسوة بفرنسا حين اعتزمت نقل بعض الآثار من متحف اللوفر إلى أبوظبي،‮ ‬وكيف هاج وماج مواطنو فرنسا وخبراء الآثار والنقابات المعنية بهذا الشأن وطالبوا وبقوة نحو عدم اتخاذ هذه الخطوة،‮ ‬خشية على آثارهم والآثار الإنسانية النادرة التي‮ ‬احتواها حضن اللوفر لأعوام طويلة من السرقة أو التلف،‮ ‬ولم‮ ‬يتم إقناعهم إلا بعد جدل طويل وإن ظل هذا الجدل لدى بعضهم قائماً‮ ‬وساري‮ ‬المفعول‮..‬
لذا‮ ‬ينبغي‮ ‬أن نثمن القرارالذي‮ ‬اتخذه وزير الإعلام جهاد بن حسن بو كمال في‮ ‬تشكيل لجنة للتحقيق في‮ ‬قضية سرقة الآنية الدلمونية،‮ ‬والذي‮ ‬أعتقد أنه القرار الأول في‮ ‬هذا الشأن الذي‮  ‬يقدم عليه وزير للإعلام ممن تعاقبوا على هذه الوزارة،‮ ‬وأهمية القرار تكمن في‮ ‬استعجاله واستعجال البت فيه،حتى‮ (‬لا تضيع الطاسة بين كاني‮ ‬وماني‮) ‬كما ضاعت قبلها‮ (‬طاسات‮) ‬وجواهر ومقتنيات نفيسة لم‮ ‬يصدر بشأنها قرار ولم‮ ‬يعرف بعد ما مصيرها،‮ ‬ولا من هو السارق أو المهرب،‮ ‬ومن هذا المنطلق المسؤول والحريص من قبل وزير الإعلام نطمح في‮ ‬توسعة مهام هذه اللجنة لتشمل آثار أو مقتنيات قبلها طالها النهب أو الضياع أو الغموض،‮ ‬خاصة وأن هذه الآثار والمقتنيات لم‮ ‬يصدر بشأنها جرد واضح ودقيق،‮ ‬كما أن هذه الآثار والمقتنيات تولى مهمة حمايتها أكثر من مسؤول،‮ ‬كما نطمح أن تعضد هذه اللجنة بخبراء آثار لديهم التجربة والخبرة العميقتين والكافيتين لمعاينة الآثار ورصد تواريخ التنقيب عنها وتحديد عمرها الزمني،‮ ‬فلعل مثل هذه المعاينة البحثية الدقيقة للآثار الدلمونية تقودنا إلى خيوط أخرى للسرقة وربما تقودنا إلى سرقات أخرى‮ ‬غير هذه الآنية،‮ ‬خاصة وأن بعض المواقع الأثرية حسب العاملين فيها تخلو من الحراسة والحماية،‮ ‬بمعنى ما،‮ ‬أن آثارنا الدلمونية وتراثنا الوطني‮ ‬العريق عرضة للنهب بسهولة تامة،‮ ‬ولولا التبليغ‮ ‬عن سرقة هذه الآنية الدلمونية لربما خلى متحف القلعة من كل آثاره بسبب‮ (‬عدم وجود حراسة‮). ‬
المسألة في‮ ‬رأيي‮ ‬لا تقف عند تشكيل لجنة تحقيق فحسب،‮ ‬وإنما‮ ‬ينبغي‮ ‬أن تسهم بعض الجهات الحكومية ذات الشأن في‮ ‬تعضيد مهمة هذه اللجنة،‮ ‬خاصة أمن المطار ونقاط الحدود،‮ ‬إذ أنه ليس بمستبعد أن تمر هذه الآثار مرور الكرام من هذه المنافذ،‮ ‬ومهربي‮ ‬الآثار وشبكاتهم في‮ ‬العالم كثر،‮ ‬وكم مرة تم ضبط مهربي‮ ‬آثار في‮ ‬منافذ بغداد الجوية والبرية وكذلك إيطاليا وغيرها من الدول ذات التراث الغني‮ ‬والنادر،‮ ‬وأعتقد أن‮ (‬بركة‮) ‬هذه الآنية المسروقة أنها نبهتنا لحضارة معرضة آثارها للسرقة،‮ ‬و‮ (‬الأبرك‮) ‬أن تعود هذه الآنية المسروقة إلى موقعها الأصلي،‮ ‬فهل‮ ‬يتحقق ذلك؟‮ ‬
أعتقد أن المشكلة التي‮ ‬ستواجه لجنة التحقيق ليست في‮ ‬كيفية سرقة هذه الآنية أو إهمال المواقع الأثرية،‮ ‬إنما في‮ ‬كيفية التعرف على من سرق الآنية ولماذا وهل‮ ‬يمكن استعادتها أم لا؟‮ ‬
يبقى من المهم جدا أن نستمع لرأي‮ ‬الطرف المسؤول عن هذه الآثار،‮ ‬وعن سرقة هذه الآنية،‮ ‬وعن توجيه العاملين اللوم والإدانة إليه،‮ ‬فحتى الآن لم نستمع إلا لطرف واحد،‮ ‬أما الآخر والذي‮ ‬أسهم بلا شك في‮ ‬تسجيل مواقعنا الأثرية ضمن التراث العالمي‮ ‬في‮ ‬قائمة اليونسكو،‮ ‬لم نستمع منه إلى رأي،‮ ‬هل هو متورط فعلا في‮ ‬القضية أم لا أم هي‮ ‬قضية مفبركة ضد‮ .. ‬بات من المهم أن تنشر بعض صحفنا رأيه في‮ ‬مثل هذه القضية وبأمانة مثلما نشرت كلام من وجه اللوم إليه وحمله المسؤولية‮.. ‬وكما قلنا في‮ ‬استهلالية الموضوع،‮ ‬المسألة تتجاوز حدود الأثر إلى الوطن،‮ ‬فهل نفسح المجال أكثر ليتسنى لنا معرفة من له مصلحة في‮ ‬سرقة الوطن؟‮!.‬ 

صحيفة الوطن    6 فبراير 2008