المنشور

من سيربح الـ 40 مليون؟!

في الدورة البرلمانية السابقة ثار لغط وجدل طويل بين النواب حول مشروع منح موظفي الحكومة «بونس« أي مكافأة بمقدار مائة دينار تمنح مرة واحدة في العمر لمواجهة الغلاء، وتبارى النواب أو تبارزوا حول حجم «البونس« ولمن يعطى؟ هل لكل الموظفين أم لموظفي الدرجات الدنيا فقط (الجدول العمومي)؟ هل يشمل «البونس« القطاع الخاص أم يقتصر على القطاع العام؟ ويتذكر الجميع حينذاك ان هذه المبارزة بين النواب حول من يثبت أنه الأكثر غيرة على مصالح الشعب والأكثر تعبيرا عن هموم الناخبين المساكين، بما في ذلك أحوالهم المعيشية المتدهورة من جراء ثبات الأجور على حالها في مقابل الارتفاع الصاروخي المطرد في أسعار السلع الأساسية.. نقول يتذكر الجميع ان هذه المبارزة من مباراة «الظهور« استغرقت من مجلس النواب نحو عامين أو أكثر والمواطن الموعود بعسل «المائة دينار« التي لا تسمن ولا تغني من جوع قد شرب من كأس الانتظار الممل الجارح للكرامة حتى الثمالة، ولم يحسم الموضوع إلا بعد جهد جاهد وبعد اللتيا والتي ليقتصر «البونس« على موظفي الدرجات الدنيا في القطاع العام ودون ان يشمل القطاع الخاص. وهاهو ذا مثل هذا الجدل يتجدد بين نواب الدورة البرلمانية منذ أكثر من شهر، لكن هذه المرة ليس حول بونس «المائة دينار« الذي تقرر خلال الدورة السابقة منحه لموظفي الدرجات الدنيا والوسطى من القطاع العام مرة واحدة وأخيرة للأبد، بل حول مبلغ الـ 40 مليون دينار الذي خصصته الحكومة لدعم المواطنين لمواجهة موجات الارتفاع الجنوني في الاسعار المتعاقبة. وأثيرت هذه المرة أيضا، كالمرة السابقة، جملة من التساؤلات: لمن يقدم الدعم؟ لموظفي القطاع العام أم لموظفي كلا القطاعين العام والخاص؟ من يستحق الدعم ذوو الدرجات الدنيا في القطاعين فقط أم يشمل الجميع؟ ما نصيب كل موظف درجة دنيا من مبلغ الـ 40 مليون دينار المرصود وإلى متى سيستمر دفع هذا النصيب؟ وهكذا نجد سلسلة طويلة من التساؤلات التي لا تنتهي وجد كل النواب ضالتهم فيها للمبارزة على اثبات جدارتهم وإخلاصهم في تمثيل ناخبيهم المغلوب على أمرهم والمطحونين بنار الغلاء وهم يتفرجون على هذه المبارزة تحت قبة البرلمان ولسان حالهم يردد المثل الشعبي «شوط البطي على الجوعان طويل«.. ومع ان جدل الـ 40 مليون دينار، بدا وكأنه قد حسم سريعا في ضوء ما صدر مؤخرا عن اللجنة الوزارية ــ النيابية المعنية بوضع آليات تحديد أوجه صرف المبلغ، الذي تقرر بأنه يشمل القطاعين العام والخاص والمتقاعدين والأسر المسجلة لدى وزارة التنمية الاجتماعية وأصحاب المهن الحرة، على أن تكون العلاوة 50 دينارا فقط لكل رب أسرة دخله 1500 دينار مدة عام واحد فقط، وانه يحق لمن يزيد دخله عن الـ 1500 دينار أن يتظلم إذا كان يتحمل «أعباء اضافية« لا يستطيع من خلالها مواجهة الغلاء.. إلا ان ثمة جملة من التساؤلات تثور وتفرض نفسها هنا أيضا: هل الـ 50 دينارا قادرة حقا على مساعدة المواطنين، ولاسيما المعدمون منهم وذوو الدخل المحدود على مواجهة الغلاء؟ ثم ماذا بعد انتهاء سنة الدعم المحددة بالعام الجاري؟ هل ستتوقف موجة الغلاء بنهاية السنة؟ على أي أساس وضع معيار سقف دخل الـ 1500 دينار حدا أقصى لمستحقي الدعم؟ ألا يشكل ذلك اعترافا ضمنيا بأن راتب الـ 1500 دينار هو الحد الأدنى لمواجهة متطلبات الحياة المعيشية للمواطن في الوقت الذي مازالت الكثير من مؤسسات القطاع الخاص تستنكف حتى الآن عن رفع رواتب عمالها وموظفيها إلى مائتي دينار؟ ثم ما هي المعايير التي يتم بموجبها على نحو موضوعي ونزيه تحديد من يستحقون الدعم لمن رواتبهم تزيد على الـ 1500 دينار بناء على تظلماتهم بأنهم يتحملون «أعباء اضافية« لا يستطيعون من خلالها مواجهة موجة الغلاء؟ وهل الأعباء التي يواجهها ذوو المرتبات التي تقل عن مائتي دينار ليمنحوا 50 دينارا هي بحجم من مرتباتهم الـ 1500 دينار ليتساووا في حصة الدعم الخمسينية؟ ثم ماذا عن حكاية شمول الدعم أصحاب المهن الحرة؟ هل الدعم يشمل أصحاب المهن الحرة على اختلاف شرائحهم وفئاتهم الكبيرة والصغيرة؟ وهل من العدالة بمكان ان تقاسم الشرائح الكبيرة من أصحاب المهن الحرة فئات ذوي الدخل المحدود هذا المبلغ الشحيح بدلا من أن يقتصر عليهم وعلى ذوي الدخول المتوسطة في أحسن الفروض؟ وما ينطبق على الشرائح والفئات العليا من أصحاب المهن الحرة ينسحب على موظفي القطاعين العام والخاص الذين تزيد مرتباتهم عن الألف دينار. فما بالنا وان الدعم سيشمل من مرتباتهم 1500 دينار بل وحتى ممن تزيد عن 1500 دينار اذا ما أثبتوا انهم يواجهون «أعباء اضافية«! ثم كيف يمكن تحديد هذه الأعباء الاضافية؟ هل هي مثلا ديون واجبة السداد على من تزيد مرتباتهم عن الـ 1500 دينار؟ هل بالنظر الى ان بعضهم متزوج من أكثر من زوجة مثلا وكل منها لها عدة أولاد؟ وهكذا كما نرى لئن استطاع المتجادلون حول الـ 40 مليون دينار حسم جدلهم في كيفية توزيع المبلغ على نحو أسرع من نواب الدورة السابقة حول «بونس المائة دينار« وليسجل لهم أيضا شمول الدعم كلا القطاعين العام والخاص وفئات أخرى ليس من بينها العاطلون عن العمل، فإنهم تركوا سلسلة طويلة من التساؤلات الحائرة من دون إجابات حاسمة واضحة. وهذه الإجابات هي وحدها التي ستقرر من سيربح حقا الـ 40 مليون دينار.. هل هم المواطنون المستحقون حقا الدعم؟ أم تشاركهم في المبلغ وعلى حساب تقليص نصيبهم فيه فئات وشرائح لا تستحق الدعم البتة؟! وأيا كان الأمر يبقى في النهاية الرابح الأكبر للـ 40 مليون دينار هم التجار الجشعون الذين سيسارعون إلى اطلاق موجات جديدة من رفع الأسعار بمجرد تسلم «الغلابة« هذا المبلغ الضئيل الـ 50 دينارا.
 
صحيفة اخبار الخليج
10 فبراير 2008