المنشور

المأجور لا يخلق فناً ومن يتلقى الأوامر لا يبدع


نقول لكل من يتهم الحراك الشعبي في البحرين بالعمالة وتنفيذ أجندات خارجية مدفوعة الثمن، إن المأجور لا يخلق فناً، وإن من يتلقى الأوامر لا يبدع، وإن من يباع ويشترى لا يمكن له أن يسمو بمشاعره ليستحوذ على مشاعر الآخرين.

في الشهور الماضية انطلقت إبداعات العديد من أبناء البحرين من شعراء ورسامين وموسيقيين ومنشدين وإعلاميين حتى فاق إنتاجهم الفني أضعاف ما كانوا يقدمونه عادةً في سنوات، ليس من ناحية الكم فقط ولكن حتى من ناحية الجودة، فدائماً ما تكون المآسي دافعاً للإبداع والتألق كما تشهد بذلك تواريخ الشعوب والأمم.
لقد ظهرت خلال هذه الفترة العديد من الأناشيد الوطنية والقصائد الشعرية واللوحات الفنية وحتى رسوم الكاريكاتير التي تحكي وتؤرخ ما حدث بشكل فني راق، لتبقى إرثاً يتغنى به الناس وتحفظه الأجيال المقبلة.

في زمن قانون «أمن الدولة»، كان الفن والأدب الوطني الصادق محاربين، فلن تجد في مكتبات البحرين دواوين سعيد العويناتي أو مظفر النواب أو حتى روايات مكسيم غوركي، كما لن تجد في محلات التسجيلات الصوتية أمسيات محمود درويش أو أغاني مارسيل خليفة.

بل أن أياً من هذه الدواوين أو الأشرطة كان يمكن أن تكون مستمسكاً يفضي بصاحبه إلى السجن لمدة ثلاث سنوات دون محاكمة، ولذلك كان يتم تبادل الكتب والأشرطة في الخفاء بين الأصدقاء، وتُدفن في الأرض أو تُحرق، في حالة المداهمات الأمنية للنشطاء السياسيين.

لقد عرف الرقيب في تلك الأيام سحر الكلمة وتأثير الفن على الناس، ولذلك قام بمنع الكتب من الدخول إلى البحرين، لكن هذا الرقيب لا يستطيع الآن في زمن الفضاء المفتوح والانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي الواسعة النطاق، أن يراقب ويمنع ويجيز على هواه.

لكل فترةٍ من تاريخ الشعوب طعمها الخاص، الذي ينعكس بصورةٍ أو بأخرى على نتاجها الفني والأدبي، فإن كانت فترة رخاء وسلام، كان الفن مشرقاً وزاهياً، وإن كانت فترة ألم وحرمان أصبح حزيناً وصارخاً ومتمرداً.

كما أن لكل شعب من شعوب العالم تاريخه الخاص، بما في ذلك من أفراح وأحزان، وعمل وكفاح من أجل التنمية والعدالة الاجتماعية والعدل والحرية والمساواة.
هذا التاريخ يظهر من خلال إبداعات أبنائه المخلصين الذين يحملون هموم وطنهم وآلام مواطنيهم، ويعبّرون بصدقٍ عن آمال شعوبهم وتطلعاتهم.

ولذلك يكفي أن نقول إن أكبر دليل على وطنية أبناء البحرين وأحقية مطالبهم… هو هذه القدرة الكبيرة على إسماع صوتهم للعالم في هذا الطبق الجميل من الإبداع.


صحيفة الوسط البحرينية – 10 فبراير 2012م