المنشور

ســــــــــؤال‮ ‬يثير المواجـــــع‮.. !‬

أول وأهم ما‮ ‬يعنيه هذا الذي‮ ‬تكشف في‮ ‬شركة‮ “ألبا‮” ‬من تجاوزات وانحرافات جسيمة،‮ ‬في‮ ‬قضية تشكل برأينا واحدة من أكبر وأغرب واعقد قضايا الفساد في‮ ‬البحرين،‮ ‬هي‮ ‬أن قيمة الرقابة والمساءلة والحساب على مدى سنوات طويلة‮ ‬غيبت ولم تنل حظها الحقيقي‮ ‬في‮ ‬ساحة الأداء العام،‮ ‬إلى درجة خرج فيها البعض باعتقاد مؤداه أن كل مال عام صار مالاً‮ ‬سائباً‮ ‬يستطيع من واتته الفرصة أن‮ ‬يمارس في‮ ‬شأنه من أفعال وتصرفات وتجاوزات دون أن‮ ‬يفكر في‮ ‬حسيب أو رقيب أو فرملة أو سؤال،‮ ‬لذلك لم نسمع بأن من اعتدى على مال عام،‮ ‬أو انحرف،‮ ‬أو أفسد،‮ ‬أو أخطأ،‮ ‬أو تجاوز أو أهمل بقصد أو بغير قصد،‮ ‬مهما كان شأنه ومركزه ومقامه ونفوذه قد أخضع للحساب بأية صورة كانت‮.‬ ذلك خطأ جسيم فتح الباب على مصراعيه لكي‮ ‬يضرب الفساد بجذوره ليــــــس‮ “‬ألبا‮” ‬فقط،‮ ‬وإنما في‮ ‬شركات ومؤسسات ووزارات وأجهزة رسمية عديدة،‮ ‬دون أن نجد أحداً‮ ‬انشغل أو أبدى اهتماماً‮ ‬من أي‮ ‬نوع بضرب معاقل الفساد وملاحقة ومساءلة المفسدين وإصلاح حال الإدارة العامة والعمل العام،‮ ‬وهي‮ ‬العناوين التي‮ ‬كانت ولا تزال الأكثر جاذبية لدى المواطن الذي‮ ‬تحرقه لوعة اتساع مواقع الاهتراء والفساد والهدر أينما كانت‮.‬ واذا كان ثمة إحساس طاغ‮ ‬بأنه مهما انفتح ملف فساد هنا أو هناك أو هنالــــك،‮ – ‬ما أكثر الملفات الواجب فتحها‮ – ‬أو جرت محاولات ظرفية أو موسمية خجولة بفتح ملف صغير في‮ ‬هذه الشركة أو تلك الوزارة،‮ ‬فإن القدر المتيقن لنا بأن ذلك لا علاقة له بخطة رسمية شاملة لمواجهة قضايا الرشوة والفساد والعمولات والصفقات‮ ‬غير المشروعة،‮ ‬وإلا فما معنى أن تستمر مثل تلك التجاوزات الفادحة في‮ “‬ألبا‮” ‬على مدى ‮٥١ ‬أو ‮٧١ ‬سنة مضت،‮ ‬ولا تتحرك جهة رسمية أو طرف ما،‮ ‬لا من مجلس الإدارة السابق أو الأسبق،‮ ‬الذي‮ ‬لا نعرف حقيقة مدى الخطأ والصواب فيما‮ ‬ينسب إليه من تصرفات أو مسؤولية،‮ ‬ولا الرقابة الداخلية إن وجدت،‮ ‬ولا دور أي‮ ‬وزارة أو جهاز‮ ‬يفترض أن‮ ‬يكون معنياً‮ ‬بصورة مباشرة أو‮ ‬غير مباشرة برقابة ومتابعة أداء الشركات الحكومية ووضع اللوائح التنظيمية التي‮ ‬تضع قدر الإمكان حداً‮ ‬لمظاهر الانحراف الصارخة كتلك القضية المتداولة الآن بشأن‮ “ألبا‮”‬،‮ ‬رغم أنها ليست قضية الفساد المالي‮ ‬والإداري‮ ‬الوحيدة التي‮ ‬شهدتها هذه الشركة خلال العامين السابقين،‮ ‬إلى جانب تلك التي‮ ‬شهدتها شركات كبرى عديدة تابعة للحكومة،‮ ‬وكلها تصب في‮ ‬مجرى الفساد المالي‮ ‬والإداري‮ ‬والسرقات الكبرى،‮ ‬ناهيك عن تلك التي‮ ‬كشف عنها ديوان الرقابة المالية في‮ ‬تقاريره،‮ ‬والتي‮ ‬للأسف لازال‮ ‬ينظر لها أو‮ ‬يتم التعامل معها باعتبارها مجرد‮ “‬ملاحظات‮” ‬قيل بأنها ستخضع للمتابعة والدراسة والتقييم،‮ ‬دون أن نسمع بأن مسؤولاً‮ ‬ما حوسب على ما ثبت بحقه من وقائع،‮ ‬أو أن النيابة العامة كلفت بالتحقق مما ذكر من تجاوزات‮.