المنشور

اليسار البحريني… الآفاق المستقبلية 2 – 2

لكي لا يفقد المرء بوصلته الفكرية والسياسية، فالأفكار والمبادئ، هي التي ترسم خارطة طريق نحو تحقيق الأهداف، فبدون فكر فلسفي علمي من خلاله تقرأ واقع بلادك، وتدرس جيداً تلك الخصائص والموروثات الشعبية المتأصلة في وجدان الشعب، تكون خارج المعادلة، ففي البحرين، أثبتت التجربة النضالية لجبهة التحرير الوطني البحرانية، صحة ما جاءت به في برنامجها السياسي الأول في عام 1962، برنامج الاستقلال الوطني والحرية، والديمقراطية، والسلم، والتقدم الاجتماعي، والذي تعاطى وبواقعية مع الظروف في تلك الحقبة الاستعمارية، كما تعاطت جبهة التحرير مع الواقع الملموس لشعبنا من اجل الديمقراطية والحريات العامة والعدالة الاجتماعية، ومن خلال تواجد أعضائها وأنصارها في التجمعات الشعبية، بما ذلك المآتم الحسينية، في المنامة والقرى.
كتب احدهم مؤخراً في الصحافة المحلية، مقالة ذكر فيها، بان اليسار الماركسي، ويقصد جبهة التحرير الوطني، كانت اهتماماتها بالخارج، بالاتحاد السوفيتي وحضور مؤتمرات الأحزاب التقدمية والعمالية، ولا تهتم بالشأن المحلي، على هذا الأخ، أن يرجع إلى أدبيات جبهة التحرير الصادرة في الداخل، لكي يتعرف جيداً أين كانت تعمل وتناضل الجبهة، والمئات من أعضائها وأنصارها لازالوا أحياء، يمكن العودة إليهم، بالإضافة الى ما تم نشره في نشرة «التقدمي» الصادرة من المنبر الديمقراطي التقدمي، استطاعت أن تتكيف مع الخصائص والأوضاع المحلية، وتكون جزءا مؤثرا في الأحداث، مدرسة في النضال الوطني يجب أن يتعلم منها جيل الشبيبة، لهذا كان اليساريون البحرينيون منصهرين ومندمجين مع شعبهم، وكان شعار المنظمة الشبابية لجبهة التحرير، «اشدب» على نشرته المركزية «الشبيبة»، «سنناضل بلا كلل ونعمل بلا توقف ونعلم ونتعلم من الشعب»، لهذا يتطلب من أعضاء وأنصار اليسار البحرينيين، أن يكونوا مع الناس ويدافعوا عن قضاياهم ومطالبهم والنصرة لهم.
اليوم في بلادنا نحتفل بالذكرى العاشرة للميثاق الذي حدث في البلاد في شباط «فبراير» من عام 2001، والذي على أثره انتهت حقبة سوداء، حقبة قانون امن الدولة السيئة الذكر، وحل محلها ميثاق العمل الوطني، وبرزت القوى السياسية للسطح «العلن»، بعد عقود من السنين من النضال الوطني السري، كان اليسار البحريني جزءا أصيلا وأساسيا من مجمل القوى الوطنية والديمقراطية المناضلة في البلاد، ففي حقبة الاستعمار البريطاني، قبل مرحلة الاستقلال الوطني في عام 1971، حدد اليسار البحريني، أهدافه وبوضوح من خلال برنامجه الذي أشرت إليه في البدء، وشخص مفهوم الدولة التي ينشدها، قيام نظام وطني ديمقراطي، يعني «الدولة المدنية الحديثة»، كان سباقاً في طرحه حتى في مرحلة التحرير الوطني، وفي مرحلة ما بعد الاستقلال الوطني، وبناء الدولة، عزز مفهوم «الدولة المدنية» من خلال المطالبة بوجود الديمقراطية وسلطة تشريعية منتجة، هذا ما حدث بانتخاب مجلس وطني في ديسمبر 1973، والتي فاز فيها اليسار البحريني وحلفاؤه بثمانية مقاعد، من خلال «كتلة الشعب»، وأكد على أهمية الديمقراطية والحريات العامة والنقابات، «عمالية وطلابية ونسائية»، هذه المفاهيم النقابية والديمقراطية، ترسخت اليوم في الحياة السياسية الجديدة وان وجدت بعض المنغصات والتراجعات على صعيد حرية الرأي والتعبير في بعض الحالات «النشرات الحزبية» سحب الترخيص من بعض الجمعيات السياسية، أضرت بتطوير التجربة الديمقراطية في البلاد، اليوم تطرح أمام اليسار البحريني والقوى الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني، مهمة تعزيز الحريات العامة والشخصية وتطوير الديمقراطية، بإبعادها السياسية والاجتماعية، وتطوير مفهوم «المواطنة الحقة» في الدولة المدنية، والتأكيد على الواجبات العامة والحقوق الدستورية والإقلاع عن ممارسة التمييز والغبن في الحياة العامة.
