المنشور

حال أول بلد اشتراكي في العالم اليوم (1)

لربما لا يختلف مؤرخان بأن نجاح ثورة اكتوبر البلشفية الروسية عام 1917 في اسقاط النظام القيصري وإقامة أول دولة “اشتراكية” في تاريخنا الحديث بزعامة لينين ثم انهيار هذا النظام الجديد بعد ثلاثة ارباع القرن هما من اكبر الاحداث التاريخية إثارة وأهمية في تغيير مجرى الأوضاع السياسية في روسيا والعالم جذريا من حال الى حال نقيض مختلف تماما.. فاذا كانت الثورة البلشفية عام 1917 التي نجحت في اقامة دولة اشتراكية للعمال والفلاحين بمثابة الزلزال الصاعق الذي هز روسيا والعالم حيث ادى ذلك الانتصار الى سلسلة من الاحداث التي أسهمت ليس في تغيير وجه روسيا والجمهوريات المنضوية في دولتها السوفيتية الاتحادية فحسب، بل ما لعبته هذه الدولة من ادوار مهمة خطيرة على الساحة الدولية والخريطة السياسية العالمية تحت تأثير تنامي نفوذها ونفوذ حزبها الشيوعي الحاكم، وبخاصة بعد تمكنها من دحر النازية في الحرب العالمية الثانية ودورها في اقامة أنظمة “اشتراكية” موالية لها في بلدان اوروبا الشرقية عرفت لاحقا تحت قيادة الاتحاد السوفيتي بـ “المعسكر الاشتراكي”، او “المعسكر الشرقي”، أو دول “المنظومة الاشتراكية” التي دخلت معه هذه الدول في حلف مشترك عام 1955م عرف باسم حلف “وارسو” وذلك ردا على اقامة الغرب بزعامة الولايات المتحدة حلفا عرف باسم “حلف الناتو” أو “حلف الأطلسي”، الذي كان موجها ضد الاتحاد السوفيتي وحلفائه في اوروبا الشرقية فضلا عن حركات التحرر الوطني في العالم الثالث وذلك إبان استعار الحرب الباردة بين المعسكرين التي انعكست ظلالها وتأثيراتها على السياسة العالمية والعلاقات الدولية على امتداد نحو نصف قرن.
اما الحدث التاريخي الكبير الذي لا يقل خطورة في اهميته وتداعياته وتأثيراته محليا وعالميا عن الحدث الاول والذي وقع في روسيا ذاتها ألا هو انهيار الاتحاد السوفيتي نفسه اول دولة اشتراكية في التاريخ والقوة العظمى الثانية المهيمنة مع القوة العظمى الاولى: الولايات المتحدة، على النظام الدولي على امتداد النصف الثاني من القرن العشرين.
وهكذا فمثلما كان انتصار ثورة اكتوبر الاشتراكية بزعامة لينين قائد البلاشفة والحزب الشيوعي الروسي عام 1917 زلزالا صاعقا مدويا هز العالم وادى بقيام الدولة الجديدة وتنامي قوتها الى سلسلة من التغييرات في الخريطة السياسية لأوروبا والعالم وبخاصة بعد خروجها من الحرب العالمية الثانية مكللة بالانتصار على المانيا النازية كقوة عظمى جديدة مهابة متعاظمة النفوذ على الساحة الدولية وندة للقوة العظمى الاخرى الولايات المتحدة.. فإن انهيار هذه الدولة ذاتها في مطلع تسعينيات القرن الماضي يعد الزلزال المدوي والنقيض الذي غير وجه روسيا والاوضاع السياسية الدولية الى نقيض ما كانت عليه إبان وجود الاتحاد السوفيتي.
لقد ظل الاتحاد السوفيتي كأول دولة اشتراكية في تاريخ العالم الحديث بمثابة الدولة الملهمة والمثال لكل الأنظمة والدول والحركات السياسية في العالم التي تطمح إلى اقامة انظمة تقتدي بها في ارساء العدالة الاجتماعية من خلال التحولات الاشتراكية القائمة على تأميم الملكيات الخاصة الكبرى وبناء قطاع عام تملكه الدولة واقتصاد مخطط، ويقود كل هذه التحولات ويفرضها حزب حاكم شمولي وحيد يحكم باسم الطبقة العاملة، اي في ظل غياب التعددية السياسية ومبدأ التداول على السلطة وفي ظل غياب مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية وذيليتها مجتمعة للحزب الحاكم وغياب حرية الصحافة والحريات العامة فحدث ما حدث من سلسلة من الاخطاء والانحرافات القاتلة المتراكمة داخل الدولة والحزب الحاكم مما افضى الى السقوط المدوي لهذه الدولة السوفيتية الجبارة عام 1991 التي سبقتها الانهيارات المتتالية في فترة زمنية قياسية لحلفائها دول اوروبا الشرقية خلال عامين فقط (1989، و1990م)، كل ذلك ألقى بظلاله الكئيبة القاتمة، كما نعلم، على اوضاع حركات التحرر العالمية من انظمة واحزاب وحركات معارضة واليسار العالمي بوجه عام الذي شهد انحسارا وتضعضعا غير مسبوقين منذ عصر كارل ماركس المنظر الأول للاشتراكية المعاصرة في اواسط القرن الـ 19م حتى يومنا هذا..
فكيف هو حال المجتمع الروسي اليوم في ظل النظام الجديد بعد 20 عاما من انهيار الاتحاد السوفيتي الذي كان – المجتمع الروسي – مضرب المثل والقدوة للحالمين في كل العالم بغد افضل من المساواة والعدالة الاجتماعية ترفرف عليه الراية الحمراء، راية الاشتراكية التي يتبدد في ظلها كل اشكال الظلم والاستغلال والتناحرات الطبقية ويتحقق في ظلها ايضا الحلم الكبير باقامة مجتمع شيوعي خال من الطبقات؟

صحيفة اخبار الخليج
23 مايو 2010