‬ القضية الأخيرة لـ‮ “‬ألبا‮” ‬اللافت فيها أمور أربعة،‮ ‬الأمر الأول هو طبيعة أعمال التزوير والتحايل والطرق الملتوية والرشاوى التي‮ ‬دامت على مــــدى ‮٥١ ‬أو ‮٧١ ‬عاماً،‮ ‬والأمر الثاني‮ ‬هو حجم الرشاوى التي‮ ‬قدمت لطاقم الفساد فــي‮ “ألبا‮” ‬والسرقات التي‮ ‬تمت فيها والتي‮ ‬بلغت نحو ملياري‮ ‬دولار أن لم‮ ‬يكن أكثر،‮ ‬ولكم أن تتصوروا كم مشروعاً،‮ ‬وكم بيت إسكان،‮ ‬وكم مصنعاً‮ ‬وكم وظيفة‮ ‬يمكن أن‮ ‬يوفره ويؤسسه هذا المبلغ،‮ ‬أما الأمر الثالث فهو‮ ‬يتعلق بوزن المتورطين في‮ ‬هذه القضية،‮ ‬وهم قطعاً‮ ‬ليسوا مسؤولين من الدرجة الثالثة،‮ ‬أو حتى الثانية،‮ ‬بل أن ما كشف‮ ‬يشير إلى تورط مسؤولين كبار من العيار الثقيل جداً‮ ‬كانوا ممسكين في‮ ‬يوم من الأيام بمقاليد الأمور بالشركة‮.‬ أما الأمر الأخير فهو ذو دلالة،‮ ‬وهو إن صحيفة أمريكية هي‮ ‬التي‮ ‬كشفت عن لجوء‮ “‬ألبا‮” ‬إلى رفع دعوى لدى محكمة فيدرالية أمريكية ضد شركة‮ “آلكوا‮” ‬الأمريكية،‮ ‬أكبر شركة ألمونيوم في‮ ‬العالم،‮ ‬بتهمة الضلوع في‮ ‬مؤامرة طوال ‮٥١ ‬عاماً‮ ‬شملت المبالغة في‮ ‬الأسعار وأعمال تزوير وتقديم رشاوٍ‮ ‬إلى واحد أو أكثر من المسؤولين الكبار ممن كانوا معنيين بدفة إدارة شؤون‮ “‬ألبا‮”،‮ ‬واذا كانت الصورة محملة بتفاصيل كثيرة نأمل أن تتكشف في‮ ‬الأيام المقبلة،‮ ‬إلا أن كافة الأسئلة التي‮ ‬أثارتها هذه القضية لا ندري‮ ‬إلى متى تبقى معلقة بغير إجابة،‮ ‬فنحن لم نعرف على وجه التحديد لماذا لم تبادر‮ “‬ألبا‮” ‬أو شركة‮ “ممتلكات‮” ‬التابعة لها‮ “‬ألبا‮” ‬أو أي‮ ‬جهة مسؤولة،‮ ‬أو حتى النيابة العامة بإصدار بيان‮ ‬يوضح للرأي‮ ‬العام هنا في‮ ‬البحرين حقيقة هذا الذي‮ ‬جرى في‮ ‬واحدة من أكبر الشركات التي‮ ‬تشكل أحد أعمدة الاقتصاد البحريني،‮ ‬بيان‮ ‬يفرحنا حينما‮ ‬يعلن بأنه قد تم وضع اليد على ملف فساد جديد بالشركة له تشعبات ومنافع فاضت مالاً‮ ‬حراماً‮ ‬ولزمن طويل على قلة من أصحاب الباع والطول،‮ ‬وأن القضاء البحريني‮ ‬سيكون معنياً‮ ‬بهذا الملف على الأقل فيما‮ ‬يخص الأطراف البحرينية المتورطة،‮ ‬بيان‮ ‬يفرحنا أكثر حينما تؤكد لنا هذه الجهة المسؤولة أو تلك بأن زمن حماية أو تحصين المرتكبين والمتجاوزين والفاسدين قد انتهى،‮ ‬وسيكون أياً‮ ‬كان ومهما كان تحت طائلة المساءلة والمجاهرة والملاحقة،‮ ‬بيان‮ ‬يؤكد للجميع بأن ثمة قناعة باتت الآن راسخة،‮ ‬قناعة تؤكد وتفعل توجهاً‮ ‬يرى بأن مكافحة الفساد هو البوابة الأهم للإصلاح،‮ ‬وبأن ذلك أحد مرتكزات الرؤية والاستراتيجية الاقتصادية التي‮ ‬يضعها مجلس التنمية الاقتصادية‮.‬ في‮ ‬كل الأحوال سيبقى سؤال مهم‮: ‬هل‮ ‬يحق لنا كمواطنين أن نفرط في‮ ‬التفاؤل ونرفع سقف توقعاتنا ليس حيال قضية فســاد‮ “‬ألبا‮” ‬وإنما كل القضايا المماثلة إلى المستوى الذي‮ ‬نظن‮ – ‬رغم أن بعض الظن إثم‮ – ‬بأن الرؤوس الكبيرة والدروع الواقية المتورطة في‮ ‬هذه القضية لن تكون في‮ ‬ظل المشروع الإصلاحي‮ ‬محصنة ضد أي‮ ‬مساءلة أو عقاب،‮ ‬بل سيتم وبكل جرأة وشفافية تحريك النيابة العامة هنا في‮ ‬البحرين وليس في‮ ‬أمريكا ضد الفاسدين في‮ ‬قضية‮ “‬ألبا” ‬وحيال‮ ‬غيرها من القضايا؟‮!‬ سؤال لا نملك إجابة عليه،‮ ‬ولكن أقل ما‮ ‬يمكن أن‮ ‬يقال عنه بأنه‮ ‬يثير فينا المواجع‮..! ‬

صحيفة الايام
7 مارس 2008