المنشور

العملات الخليجية‮ ‬والدولار‮.. ‬رسُّونَا على بر‮!‬

من‮ ‬يتابع تصريحات وزراء المال والاقتصاد ومحافظي‮ ‬المصارف المركزية في‮ ‬بلدان مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي‮ ‬تطالعنا بها الصحافة من حين لآخر،‮ ‬توازيًا مع احتدام الجدل بشأن جدوى استمرار ارتباط العملات الخليجية،‮ ‬فيما عدا الدينار الكويتي،‮ ‬بالدولار الأمريكي،‮ ‬في‮ ‬ظل انهيار العملة الأمريكية،‮ ‬لابد وأن تتملكه الحيرة من اضطراب وعدم تناسق هذه التصريحات‮.‬ حتى أن هذا التضارب في‮ ‬التصريحات راح‮ ‬ينسحب على الوزراء أنفسهم الذين‮ ‬يصرّحون بالشيء وبضده في‮ ‬آنٍ‮ ‬معًا مع اختلاف بسيط في‮ ‬الفارق الزمني‮ ‬بين التصريحين‮. ‬إذ في‮ ‬حين‮ ‬يثير أحد التصريحين الانطباع بوجود توجه لإعادة النظر في‮ ‬الارتباط بالدولار،‮ ‬فإن التصريح التالي‮ ‬لا‮ ‬يترك مجالاً‮ ‬للتأويل بشأن استمرار عملية الربط بالدولار‮.‬ حتى أصبح موضوع ارتباط العملات الخليجية بالدولار الأمريكي،‮ ‬مادة دسمة لتأويلات وتكهنات الصحافة والمحللين الاقتصاديين والماليين والمشتغلين في‮ ‬الحقل الاقتصادي‮ ‬العالمي‮.‬ فمن قائل بأن دول مجلس التعاون مقدمة لا محالة على إعادة النظر في‮ ‬سعر الصرف الثابت الذي‮ ‬يربط عملاتها بالدولار الأمريكي،‮ ‬بما‮ ‬يشمل ذلك فك الارتباط كليًّا بالعملة الأمريكية،‮ ‬ومن قائل إن التفكير‮ ‬يتجه لتقليص حصة العلاقة بين هذه العملات والعملة الأمريكية بتوزيع سعر صرف الربط على أكثر من عملة عالمية بينها الدولار‮ .. ‬وهكذا‮.‬ وكما هو معلوم فإن مثل هذه التكهنات تغذي‮ ‬الشائعات التي‮ ‬يطلقها المضاربون في‮ ‬أسواق القطع الأجنبي‮ ‬عن عمد للاستفـادة مـن فروقـات السـوق الصاعـد‭ ‬BULL MARKET‭ ‬والســــوق المتراجع‮ ‬‭(‬PIG MARKET‭)‬،‮ ‬ما‮ ‬يؤدي‮ ‬إلى تعريض العملة محل المضاربة إلى التقلبات السعرية‮ ‬غير المستقرة،‮ ‬وهو ما ليس في‮ ‬صالح الاقتصاد على صعيديه الكلي‮ ‬والجزئي‮.‬ ولذلك لابد من الشفافية والوضوح في‮ ‬هذا المجال من جانب السلطات النقدية الخليجية‮.‬ فهنالك ظرف‮ ‬غير طبيعي‮ ‬يتعرض له الدولار الأمريكي،‮ ‬وهو ليس ظرفًا طارِئًا كما تدلّل على ذلك الوقائع وكما تعكسها تقارير وتصريحات بعض مراكز الأبحاث والأكاديميات والاقتصاديين الأمريكيين،‮ ‬وانما هو حالة اختلال هيكلي‮ ‬في‮ ‬الاقتصاد الأمريكي‮ ‬سوف تحتاج لبعض الوقت‮ (‬بضع سنوات كما تقدر ذلك بعض الأوساط الأمريكية‮) ‬لإصلاحه أعطالها‮.