المنشور

للإصلاح أكثر من وجه

مساء الأحد الماضي نظم المنبر التقدمي ندوة حول أبعاد التوجه الحكومي لرفع الدعم عن المحروقات، وهو توجه لم تؤكده الحكومة ولكنها لم تنفهِ أيضاً، مع أن صحافتنا المحلية هي التي أشارت إلى هذا التوجه، وهذا بطبيعة الحال يحيلنا إلى مسألة الشفافية في المعلومات، خاصة حين يتعلق الأمر بقضايا حيوية مثل قضية التوجه لرفع الدعم، لما لذلك من انعكاس على معيشة الناس وأرزاقهم، لكن ليس هذا هو موضوع حديثنا اليوم.
في الندوة المشار إليها والتي تحدث فيها كل من الأخ كريم رضي الأمين العام المساعد لاتحاد نقابات عمال البحرين والنائب السابق الأخ عبدالنبي سلمان نائب الأمين العام للمنبر التقدمي، طُرحت ملاحظة جديرة بأن يسلط عليها المزيد من الضوء، فحواها أن مسألة الإصلاح الاقتصادي لا تقل أهمية عن الإصلاح السياسي.
مفهوم ومبرر ومنطقي جداً أن مجتمعنا الذي عانى من أشكال الاحتقان السياسي والأمني قبل العهد الإصلاحي لجلالة الملك انشغل، ولايزال بطبيعة الحال، بقضية الإصلاح السياسي، بما يقترن بها من عودة للحياة النيابية وانتخاب المجالس البلدية، وقيام الجمعيات السياسية والنقابات والاتحادات الجماهيرية والمنظمات الحقوقية، وكل ما يندرج في إطار حرية التعبير والتنظيم والاحتجاج، بما في ذلك حرية الصحافة ووسائل الإعلام.
لكن مسيرة الحركة السياسية والشعبية في البحرين تشير إلى أن الإصلاح السياسي كان، على محوريته وأهميته، وجهاً واحداً من وجوه الإصلاح المنشودة، وان المطالبة بالحياة الحرة الكريمة، وبتحسين الظروف المعيشية للمواطنين، وتوفير طموحاتهم في سكن لائق وفي فرص العمل والاجور المناسبة والرعاية التعليمية والصحية، وغيرها من قضايا تندرج في البعد الاجتماعي للتنمية كانت مطالب كابد البحرينيون الكثير في سبيل بلوغها.
يهمنا في هذا المجال التأكيد على أن أي إصلاح اقتصادي يجب أن يقترن بالبعد الاجتماعي ذي الصلة الوطيدة بالعناوين المشار إليها أعلاه، ما جدوى معدلات النمو الاقتصادي، مهما كانت عالية، اذا لم يلمس المواطن، خاصة المواطن الفقير ومحدود الدخل، انعكاسها على أوضاعه المعيشية وظروف حياته.
لا يمكن إطلاق العنان لحرية اقتصاد السوق بدون ضوابط تراعي هذا البعد وتصونه، ففي البلدان الرأسمالية العريقة التي يقوم اقتصادها على حرية السوق، تجرى مراجعات جدية للأمر، وتتخذ إجراءات وتدابير هدفها أن تقوم الدولة بدور الحماية للطبقات الفقيرة، وأن تتخذ إجراءات لتوسيع قاعدة الفئات الوسطى، ومنع الاستقطاب الحاد بين غالبية واسعة من الفقراء وحلقة صغيرة من الأثرياء والمتنفذين المتنعمين بالثروات.
ولا يجوز لمجتمعٍ نامٍ مثل البحرين أن يذهب بعيداً في تبني نظريات متطرفة عن الخصخصة والاحتكام لنظريات أن اقتصاد السوق يصحح نفسه بنفسه، في الوقت الذي يجري العالم الرأسمالي المتقدم مراجعة نقدية لمثل هذه السياسات، خاصةً على اثر الأزمة المالية التي عصفت وتعصف بالعالم، والتي أعادت الاعتبار إلى ضرورة تدخل الدولة في الاقتصاد كمنظم له، وكضامن للخدمات الاجتماعية الحيوية.
وتزداد أهمية هذا الدور في بلد مثل بلدنا يعاني من ضعف الأجور، ومن نسبة بطالة تظل قائمة حتى لو جرى احتواء بعض مظاهرها.
 
صحيفة الايام
4 فبراير 2010