المنشور

زحزحة الطائفيين


خلال العشرين سنة الأخيرة تمكن الطائفيون من تقسيم الناس وتفتيت صفوفهم، والمهمة السياسية الرئيسية لنا هي زحزحتهم عن مواقعهم الراهنة من أجل هزيمتهم في خاتمة المطاف. يتحرك المذهبيون السياسيون لدعم مصالح الاستغلاليين، وهم يسعون إلى أن يكونوا جزءاً منها عبر التسلق على قضايا الناس والادعاء بتمثيل الفقراء والعمال. وفي الغفلة عن أهدافهم العميقة البعيدة تمكنوا من التغلغل في مؤسسات سياسية كثيرة، وتوجهوا للأجيال الجديدة وجرها لمواقعهم وهذا يعني مزيداً من تأزيم البلد وعدم حل مشاكله والمتاجرة في آلامه. علاقة هؤلاء بنضالية الإسلام واهية، فقد كرسوا الشعارات المحافظة المعادية للنساء والعمال والمهاجرين، لكنهم لا يظهرون ذلك مباشرة. إن من يعادي أغلبية الشعب ثم يقوم بتمثيله سياسيا هو الشكل المخادع للتستر بشعارات الإسلام، ثم اقتطاع جوانب منها لاستبعاد النساء وجعل العمال مهمشين، فهم يخافون من النضال الجماهيري ووحدة الشغيلة وصعود النساء في حركة مطلبية نضالية، تزحزحهم عن كراسي الادعاء بتمثيل الجمهور. إذا كانوا لا يمثلون العمال ولا النساء ولا المعدمين فمن يمثلون؟ إنهم استغلاليون جدد يصعدون فوق مقاعد الانتخابات والنقابات من أجل إبقاء شبكات الاستغلال وانتمائهم إليها. ليس من سبيل لإعادة وحدة الناس سوى زحزحة المقسمين لهم عن مواقعهم وكشف الفاتورة الثقيلة التي لم يدفعوها، وتقديم مرشحين وقوائم وتعريتهم نقديا أمام الجمهور. لا يستطيع المحافظون الطائفيون سوى دعم جوانب التخلف في الحياة فكل تطور عقلاني، وكل نمو ديمقراطي، وكل صعود للنساء والعمال، يقلص من السيطرة الاستغلالية المموهة بكلمات الدين تلك والدين النضالي براء منها. لماذا يستطيع صيادون وسماكون بسطاء فقراء أن يقوموا بحركة مطلبية كبيرة يحققون فيها أهدافهم وبشكل سلمي وطني، في حين لا يستطيع غيرهم وقد امتلك الجماهير أن يفعل شيئاً سوى المزيد من تمزيق الشعب؟ إنهم ببساطة يخافون الجمهور، ولا يريدون تطور مبادراته وتوحيد صفوفه. يريدون أن تظل هذه الصفوف ممزقة. إن التناقض الجذري بين الطائفيين كمعبرين عن الأقلية في المجتمع وبين المظهر البرلماني الزائف باعتبارهم يمثلون الأغلبية، هذا التناقض سببه التباس الوعي عند الجماهير بأن هؤلاء يمثلونهم، لكن هؤلاء لا يمثلونهم، ولا يعبرون عن مصالحهم، وكلما تقدم الزمن اكتشفوا أكثر وأكثر الجذور الطبقية الإقطاعية وشبه الرأسمالية لهؤلاء، وهي المتجسدة في شعارات دينية طائفية، انسلخت عن المضمون التوحيدي الثوري للإسلام.
إذا لم تكن الهزيمة السياسية ممكنة فإن الثقافة التوحيدية الوطنية يجب أن تتسلح بكل عدتها القوية للوصول إلى العمال والنساء والجمهور عموماً، وأن يكون للمثقفِين دراية بالديمقراطية والإسلام معاً، من أجل إظهار كيف ان الممثلين الدينيين لا يمثلون سوى أقلية، وهم بطريقهم للالتحام بالطبقة الغنية والفراق الكامل عن الفقراء، لكن يغذونها بأفكار محافظة وغير ديمقراطية، ويوسعون الهوة بين الناس مذهبيا. ولهذا تحدث الانشقاقات فالمضمون الثوري المزعوم للطائفية يتكشف، وبدلاً من أن يطور الطائفيون وحدة المسلمين والمواطنين والناس عموماً، من أجل تغيير ظروفهم السيئة، يعجزون عن تحريك أي شيء في الواقع، لأنهم ببساطة ابتعدوا عن العمال والفقراء والنساء، الذين هم يمتلكون وحدهم قوة الوحدة الشعبية. فيعتقد الطائفيون المنشقون ان المزيد من الكلمات الثورية الفارغة، سوف توجد ذلك المضمون الضائع من أيدي الطائفيين لكنهم لا يعرفون أنهم طائفيون محافظون ولا يدرون أن ذلك هو سبب العلة فلا يفيد الانشقاق في الفراغ السياسي. إن عملاً (بسيطاً) كالذي قام به عمالُ ألبا والسماكة غيّر أوضاع فئات من الجمهور، من دون متفجرات أو انشقاقات. ها هي قد مضت أكثر من عشر سنين وهم يجعجعون بهذه الكلمات من دون أن يتغير في الواقع شيء، بل ازداد الواقع اضطراباً ومعارك جانبية. حين يقرأون الإسلامَ بموضوعية (وكيف يحدث ذلك وهم ناقعون في الطائفية؟) ويعرفون تاريخ بلدهم من خلال نظارات مصنوعة في المنامة وبعرق الكادحين البحرينيين، سوف يفهمون وينضمون للصفوف وقد خلعوا أرديتهم المستوردة من الخارج، وهذا لن يحدث بقوة إلا حين تسقط مراكز الخارج التي تضطرب بالحركة الاجتماعية التي سوف تتغير كما تغيرت عواصم الاستبداد الشرقية المختلفة وانهارت على رؤوس أصحابها وذيولها الممتدة عبر الخرائط والجغرافيا والدول. إنهم يعرقلون الحركة الاجتماعية، إنهم يجمدون الحريات الضئيلة، إنهم لا يعرفون الوحدة والجذور. ومشاكل الناس لا تتوقف والحياة الاقتصادية تزداد تعقيداً وتركيبا، وظروف الأزمة العالمية تنعكس بقوة على المعاشات والبطالة والتسريحات. هذا يتطلب مثقفين سياسيين يشرحون للناس ذلك ويكونون معهم لتغيير أوضاعهم، فلابد لنا من أن نعيد وهج البلد الواحد، النامي، المستقر، المناضل، ونطوي صفحة الطائفيين هؤلاء بكل صواريخهم النارية و«جراخياتهم« ومحافظتهم وتشتيتهم للأصوات وعدم معرفتهم بالإسلام والديمقراطية والحداثة. هذا يعتمد على خطاب وطني ديمقراطي جريء يضع النقاط على الحروف ويصعد مرشحين ونقابيين وطنيين فاعلين لتغيير أوضاع الجمهور الاقتصادية والسياسية بشكل متنام صبور يكرس الوحدة الشعبية بين العمال والنساء والتجار.

أخبار الخليج 28 فبراير 2009