المنشور

نحو عيد العمال العالمي (1)

أزمة الرأسمالية.. بلا يسار
منذ أصدر كارل ماركس اشهر مانفيستو ثوري عالمي ضد الرأسمالية في العصر الحديث قبل نحو قرن ونصف القرن تحت عنوان “يا عمال العالم اتحدوا” لم يسبق للرأسمالية العالمية ان دخلت في طور شديد الازمة كما تدخلها الآن. ومن المفارقات التاريخية المدهشة انها تشهد هذه الازمة وقد بلغت قوة جبروتها السياسية والاقتصادية والثقافية والاعلامية على نحو لم تبلغه على امتداد صعودها المتسارع طوال هذه الحقبة منذ صدور البيان الشيوعي لكارل ماركس، وانها تشهد هذه الازمة أيضا وقد بلغ اليسار العالمي من الوهن ما لم يبلغه طوال الحقبة ذاتها، وعلى الأخص منذ انهيار الاتحاد السوفييتي وما كان يعرف بـ “المنظومة الاشتراكية” في أوروبا الشرقية الحليفة للقطب السوفييتي، الذي كان إلى جانب القطب الامريكي يتفردان وحدهما بالهيمنة على النظام الدولي طوال ما يقرب من نصف قرن منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى انهيار الأول مطلع العقد الأخير من القرن الماضي ومن ثم انفراد الولايات المتحدة وحدها بالهيمنة على رأس النظام الدولي الجديد الحالي.
وعلى امتداد هذه الحقبة الطويلة منذ أواسط القرن الـ19م والتي تطورت خلالها الرأسمالية ووصلت في قوتها إلى اعلى مراحلها “الامبريالية” كان اليسار والقوى الاشتراكية يجدان في ازماتها الدورية المتعاقبة التي تمر بها خير حجة للدلالة على افلاسها كنظام اجتماعي عادل ديمقراطي اقتصاديا وسياسيا وثقافيا وخلقيا. وكانت تلك الازمات المتوالية أشبه بالمعين او المنهل الفكري الذي يزود الاحزاب والحركات اليسارية انصارها وجماهيرها وتكتسب من خلالها فئات جماهيرية اجتماعية واسعة الى صفوفها ممن تضررو ونكبوا بأزماتها. وفي المقابل فقد كانت تجد في انعدام الازمات المعيشية والاجتماعية الحادة في الدول الاشتراكية السابقة رغم طابعها الشمولي السياسي خير معين دعائي للبرهان والدلالة على صحة اطروحاتها الفكرية والسياسية.
لكن ها هي الرأسمالية العالمية اليوم وقد دخلت طور العولمة في اوج ازمتها في عالم بلا “منظومة اشتراكية” وبلا يسار ليتخذ منها كدلالة على ازمتها ونهايتها المحتومة فليس اليسار العالمي الحي اضحى اليوم يعاني غياب المثال الحي ممثلا في الاتحاد السوفييتي السابق كدلالة على عظمة “الاشتراكية” وحيوية افكارها بل يعاني ايضا تفتته وانحساره وعجزه عن اعادة بناء نفسه في عالم جديد بلا “منظومة اشتراكية” يشهد تخبط الرأسمالية في ازماتها.
وإذ خلت الساحة السياسية والفكرية العالمية من أغلب فطاحل وفحول مفكري ومنظري اليسار الرصينين والمجددين العالميين، والعرب منهم على وجه الخصوص، فلعل من المفارقات التاريخية ان من ينعى ويسخر من الازمة الرأسمالية العالمية الآن هم من عتاة منظريها أنفسهم. ولربما وجدنا فيما جاء بمجلة “الايكونوميست” البريطانية غداة انتهاء قمة العشرين الاخيرة في لندن والمعروفة، المجلة، بأنها من أكثر المجلات الاقتصادية العالمية المعبرة عن اليمين خير نموذج لهذه المفارقة التاريخية الساخرة حتى لربما ينتاب من يقرأ تقريرها الحافل بالادانات المشددة للرأسمالية وكبار الرأسماليين شعور بأنه يقرأ تقريرا او بحثا لمجلة يسارية لا يمينية.
فلقد وجهت المجلة سهام نقدها الشديد إلى درجة القذف والشتائم إلى من اسمتهم بـ “اشرار التضخم في الثروة” وتحديدا مديرو البنوك باعتبارهم المسؤولين عن كارثة القروض التي فجرت الازمة العالمية، وحملتهم مسؤولية تدني العدالة الاجتماعية إلى مستويات غير مسبوقة عالميا والمعبر عنه بتعمق التفاوت الحاد في الثروات بين الاغنياء والفقراء. واشارت إلى ان 1% من الامريكيين هم الاكثر ثراء، حيث ان ارباحهم تقدر بـ 20 ضعفا من دخل 90% من الامريكيين الاكثر فقرا في عام 1979م، وانه في عام 2006م قفزت ارباحهم إلى 77 ضعفا من دخل الـ 90% الاكثر فقرا.
ووصفت المجلة اليمينية البريطانية هذا الثراء بأنه “فاحش” ويأتي على حساب الطبقات الكادحة والعاملة، وان ما تبقى في جيوب هؤلاء من حفنة أجور متدنية ما انفك الاغنياء يلتهمونها تباعا.
وأبدت “الايكونوميست” قلقها من حدوث تغيرات في النظام الاجتماعي العالمي تحت تأثير التداعيات المتواصلة لعاصفة الازمة المالية العالمية، وقالت: ان انتفاضة لندن العارمة ضد قمة العشرين لم تكن تستهدف الاغنياء فحسب، بل فساد الطبقة السياسية الحاكمة والبنوك المركزية والمهاجرين.
ومن المعروف ان البطالة في الولايات المتحدة وصلت إلى 5،7% وفقد أكثر من مليوني موظف وظائفهم وهو أعلى معدل للبطالة منذ 1945م. وتوقعت منظمة العمل الدولية ان يفقد 51 مليون موظف وعامل وظائفهم بنهاية العام الجاري في العالم، وان الدول النامية ستعاني أكثر من غيرها من البطالة.
لكن المشكلة ان لا أحد في حكوماتنا العربية يعتبر دولته من الدول النامية.
أما وزيرة التنمية والتعاون الاقتصادي الالمانية فيتسوريك تسويل فقد اعترفت صراحة بأن عدد الجياع في العالم سيصل إلى أكثر من مليار انسان من جراء تداعيات الازمة المالية العالمية الحالية.

صحيفة اخبار الخليج
28 ابريل 2009