المنشور

الديمقراطية والتقليدية


الديمقراطية من جهة، والأنظمة والحركات التقليدية من جهةٍ أخرى، في حالةِ تضادٍ لا يمكن التوفيق بينها.
الديمقراطية حداثة، ووطنية، وعلمانية، وديمقراطية وتقدمية.
والتقليدية طائفية، ودينية، وشمولية، ونظرتها الوطنية ملتبسة وأفقها التاريخي غائم وشائك!

كيف سيحاولون التوفيقَ بين هذه المتناقضاتِ وإلى متى؟

أي نظامِ يطبقُ هذين التوجهين المتضادين سيجدُ نفسه بين طرق شتى متعاكسة تحفر في كيانه من جهات مختلفة، وسيحاولُ أن يوفقَ وينشىءُ الفلسفةَ التوفيفيةَ بين الثلج والنار، بين الشرق الإقطاعي والغرب الحداثي الرأسمالي، بين العالم الطائفي والعالم العلماني، بين أناس يقولون ان المرجعية للمذهب، وأناس يقولون إن المرجعية للشعب، أناسٌ أدلجوا الأديانَ وحولوها إلى حصالات للعيش على حساب الفقراء، وأناس يريدون بصيصاً من النور لسياسة حرة تخدم الشعب ولا تفرق بين الطوائف، وتغدو المرجعية للدساتير المصونة.

حين تقوي الديمقراطيةُ المفترضةُ القوى التقليديةَ فسوف تتمردُ على الديمقراطية حين تتطور وتقترب من السمات العالمية، وتقلص من نفوذها، لكن بعد أن قويت وامتدت لجذور الحياة الاجتماعية السياسية.
يجب عدم الاعتماد على مرجعياتِ وزارات الخارجية الأمريكية والبريطانية في لحظاتٍ مقطوعةٍ من لحظاتِ سياساتها المتبدلة دوماً بحسب ظروفها ومصالحها، وليس بحسب المرجعية الغربية الديمقراطية العلمانية ومصالح الجماهير الشعبية في تلك الدول كذلك.
فالبرلماناتُ تفوزُ فيها عادةً القوى اليمينية الممثلة للشركات الكبرى وهذه تريدُ نفطاً رخيصاً وأسواقاً مفتوحةً وقطاعات عامة مهدمةً وغيرَ ديمقراطية، فتدعو البلدان العربية لسياساتٍ (ديمقراطية) مبنيةٍ على حراكِها السياسي المؤقت، أي أن تخففَ الصراعات بها بشكلٍ راهن عابر، حتى تقوم بمهماتِ شراء النفط الرخيص، وتغدو أسواقاً مفتوحة، وأن تُحضرَ منها الرساميل الكبيرة وأن ترتبط بعملتها، ولا تنظرُ نظرةً بعيدةَ المدى من أجلِ الاستقرار الطويل الأمد وإلى تطور هذه البلدان وإلى نمو تحديثها وازدهار صناعاتها. فهي ديمقراطيةٌ غربية تسويقية استنزافية للعملات الوطنية والخزائن الناضبة يوماً بعد يوم!
ولا توجدُ من جهةٍ أخرى سياساتٌ وطنيةٌ بعيدةُ المدى في الدول العربية الإسلامية، تثمنُ هذه الجوانبَ التكتيكية الغربية(الديقراطية) لكن أن ترى أبعد منها وتضعها في مرحلتها وتحدد القوى الراهنة المستفيدة منها والمؤثرة فيها، وتشكلُ استراتيجياتها الخاصة القائمة على سياسةٍ علمانية ديمقراطية متدرجة شعبية في بلدانها، وأن تسحبَ عملاتها من تحت مظلة الدولار، وتعمل على إيجاد سلة من العملات، وإنشاء ترسانة من الذهب في خزائنها، وتطور بلدانها صناعياً تحديثياً تقنياً معاصراً، وتتخلص تدريجياً من العمالات الأجنبية الاستنزافية، وتطور عمالاتها الوطنية.
السياسة العلمانية الديمقراطية استراتيجية بعيدة المدى تقوي اللحمة بين الدول العربية والإسلامية، وتعمل على إيجاد سوق إسلامية عالمية، وشيئاً فشيئاً تقلصُ مساحات الاستثمار السياسي الاجتماعي في الأديان، ولكن من دون توسيع مجالات الرأسماليات الخاصة والعمالة المحلية المتقدمة، تحدث إشكاليات الصراعات الدينية السياسية.
بطبيعة الحال مثل هذه السياسات مسألة تشكلها تياراتٌ فكرية وسياسية عبر سنوات والخطورة أن يكون ذلك من خلال الصراعات الداخلية الضارية.

أحبار الخليج 4 سبتمبر 2010