المنشور

ديمقراطية الدومينو – فواز الشروقي


صحت بصاحبي: «لماذا صفعت ابنك الصغير ذا السبعة أعوام؟».
قال لي: «ألم ترَ ما الذي كان يفعله؟ لقد كان يلعب الدومينو».
قلت له: «وما الضير في أن يلعب الدومينو؟ ولم كلّ هذا الانفعال؟».
قال: «لقد كان يضع قطع الدومينو بشكل متسلسل وبخطوط مستوية ومتعرّجة، وبدفعه للقطعة الأولى تتساقط القطع كلّها متتابعة».
ازدادت حيرتي وقلت له: «ابنك مبدع إذن. إنّ طفلاً عمره لا يتجاوز السبع سنوات ويتمكّن من إعداد هذه اللوحة الجميلة وهذا الترتيب المتقن هو في قّمة الذكاء والإبداع».
قال: «بل إنّه في قمّة الدهاء والمكر، وقمّة الاستغلالية والاستبداد، وقمّة الاستغفال واستلاب الإرادات. هل تسمّي ذلك ذكاء وإبداعاً». لم أعلّق على كلامه من هول المفاجأة، فبادر قائلاً: «ألا تريدني أن أقلق وأنا أرى ابني ذا السبعة أعوام بدفعه قطعة واحد يُسقط جميع القطع، فكيف سيصنع حينما يصبح عمره ثلاثين عاماً ويصبح خطيب جامع أو داعية على منبر، ألن يتعامل مع الجماهير كما يتعامل اليوم مع قطع الدومينو؟ ألن يسيّر هذه الجموع بفتوى دينية أو توجيه يدّعي استقاءه من السماء؟ ألن يكون ابني مهيأ لتسيير جموع الناس كالقطيع دون أن يكون لهم رأي أو إرادة أو اعتراض مثلما هي قطع الدومينو؟». وأضاف والحسرة بادية على وجهه: «بلدنا اليوم مثل رقعة الدومينو، آلاف من القطع الجامدة الصمّاء تنتظر أن تسقط القطعة الأولى حتى تكرّ كلّها لتشكّل صورة لا تريدها هي ولكن يريدها صاحب الرقعة، فكيف يمكن أن تنجح الديمقراطية في وسط مجتمع ليس هناك فرق بين أفراده وبين قطع الدومينو؟ هؤلاء تسيّرهم فتوى وهؤلاء تسقطهم دفعة إصبع».
قلت له: «وما الذي يجعل الناس كقطع الدومينو؟». ردّ عليّ : «الناس تجمّدت وتحجّرت. خوفهم من النّار ومن العقاب جمّدهم، وصاروا كالكتل الصمّاء، كحبّات الدومينو في يد رجال الدين. صار تصويتهم في الانتخابات بأمر ربّاني وامتناعهم بنهي ربّاني وخروجهم لمظاهرة بأمر ربّاني ورجوعهم إلى البيت بتوجيه ربّاني، فهل نرجو خيراً من ديمقراطية الدومينو هذه؟».
هممت بمغادرة منزل صاحبي من غير وداع، وسرحت في كلامه وأنا أفتح الباب، ولم يقطع سرحاني سوى صوت صفعة جديدة وصراخ صاحبي: «قلت لك يا الكلب دومينو لا يعني لا».
 
الكاتب فواز الشروقي
كاتب بحريني 
  الأيام 31 يناير 2012