صحيح في الفهم الماركسي لطبيعة الصراع في المجتمع، لا يمكن تجاوز الفوارق الطبقية والاجتماعية وهي موجودة وفي أحيان بقوة، حتى في البلدان النفطية، ومنها بلادنا ومن اجل تقليل تلك الفوارق والمظاهر الطبقية والاجتماعية في المجتمع، يتطلب من الدولة توفير عناصر ذلك التغيير الاجتماعي وهي قادرة على ذلك، بما تملك من سلطة قوة القرار والمال والأمن، وان لا تكون على أسس مسكنات مؤقتة، لا تغير من طبيعة تلك الظاهرة، مثال على ذلك «تقديم علاوة الغلاء» التي يتلهف إليها المواطنون من اجل زيادة دخلهم المالي و بالأخص ذوي الدخل المحدود، لابد من عملية تغيير جذري، بوضع برنامج كفيل بتغيير الوضع المعيشي المالي للمواطنين للأفضل، وتحديد المستوى المعيشي من خلال زيادة في الرواتب وتحديد سقف الأجور في القطاعين العام والخاص وبالأخص لأصحاب الرواتب الضعيفة والمتدنية.
عندما يتميز برنامج اليسار البحريني، عن غيره من القوى السياسية، وتحديداً القوى الطائفية والمذهبية، ويكون برنامجه مغايراً ومعبراً عن طموحات وتطلعات وآمال جيل الشباب ومعهم العمال والنساء والمثقفون وغيرهم من الفئات الاجتماعية الفقيرة، ويشعرون بأن هناك قوى قادرة على إحداث التغيير والبناء في المجتمع، وتناضل من اجلهم ومن اجل تعزيز الديمقراطية والحريات العامة والحقوق المدنية والمكتسبة، وتسعى وتعمل من اجل قيام مجتمع المساواة والعدالة الاجتماعية، لا تساوم على الأهداف والمبادئ وتتعاطى مع القوى السياسية في البلاد ليس بصفتها قوى ديمقراطية اجتماعية بل بصفتها معبرا حقيقيا عن اليسار البحريني وتاريخه ونضاله وعن هويته وفكره، تتعزز مصداقية الطرح وبشفافية عالية لدى الناس.
ربما يسأل سائل: ما الذي يميز اليسار البحريني عن القوى السياسية الأخرى في البحرين، الإيمان بهذه الأفكار، عدم استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، المساواة، العدالة الاجتماعية، وهذا الثالوث، يعني الكثير للإنسان في نضاله من اجل التغيير والبناء والإصلاح، لترابط الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فيما بينها، لهذا على اليسار البحريني، إبراز برنامجه ليس السياسي بل في المقدمة منه الاجتماعي، والاستمرار في طرح آرائه وأفكاره بوضوح للناس.
فالمصداقية والشفافية عناوين رئيسية، لكي يتعرف المرء على الأفكار والمبادئ لليسار البحريني، دون لبس أو ضبابية أو الاختباء حول عباءة أخرى، فاليساريون البحرينيون، لديهم تجارب تقاليد نضالية، بالإمكان تطوير تلك الأساليب القديمة والاستفادة من الايجابيات في الوضع الراهن، فأي هدف يخدم المواطن ويرتقي به نحو الأفضل، فهو مكسب ورصيد وطني، لا يجوز التفريط به، فالتواصل والالتقاء مع الناس والدفاع عن مصالحهم وطرح مطالبهم، ندرك جيداً بأن الطريق ليس مفروشا بالورود لكي نعبر، مثلما كان في السابق، حفرنا في الصخر لنشق الطريق لأفكار التقدم والإنسانية، واليوم على اليساري أن يمتلك الجرأة والشجاعة في الدفاع عن مبادئ وأهداف حزبه، التعامل بصدق وإخلاص مع الناس سوف تصل إلى قلوبهم قبل عقولهم، فأمام اليسار البحريني مهام كبيرة يتطلب تضحيات كبيرة.

صحيفة الايام
28 يناير 2011