المنشور

14 أغسطس يوم الاستقلال الوطني في البحرين

14 أغسطس، لماذا يجب الاحتفال به يوم وطني للاستقلال في البحرين؟ أي شعب من شعوب العالم، عندما يكون محتل من شعب آخر، يناضل لطرد المحتل أو الغزاة المحتلين من بلاده، ويحتفل بتاريخ خروج المحتل، ويشكل ذلك اليوم حدثاً تاريخياً في حياته، يوم الاستقلال الوطني، والسيادة الوطنية والحرية، ربما يقول، قائلاً، بان البحرين، كانت محمية باتفاقية مع الانجليز في عام 1820، بموجب تلك الاتفاقية تحصل على الحماية من قبل الانجليز، التسميات والعناوين، لا تختلف كثيراً في مواضيع مثل الاتفاقية، أو الحماية، أو غيرها بكلمات، البلاد كانت مسلوبة الإرادة، إضافة إلى ذلك وجود قواعد عسكرية، ومسئولين بريطانيين، وجيش من الأجانب أتوا بهم إلى البحرين من بلدان شتى، وتحديداً من بلدان المستعمرات البريطانية، فماذا يعني ذلك، ليس احتلال. 

وبسبب الحديث عن المستعمر البريطاني، يذكر د.عيسى أمين في مقدمة كتاب “ساحل القراصنة”، المترجم “تشارلز بلجريف”/ (كان أول دخول للانجليز إلى الخليج عن طريق البحر، وكأن البحر والأمن البحري بالنسبة لشركة الهند الشرقية هاجساً دائماً ومصدر قلق تحولت معه السفن التجارية، وبالتدريج إلى سفن شبه عسكرية وعسكرية كاملة في النهاية (1820). 

وكان اتفاق الشاه عباس الكبير في (1622) مع الانجليز على طرد البرتغاليين من الخليج بعد أن كانوا قد استقروا فيه على مدى مائة عام وتحكموا في سواحله وثرواته من “اللؤلؤ” وكونوا لأنفسهم نقاطاً بحرية ومواقع استراتيجيه من لشبونة إلى جوا في الهند.
 
يذكر المترجم في الكتاب، في عام 1521 دخل البرتغاليون البحرين والتي كانت آنذاك تابعة للإحساء وكلا الاثنين تابعين لسلطات هرمز، كان السبب في دخول البحرين هو طلب ملك هرمز من البرتغاليين مساعدته في الحصول على الضرائب المتراكمة لدى حاكم الإحساء، احتلت القوات الهرمزية والبرتغالية البحرين وتوفي ملكها بعد إصابته بالجراح، اسمه “مقرن”.
 
ومنذ أن دخلت السفن البريطانية إلى الخليج في عام 1820 وبعد الاتفاقيات مع المشيخات والإمارات في الخليج، بدأ النفوذ البريطاني يتزايد في المنطقة، وبعد اتفاقيات الحماية الموقعة مع حكام البحرين، بناء الانجليز مطار، في المحرق، بالإضافة إلى آخر في الصخير عسكري، وقاعدة عسكرية في الجفير في عام 1930، وظلت البحرين تحكم من قبل الانجليز.
 
يذكر القائد الوطني الكبير عبدالرحمن الباكر في كتابه “من البحرين إلى المنفى” (لقد كانت البحرين تحكم حكماً عسكرياً من قبل ضباط بريطانيين وكانت تابعة لحكومة بومباي في الهند أبان الحكم البريطاني منذ عام 1909 حتى عام 1938 حينما استبدل العسكريون بالمدنيين فقد تعاقب على حكم البحرين كثيرون من الضباط البريطانيين الشرسين كمثل السربرسي كوكس والميجر البن وجاء بعده الميجر ديلي الذي حكم البحرين حكماً عسكرياً ثم الميجر دكسن وبعد ذلك الكولونيل برابر والكولونيل هي والكابتن هكم بتام وغيرهم، مما لا أتذكرهم الآن، هؤلاء الذين كانوا يحكمون البحرين وما حكام البحرين البلاد إلا واجهات يبرزون حينما يراد منهم البروز، ويواصل في كتابه قائلاً، خفت وطأة الانجليز المباشرة على البحرين حينما استولى بلجريف مستشار حكومة البحرين السابق على الصغيرة والكبيرة فاخذوا يملون ما يريدون بواسطة بلكريف وهو ينفد سياستهم، كما يفعل الآن المستر سميث سكرتير حكومة البحرين.
 
