المنشور

نحن والتقارير الدولية

كثيرة هي التقارير الصادرة من المنظمات الدولية حول مختلف الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها جميع دول العالم، وبالتحديد الدول النامية، باعتبارها مناطق لازالت تعيش إما فترات تحول ديمقراطية غير مكتملة، أو أنها تعيش أوضاعا سياسية واقتصادية غير مواتية، أو أن العديد منها، وهي السمة الغالبة، تعيش أوضاعا قمعية ومتخلفة، فيما تعاني شعوبها مجموعة مخاطر واحتقانات تأخذ في حالات بروزها القسري عادة، أشكالا متباينة من القلاقل والاحتقانات والنهوض المجتمعية، مما يزيد من معاناة الشعوب وكذلك الأنظمة، وهذه الأخيرة تجد نفسها لاحقا تجاهد في سبيل التكّيف الصعب أو حتى البقاء أحيانا، بعد أن أضاعت الكثير من الفرص للتوافق بين مكوناتها حول أمور وقضايا كم بدت صغيرة، لكنها سرعان ما تضخمت أو تم النفخ فيها، ليتطاير شررها حارقاً الأخضر واليابس دون رحمة، مما يصيب معه مسيرتها الحضارية بعاهات ومعوقات مزمنة وجروح غائرة يصعب أن تندمل، وسرعان ما تكتشف الأنظمة قبل الشعوب وقواها السياسية أنه كان ممكنا لها أن تتعايش وتنمو وتزدهر لو تم التعاطي بحكمة وبعد نظر وبنهج ينحو باتجاه تأصيل لغة الحوار والعمل المشترك بين مكوناتها السياسية والاجتماعية. نستفيد مما تقدم لنعرض بشكل جد مختصر لآخر تقرير تناول الإصلاحات السياسية لدينا هنا في البحرين، منذ تدشين مشروع جلالة الملك الإصلاحي منذ أكثر من ثماني سنوات مضت، وهو تقرير مؤشر “بيرتلسمان” للتحول الديمقراطي للعام 2008 الذي تصدره مؤسسة “بيرتلسمان” الألمانية على عدة مؤشرات وحقائق يمكن للبحرين أن توظفها أو حتى تجادل حولها إن أرادت، وبشكل يخدم مسيرة التطور السياسي فيها. فقد عرض التقرير عدة مؤشرات لا سبيل لحصرها هنا، حين تحدث عن العقبات التي تعترض مسيرة التحول السياسي، والمشاركة السياسية، وسياسات التكامل السياسي والاجتماعي وآفاق عملية الإصلاح والتحديث، بالإضافة إلى مجمل الأداء الاقتصادي ومؤشرات اقتصاد السوق الذي تأخذ بها البحرين وتطور تشريعاتها وفقا لمتطلباتها، وما يفضي إلى ما نستطيع أن نطلق عليه بإدارة عملية الصراع الاجتماعي فيها، وكيفية إدارة البحرين لمواردها المالية وسياساتها الاجتماعية ونظم الرفاه وسيادة القانون. في جانب رئيس منه، أكد التقرير على النجاحات التي حققتها المملكة على المستوى الاقتصادي، وبشكل خاص بالنسبة لتعاطيها مع مصاعب البطالة وتمكين النساء وسياسات إصلاح وتنظيم سوق العمل ومشاريع الخصخصة وتحرير الاتصالات وإلغاء الاحتكار وجودة سياسات الأشراف المالي واستقرار العملة والأسعار التي امتدحها صندوق النقد الدولي كثيرا، وتوجهاتها نحو تحقيق جودة التعليم وسياساته وبقية الإصلاحات البنيوية الأساسية الأخرى. يصل التقرير إلى نتيجة مؤداها أنه يمكن للبحرين أن توظف ذلك كله وبشكل أكثر فاعلية، فقط لو تم توفيق الكثير من الأوضاع السياسية والاجتماعية المرتبطة بها بشكل مباشر أو حتى غير مباشر، خاصة تلك التي تعتبر أساسية لمسيرة التنمية الاقتصادية ودولة الرفاه الاجتماعي، ونعني بها تطوير التشريعات القائمة وبشكل خاص المرتبطة بعملية التحول الديمقراطي وتطوير القوانين المعنية بمكافحة الفساد والمسائلة وبالحريات العامة كقوانين الصحافة والنشر وقوانين الجمعيات السياسية والتجمعات ومكافحة الارهاب، وإعطاء مزيد من الصلاحيات للمؤسسة التشريعية لممارسة دور أكبر في التشريع والرقابة، وتعزيز مبدأ فصل السلطات الذي يعتبر مطلبا شعبيا ودستوريا هاما تمليه حاجات التطور الديمقراطي، وليس ترف السياسة والسياسيين كما يتم تصوير الأمر أحيانا. كما ذكر التقرير ضمن إشارة لافتة إلى أن الحكومة بمقدورها أن تجادل بالنسبة لمسألة إعطاء مزيد من السلطات التشريعية للنواب المنتخبين في مراحل التحول الديمقراطي المبكرة، إلا أن أهداف التنمية الشاملة تبقى في حاجة مستمرة للمناقشة، ولن يتأتي ذلك بالطبع إلا عبر دخول مختلف الفرقاء السياسيين في عملية حوار وطني شامل وصبور من شأنها أن تعزز من عوامل الثقة المتبادلة باتجاه التغلب على العقبات التي تعترض مسيرة التطور الديمقراطي، وتقود في نهاية المطاف إلى دولة المؤسسات والقانون، حيث تتلاشى فيها عوامل الفرز المذهبي والطائفي والتمايزات المجتمعية المرهقة والمعيقة لعملية التطور الديمقراطي التي بشر بها ميثاق عملنا الوطني.. بعض نتائج تلك التقارير الدولية يجب أن تفرد لها مساحات من الحوارات والمناقشة الجادة بدلا من إهمالها والتعامل معها بريبة وشكوك.
 
صحيفة الايام
30 اغسطس 2009