المنشور

مصر والسلطة الجديدة المطلوبة

تمثل انتفاضة مصر الراهنة محاولة من الشعب المصري الذي ضاق بالنظام البيروقراطي الهرم وعجزهِ عن مواكبةِ مشكلات الشعب، وتركيزه في الاستغلال وتكوين فئات ثرية عليا، في الوقت الذي حدث اهتراء في البنية الاقتصادية والسياسية، وانقطعت قوى التجديد الشبابية والديمقراطية السياسية من الدخول في قنوات النظام، ولم يسعَ لإيجاد تغييرات في الطبقة الحاكمة العتيقة، وبدا ذلك في بقاءِ مؤسسة الرئاسة جامدةً وفي طرح مسألة التوريث، مما يجعل النظام يتراجع حتى عن مكاسبه الجمهورية من دون أن يبقي على مكاسب المَلكية القديمة بتنوعها وتعدديتها وثقافتها المفتوحة، فجمع النظامُ سلبيات المَلكية وسلبيات الجمهورية معاً، فكان لابد من صدمةٍ عظيمة كبرى يقومُ بها الشعبُ البسيط ببطولات هائلة.
عجزه الأساسي يتمثل في التحاق مؤسسة الرئاسة بالحزب البيروقراطي ممثل الفئات المسيطرة المتحكمة في الثروة العامة خلال عقود الهيمنة العسكرية الطويلة.
وإذا رفضت مؤسسةُ الرئاسة قبول مطلب المتظاهرين بالتنحي فإن الأفق مفتوح لصراعات غير معلومة خطرة.
وهناك صراعا المشرقِ العربي الإسلامي يحتدمان في مصر: محور الصراع الديني الشمولي، والمحور الليبرالي، وإذا كان المحورُ الثاني مكوناً من فئاتٍ غير واضحة المعالم ومن أحزابٍ صفتْ نفسها ولم تنشئ لها قواعد واسعة وابتعدت عن الصراع كحزب الوفد ومن جماعات شبابية غير متمرسة في العمل السياسي الجماهيري وهو المحور الإيجابي الذي يمكن أن يكون وريثاً إيجابياً لطبقة اهترأت سياسياً، فإن المحور الثاني لديه منظمة الإخوان ذات الشبكة التنظيمية الواسعة والمؤثرة في شبكة المساجد والقوى العامية ذات الفعالية الكبيرة.
والتغيير لو حدث فإنه سيجمع هذين المحورين في سلطة واحدة مضطربة، ليس لها تقاليد النضال التونسي الديمقراطي العلماني الطويل، ومؤسسة الرئاسة رافضةٌ للتنحي ولتكوين طاقم جديد يتولى السلطة كحلٍ عقلاني يجنبُ مصرَ احتدام الصراع بين المحورين إضافة لدخول قوى أخرى عديدة على الساحة.
إن مطالب المحتجين تتوجه إلى الهجوم على الطبقة البيروقراطية المتحكمة في المال العام والمخططة لسير الاقتصاد بحسب مصالحها وليس حسب حاجات الشعب والأجيال الجديدة. ومؤسسة الرئاسة رمز وتتويج لهذه الطبقة.
بطبيعة الحال لن يخرج النظام من العلاقة الوثيقة مع الغرب، وهو أمرٌ مهم لعدم الانزلاق بالحرب والصراع الساخن مع إسرائيل في هذه المرحلة التكوينية، فالفئاتُ الشبابيةُ الوسطى القوية الحراك تتسم بالحداثة وهي تتداخل مع بعض القوى الدينية من دون أن يظهر ذلك بشكل أيديولوجي صارم. وحتى الإخوان يقاربون الحداثةَ والعقلانيةَ على مستويات معينة، ليست غائرةً تماماً في الخطاب الإسلامي لديهم، فهم بعدُ متعلقون بإرثِ الإقطاع في العصر الوسيط، ولم يجددوا ولم يفهموا الإسلامَ بشكلٍ ديمقراطي علماني. ويعوقُ فهمُهم دخولَ مصر في الثورة الديمقراطية والثورة التقنية الصناعية العالمية الجارية، ومن جهة الشباب فإنهم لا يملكون دهاء السياسة وفهم البُنى الرأسمالية المتصارعة في مصر والعالم.
ولهذا فإن مصر تريدُ إدارةً ديمقراطية انفتاحية عصرية تجمع كل هؤلاء الفرقاء وتركز في تجديد الرأسمالية الحكومية النخرة، وتفتح الأفق لتحولات اقتصادية واجتماعية كبرى ذات برنامج طويل مركب.
ولهذا فإن السيد محمد البرادعي هو أفضل الشخصيات التي تستحق تسلم موقع الرئاسة في الوقت الراهن، كمحطة انتقالية، وخاصة بسبب قبوله بالتعددية والحكم الديمقراطي وشروط المعارضة المصرية، ورحابة صدره لكل القوى، وعمله خلال المدة الأخيرة بعد رجوعه في تحريك فئات النضال والعلم الشبابية وتحويلها إلى قوة حراك لعبت دوراً في تفجير الانتفاضة ولكنها ليست ذات جذور تنظيمية وقيادات ذات تاريخ، ولهذا فإنها قد تُبلع من طواقم الدهاء والتجذر في الحكم والتنظيمات القديمة.

صحيفة اخبار الخليج
31 يناير 2011