المنشور

حكايات من تاريخنا (61)

* الإسكندرية ونشأة السينما المصرية مهداة إلى الصديق الإسكندري حسني محمد حسن لئن كان واحدا من أهم المؤثرات الموضوعية التي لعبت دورا محوريا في تشكيل وتكوين شخصية المخرج المصري الراحل صلاح ابوسيف احد رواد المدرسة الواقعية الاشتراكية هو نشأته في حي «بولاق ابوالعلا« الشعبي الفقير ونقمته على الفقر باعتباره ليس قدرا مفروضا على الفقراء بقدر ما هو مفروض عليهم من قبل سطوة وجبروت اصحاب السلطة والجاه والأموال على اختلاف شرائحهم ومهنهم ومراكزهم، فان من اهم المؤثرات الموضوعية التي ساهمت في تكوين شخصية وثقافة المخرج المصري الكبير يوسف شاهين الذي رحل عن عالمنا قبل ايام هو مولده ونشأته في بيئة الاسكندرية المعروفة بطابعها الكوزموبوليتاني التعددي دينيا وثقافيا وقوميا وذلك لوجود جاليات اوروبية عديدة في هذه المدينة الثغر البحري والملقبة بـ «عروس البحر المتوسط«، هذه البيئة الكوزموبوليتانية الموضوعية كان لها أثر واضح في النزعة المتسامحة التي امتازت بها شخصية شاهين مصقولة بثقافته الانسانية السياسية التي اكتسبها. بهذا المعنى فإن مصر إذ يحق لها الافتخار بأنها احتضنت نشأة السينما العربية وبداياتها الأولى بعد وقت قصير جدا من نشأة السينما العالمية فان مدينة الاسكندرية ثاني المدن المصرية يحق لها الافتخار بأنها البوابة الحقيقية التي دخلت منها السينما العالمية الى مصر ومنها استطاعت ان تشكل هويتها الوطنية والقومية المميزة في أطلس السينما العالمية. وإذ اتفق المؤرخون السينمائيون ان أول عرض سينمائي في العالم جرى في باريس بمقهى «جران كافيه« في 28 ديسمبر من عام 1895 واعتبر هذا اليوم هو العيد القومي للسينما الفرنسية، كما هو في ذات الوقت عيد السينما العالمية، فان النقاد والمؤرخين المصريين اختلفوا حول ثلاثة تواريخ لبداية السينما المصرية وذلك على النحو التالي: – هل هو يوم 5 نوفمبر من عام 1896 والذي جرى فيه أول عرض سينمائي في مصر؟ وكما نرى فان هذا التاريخ جاء بعد أقل من عام من نشأة السينما العالمية. – أم هو يوم 10 مارس من عام 1897؟ وذلك حينما صوّر المصور السينمائي برومو ميدان الاسكندرية في أول صورة سينمائية نادرة. – أم هو يوم 20 يونيو من عام 1907؟ وهو نفس اليوم الذي شهد عرض فيلم تسجيلي لزيارة الخديو عباس حلمي الثاني لواحد من أشهر مساجد مصر «المرسي أبوالعباس«. مهما يكن فمن الثابت ان اليوم الأول الآنف الذكر المصادف تحديدا مساء يوم الخميس الخامس من نوفمبر من عام 1896 هو اليوم الذي شهد أول عرض سينمائي في مصر بمدينة الاسكندرية وذلك باحدى صالات بورصة طوسون باشا في نفس المبنى الذي يشغله الآن مركز الاسكندرية للإبداع في طريق الحرية، وإن كان بعض النقاد السينمائيين يرون ان تاريخ 28 نوفمبر من عام 1896 المصادف لمساء يوم السبت هو الذي شهد اول بدايات نشأة السينما المصرية وحيث جرى هذا العرض تحديدا في صالة حمام شنايدر بجانب دائرة البرنس حليم باشا بقلب القاهرة. وايا كان الامر من تواريخ الاحداث المهمة في نشأة وتطور السينما المصرية التي شهدتها لاحقا العاصمة القاهرة فانه يمكن القول ان الاسكندرية هي البوابة الأولى التي دخلت منها أول شعلة من السينما العالمية إلى مصر، وهي ذات المدينة التي أنشئت فيها أول صالة عرض سينمائي باسم «سينما توجراف لوميير«، وذلك عام 1897، وهي ذات المدينة أيضا التي شهدت تأسيس اول شركة انتاج سينمائي عام .1917 وهي، الاسكندرية، ذات المدينة التي صدرت منها أول مجلة سينمائية متخصصة، وأول مؤسسة مختصة بصناعة السينما، وهي المدينة التي ظهر منها العديد من السينمائيين من منتجين ومخرجين وممثلين اثروا السينما المصرية والعالمية. وما كان للإسكندرية ان تتبوأ هذا الدور الريادي في نشأة وتطور السينما المصرية لولا طابعها الكوزموبوليتاني حيث ان جميع من كان لهم شرف هذه الريادة التأسيسية لم يكونوا مصريين أمثال الفيزي اورفانيللي، وامبرتو دوريس، وتوجو مزراحي، ودافيد كورنيل، وجوليو دي لوكا، وبرونو سالفي وبريمافيرا. اما ابرز السينمائيين المصريين الذين برزوا من هذه المدينة بعد اولئك الرواد الاجانب فمنهم عبدالحليم نصر، ومحمود خليل راشد، ومحمد بيومي، الذي قدم أول فيلم مصري باسم «برسوم يبحث عن وظيفة« عام 1923، وكان له دور كبير في انشاء شركة مصر للتمثيل بالتعاون مع طلعت حرب، وكذلك انشاء اول معهد سينمائي بالمدينة ذاتها. وبالاضافة الى بيومي هنالك المخرج المعروف محمد كريم، ومحمد خليل راشد، وتوجو مزراحي، وابراهيم لوما، وعمر جميعي، وعبدالحليم نصر، وتوفيق صالح، وشادي عبدالسلام، وأسماء البكري، واكرم حجار، وعاطف شكري، ورايموند، وروبرت حكيم، وريكاردو فريدا، وابراهيم موسى، وشيرين الخادم. اما من الممثلين فأبرزهم جورج ابيض، وفوزي الجزايرلي، وعمر الشريف، وحسن فايق، وزينات صدقي، واستيفاني روستي، وفاطمة رشدي. واذا كان هؤلاء الممثلون جميعهم قد انحدروا من ثقافات وديانات مختلفة جمعتهم السمة التعددية لهذه المدينة المصرية الكوزموبوليتانية فإن من هذه المدينة تحديدا دخلت السينما المصرية منيرة المهدية اول ممثلة مصرية مسلمة ولدت في الاسكندرية. واخيرا ففي هذه المدينة ولد ونشأ وترعرع فيها عبقري السينما المصرية والعربية المخرج العالمي يوسف شاهين والذي رحل عن دنيانا قبل أيام، وهي المدينة ذاتها التي استطاع ان يكرمها ويروي من خلالها سيرته سينمائيا في روائعه الخالدة «حدوتة مصرية« و«اسكندرية ليه« و«اسكندرية كمان وكمان« و«اسكندرية / نيويورك«. * * * 
 
صحيفة اخبار الخليج
31 يوليو 2008