المنشور

عن سهيل إدريس و”الآداب‮”

رحيل مؤسسها ورئيس تحريرها الأديب والروائي‮ ‬اللبناني‮ ‬سهيل إدريس‮ ‬يُحيلنا إلى تذكر مجلة‮ “‬الآداب‮” – ‬هذه الدورية العريقة،‮ ‬لأن الحديث عن سهيل إدريس لا‮ ‬يستقيم من دون الحديث عن‮ “‬الآداب‮” ‬المجلة،‮ ‬وعن‮ “‬الآداب‮” – ‬دار النشر‮.‬ ورغم أن سهيل إدريس في‮ ‬الأصل روائي‮ ‬وكاتب،‮ ‬قبل أن‮ ‬يكون ناشرا ورئيسا لتحرير‮ “‬الآداب‮”‬،‮ ‬لكن‮ ‬يمكن القول إن‮ “‬الآداب‮” ‬المجلة هي‮ ‬مُنجزه الرئيسي،‮ ‬بالنظر إلى الدور الذي‮ ‬لعبته في‮ ‬الحياة الثقافية والإبداعية والفكرية العربية‮.‬ كان النشر في‮ “‬الآداب‮” ‬حلم كل المبدعين العرب،‮ ‬من شعراء وقصاصين وروائيين ونُقاد،‮ ‬ولو سألت الكثير منهم عن المنبر الثقافي‮ ‬الذي‮ ‬أطلقهم عربياً،‮ ‬خارج حدود أقطارهم،‮ ‬لقالوا من دون تردد‮: ‬إنها مجلة‮ “‬الآداب‮”. ‬بل إن‮ “‬الموضات‮” ‬والمدارس الفلسفية والأدبية على أنواعها التي‮ ‬كانت تهب تيارات ريحها على عالمنا العربي،‮ ‬عن طريق الترجمة والمثاقفة،‮ ‬وجدت في‮ “‬الآداب”‬،‮ ‬مجلةً‮ ‬وداراً‮ ‬للنشر جسراً‮ ‬لها‮.‬ لن‮ ‬يمكن كتابة تاريخ الحداثة الأدبية والفكرية العربية من دون الوقوف ملياً‮ ‬أمام الدور‮ “‬التثويري‮” ‬الذي‮ ‬لعبته هذه المجلة،‮ ‬وهي‮ ‬تكسر الكثير من‮ “‬التابوهات” التي‮ ‬كان مجرد الاقتراب منها،‮ ‬لا لمسها،‮ ‬كفيلاً‮ ‬بأن‮ ‬يصعق من‮ ‬يقوم بتلك المغامرة‮.‬ سهيل إدريس،‮ ‬عبر‮ “الآداب” ‬تحديداً،‮ ‬أحد الذين جازفوا بهذه المهمة،‮ ‬ويمكن القول،‮ ‬بيقين،‮ ‬أنهم كسبوا الرهان،‮ ‬هو الذي‮ ‬خالطته أهواء شتى،‮ ‬وهو‮ ‬ينشر ما‮ ‬ينشر من كتب،‮ ‬ولكن بروح الرجل الحر من الأثقال والكوابح التي‮ ‬تعيق الانطلاق إلى الأمام،‮ ‬وتشد إلى الوراء‮.  ‬منذ سنوات صار إدريس،‮ ‬وابنه سماح،‮ ‬يشكوان من عجز مالي‮ ‬يهدد‮ “‬الآداب” ‬بالتوقف عن الصدور،‮ ‬ودعا إلى حملة إنقاذ مالي‮ ‬لها،‮ ‬لكي‮ ‬لا‮ ‬تموت‮ ‬واحدةٌ‮ ‬من أعرق دورياتنا الثقافية‮. ‬ما زلت أذكر أني‮ ‬كتبت في‮ ‬حينها مقالا قلت فيه أن مشكلة‮ “‬الآداب‮” ‬ليست مشكلة مالية‮.‬ إنها تنتسب إلى زمن آخر انقضى ولن‮ ‬يعود،‮ ‬وتعود إلى بيئة ثقافية حاضنة شكلتها بيروت الخمسينات والستينات،‮ ‬وهذه البيئة الأخرى ولت ولن تعود‮. ‬لقد فقدنا ذلك الزمن،‮ ‬وفقدنا بيروت التي‮ ‬أنتجت مجلات مثل‮ “‬الآداب‮” ‬و”الطريق‮” ‬وقبلهما‮ “‬الثقافة الوطنية‮”،‮ ‬وهو فقدان لا‮ ‬يعوض أبداً،‮ ‬لأن الظروف لم تعد هي‮ ‬الظروف‮. ‬لعل الراحل سهيل إدريس أمّن مِن المال ما‮ ‬يكفي‮ ‬لاستمرار صدور‮ “‬الآداب‮”،‮ ‬لكن أين هي‮ “‬الآداب‮” ‬اليوم في‮ ‬خريطة الحراك الثقافي‮ ‬والأدبي‮ ‬العربية؟ ‮ ‬ليس الرجال وحدهم من‮ ‬يموتون‮. ‬الدوريات هي‮ ‬الأخرى عرضة للمصير ذاته‮. ‬وكما في‮ ‬حال الرجال‮ ‬يبقى طيب الأعمال،‮ ‬فإن الدوريات التي‮ ‬صنعت،‮ ‬في‮ ‬زمنها،‮ ‬مجداً،‮ ‬تظل حاضرة بوصفها تاريخاً‮ ‬مشرفاً‮.‬ا‮ ‬
 
صحيفة الايام
27 فبراير 2008