المنشور

حكايات من تاريخنا

رجالات دولة الاستقلال

إذا كان يحق للبحرين أن تعتز بأنها واحدة من الدول العربية القليلة التي تمتلك جهازا إداريا عاما عريقا هو من أقدم مؤسسات القطاع العام الإدارية، كما ذكرت قبل أيام في سياق موضوع آخر، حيث ترجع جذور وبدايات التنظيم الإداري الحالي إلى عشرينيات القرن الماضي، والذي بناء على ما راكمه هذا الجهاز من خبرة إدارية طوال نحو نصف قرن تم بسهولة بناء جهاز الدولة المدنية الحديث غداة الاستقلال الوطني عام 1971، فإنه لذات الأسباب يحق لقيادة البحرين أيضا الافتخار بأنها تمكنت ووفقت في اختيار مجموعة من أفضل كفاءات البلاد الرجالية لقيادة مؤسسات القطاع العام الإدارية (الوزارات) غداة إنجاز الاستقلال الوطني عام 1971، منذ التشكيلة الوزارية الأولى لدولة الاستقلال، وهي التشكيلة التي تمت بالتنسيق التام والتعاون بين سمو أمير دولة البحرين المغفور له الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة وصاحب السمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الذي كان يتمتع بثقة كبيرة لا حدود لها من قبل شقيقه أمير الدولة الراحل، كما كان بمثابة العمود الفقري الذي يعتمد عليه سمو الأمير الراحل في بناء الدولة الحديثة وكل ما يتعلق بها من استشارات وقرارات ومشاريع في قضايا البناء ومواجهة الإشكالات والمعوقات الطارئة التي تواجه وتعترض المسيرة التنموية لهذه الدولة العربية الخليجية الصغيرة الفتية المستقلة. ولعل يكفينا في هذا الصدد أن نشير، على سبيل المثال لا الحصر، إلى عدد من تلك الأسماء البارزة التي يشهد لها بالكفاءة الإدارية المتميزة لدى توليها بعض وزارات الدولة في التشكيلات الوزارية الأولى أمثال كل من الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة وزير الخارجية، والدكتور علي فخرو وزير الصحة ثم التربية والتعليم، ويوسف الشيراوي وزير التنمية والصناعة، والشيخ عيسى بن محمد آل خليفة وزير العدل ثم «العــمل«، والشــيخ خالد بـن عبد الله آل خليفة وزير الإسكان، وطارق المؤيد وزير الإعلام، وجواد العريض وزير العمل ثم «الصحة« ثم شئون مجلس الوزراء، والشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة وزير العدل والشئون الإسلامية، وماجد جواد الجشي وزير الكهرباء والماء، وإبراهيم عبدالكريم وزير المالية، وقبله محمود العلوي الذي تولى نفس الوزارة ،وحبيب قاسم وزير التجارة والزراعة ، وغيرهم من الكفاءات الإدارية العليا الأخرى ممن لا تحضرنا الآن أسماؤهم ونعتذر لعدم إسعافنا الذاكرة بتذكرها. مثل هذه القيادات الإدارية العليا التي تولت وزارات الدولة لفترة من الزمن كان مشهودا لها بالكفاءة الإدارية في إدارة وقيادة الوزارات التي تولتها، وبصرف النظر عما رافق أو شاب فترات توليها تلك الوزارات من أخطاء أو سلبيات، كبرت أم صغرت، فقد شهد لها القاصي والداني بتلك الكفاءة على المستويين الرسمي والشعبي داخل البحرين وخارجها، ولاسيما أنها تولت تلك الحقائب الوزارية في بدايات دولة الاستقلال الوطني الفتية. ومازال الكثير اليوم بالذات من موظفي الدولة وفئات الشعب يبدون الحسرة لغياب مثل تلك الكفاءات الوزارية، وبخاصة في المواقع والمؤسسات الوزارية التي يبدو بعض الوزراء «الجدد« عاجزين عن إدارتها حيث يتبين بوضوح الفراغ الكبير الذي تركته تلك الكفاءات الوزارية السابقة بعد خروجها من تلك المواقع. ونشير هنا على سبيل المثال لا الحصر إلى وزارات الكهرباء والماء والعمل والشئون الاجتماعية والصحة والتربية والتعليم. وقد ازداد الشعور بفراغ هذه الكفاءات والحنين إلى من يملأ هذا الفراغ بكفاءات مماثلة في هذة الوزارات خلال السنوات الأخيرة ولاسيما في بعض الوزارات التي شهدت ومازالت تشهد مشاكل إدارية عويصة أو غير اعتيادية بات يواجهها وزراء جدد نرجو من الله سبحانه وتعالى أن يعينهم في القدرة على تجاوزها في ظل استمرارها حتى مع تكرر التغيير الوزاري في سنوات الألفية الجديدة. ولم يكن جل وزراء دولة الاستقلال الأوائل، رغم شبابيتهم، يتميزون فقط بالكفاءة الإدارية داخل وزاراتهم التي يشهد لها اليوم القاصي والداني، بل وبالكفاءة على مستوى خوض أصعب الحوارات الساخنة الحامية الوطيس في برلمان 73 الذي عرف بمعارضته السياسية القوية من مختلف التيارات السياسية حينذاك من يسارية وقومية وإسلامية وليبرالية، وهي معارضة متشددة لا تقارن البتة بمعارضة اليوم وفي برلمان لا يقارن أيضا ببرلمان اليوم بسلطاته وصلاحياته الواسعة. فقد كان وزراء دولة الاستقلال الذين عينهم سمو أمير الدولة الراحل بالتعاون والتنسيق مع شقيقه سمو رئيس الوزراء بمثابة محامين كبار محنكين لا يشق لهم غبار في الدفاع عن سياسات وزاراتهم وسياسات الدولة عامة حيث خاضوا أعنف المعارك وقدموا أفضل المرافعات في مواجهاتهم لهجوم المعارضة وحملاتها الشديدة على سياسات الحكومة داخل برلمان 73 بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع تلك السياسات. وللتدليل على ذلك ما عليك إلا أن تقارن ضعف كفاءات بعض وزراء اليوم ليس في إدارة وزاراتهم فحسب، بل وفيما تتسم به مرافعاتهم ودفاعاتهم عن سياسات وخطط وزاراتهم وسياسات الدولة داخل البرلمان الحالي من ارتباك وتخبط واضحين، رغم أن هذه «المرافعات« تتم في برلمان ليس كبرلمان 73، وأمام نواب أو معارضة ليسوا كنواب ومعارضة برلمان أيام زمان. فسبحان مغير الأحوال.. فأنظر معي أين كنا وأين أصبحنا؟
 
صحيفة اخبار الخليج
21 اغسطس 2008