المنشور

البحرين والتدارك المستحق!


بألم يعتصر القلب؛ وبقلق يعصف بالذهن ويستثير المشاعر أتابع مأساة البحرين… مأساة الدماء المسالة والقمع الدموي… مأساة الشرخ الطائفي الخطير في صفوف الشعب الواحد الذي عمّقه المتطرفون في السلطة وأججه بعض مَنْ هم في مواقع المعارضة… ومأساة الاستعانة بقوات درع الجزيرة لغير هدف الدفاع عن بلد خليجي تجاه عدوان خارجي، بما يفتح الباب أمام سابقة خطرة لتكرار استخدام هذه القوات ضد الشعب الخليجي عندما يعترض ويطالب بحقوقه في بقية البلدان الستة أعضاء مجلس التعاون… ومأساة إعلان الأحكام العرفية والإفراط في استخدام القوة العنيفة لقمع المحتجين العزّل… ومأساة انحراف البعض بالمطالب العادلة نحو أجندة التطرف غير الواقعي والتعنت غير المسؤول.

والأسوأ أنّ البحرين دخلت نفقا مسدود الأفق، إذ تحوّلت الأزمة السياسية إلى أزمة وطنية عميقة لا يعلم أحد مساراتها الوعرة ومنزلقاتها المحفوفة بالمخاطر وهاويتها السحيقة، ولم يعد ممكنا أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل أن تصل إلى ما وصلته صباح أمس… فأي حوار يمكن الحديث عنه؟…وأي منطق يحكم ما يجري وما يمكن أن يجري؟… وأي صوت عقل يمكن سماعه مع قصف الرصاص وصرخات الألم وعويل الثكالى؟!

وغير هذا، فإنّه بغض النظر عن الجدل الدائر حول مدى سلامة قرار الاستعانة بقوات درع الجزيرة من الجانب القانوني، فإنّ الباب الآن أصبح مفتوحا أمام ما هو أخطر لتوسيع دائرة التدخل العسكري الأجنبي في البحرين، بما في ذلك من الجانب الإيراني تحت مبررات أخرى، وما يمكن أن يؤدي إليه من انتقال مستوى الصراع من حدوده المحلية إلى نطاقه الإقليمي الخليجي الذي لا يستطيع أحد أن يقدّر أبعاده.

وحسنا فعل صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد حفظه اللّه ورعاه عندما اتخذ قراره الحكيم بتجنّب مشاركة الكويت في إجراء غير مسبوق قد تنجم عنه تداعيات بالغة السوء والخطورة.

وإن كان لابد من كلمة تُقال، فإنّ القمع مهما استشرس فإنّه لا يمكن أن يكون حلا للأزمة السياسية المحتدمة في البحرين، فما بالك بالأزمة الوطنية، بل إنّ القمع مثلما كشفت التجارب الملموسة يفاقم الأزمة ويعقّدها ويحول دون إمكانية التوصل إلى حلها… ومن هنا فإنّ السلطة في البحرين قبل المعارضة معنية بالإسراع إلى تدارك الخطأ والبحث عن مخرج وطني, وكذلك فإنّ المعارضة مطالبة بأن تتصرف على نحو مسؤول كمعارضة وطنية وليست معارضة طائفية، وذلك من دون أن تتخلى عن المطالب الشعبية العادلة…
ولا أحسب أنّ هناك طريقا غير ذلك، فمهما طال الوقت أو قصر فإنّ البحرين هي وطن البحرينيين جميعهم، وهي ليست وطن السنّة أو الشيعة، ولا هي وطن آل الخليفة وحدهم أو وطن المعارضة وحدها، وهي بلد صغير، بل متناه الصغر لا يمكن أن يحتمل ما قد يتداعى نحوه الصراع المفتوح وحوار الدم، وإذا لم يتحقق مثل هذا التدارك المستحق للأخطاء فإنّ الجميع سيخسر ولن يكون هناك رابح أو منتصر.
 
عالم اليوم   16 مارس 2011