المنشور

ماذا بعد سقوط جدار برلين؟


عشرون عاماً على سقوط جدار برلين، منذ عام 9/11/1989، بعد أن تدفق المئات وربما الآلاف من مواطني، ما كان يعرف بألمانيا الديمقراطية أو ألمانيا الشرقية،فبعد الذي حدث بسقوط ذلك الجدار، رفعت النخب الحاكمة في بعض البلدان الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية الكؤوس، احتفالاً بالنصر، فالذي لم يتحقق من خلال الحروب المباشرة أو بالوكالة، تحقق سريعاً. 

 هل كان حلماً لهؤلاء السادة من الحكام والرؤساء ما تحقق، هل انتهت بالفعل حقبة الحرب الباردة بسقوط الجدار وتوحيد شطري برلين، وإعادة  ألمانيا الموحدة، هل انتصرت القيم والمبادئ الرأسمالية، هل بدأ عالماً جديد يتشكل، هل هي البداية، لكي تتدرج الكرة، وبهذا الشكل السريع، وتنهار وتتساقط أحزاب دول المنظومة الاشتراكية الحاكمة، في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات؟ 

 من المسئول عن ذلك السقوط المدوي، من الذي جعل المفكر الأمريكي من أصل ياباني، “فوكاياما” يصدر كتابه نهاية عصر الأيديولوجية، معلناً انتصار الرأسمالية على الاشتراكية، وبداية ما يعرف بموجة الليبرالية أو النيوليبرالية في العالم، والتبشير بإقامة أنظمة “ديمقراطية” تزعم احترام حقوق الإنسان والقانون؟ 

 وكان للقطب الأوحد في العالم، أي الولايات المتحدة الأمريكية الدور الأبرز، ولا سيما في البلدان الجديدة الناشئة، بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، ساعدت السادة الجدد الذين كانوا يتسابقون من أجل نيل رضا الأمريكان ودعمهم السخي، يحار المرء، هل أسباب ذلك،  هل تكون في انعدام الديمقراطية السياسية وتفشي الفساد والمحسوبية في الأحزاب الشيوعية الحاكمة سابقاً في بلدان المنظومة الاشتراكية، واحد من تلك الأسباب، أما وصول ميخائيل غورباتشوف إلى منصب السكرتير العام للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي في عام 1985، وتطبيق سياسته الجديدة التي نادى بها، وهي البيروستيريكا والغلاسنوست، أي المكاشفة أو المصارحة والشفافية، وما أثارته من سجال داخل الحزب الشيوعي السوفيتي، والأحزاب الشيوعية والعمالية في العديد من بلدان العالم، من رفض وتأييد، واتضحت نتائجها السلبية فيما بعد،وساهمت في وصول المافيا لسدة الحكم في روسيا في عام 1990 ؟

أم هي آثار الحرب الباردة، وما تركته على اقتصاديات الدول الاشتراكية بما فيها الاتحاد السوفيتي لتخلق لها المزيد من الأزمات والمشاكل، أو توجد أسباب أخرى لم يكشف عنها، ساهمت في ذلك الانهيار الكبير؟ 

 ربما يقول قائل، ما جدوى تلك التساؤلات، بعد عشرين عاماً على السقوط المدوي، الإجابة ببساطة، ودون تنظير، إذا كان خيار الرأسمالية أو شبه الرأسمالية لتلك النظم السياسية الجديدة في أوروبا الشرقية وبلدان الاتحاد السوفيتي سابقاً، فالبلدان الأوروبية، وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية، أصابتها أزمة مالية في العام الماضي، ولا زالت تعاني منها، بعد مرور عام على تلك الأزمة، وربما تتفاقم الأوضاع إلى الأسوأ في الأعوام المقبلة، وهل توجد مؤشرات في انتعاش الاقتصاد الرأسمالي الأمريكي والعالمي، أو سوف يستمر بالركود، بالرغم من ضخ مليارات من الدولارات من اجل انقاد العديد من البنوك والمؤسسات التي أعلنت إفلاسها، قبل ان تنهار بالكامل. 

 هكذا تدخلت الدولة، بمفهوم “الدولة المركزية” والتي ظلت الماكينة الإعلامية للدول الرأسمالية، تؤكد على أهمية اقتصاد السوق وان لا تتدخل “الدولة المركزية”، وهكذا تدخلت “الدولة” لتبرهن من جديد بأنها قادرة بأن تحمي الرأسمال المالي والاحتكارات الصناعية والمالية من الانهيار، اقتداءاً بما حدث في بداية القرن العشرين، وتحديد في أعوام 1929 إلى 1932، عندما حدث الركود الكبير لتلك البلدان الرأسمالية، قبل الحرب العالمية الثانية. 

 يقول البعض من مروجي الفكر الاقتصادي الرأسمالي، بأنها دورات تحدث ما بين حين وآخر وسوف تخرج منها البلدان الرأسمالية أقوى، وتعيد بناء اقتصادياتها بشكل أفضل، ولا يعترفوا بان الأزمة المالية العالمية أدت لتراجع معدلات النمو في الاقتصاد العالمي، مما أدى إلى حدوث العديد من المشاكل، ليس في البلدان الرأسمالية بل في البلدان النامية والفقيرة، ويمكن الرجوع للعديد من التقارير والإحصاءات الصادرة عن مؤسسات ومنظمات دولية تهتم بهذا الموضوع الاقتصادي والمالي الذي اثر على اقتصاديات معظم بلدان العالم.
وبالمقابل ازداد الاهتمام بكتاب كارل ماركس “الرأسمال” ودراسة منهجه الديالكتيكي في كيفية التعاطي مع الاقتصاد الرأسمالي، والبديل الذي يطرحه، مثلما قال الكثير من الكتاب، ماركس يعود من جديد.

وبكلمات نقول لا يمكن لعلم يعتمد على الديالكتيك في فهم طبيعة الأشياء، بان ينتهي، بل انه يجعل من الباحث والمهتم، بان يطور تحليلاته واستنتاجاته بناء على تلك المفاهيم والمعارف العلمية.

وتبقى أفكار ماركس وانجلز ولينين، تثير الجدل في الآلاف والملايين من الناس في أنحاء المعمورة، نحو غد أفضل.