المنشور

نحن وثقافة العصر

احد الموضوعات المهمة التي ناقشها الكاتب تركي الحمد في بحثه نحو اطار معرفي جديد للثقافة العربية والذي تضمنه بالاضافة الى بحوث اخرى اصداره القيم الثقافية العربية في عصر العولمة.
«نحن وثقافة العصر» يثير اشكاليات كثيرة فرضتها شروط تطور المعرفة عبر سياقها التاريخي.
واذا كانت حركة التاريخ كما يقول الباحث د. سمير امين في مؤلفه «نقد روح العصر» ليست تنقلاً على خط مستقيم له اتجاه ثابت ومعروف مسبقاً بل تتكون هذه الحركة من لحظات متتالية بعضها يمثل خطوات تقدم في اتجاه معين وبعضها بين التوقف والمراوحة عند نقطة معينة وبعضها يمثل ردات الى الوراء والى الانغلاق.. فان الحمد في بحثه هذا ينظر الى الثقافة في بعدها المعرفي والتاريخي والحضاري كما يتعاطى معها كمنجز يخضع تطوره للشروط الموضوعية والذاتية وللتفاعل المعرفي والحضاري.
من هذه الرؤية، يتحدث عن الحداثة الغربية وما انتجته من ثقافة عقلانية وتقنية في طريقها الى ان تصبح ثقافة عالمية شاملة، فثورة المعلومات والاتصالات المعاصرة انجاز كبير حوّل العالم الى حارة صغيرة وامام هذه الثقافة المسلحة بوسائل وامكانيات قادرة على اختراق الغرف المغلقة والاصقاع النائية، انهارت الحدود وتلاشت وسائل الحماية وبالتالي ماذا يمكن ان يقال اليوم امام العفريت التقني الجديد الذي يطل علينا ونحن لا نزال اسرى ذات العقل وآلياته؟
فالمشكلة الاساسية هنا كما يقول الحمد هي ان ثقافتنا الذاتية المتصورة هلامية الشكل زئبقية المضمون نخبوية الانتاج والاستهلاك ببنية لفظية بيانية لا تتواءم مع عملية وعلمية ومحسوسية الثقافة العالمية المعاصرة، وعلى هذا الاساس يتساءل: كيف يمكن لمفاهيم قائمة على سحر البيان ان تنافس مفاهيم قائمة على دقة المعلومات؟
هناك من يعتقد انه من الممكن ان نلج حضارة العصر دون التخلي عن ثقافتنا الذاتية اي وفق المبدأ التوفيقي، ان نأخذ افضل ما عندهم وافضل ما عندنا وكأننا مخيرون في ذلك. قد يبدو هذا الحل جميلاً وموفقاً نظرياً ولكن هل يصبح هذا الحل ممكناً من حيث الواقع العملي والمعرفي؟ وهل يمكن ايجاد اتفاق بين التحدي المعاصر للثقافة العالمية المعاصرة وبين طرقنا في النظر الى الاشياء؟ وبمعنى ادق هل من الممكن التوفيق بين التقنية وثقافتها وبين التقليد وموروثه؟
هذه التساؤلات الاساسية تقودنا كما يقول الى سؤال اكثر اهمية وهو هل ثقافتنا وذاتيتنا المنبثقة عنها محكوم عليها بالاندثار والسقوط؟ الجواب في نظره هو نعم ولا في الوقت ذاته، فاذا كانت الثقافة المتحدث عنها وما توحي به من ذاتية ثابتة هي تلك المفارقة لاطر الزمان والمكان فان الزوال هو المصير في النهاية، واذا كانت متغيراً اجتماعياً ضمن متغيرات فان الاستمرار هو النتيجة.
وحول شكالياتنا الثقافية يتحدث قائلاً «ان اشكالياتنا الثقافية الدائرة حول هاجس الهوية والنقاء الثقافي هي اشكالية ذهنية مبالغ فيها ونوع من آليات الدفاع عن النفس الجماعي المستفزة بحالات الاحباط والفشل وعدم القدرة على التوافق مع تحولات المكان والزمان بغرض اعطاء نوع من التوازن للذات المنحرجة حتى وان كان ذلك على حساب الواقع المعطى وتجاهله بوعي او دون ذلك كما انها – اي هذه الاشكاليات الثقافية المفترضة هاجس نخبوي خاص قبل ان يكون هماً اجتماعياً عاماً».
وفي ضوء هذه القضية، ينتقل الى اشكالية تتعلق بالمثقف العربي ذاته وهي ان غالبية المثقفين العرب المهتمين بقضايا الثقافة التي افرزها اكتشاف الغرب الحديث المعاصر لا يحاولون تحليل اشكاليات الثقافة في متغيرات التاريخ والمجتمع ولكن عبر نماذج «افلاطونية» ثابتة وهنا تتفاقم اشكالية المثقف العربي عندما يحاول الدعوة الى هذا النمط النموذجي من الثقافة او ذاك، فيربك متلقي الخطاب من حيث عدم القدرة على المواءمة بين مقولات النموذج – وفقاً للمنطلق الايدلوجي للمثقف – وما هو ممارس ومعتقد فعلاً في المجتمع، فخلاصة القول على حد تعبيره ان النماذج الثقافية المفارقة لن تؤدي في احسن الاحوال إلا الى تجذير الازدواجية الثقافية في حياتنا، حيث يكون هناك نماذج غير قادرة على النزول الى ارض الواقع ومتغيرات عاجزة عن ايجاد من يرفعها الى سماء النظرية وتكون النتيجة هذا الانفصام الشنيع بين المثقف والمجتمع فيلوم المثقف المجتمع على عدم تقديره له، ويلوم المجتمع المثقف على عدم اهتمامه بقضاياه الفعلية.
 
صحيفة الايام
29 مايو 2010