استوقفني ميل بعض الشباب في البحرين لتنظيم ندوات ولقاءات ومناقشات لكتب في المقاهي الحديثة، بما فيها تلك الواقعة في مراكز التسوق الكبيرة .
من هذه الفعاليات احتفاء أقيم بمناسبة يوم الفلسفة العالمي الذي مر مؤخراً، حيت تحلقتْ مجموعةٌ من المهتمين الشباب بالفلسفة حول طاولة في أحد المقاهي ليناقشوا قضايا كبرى، حكماً من كون الفلسفة حقلاً معرفياً معروفاً بميله إلى التجريد .
وهكذا كان بوسع كانت وهيغل وابن رشد ومحيي الدين بن عربي ومن هم في مستوى قاماتهم ووزنهم أن يحضروا إلى مقهى “كوستا”، أو “ستاربكس” ليحاوروا شباناً وشابات في أسئلة الزمن والوجود والحب وما إليها من قيم إنسانية وفلسفية .
سيقول قائل إن العولمة لم تترك حقلاً من الحقول إلا واخترقته، فاستدعت الفلسفة من عليائها، من أقسام الفلسفة في الكليات التي لا يلجها إلا قلة من المتجهمين ذوي النظارات الغليظة الذين تناقص بصرهم لكثر ما انكبوا على قراءة مجلدات الفلسفة، إلى فضاء كوستا وستار بوكس في المجمعات التجارية المشعة بالأضواء والتي تفوح في جنباتها روائح العطور، سواء تلك الآتية من محلات بيعها، أو منبعثة من الحسناوات الغاديات ذهاباً وإياباً في هذه المجمعات .
وبهذا المعنى تغدو الثقافة، وحتى الفلسفة، طقساً شبابياً حداثياً يتعايش مع النمط الاستهلاكي الذي يهيمن على العالم، ولنا، في هذا الخليج، من الولع به حصة لا يستهان بها .
وبشيء من الشرح أقول إنه من الصعب ومن الثقيل على أحدهم أن يذهب إلى محاضرة في قاعة مغلقة من قاعات المحاضرات في الجامعة أو في المراكز الثقافية ليستمع إلى محاضرة عن الفلسفة، ولكن سيبدو الأمر شيقاً وخفيف دم لو أنك دعوته لمحاورة عن ابن عربي في مقهى أنيق في “سيتي سنتر” .
أردت أن أخلص إلى شيء آخر غير هذا، أود أن أصيغه على شكل سؤال، فهل تحمل مثل هذه المظاهر إشارات إلى وضع جديد آخذ في التشكل، يأفل بموجبه مفهوم الجمهور المحتشد في القاعات على النمط الذي اعتدناه نحن المخضرمون لصالح أشكال جديدة من التواصل الثقافي تفرضها أنماط المعيش من حولنا .
في كلمات أخرى، هل بوسع الثقافة وهي تغالب الاستهلاك أن تقيم ما يشبه التسوية معه، بهدف أن تتعايش معه، طالما كانت له الغلبة الظاهرة، من أجل ألا يطرحها أرضاً بالضربة القاضية؟