هذه الحقائق وكيف لا تكون البحرين بلد مستعمر من قبل البريطانيين، ولا توجد سيادة وطنية على قرارها السياسي أو العسكري أو الاقتصادي.
 
وعندما يجري الحديث عن الاستقلال الوطني الذي ناله شعبنا، يجب التذكير هنا، جاء بفضل نضالات الحركة الوطنية في البحرين منذ منتصف القرن الماضي، وتحديداً ما قامت به هيئة الاتحاد الوطني “أعوام 54-1956″، بقيادة الباكر والشملان والعليوات وغيرهم من القادة الوطنيين، وواصلت حركتنا الوطنية نضالها ضد المستعمر البريطاني، فبعد قمع انتفاضة هيئة الاتحاد الوطني في أعوام 54 و 1956، رفعت جبهة التحرير الوطني البحرانية، الشعارات الوطنية الداعية لإسقاط الحماية البريطانية عن البلاد وإعادة قادة هيئة الاتحاد الوطني المنفيين وإطلاق سراح المعتقلين، ومن تلك الشعارات التي كانت تدعو للحرية (نريد الحرية للشعب والاستقلال للبلاد) (أخرجوا من بلادنا أيها المستعمرون، تسقط حمايتكم، لا نريد من أعداء شعبنا حمايتنا) وفي مواجهة مساعي الاستعمار والرجعية لتغذية النعرات الطائفية دعت الجبهة إلى وحدة الشعب.
 
(عززوا وحدتكم الوطنية ورصوا صفوفكم واقضوا على المؤامرة التي يحيكها الاستعمار لتصفية مكاسب كفاحنا الوطني)، (من أدبيات جبهة التحرير الوطني البحرانية).
 
وصاغت جبهة التحرير الوطني البحرانية، أول برنامج سياسي واضح المعالم والأهداف في عام 1962، (برنامج الحرية والاستقلال الوطني والديمقراطية والسلم)، ويشتمل البرنامج على 15 هدف نضالي حدده الحزب، اذكر منه بعض البنود:-
 
1.   تناضل جبهة التحرير، من أجل البحرين دولة ديمقراطية ذات سيادة مستقلة استقلالاً حقيقياً، وذلك بإلغاء الحماية الاستعمارية ومعاهداتها الأسترقاقية غير المتكافئة وذيولها المفروضة على شعبنا.
2.   تصفية القواعد العسكرية العدوانية البريطانية والأمريكية وجلاء القواعد الأجنبية عن بلادنا.
3.   تناضل الجبهة من اجل إيجاد حكومة وطنية ديمقراطية تعمل لصالح الشعب البحراني، وتطهير جهاز الإدارة الاستعمارية من الإداريين الانجليز وأعوانهم، وتقيم نظام وطني ديمقراطي، بإقامة مؤسسات ديمقراطية تكفل الحريات الديمقراطية لجموع الشعب البحريني، وبرلمان ومجالس إدارة وبلدية ينتجها الشعب، تمثله حقاً وتضع دستوراً يأخذ بعين الاعتبار الظروف الموضوعية لوطننا.
4.   إنشاء جيش وطني للدفاع عن مكتسبات الشعب.
5.   مساواة المرأة البحرانية بالرجل في كافة الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
 
ناضلت الجبهة من اجل تحقيق تلك الأهداف، بجانب التنظيمات الوطنية والقومية في البلاد، التي تأسست بعد جبهة التحرير.
 
يذكر في الكلمة المركزية لجبهة التحرير الوطني البحرانية في احتفالاتها بالذكرى الثلاثين لتأسيسها في عام 1985 في عدد مجلة الفجر الصادرة عن الجبهة بالمناسبة.
 
