المنشور

المثقفون السلطانيون والخرس والعضويون!


شاركت طوال أمس في ملتقى المثقفين العرب، الذي نظمه المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في إطار فعاليات مهرجان القرين الثقافي السابع عشر، وكان الحديث يدور عن عوائق النهضة العربية ودور المثقفين العرب في اختراق حالة الانسداد التي تعانيها الأمة العربية.
 
وأجد من المناسب أن أعرض بعض ما جاء في مداخلتي ضمن هذا الملتقى:
 
“إنّ تخلف اقتصاداتنا لا يمكن تجاوزه من دون تحرر اقتصادي من التبعية… وتحقيق التنمية لا يمكن أن يتم في ظل الفساد والاستبداد وغياب العدل الاجتماعي… ولا قيمة للتنمية ما لم تتجّه هذه التنمية نحو الإنسان العربي، بحيث يكون محورها وهدفها، فكيف يتحقق ذلك لإنسان عربي مهمّش ومقموع ومحروم؟!
 
ولا مدخل لأي إصلاح جدّيّ من دون إصلاح سياسي حقيقي أولاً وقبل كل شيء، فلا إصلاح للاقتصاد، ولا إصلاح للتعليم، ولا إصلاح للتشريعات، ولا إصلاح للإدارة، إلا بإصلاح سياسي، وهذا ما تعمل الأنظمة العربية الحاكمة على إعاقته ما أمكنها ذلك.
 
وعندما نتحدث عن المثقف العربي ونتساءل عن دوره، فعلينا أن نسأل أنفسنا أولا أي مثقف عربي نقصد؟… هل نقصد مثقف السلطان، الذي يبرر الاستبداد ويحسّن صورة الفساد ويتستر على الاضطهاد؟… أم  نقصد المثقف العضوي وفق مصطلح غرامشي المرتبط بالطبقات الاجتماعية الشعبية الساعية للخلاص من القهر والقمع والاستغلال؟!
 
هناك مثقفون عرب كثر، منهم مَنْ يكتفي بدور مثقف السلطان، وإن لم يكن قريبا من شخص السلطان ومحسوبا عليه، وهؤلاء المثقفون السلطانيون لا دور لهم في الإصلاح والتغيير المنشودين، بل إنّهم جزء من سلطة الطبقة الحاكمة في مسعاها المستمر لفرض الهيمنة الثقافية على المجتمع بهدف إبقاء الوضع القائم على ما هو عليه وتكريس الخضوع والخنوع تحت ادعاء الواقعية، وكأنّ الواقعية هي الاستسلام للواقع السيئ وتبريره ورفض تغييره!
 
وهناك مثقفون يتوهمون أنّهم محايدون، وكأنّ الحياد مقبول بين المضطهِد والمضطهَد، وبين المستغِل والمستغَل، وبين المستبد والمهمّش، وبين الفاسد الناهب والبائس المنهوب، وربما اكتفى بعض هؤلاء المثقفين بمحاولة فَهِم الواقع، دون أن يسهم في تغييره، وهؤلاء مثقفون سلبيون على أقل تقدير… وربما انطبق عليهم الحديث النبوي الشهير عن الشيطان الأخرس، فواحدهم “مثقف أخرس”!
 
وهناك في المقابل مثقفون عضويون مرتبطون بقضايا أوطانهم وهموم شعوبهم، ناقدون للأوضاع القائمة، ومنحازون للإصلاح المستحق والتغيير المنشود، لا يستسلمون للواقع البائس تحت ذريعة “الواقعية” الزائفة، ولا يكتفون بتفسير الواقع، وإنما يسهمون، وهذا هو الأهم، في محاولة تغييره… يبثون الوعي، ويشخّصون العلّة، ويقترحون البدائل، ويشاركون في بلورة حركة الإصلاح ودعوات التغيير… وهؤلاء المثقفون العضويون مهمّشون الآن في الغالب ومعزولون مقاطعون محاربون.
 
إنّ الطريق نحو النهوض العربي يتطلب أول ما يتطلب إزالة العوائق من هذا الطريق… والدور المؤمل من المثقفين العضويين العرب في هذه المهمة التاريخية أن يُعمِلوا الفكر لرسم الطريق نحو المستقبل، بتحليل علمي لمشكلاتنا؛ وتفسير موضوعي لأوضاعنا، وتفكيك دقيق لواقعنا المعقد، وتشخيص سليم لأمراضنا، واستشراف مستقبلي لخط مسارنا”. 
 



عالم اليوم الأربعاء 26 يناير 2011