المنشور

لن نتكلـم العربيـة


إن بدا العنوان أعلاه أشبه بضربة على جماجمنا، فعلينا أن نأخذ الموضوع على محمل الجد، لا المزاح .
 
لابد، أولاً، من تبديد الانطباع الذي قد يتوارد إلى الأذهان عن مخاطر خارجية أو اقليمية محتملة تطال الهوية العربية لهذا الخليج، تاريخاً ولغة وثقافة ومصيراً، فحديثنا، هنا على الأقل، لا يدور عن ذلك، مع أننا جميعاً معنيون بالتفكر في كافة المخاطر .
 
الحديث يدور عن مخاطر جدية تطال اللغة العربية لأهل هذا الإقليم، في ضوء ما تفرضه التحولات الثقافية والاجتماعية في بلداننا، بسبب تعدد الجاليات الأجنبية العاملة في بلداننا، وهو تعدد قلب ميزان التوازن السكاني حتى في بلدٍ خليجي مثل البحرين التي ظلت تتباهى حتى وقت قريب بأن عدد سكانها الأصليين أكثر من الأجانب، فبات الأخيرون هم الأغلبية وفق آخر تعداد للسكان أُعلن عنه مؤخراً .
 
أوحتْ لي بهذا الحديث محاضرة ألقاها، مؤخراً، أكاديمي سعودي هو الدكتور مرزوق بن صنيتان بن تنباك، عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود، وفيها خلص إلى “نبوءة” باعثة على التفكر الجدي فحواها أن دول الخليج ستتحول إلى الحديث باللغة الانجليزية خلال السنوات السبع القادمة .
 
وللدكتور ابن تنباك أسبابه في ذلك وفي مقدمتها أن هذا الخليج تحول وسيتحول أكثر إلى خليط غير منتمٍ إلى لغةٍ بعينها، وسيلجأ سكانه متعددو الجنسيات والثقافات إلى لغةٍ وسيطة للتواصل بينهم، ومن المنطقي أن تكون هذه اللغة هي الانجليزية بالذات، لما لها من ميزات نعرفها جميعاً تؤهلها لأن تكون جامعاً لمتعددي الأصول والثقافات واللغات .
 
وسبع سنوات تبدو أجلاً قريباً جداً، ما يحملنا على الاعتقاد بأن التشاؤم عند الدكتور ابن تنباك بلغ مبلغهُ، ولكننا سننظر إلى هذا التشاؤم بعينٍ ايجابية، على نحو ما دعانا اليه غرامشي في واحدةٍ من أجمل اطروحاته عن تشاؤم العقل وتفاؤل الارادة .
 
لعل تشاؤم بن تنباك وأمثاله، وما أكثرهم، يحثنا على تفعيل الارادة بوضع الخطط الحافظة للغة العربية بصفتها جوهر الهوية الجامعة لأبناء هذه المنطقة، لتصبح هي وسيلة التخاطب المشترك لا سواها من اللغات .
 
وهي مهمة مُركبة معقدة ولا شك، ولكن يجب أن نبدأ من أنفسنا، مع تزايد مخاطر نشوء جيل من أبنائنا من خريجي المدارس والجامعات التي تنظر إلى اللغة العربية كما لو كانت سقط المتاع، فتأتي مُخرجاتها، مهما كانت جودتها، فاقدة للأهم وهو اللغة، أعني لغتنا .