المنشور

تغير الشكل وظل الجوهر

منذ عامين أو ثلاثة،‮ ‬طرح احد المواقع على شبكة الانترنت سلسلة من الأسئلة داعياً‮ ‬المشاركين فيه وزواره لإبداء وجهة نظرهم حولها‮.‬ من تلك الأسئلة‮: ‬ما هي‮ ‬التحولات التي‮ ‬طرأت على بنية الطبقة العاملة خلال القرن العشرين على صعيدي‮ ‬الدول الرأسمالية المتطورة والدول النامية؟،‮ ‬وما هي‮ ‬علاقة ذلك باتجاهات تطور الثورة العلمية والتقنية وثورة المعلومات مع بداية القرن الحادي‮ ‬والعشرين،‮ ‬وما هي‮ ‬تأثيرات العولمة على مجرى تلك التحولات،‮ ‬وما هي،‮ ‬بالتالي،‮ ‬مهام الطبقة العاملة ببنيتها الراهنة في‮ ‬ظل عملية العولمة الجارية‮.‬ وأمر حسن أن‮ ‬يثير منبر إعلامي‮ ‬مثل هذه الأسئلة داعياً‮ ‬لإطلاق نقاش حولها،‮ ‬لأنها أسئلة ما زالت تحتفظ بدلالاتها ومغازيها الأصلية بعد أن انتهى نظام القطبية الثنائية وجرى الترويج لانتصار الليبرالية الجديدة،‮ ‬في‮ ‬صورتها المتوحشة التي‮ ‬تريد خلق عالمٍ‮ ‬جديد على هواها،‮ ‬تُلحق فيه الأطراف قسراً‮ ‬بالمركز العالمي‮.‬ أي‮ ‬أن الفكرة الأساس التي‮ ‬انبثت عليها مثل هذه الأسئلة ما زالت حية،‮ ‬وهي‮ ‬لا تتوارى ولا تتلاشى،‮ ‬بل لعلها تكتسب مضامين وأبعاداً‮ ‬جديدة في‮ ‬عالم اليوم المتحول،‮ ‬والواقع إنه منذ عقود والنقاش‮ ‬يدور حول التحولات العميقة التي‮ ‬جرت في‮ ‬بنية وتركيب تلك الشرائح الاجتماعية الواسعة المنضوية تحت هذا المصطلح المتداول في‮ ‬العلوم الاجتماعية وفي‮ ‬الاقتصاد السياسي‮ ‬خاصة،‮ ‬أي‮ ‬مصطلح الطبقة العاملة‮.‬ ‮ ‬فالثورة الالكترونية الهائلة التي‮ ‬عصفت بالعالم،‮ ‬وتجاوزت في‮ ‬نتائجها وآثارها ما كانت الثورة الصناعية منذ حوالي‮ ‬ثلاثة قرون قد أحدثته،‮ ‬للدرجة التي‮ ‬تطرح على بساط البحث السؤال عن المقصود تحديداً‮ ‬بها أو ما هي‮ ‬الفئات التي‮ ‬يمكن أن تندرج تحت هذا السياق‮.‬ لكن هذا النقاش لا‮ ‬يُغيب الفكرة الجوهرية المتصلة بحقيقة أن العالم رغم ما شهده من تحولات جذرية لم‮ ‬يصبح أكثر عدالة وسعادة،‮ ‬وما زالت الثروات فيه تقسم قسمة طيزي،‮ ‬بل أن هذا العالم بات أكثر انقساماً‮ ‬بين شماله وجنوبه،‮ ‬وما زال‮ ‬يخلق الآليات التي‮ ‬تولد الحروب والانقسامات الاجتماعية والعرقية والاثنية،‮ ‬ومظاهر الغبن والعسف والظلم،‮ ‬التي‮ ‬وإن تغيرت أشكالها فإنها لا تتغير من حيث الجوهر‮. ‬ما‮ ‬يجعل من المغزى الكفاحي‮ ‬والمنهجي‮ ‬لهذه الأسئلة حاضراً‮ ‬وبقوة أكثر على الصعيد الدولي‮ ‬العام وعلى صعيد كل بلدٍ‮ ‬على حدة‮.‬
 
صحيفة الايام
5 اكتوبر 2008