المنشور

حتى تصمد دعوات مكافحة الفساد؟!

من البديهي أن نقف مع أي خطوة جادة من شأنها تعزيز إجراءات حماية المال العام ومكافحة الفساد، والدعوة لمحاسبة كل من تسول له نفسه أو يغريه موقعه أو نفوذه بالتعدي على المال العام، ولابد لنا من وقفة جادة وأمينة في وجه كافة أشكال الفساد وعلى رأسها الفسادين المالي والإداري، حيث أن الفساد الذي أصبح بالفعل طاعون العصر، ونعلم أن الدعوات وحدها لن تكفي على اعتبار أن الفساد وممارسات التعدي على المال العام تعد من أكبر التحديات والمعوقات لعملية التنمية المستدامة وبشكل حدة لدى الدول النامية، حيث تغيب وسائل المسائلة والمحاسبة، وتنحاز دوائر الرقابة والمؤسسات التشريعية للدفاع عن المفسدين وحمايتهم وتبرير كافة وجوه الفساد وممارساته بكل أسف، على حساب المصالح العليا للناس ومختلف الشرائح المجتمعية. لذا نجد في الاتفاق الأخير الذي تم الإعلان عنه مؤخرا بشأن توصل مجلس إدارة شركة (ألبا) مع شركة جلينكور العالمية السويسرية خطوة في الاتجاه الصحيح على طريق استرداد مبالغ نقدية لصالح شركة (البا) مقابل تسوية القضية مع الشركة المذكورة، والتي كانت قد دخلت كما هو معروف وسيطا غير نزيه مع بعض القيادات العليا السابقة في “البا” لتمرير صفقات بمليارات الدولارات عبر الاحتيال على القوانين والاتفاقيات المبرمة بهذا الخصوص. نعم، نجد في تلك الخطوة عملا إيجابيا وإن كان سيظل ناقصا بكل تأكيد إذا لم تستكمل الخطوة لمعالجة الصفقات المشبوهة والعقود المجحفة تجلت في أسعار بيع ظالمة للشركة وللعاملين فيها وللاقتصاد الوطني، من غير العابئين بمستقبل الشركة والعاملين فيها وما تعنيه لاقتصادنا الوطني، وخيرات هذا الوطن التي حق لشعبه أن يستمتع بعائداتها وتنشأ له المساكن وتبنى له المدارس والمستشفيات ومحطات الكهرباء في خضم ما نواجهه من مصاعب حقيقية في هذا الشأن تضطرنا للاستدانة. نقول رغم أهمية تلك الخطوة الايجابية التي أعلنتها الشركة، تبقى على الطريق خطوات كم نتمنى أن يبرهن الجانب الرسمي من خلالها على جديته في مكافحة الفساد، خاصة بعد أن صادقت الحكومة مؤخرا وبعد طول انتظار على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وبعد أن أعلن سمو ولي العهد بوضوح عن التوجهات الجديدة لمكافحة الفساد ولحماية المال العام. نعرف أن تلك الخطوات بقدر ما تحتاج منا إلى صبر ودعم ومؤازرة، فإنها بكل تأكيد تحتاج لتفعيل على الأرض، لتتبعها خطوات أخرى أكثر أهمية تعيد لنا الثقة والأمل مجددا في مستقبل التنمية في بلادنا، وتتلازم معها خطوات لاستكمال منظومة التشريعات المرتبطة بها ومن بينها قانون الإفصاح عن الذمة المالية لذوي المناصب العليا وقانون الكسب غير المشروع، وقانون محاربة الرشى، وقانون حق الوصول إلى المعلومات وتشديد الأحكام المتعلقة بمكافحة الفساد والرشوة والمحسوبية، وأمام الحكومة الكثير من القضايا المعلقة بل والمجمدة في المحاكم، بل أن بعضها لم يصل للمحاكم إلى الآن إن تم، فانه حتمًا سيسعف توجهات الخطاب الرسمي المعلنة بمكافحة الفساد، وسوف يعطي دفعًا مأمولاً لعملية التمنية التي تعتمد كما نعلم على عوامل تحقيق المصداقية والثقة لدى الأطراف المعنية بها؟! نعلم أننا بهذا لا نطلب المستحيل، وبات من مسؤوليتنا تشجيع تلك الخطوات التي نرجو أن تكون جادة وتجد طريقها نحو التفعيل، لأننا وبكل إخلاص نطمح في التأسيس لبناء دولة القانون التي تزهو فيها العدالة ويصان فيها المال العام وتلغى فيها التمايزات الطبقية القائمة، فنحن نتطلع إلى عملية التنمية في عهد عنوانه الإصلاح وبناء الدولة الحديثة المنشودة.
 
صحيفة الايام
28 يوليو 2009