المنشور

النفاق الاجتماعي


يعرف النفاق في اللغة العربية «هو إظهار الإنسان غير ما يبطن»، وظاهرة النفاق لا تخص شعب بعينه، بل هي موجودة في كل المجتمعات وان قلت هنا وهناك تبقى ظاهرة منتشرة، والنفاق متنوع ومتعدد، يوجد النفاق الدبلوماسي، الاجتماعي، الثقافي، السياسي، وغيره، ولكن في المجتمعات العربية والإسلامية، يختلف عنه في المجتمعات الأخرى، ربما بسبب الدين والعادات والتقاليد المحافظة في تلك المجتمعات، فيأخذ أبعاد أخرى، بالرغم بان المنافق والمنافقين، نوعية واحدة في أي مجتمع كائن، ففي مجتمعاتنا يعرفون المنافقين من أين يسلكون دروبهم، وكيف يؤثرون في الناس البسطاء ويضحكون عليهم، فيدخلون عليهم من خلال معتقداتهم الدينية، وينسجون لهم الحكايات والأقاويل من اجل تحقيق مآربهم ونواياهم السيئة، وان كانت على حساب حقوق هؤلاء البسطاء والبؤساء.
 ربما يقول، قائل، بان المنافق يستطيع أن يضحك على أي إنسان، بغض النظر عن وضعه الاجتماعي والطبقي في المجتمع، فهذا الرأي صحيح ولكن السواد الأعظم، يكونوا من بسطاء الناس، لقلة سطوتهم ونفوذهم في المجتمع، فالتحايل والتلاعب بعقولهم وعواطفهم أسهل للمنافق والمنافقين، ولا سيما الفئة غير المتعلمة أو المثقفة.
 مثلما ذكرت في البدء، المنافقين أنواع وأصناف مختلفة، يعمل كل منهم بطريقته وأسلوبه الخاص من اجل ما يريد، هناك من يريد ان يركب الموجة في الصعود للأعلى لكي يحقق هدفه وغايته، على الطريقة المكافيللية، «الغاية تبرر الوسيلة»، يتعاطى مع هذا التيار السياسي أو ذاك الحزب السياسي، وهو الذي لا يؤمن به ولا بأهدافه ومبادئه، وليس لديه الاستعداد للتضحية والصمود في ظروف الترغيب والترهيب، عندما تحمر العيون اتجاهه من قبل أجهزة الأمن، وهذه النوعية من الأفراد تتكاثر في ظروف الانفراج السياسي، وفئة أخرى تراها تكثر قبل مواعيد الانتخابات النيابية بشهور، من اجل ان تحصل على تزكية ذلك الشخص المؤثر أو صاحب النفوذ والسطوة في الحزب الفلاني أو الجماعة العلانية ليضع اسمه على قائمته الانتخابية، وهو الذي يختلف معه، فانه يطبق المكافيللية، من اجل غايته، لا يهم فيما بعد حقوق ومطالب المواطن، وماذا يعني له الوطن، انتماء، ولاء، المهم انه حقق هدفه، فليذهب الآخرون إلى الجحيم، وهناك صنف من المنافقين في الوسط الاجتماعي، وهم الذين يطلقون عليهم تسمية «أبو وجهين»، يعطيك كلمة، إذا كنت محدثه، وربما يصدق القول معك، ولكنه يبطن لك شيء آخر، فهو اتفق مع آخر في نفس الرأي أو الموضوع الذي أنت بصدده، على حد المثل الشعبي «يعطيك القمر بيد… والشمس بيد أخرى» يعني الكلمة عنده، كلمة حق يراد بها باطل، وهذه النوعية من المنافقين الأكثر انتشاراً في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وفي بلادنا تزداد هذه الفئة من الناس وبالأخص أثناء الانتخابات، هي تبحث عن مصالحها الخاصة، وكيف توظف ما تريد لأهدافها، وهؤلاء الناس قيل عنهم في القرآن الكريم « يُخادعُونَ الله والذينَ آمنُوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرونَ» سورة البقرة آية رقم 9.
 السؤال متى تنتهي هذه الظاهرة من مجتمعنا، اعتقد بأنها لن تنتهي، لأنها موجودة في المجتمعات منذ قرون، وإلا كيف جاء ذكرها في القرآن الكريم، ولكن هذا السلوك الخاطئ والعادة السيئة بالإمكان في البدء التقليل منها، من خلال بث روح التسامح والتعايش في المجتمع، ورفض الكذب والكذابين والمجاملة والمجاملين، والتعود على سلوكيات وأخلاقيات، تكرس في المجتمع مفاهيم الصدق والأمانة، والنزاهة، والشفافية، وقبول الرأي والري الآخر، والابتعاد عن ثقافة التعسف والاضطهاد والظلم الاجتماعي، وهي مهمة مجتمعية يشترك فيها الدولة، المثقفين، ورجال الدين المتنورين، «الأسرة، المدرسة، الجامعة، الحي».
فهل تنتهي ظاهرة النفاق الاجتماعي من بلادنا وتنتشر وتسود ظاهرة الصدق الاجتماعي والمحبة الإنسانية.
 



صحيفة الايام
3 فبراير 2011