المنشور

منع التجارة بالمبادئ وتدعيم التجارة الخاصة

يحاول المتاجرون بالمبادئ الإسلامية والماركسية والقومية والمسيحية واليهودية والليبرالية العربية أن يصلوا إلى الثروات الخاصة، ويدعموا جيوبهم.
فلماذا لا يختصرون الطرقَ ويؤسسون أحزاباً من أجل الرأسمالية؟
أهدافهم هي توسيع رأسمالهم والإكثار من النقود وجعل أسرهم تعيش في بحبوحة، وهي أهدافٌ لا يعارضهم فيها أحدٌ، ولكن لماذا يجري ذلك عبر المبادئ المُقدرة والأديان المحترمة، وهل في تطوير دخولهم عيب أو منقصة؟
الرأسماليات الغربية حددت ذلك وأوجدت تطوراً تاريخياً مشهوداً.
ولكن الرأسماليين الشرقيين يواصلون خداعنا والتظاهر بأنهم أصحاب مبادئ عظيمة، وقيم أخلاقية سامية، فيمتطون الأحزاب الدينية والعلمانية والأفكار القيمة للوصول إلى ذلك.
مَن يرد جمعَ المال والإثراء والارتفاع إلى مناصب الدول فلا عيب في ذلك، لكن من دون المتاجرة في الأفكار، ومن الضروري أن ينزعوا أقنعتهم هذه التي بُليت من الاستخدام ومن العَرق السياسي الكثيف الزائف، ومن الاعترافات والشهادات والخيانات ووضع الأرجل في كل الحاراتِ!
إن تكوين حزب رأسمالي ديمقراطي عَلماني هو الحل الذي يقوم بنقد الحكومات الرأسمالية المهيمنة على الثروات المباشرة وغير المباشرة، العينية والمجمدة، السائلة والمائلة، ويُطلق سراحَ الأموالِ العامةِ الهاربة إلى الجيوب، والذراري والغيوب، وقبل أن تنضح الزيوت والأقوات ونعود للتصحر ورعي الإبل وزرع الدخان.
سيقولون الحزب الرأسمالي الخاص خائف، وقليل التبصر، ومحدود الثقافة وكثير السيولة، وسريع العجلة، ويرفض أن يكون واجهة المعارضة، والتصدي للفساد، فدعوه وأسسوا حزبَ الرأسمالية الشجاعة.
لكن هل ستكونون أفضل من زعماء الأحزاب القومية والشيوعية والبعثية والدينية الذين أنهوا حياتهم بحب الثروة أو بالهروب إليها أو قُصمت أعناقهم وهم بين متعها؟ أو لم تطلهم يدُ العدالةِ بذهابهم للرفيق الأعلى؟ أو لعنتهم الجماهير بعد أنضبوا بيوتَ أموالِها والصناديق الوطنية الأمينة على عملاتها وسبائكها الذهبية؟
لن تكونوا أفضل من الرموز الكبار عبر العصور حيث أنهى تلامذتهم فصلَ الكفاحِ بفصلِ الجواري والفلل وتكوين الشركات الخاصة وهذه الأخيرة أفضل من المتع البذخية المهلكة لرأس المال.
لا تضحكوا علينا فلدينا كتبٌ ضخمةٌ من التجارات والادعاءات بالمبادئ، والأفضل تأسيس حزب موحد مناضل من أجل الرأسمالية الخاصة العاملة ضد الفساد ومن أجل الديمقراطية والعلمانية.
تأسيس حزب رأسمالي توحيدي يجمعُ كل هذه الأطياف الخائفة من الحقيقة، والمحبة للنقود، هو أفضل بكثيرٍ من تضييعِ السنوات الطويلة والعقود الكثيفة التي تنزلُ فوق رؤوس الناس جمراً وارتفاعَ أسعار وتلاعبَ وزاراتٍ بالمال العام، وضياعَ الأراضي وحقولَ النفط والغاز وتنامي عقول الفتيات المجنونات بالموضات والصبية المتاجرين بالمخدرات.
ثم بعد هذه السنوات تقولون كنا على خطأ، وهذه مجرد ايديولوجيات فاشلة مشبوهة، ونحن نقرّ الآنَ بالحقيقة وهي أن ليس ثمة أجمل من الدولارات.
اختصروا الطريقَ ولا تضيعوا أزمنةَ المسلمين الضائعة هي نفسها.
وفي النهاية كلكم رأسماليون باحثون بشوقٍ شديدٍ عن رأس المال، والحكومات بيدها رأس المال، وتضيعهُ، فاصنعوا حزباً يوزعُ رأسَ المال ولا يبددهُ ويكثرُ منه في مشروعات الإنتاج وفي دكاكين الحدادين وبيوت المقاولين ودور نشر المؤلفين، ويفجرُ الثروات لا الثورات، ويُطلقُ قوى العملِ في كل مكان، ويرفع دخولَ الجماهير فلا أحدَ يريدُ أن يكون عاملَ مصنع شقياً، فقيراً، حتى لو كان رئيس حزب عمالي والكلّ يريدُ الفرصَ والغنى والتطور، فإذا لم يستطعْ طور ثروتَهُ العملية والعقلية، وحولها إلى دخولٍ مرتفعة وفي هذا ثراء وطني.
ولهذا تنشأ أحزابُ المفلسين بعد أن يحلّ خرابُ المبادئ المُتاجر بها، وقد أضاعَ العاملُ المناضلُ رأسمالَه اليدوي أو العقلي، فلم يجدْ سوى الحيلة رأسمالاً يرتقُ بهِ شقوقَ ثوب النضال وحاجة العائلة المعدمة، أو تقوم الجماعة الرأسمالية الصغيرة المحاصرة بحيتان السوق الحكومي والسوق الخاص، بالتجارة بالدين علها تراكم من خلالهِ رأسمالاً مقدساً يرفعُ عنها عيون الحساد والرقابات المالية والسياسية والمصادرة الشعبية، ولكن ما ذنب الدين أن يُبتلى برساميل صغيرة تسولتْ وزحفتْ حتى مصتْ عروقَ البسطاء الأخيرة؟
سوف تمتلئُ يديكَ بالنقود حين تتركُ المتاجرةَ بالدين وبالماركسية وبالقومية، سوف تتفجرُ اختراعاتكَ وتتعمق رساميلكَ، وستكتشف مناجمَ هائلةً غابتْ عنك لأنك حجمت عقلك، وابتعدت عن ينابيع الثروة في المواد والمعادن والبحار لأنك حصرت عقلك في الورق واللغة والأفكار العائدة لقرون سابقة والتنقيب في جماجم ناضبة، وفي عمالة رثة خائبة تأخذ منك أكثر مما تعطيك وتشقيك أكثر مما تسعدك.
حولك الرمال والجبال والبحار العربية الهائلة غير المكتشفة وهي مليئةٌ بالثروات فلماذا تتاجرُ بمبادئ الناس وقيمهم؟
أسسْ شركات وبنوكاً وقمْ بغزوات ضاريات في حقولِ الفحم والحديد والفوسفات والزيوت واذهب للصحارى العربية الهائلة الحاوية للكنوز، لم يظهرْ الغربُ الثري من الورق والخطب، بل من المواد وشركات المغامرات والذهاب إلى أقصى الأرض وأنت جامد في مكانك تعيش على مناجم التراث.

صحيفة اخبار الخليج
30 يوليو 2010