المنشور

شخصيات خطرة‮ ‬يراد لها أن تواصل حكم أمريكا

تستحق إدارة بوش الحالية لقب الإدارة الأكثر مغامرة ومقامرة في‮ ‬تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية بامتياز‮.‬
وإذا كانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة لم تنقصها أبداً‮ ‬روح المغامرة،‮ ‬حيث‮ ‬يندر أن نجد واحدة منها خلت من ركوب مغامرة عسكرية هنا وتفجير فتيل حرب هناك،‮ ‬فإن الإدارة الحالية تفوقت على جميع سابقاتها بشمولية نزعتها المغامرة لتشمل ميدان الاقتصاد إلى جانب الميدان السياسي‮ ‬،‮ ‬خصوصاً‮ ‬في‮ ‬الشق المتصل بالعلاقات الدولية‮.‬
فقد ورطت العالم بمجمله في‮ ‬حرب لا ناقة له فيها ولا جمل‮ ‬،‮ ‬أسمتها الحرب الممتدة على الإرهاب‮ ‬،‮ ‬بدأت بأفغانستان ثم العراق،‮ ‬ولو توفر لها الوقت الكافي‮ ‬لكانت باكستان لحقت بالقائمة،‮ ‬مع أن الولايات المتحدة نفسها،‮ ‬بإداراتها الجمهورية والديمقراطية المتعاقبة،‮ ‬هي‮ ‬من كانت رعت هذه المجاميع ونعتتهم بالمقاتلين من أجل الحرية‮.‬
اليوم وهذه الإدارة إذ تشارف على مغادرة البيت الأبيض لم تشأ أن تودع العالم دون إغراقه في‮ ‬ورطة أعظم وأكثر جللاً‮ ‬وهي‮ ‬الأزمة المالية‮ (‬تحولت إلى أزمة اقتصادية بعد أن انتقلت من النظام المالي‮ ‬ومن بعده النظام المصرفي‮ ‬إلى الاقتصاد الحقيقي‮) ‬التي‮ ‬تعصف بالعالم منذ سبتمبر الماضي‮ (‬ويبدو أن شهر سبتمبر هو شهر شؤم للولايات المتحدة‮) ‬،‮ ‬والتي‮ ‬خلفت وراءها أضراراً‮ ‬فادحة سوف تظهر آثارها قريباً‮ ‬جداً‮ ‬على الاقتصادات العالمية‮ ‬،‮ ‬لاسيما اقتصادات البلدان النامية‮.‬
والغريب أن هذه المجموعة المتطرفة التي‮ ‬جلبت للعالم بمغامراتها ومقامراتها كل هذا الخراب لا‮ ‬يبدو أنها في‮ ‬وارد الكسوف والانزواء والتواري‮ ‬خجلاً‮ ‬مما اقترفته من أفعال بالغة الضرر على أمريكا نفسها وعلى العالم بأسره‮ ‬،‮ ‬بل إن العكس هو ما تفعله هذه المجموعة بإصرار وعناد عجيبين،‮ ‬وذلك برسم نوعية الشخصين اللذين اختارتهما لوراثة عهدها بعد الفوز في‮ ‬انتخابات الرئاسة التي‮ ‬ستُجرى في‮ ‬الرابع من نوفمبر المقبل‮ ‬،‮ ‬فمرشحها لمنصب الرئيس لم‮ ‘‬يكلف نفسه‮’ ‬من فرط اعتداده بنفسه وغروره حتى النظر لمنافسه مرشح الحزب الديمقراطي‮ ‬باراك أوباما طوال وقت المناظرة الأولى،‮ ‬ناهيك عن الأنباء التي‮ ‬ظهرت واختفت فجأة عن ارتكابه جرائم حرب أثناء مشاركته في‮ ‬الحرب الاستعمارية الأمريكية ضد فيتنام‮.‬
ليس هذا وحسب،‮ ‬بل إن مرشحة الحزب الجمهوري‮ ‬لمنصب نائب الرئيس سارة بيلين،‮ ‬متورطة،‮ ‬حسبما كشف تقرير لجنة تحقيق برلمانية ضمت ممثلين عن الحزبين الجمهوري‮ ‬والديمقراطي‮ – ‬غالبيتهم من حزبها الجمهوري‮ -‬،‮ ‬في‮ ‬قضية استغلال منصبها ونفوذها كحاكم لولاية الاسكا في‮ ‬إقالة زوج شقيقتها من وظيفته الحكومية إثر تطليقه لها،‮ ‬بل وإقالتها لمسؤول هذا الزوج المغضوب عليه فقط لأنه اعترض على قرار إقالة مرؤوسه من العمل‮.‬