‬ وقد رأينا كيف ارتفعت أسعار عملات دول التعاون في‮ ‬المعاملات الآجلة تحت تأثير رهانات المستثمرين والمضاربين على ان ضعف الدولار والمخاوف من دخول الاقتصاد الأمريكي‮ ‬في‮ ‬حالة ركود ستدفع دول التعاون إلى تغيير سياسة ربط عملاتها بالدولار،‮ ‬فذهبت توقعات هؤلاء إلى ان الدرهم الإماراتي‮ ‬والريال القطري‮ ‬سيرتفعان بنسبة‮ ‬3‭,‬3٪‮ ‬و‮ ‬7‭,‬4٪‮ ‬على التوالي‮ ‬خلال هذا العام واستقرار سعر صرف الريال السعودي‮ ‬في‮ ‬التعاملات الفورية عند أعلى مستوياته في‮ ‬ثلاثة أشهر وهو‮ ‬63‭,‬3‮ ‬ريال للدولار‮.‬ وهذه هي‮ ‬النتيجة على أية حال‮. ‬تقول الاقتصادية في‮ ‘‬دويتشة بنك‮’ ‬كارولين جرادي‮ ‘‬إن انخفاض الدولار بدرجة أكبر من شأنه زيادة الضغوط التضخمية في‮ ‬دول مجلس التعاون وإلقاء الضوء على عدم ملاءمة السياسة النقدية التي‮ ‬تقودها الولايات المتحدة‮’. ‬حيث وصل التضخم في‮ ‬دول التعاون إلى مستويات‮ ‬غير مسبوقة منذ‮ ‬27‮ ‬عاما،‮ ‬إذ بلغ‮ ‬7٪‮ ‬في‮ ‬السعودية و74‭,‬3٪‮ ‬في‮ ‬قطر‮.‬ هذه التطورات التي‮ ‬رفعت من سقف الاجتهادات بأن تعمد دول التعاون إلى إضفاء الطابع الرسمي‮ ‬على هذا الارتفاع لأسعار صرف عملاتها مـع الدولار‮ (‬تصحيحًا للمعادلة السعرية التي‮ ‬تؤكّد أن العملات الخليجية مقومة بأقل من قيمتها بما‮ ‬يتراوح بين‮ ‬20‮ – ‬30٪‮) ‬لاحتواء التضخم الجارف،‮ ‬هي‮ ‬التي‮ ‬دفعت أوساط القطاع المالي‮ ‬للاعتقاد بأن دول التعاون التي‮ ‬تسعى للحصول على تمويل هذا العام قد تحجم عن الاقتراض بالدولار الأمريكي‮ ‬لتجنب تكاليف الاقتراض الإضافية في‮ ‬حال رفعت حكوماتها قيمة عملاتها‮.‬ ومع ذلك،‮ ‬ورغم تزايد الضغوط التضخمية التي‮ ‬اضطرت على سبيل المثال قطر للتدخل وفرض ضوابط‮ ‬‭(‬REGULATIONS‭)‬‮ ‬على أسعار العقار،‮ ‬ورغم توصيات عديد الخبراء ومؤسسات المال الدولية مثل ألن جرينسبان رئيس مجلس الاحتياطي‮ ‬الفدرالي‮ ‬الأمريكي‮ ‬ومجموعة ميريل لينتش المالية،‮ ‬الا ان الوضع لازال على ما هو عليه،‮ ‬ولازال نزف التضخم‮ ‬يفعل فعله في‮ ‬الاقتصادات الخليجية‮. ‬حتى خيار رفع قيمة العملات‮ ‬APPRECIATION‭ ‬مقابل الدولار،‮ ‬إذا لم‮ ‬يكن بالإمكان فك الارتباط به،‮ ‬لازال قيد التداول الإعلامي‮ ‬وحسب‮.‬
 
صحيفة الوطن
6 ابريل 2008