المنشور

نهاية تراجيدية


مع اقتراب الذكرى العاشرة للهجمات الإرهابية على نيويورك، وبعد مطاردات بوليسية مثيرة وإنفاق أموال طائلة، تمكنت الولايات المتحدة من تتبع أثر ومعرفة مكان اختباء زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، فقامت بإرسال قوة خاصة من قوات الصفوة إلى المنزل الذي كان يختبئ فيه في مدينة آبوت آباد التي لا تبعد سوى بضعة كيلومترات عن العاصمة الباكستانية إسلام أباد، حيث تمكنت من تصفيته جسدياً ومن ثم إلقاء جثته في البحر في عملية لايزال الغموض والأسرار يكتنفانها، ولا تزال الأنباء بشأن العملية سواء من أمريكا أو باكستان أو عواصم أخرى ذات صلة مباشرة وغير مباشرة، تترى وتتوالى تباعاً، ربما بقصد الإمعان في إلقاء مزيد من التشويش والتضليل أكثر منه إماطة اللثام عن حقيقة العملية والأطراف الدولية والإقليمية والمحلية الباكستانية التي أسهمت فيها .
 
فهل كانت عملية الاغتيال عملية أمريكية – باكستانية مشتركة؟ أم أنها كانت عملية محض أمريكية اكتفت واشنطن فيها بالحصول على دعم معلوماتي ولوجستي من بعض المحسوبين عليها في أجهزة الأمن الباكستانية؟ ولماذا لم تعمد القوة الأمريكية الخاصة إلى أسر ابن لادن بدلاً من تصفيته وقد تبين أن أسره كان متاحاً تماماً على الأقل بحسب المعلومات المتسربة حتى تاريخه .
 
تفاصيل كثيرة ربما يتم تسريب بعضها في القادم من الأيام فيما سيبقى بعضها الآخر سراً دفيناً ربما إلى الأبد .
 
هكذا إذاً يكون قد أسدل الستار على أسامة بن لادن في تجربة حظه لشن حرب ضد الولايات المتحدة اعتباراً من مطلع تسعينات القرن الماضي، بعد أن تيقن هو ومجموعته التي كانت ساعدت الولايات المتحدة بالتضحية بأرواحها لإخراج الاتحاد السوفييتي من افغانستان، بعد أن تيقن من تخلي الولايات المتحدة عنه وعن أنصاره في أعقاب مساعدتهم في إنجاز “المهمة” بل الانقلاب عليهم مخابراتياً وتعقبهم أمنياً بالتعاون مع أجهزة عدة من المخابرات العالمية باعتبارهم إرهابيين خطرين .
 
فكان رد زعماء ما سمي بالجهاد الأفغاني وفي مقدمتهم أسامة بن لادن على ما اعتبروه خيانة أمريكية لهم هو إعلان الحرب ضد الولايات المتحدة .
 
ولم يتردد ابن لادن في استدعاء الموروث الديني الجهادي والدفع به وسيلة مثلى لاستقطاب الشباب والزج بهم في المعركة “المقدسة” ضد “الصليبيين الكفرة”، فكان أن ذهب ضحية معركة تصفية الحسابات هذه بين حلفاء الأمس، مئات الآلاف من الأبرياء في جميع أنحاء العالم، وحول هذا الصراع إلى مبرر للولايات المتحدة كي تمارس عملية استباحة عسكرية لأفغانستان والعراق . ورغم تمكن ابن لادن ومعاونيه من تفريخ فروع صغيرة لتنظيم القاعدة في عدد من البلدان العربية والإسلامية والغربية سرعان ما انخرطت في طاحونة تلك الحرب بين ضدين غير إنسانيين، إلا أن الكفة بينهما لم تكن متكافئة بطبيعة الحال، وهو ما اضطر قائد الطرف الأضعف في تلك الحرب، (أسامة بن لادن)، إلى الانكفاء والتخفي والعجز عن مزاولة مهامه القيادية وإنما الاكتفاء بتسريب أشرطة فيديو أو كاسيت يطل من خلالها على جمهوره على فترات متباعدة ومتقطعة، فكان أن حكم على نفسه بالانزواء بعيداً عن ميادين الصراع والعودة لمزاولة حياته الأسرية، حيث عاش، كما كشفت التغطيات الأخبارية لوقائع ما بعد مقتله، في منزل من ثلاثة أدوار مع زوجاته الثلاث وثلاثة عشر من أبنائه في إحدى ضواحي العاصمة الباكستانية العسكرية الرئيسية للجيش الباكستاني، حتى ليخيل للمرء أنه أمام رجل شبه متقاعد “جهادياً” يعيش منذ خمس سنوات حياة هادئة لا يعكر صفوها أزيز الرصاص ودوي انفجارات القنابل والصواريخ وكل ما يتصل عادة بأجواء جبهات القتال، كما كان متوقعاً من زعيم لتنظيم يعتمد الكفاح المسلح أسلوباً وحيداً لتحقيق أهدافه .
 
لعل اتضاح حقيقة الوضع المعيشي والأسري الطبيعي الذي كان يحياه زعيم تنظيم القاعدة وعدم قيام رجاله بتوفير حماية كافية له ضد أي هجوم محتمل، والنهاية التي انتهت إليها مطاردة الأمريكيين له على طريقتهم البوليسية (الهوليوودية) بتصفيته جسدياً، تزيل الغشاوة عن الكثيرين من الشباب المغرر بهم .

20 مايو 2011