إبان انتفاضة مارس المجيدة وضعت المقدمات الأولى لنيل الاستقلال و لمجمل التطورات اللاحقة في بلادنا، خاصة وان هذه الانتفاضة وآثارها رافقت مع سلسلة من التطورات الثورية في المنطقة كانطلاقة الثورة العمانية في يونيه عام 1965، وتصاعد ثورة الشعب اليمني المسلحة في الجنوب بقيادة الجبهة القومية من ثم انتصارها وإجبارها المستعمرين البريطانيين على الجلاء عن البلاد، مما حدا بهم إلى تعزيز ومضاعفة حجم وجودهم العسكري في البحرين فيما كان نضال الطبقة العاملة والجماهير الكادحة يتصاعد ضد الاستعمار وضد هجمة احتكاراته.
 
وجاءت هذه التطورات في مناخ دولي اتسم بتراجع الامبريالية البريطانية وتقهقرها وعجزها عن مواجهة ضربات شعوب مستعمراتها مما جعلها تعلن عن نيتها في الانسحاب من شرقي السويس، وما اقتضاه ذلك من اتخاذ تدابير لإحلال النفوذ الأمريكي المباشر مكان نفوذ الانجليز وإعداد أنظمة المنطقة لتصبح ركائز قوية لهذا النفوذ، وجاءت هذه التدابير تحت شعار “ملء الفراغ” الذي سينجم عن انسحاب بريطانيا.
 
وقد اقتضى تهيئة الأجواء لتمرير هذا المخطط توجيه ضربة قاسية لحزبنا في عام 1968، أريد بها اجتثاثه نهائياً، فتعرض العشرات من قياديين وكوادر الحزب للاعتقال والسجن والنفي.
 
ويتواصل السرد في كلمة الجبهة، (لكن بفضل التنظيم السري الجيد للحزب، والتفاف الجماهير حوله تبددت أوهام الاستعمار البريطاني والسلطة الرجعية، وتصاعدت النضالات التي أجبرت المستعمرين على الانسحاب في نهاية الستينات ونالت شعوب المنطقة استقلالها تتويجاً للنضال الذي خاضته وتعبيراً عن التغيير الجذري في تناسب القوى على الصعيد العالمي لصالح قوى التقدم والاشتراكية.
 
وكانت بلادنا واحدة من الدول التي نالت استقلالها الوطني، بعد المطالبات المستمرة من قبل شاه إيران بضمها، وبعد ممارسات الضغط عليه من قبل هيئة الأمم المتحدة تم إرسال ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، الايطالي فيتوري جو ستاردي في شهر مارس من عام 1970، لاستقصاء الحقيقة من شعب البحرين، لقد ساهم مناضلي وأصدقاء جبهة التحرير من خلال الأندية الوطنية ومع شخصيات وطنية واجتماعية بحرينية، بان أكدوا على عروبة البحرين، وسلمت من قبل جبهة التحرير الوطني البحرانية مذكرة إلى ممثل الأمين العام، تؤكد على مواقف الجبهة من الادعاءات الإيرانية الباطلة، وتم تفنيد المزاعم وجاء الموقف الشعبي الرافض لضم البحرين لإيران بعد مقابلة الوفود الشعبية في قصر الرفاع لممثل الأمين العام، وبفضل تلك المواقف المبدئية لشعب البحرين وحركته الوطنية، تم الاعتراف بدولة البحرين من قبل هيئة الأمم المتحدة في الرابع عشر من أغسطس عام 1971، وأصبحت فيما بعد عضواً في الهيئة وجامعة الدول العربية.
 
فلا يحق لشعب البحرين، بان يحتفل باليوم الوطني للاستقلال والحرية من نير الاستعمار البريطاني مثل سائر الشعوب والبلدان التي نالت استقلالها الوطني بتضحيات ونضالات أبنائها، فلماذا يراد محوه من الذاكرة الوطنية.
 
ورقة مقدمة في الحلقة الحوارية التي اقامها قطاع الشباب والطلبة بالمنبر التقدمي
15 اغسطس 2009