المنشور

انتهت صلاحية «الديمقراطيات الزائفة»


الصحافي الأميركي فريد زكريا (من أصل هندي وكان يرأس تحرير مجلة نيوزويك الدولية ما بين 2000 إلى 2010 ويعتبره الأميركان واحداً من أهم 100 مثقف في العالم) لديه كتاب عنوانه «مستقبل الحرية»، يشير فيه إلى «الديمقراطية غير الليبرالية»، أو بمعنى آخر «الديمقراطية الزائفة» التي تتلبس بلباس الانتخابات وتأخذ مظاهر النظام الديمقراطي ولكنها جوفاء وفارغة من أي محتوى ديمقراطي. ويشير زكريا إلى الديمقراطية في العالم الغربي إنما هي مزيج من «الدستورية الليبرالية» و«السياسة التشاركية»، وذلك يعني أن «حماية الحريات العامة» و«سيادة القانون» كانت موجودة في تلك المجتمعات لفترة طويلة سبقت وجود الانتخابات. وبالتالي فإن البلدان التي تلبس لبس الديمقراطية من خلال إجراء انتخابات من دون تثبيت الشروط السابقة (الحريات العامة وسيادة القانون) فإنها في النهاية ديمقراطية زائفة illiberal democracy.
 
الديمقراطيات الزائفة هي تلك التي «تمزج الانتخابات بالتسلط»، وعلى الرغم من أن الانتخابات تجرى، إلا أن هناك قطيعة بين المواطنين والنخبة الحاكمة، والمواطنون لا يعرفون عن طبيعة الأنشطة التي يمارسها من يمسك السلطة بسبب عدم وجود حريات مدنية، والدستور المكتوب لا يحد من سلطات الحكومة، بل إنه قد يتجاهل أو يحد من الحريات العامة، وحتى لو كان الدستور يقر الحريات والحقوق، إلا أن القوانين والإجراءات المعمول بها على أرض الواقع لا تلتزم بالإطار الدستوري.
 
المسئولون في الحكومات التي تنتهج «الديمقراطية الزائفة» يتصرفون وكأن لديهم تفويضاً مطلقاً لفعل ما يرونه مناسباً لهم كـ «نخبة حاكمة»، ويعتبرون إجراء الانتخابات المنتظمة مبرراً لقمع حرية التعبير وحرية التجمع وعرقلة عمل المعارضة السلمية، بل إنهم يلغون الفصل بين وظائفهم الخاصة والعامة، ويتحكمون بكثير من وسائل الإعلام بقوة النظام والإجراءات، ويتم خنق المجتمع المدني بل ويخلقون «منظمات غير حكومية» في الظاهر ولكن أتباعها موظفون رسميون (وفي أحيان كثيرة يرتبطون بالجهاز الأمني مباشرة)، ولا تتورع هذه الديمقراطيات الزائفة من حظر أي نشاط قد يوفر وسيلة لطرح رأي غير رسمي، وثم تمارس هذه الأنظمة ضغطاً اقتصادياً على الناس، وتستخدم العنف ضد منتقديها، وتفرق المجتمع على أسس دينية أو إثنية أو قبلية، بل إنها قد تتهم جماعة ما (أو فئة من المجتمع بأكملها) بأنها تقف خلف كل المؤمرات والمصائب التي تحل بالبلاد، ولا تتورع في إنزال أشد أنواع العذاب والانتهاكات ضدها.
 
الديمقراطيات الزائفة تبرر السلوك السلطوي لمن يتبوأ مواقع اتخاذ القرار، وتبرر لنفسها تحشيد كل من يبحث عن وظيفة لشتم الناس وإذلالهم، وتبرر خلق طبقة طفيلية لا علاقة لها ببلادها أو بشعبها، وتبرر الظلم ضد جماعة أو فئة أو مجتمع بأكمله، وتبرر خلط الأوراق والقضايا على الناس، وتبرر توزيع التهم بالإجرام والإرهاب على من تشاء، وتبرر صعود كل من أفرغ عقله من الإبداع والإنسانية، وتحتقر كل من يسعى لخدمة الصالح العام. هذه هي الديمقراطيات الزائفة التي انتشرت في المناطق المنكوبة سياسياً، وربما أننا نشهد مرحلة «انتهاء صلاحيتها».
 
صحيفة الوسط 30 يناير 2011م