المنشور

حول إشكالية -الربيع العربي- … إجابات موجزة متداخلة لأسئلة الحوار المتمدن


لم تكن مشاركة التنظيمات اليسارية العربية ضعيفة لوحدها فحسب، في حركة البركان العربيّ الفجائيّ العفويّ المعاصر-الحالي وغير المسبوق- بل ان الضعف والهوان ذاته كان سمة القوى الحداثية والعصرية من قومية ووطنية وليبرالية! .
 
ولعل اسباب ذلك عديدة ومتناقضة – موضوعية وذاتية- منها ما جاء في سؤالكم الثاني من ان الاستبداد العربي المزمن المتمثل في انظمة عربية تسلطية لم تترك فسحة وفرصة امام تلك القوى للحراك الحداثي الحرّ – سياسيا تنظيميا وفكريا- في حين ترك العنان للقوي التقليدية المحافظة-الاسلاموية- لملء الفراغ، الامر الذي تجسد في ان تحصد القوي تلك بالذات الثمرات الاولى (فوزها البيّن في الانتخابات) لنضال المنتفضين في ساحة ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي. وتجني ثمار ما زرعته الانظمة المستبدة لعدة عقود! على ان المسألة ومآل الامور هي اكثر تعقيدا من هذه اللوحة المبسطة المطروحة، في رأينا اعلاه، التى لا تعدو ان تكون اكثر من متلازمة بديهية، بسبب تدني الوعي الاجتماعي -الطبقي خاصة- في قاع المجتمعات العربية وتفشي الغيبيات، بل حتى التصورات الخرافية- ماقبل الدينية- ليس في اذهان العوام من بسطاء القوم فحسب ولكن ايضا لدى قطاعات واسعة من الاخصائيين والمتعلمين، في وقتٍ تملك قوى تيار الاسلام السياسي النفوذ المالي والهيمنة المعنوية- الروحية- المتواصلة مع الناس من خلال دور العبادة وجمعياتها الخيرية، المنتشرة كالفطر. بجانب عدم شرذمة شيَعها واتباعها، كما هو حال القوى الحداثية (اليساريين واليمينيين- الليبراليين)، المتسمة بالفرقة والهوان والنخبوية .

اما دور قوى المجتمع المدني- المعدومة اصلا او الكليلة في افضل الحالات- لم تكن افضل حالا من القوى السياسية، عدا الحالة التونسية الحمّالة لحركة نقابية ونسوية نشطة.. ومن هنا يجب ان ندرك ريادة الشرارة التونسية في اشعال لهيب ثورة عربية معاصرة عارمة متوالية، لم نرَ لها مثيل من قبل في مجمل مسيرة التاريخ العربي القديم والحديث!

من المهم الآن فهم هذه الظاهرة “المعجزة”: استيقاظ المارد العربي من سباته التاريخي العميق! … ولماذا الآن؟! … وكيفية التعامل الامثل مع الحدث العظيم لاستثماره في وأد الاستبداد ونزع مخالبه- الظاهرة والمبطنة- المركونة على القوى الطفيلية والرجعية في الداخل (قوى الثورة المضادة) والمتآمرين الاقليميين (الرجعية العربية) والغربيين. بالاضافة الى مواصلة النضال الدؤوب، الذي لا هوادة فيه، لتشييد مجتمع مدني معاصر مؤسساتي-تعددي وتداولي- من خلال الدور التاريخي الملقاة اليوم على أكتاف قوى التقدم والعصرنة العربية، في ضرورة العمل المشترك والانسجام العملي والمرحلي فيما بينها، بالرغم من الخلافات الايدلوجية المتعلقة بالمرحلة المستقبلية. بجانب الاهمية في إدراكها-علميا- مهام المرحلة التاريخية الحالية ومتطلباتها في طرح برامج واقعية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. والابتعاد عن “الشعاراتية” القاتلة غير المنسجمة مع الواقع الموضوعي لدنيا العرب، من ناحية التركيبة الطبقية والوعي الاجتماعي وتوازن القوى..الخ. والنأي عن السياسات الانعزالية المتأتية من القوى غير العقلانية، الجانحة نحو التطرف اليساري الانغلاقي او التبعية اليمينية الهلامية.

أما حول الأسئلة المتعلقة بموضوعيّ الشباب و”القيادات الشابة”!؟ ودور المراة وحقوقها.. فأعتقد أن لهذه الاخيرة دورا كبيرا ومحوريا في توصيل الثورات الى مبتغاها المأمول. بجانب ان قضية المرأة الاساس (المساواة الجنسوية التامة) هي بمثابة الفيصل في دكّ المنهاج الرجعي للسلفية “الاسلاموية” وبطلان ادعاءاتهم من انهم مع حق المراة! وفي هذا السياق لابد أن تكون المقارعة العلمية والتعامل المُركّب سمة التكتيك السليم مع حركة الاسلام السياسي، المركونة هي ايضا على حركة التاريخ الموضوعية، الأمر الذي تكون فيه “الانتليجنسيا” الاسلامية مجبرة على قبول امور لا توجد في حسبانها الآن! وقد تتمخض اجتهاداتها لتصل الى بروز تيار قريب من “الاسلام التنويري” ومريديها العظام في مستهل القرن العشرين أمثال الفقيه “حسين عبد الزراق” وغيره .. وربما سينقسم الاسلاميون ايضا بين اسلاميّ يمينيّ متزمّت واسلاميّ يساريّ منفتح! من يدري ما سيكون في دولاب الزمان؟!

كما ان دور الشباب في الحراك الجماهيري واضح لا تخطئه العين، ولابد ان تفسح التنظيمات التقدمية المجال لتأهيل الشباب للصفوف القيادية.. فعلى حد تعبير” لينين” ان من ملك الشباب ملك العالم! غير ان “لينين” نفسه يفيدنا انه لا توجد مشكلة الأجيال (المفتعلة) في خضم العمل الثوري، الذي يتطلب – دياليكتيكيا- انسجام الاثنين معا، دون فصل تعسفيّ: خبرة المخضرمين ( حتى الكهول) وحماسة الشباب!

حول السؤال عن ضرورة الاستخدام الامثل والانجع لأدوات التواصل الاجتماعي في العالم الافتراضي من قِبَل السياسيين والحراكيين؟! فالحقيقة إني ضعيفٌ وغير فعّال في الاستخدامات العديدة المتوفرة في أدوات التواصل المذكورة، ولهذا السبب لا يمكني أن أفتي في شيء لا اعرفه تمام المعرفة!

وأخيرا أهنئ الزملاء الكتاب.. والرفاق والاخوة الاعزاء في الطاقم الإداري لموقعنا الأثير : “الحوار المتمدن”، في عيده العاشر.. متمنيا لهم دوام النجاح والتقدم المضطرد في نضالهم الإعلامي والفكري المتميز، كون الموقع : يساريّ الهوى وتقدميّ النزعة، الأمر الذي لا يكون دائما من السهولة بمكان في ان يفلح كل عنصر في الطاقم المذكور من النأي عن مشاعره الشخصية في هذه المسالة ان تلك او تجاه هذا الكاتب او ذاك! نعم على الصعيد المهني – نظريا- نسعي نحو الكمال ولكن –عمليا- قد ننقاد للنفْس الأمّارة بالسوء! … ودمتم جميعا للنضال المشترك من أجل غدٍ انسانيّ أفضل.
 
 
موقع الحوار المتمدن
22 ديسمبر 2011