إذا كان هذا ما فعلته بيلين وهي‮ ‬بعد حاكمة لولاية واحدة فقط،‮ ‬فما الذي‮ ‬ستفعله عندما تصبح نائبة رئيس للولايات الخمسين الأمريكية؟
هي‮ ‬شخصية مغمورة لا تمتلك أية خبرة في‮ ‬السياسة والعلاقات الدولية ودهاليزهما،‮ ‬فقد جيء بها من ولاية نفطية‮ – ‬مع أهمية الإسقاط على الشخصيات الحالية التي‮ ‬تحكم البيت الأبيض وعلاقاتها بالشركات النفطية الكبرى،‮ ‬من الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني‮ ‬ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس‮ – ‬لتأدية دور المُحْدِث للفارق في‮ ‬ميزان القوى مع مرشحي‮ ‬الحزب الديمقراطي‮ ‬باراك أوباما وجو بايدن،‮ ‬تماماً‮ ‬كما جيء بالرئيس الحالي‮ ‬جورج بوش لتأدية دور‮ ‘‬رئيس مَنْظَر‮’ ‬فيما‮ ‬يتولى دفة تسيير أمور الحكم عملياً‮ ‬الرجل الشبح‮ – ‬نائب الرئيس ديك تشيني‮ – ‬،‮ ‬ومجموعة النخبة التي‮ ‬توافقت على الصفقة في‮ ‬مزرعة آل بوش بولاية تكساس في‮ ‬انتخابات الفترة الرئاسية الأولى للرئيس الحالي‮.‬
ومن الواضح أن هذه المجموعة لا تريد التفريط في‮ ‬السلطة‮ ‬،‮ ‬وإنما محاولة التمسك بها بأي‮ ‬ثمن،‮ ‬حتى وإن تطلب الأمر استخدام أساليب لا أخلاقية كما فعلت بيلين حين أتهمت أوباما بإقامة علاقات مع بعض الجماعات الإرهابية‮ – ‬تقصد ناشط‮ ‬يساري‮ ‬أمريكي‮ ‬متطرف‮- ‬،‮ ‬وكما فعل القائمون على الحملة الانتخابية للمرشحين الجمهوريين بوضع أسم باراك أسامة بدلاً‮ ‬من باراك أوباما على البطاقات الانتخابية‮.‬
فليس أمامهم فرصة لجسر الفجوة في‮ ‬استطلاعات الرأي‮ ‬بين مرشحيهما ومرشحي‮ ‬الحزب الديمقراطي‮ (‬10٪‮ ‬قبل ثلاثة أسابيع من موعد إجراء الانتخابات‮)‬،‮ ‬سوى نبش المزيد من‮ ‘‬الأسرار‮’ ‬الخاصة لباراك أوباما،‮ ‬وحتى فبركتها إن تطلب الأمر‮.‬
ومن‮ ‬غير المستبعد أن تقوم المجموعة الحاكمة بمفاجآت‮ ‘‬تلفزيونية‮’ ‬مثيرة على شاكلة الاتفاق المثير الذي‮ ‬أبرمته مع كوريا الشمالية في‮ ‬الأيام القليلة الماضية والذي‮ ‬خرجت على إثره ماكنة الإدارة الإعلامية لتعلن للأمريكيين أنها حصلت على كل ما تريده من كوريا الشمالية فيما‮ ‬يتعلق ببرنامجها النووي،‮ ‬بينما الواقع‮ ‬يشير إلى أن كوريا الشمالية هي‮ ‬التي‮ ‬حصلت على المقابل الذي‮ ‬طلبته من واشنطن لقاء إعادة هيكلة برنامجها النووي‮ ‬وتحويله إلى برنامج للاستخدام السلمي‮ ‬للطاقة النووية‮.‬
على أية حال،‮ ‬الأصل في‮ ‬كل ما تقدم أن تقديم الحزب الجمهوري‮ ‬الحاكم لشخصيتين إشكاليتين وغير مقنعتين كمرشحتين لانتخابات الرئاسة المقبلة،‮ ‬إن دل على شيء فإنما‮ ‬يدل على ضيق الخيارات المتاحة أمام الجمهوريين بالنسبة لشخصيات فذة ذات ثقل‮ ‬يعتد بها،‮ ‬نتيجة،‮ ‬على ما‮ ‬يبدو،‮ ‬لتساقط وانزواء العديد من قيادات الحزب التي‮ ‬تصدرت واجهته في‮ ‬الحقبة‮ ‘‬البوشية‮’ ‬بعد تشكف خطل أفكارها المتطرفة وعقم مخططاتها ومغامراتها التي‮ ‬أغرقت البلاد الأمريكية في‮ ‬أوحال مستنقعات متحركة‮.‬
 
صحيفة الوطن
25 اكتوبر 2008